فضح أمر اللورد ستانسفورد

كان القصر الكبير للويس هيكل، المليونير الذي يُتاجر في مناجم الذهب، تغمرُه الأضواء من أعلاه إلى أسفله. ظلَّت العرَبات تَفِدُ إليه وتُغادره، وكان الضيوف يُسرعون على الدرَج المفروش بالسجَّاد بعد مرورِهم أسفلَ المظلَّة التي امتدَّت من المدخل إلى حافة الشارع. واحتشد جمعٌ على الرصيف ليشهَدوا وصول السيدات الرافلات في ملابسَ أنيقة. جاء اللورد ستانسفورد بمفرَدِه في عربة هنسومية، ومشى مسرعًا على قطعة السجاد الممتدةِ إلى الطريق، ثم هدَّأ وتيرةَ مشيه وهو يصعد الدرَج العريض. كان شابًّا رياضيًّا في السادسة والعشرين من عمره أو نحو ذلك. وما إن دخل غرفة الاستقبال الفسيحةَ حتى أجال نظرَه في الجمع الرفيع المستوى، وبدا أنه يبحث عن شخصٍ ما ولا يجدُه. دخل غرفة ثانية، ثم ثالثةً التقَت فيها عيناه المحدقتان الباحثتان بعينَيْ بيلي هيكل اللتَين ردَّتا تحديقه بمِثله. كان هيكل شابًّا في نفس سنِّ اللورد ستانسفورد تقريبًا، وبدا أنه هو الآخر يبحث عن شخصٍ ما بين الضيوف الوافدين. وما إن وقعَت عيناه على اللورد ستانسفورد حتى علا جبينَه تقطيبٌ طفيف، وتحرَّك بين الجمع قاصدًا إياه. رآه ستانسفورد مقبلًا عليه، فلم يَبدُ عليه الحبورُ الذي قد يكون متوقَّعًا، ومع ذلك لم يسعَ لتجنُّب الشابِّ الذي بدَأَه بالكلام بلا تحيَّة.

قال هيكل في فظاظة: «اسمع، أريد التحدُّث معك.»

رد ستانسفورد بصوتٍ خفيض: «حسنًا، أنا مستعدٌّ لسماعك ما دمتَ ستتحدث بصوتٍ لا يسمعُه الآخَرون.»

رد الآخر الذي خفَضَ صوتَه مستجيبًا لطلبه: «بل ستستمع إليَّ على أي حال.» ثم واصل: «التقيتُ بك في مناسباتٍ عديدة مؤخرًا، وأودُّ أن أُحذرك. فأنت تبدو مهتمًّا بشدة بالآنسة ليندرهام، ويبدو أنك لا تعلم أنها مخطوبةٌ لي.»

قال اللورد ستانسفورد: «سمعت بذلك، لكني أجدُ بعض الصعوبة في تصديقِه.»

صاح الشابُّ القوي: «اسمع، لن أتقبَّلَ وقاحتك، وإذا تماديتَ في الاهتمام بهذه الفتاة فسأفضحُك على رءوس الأشهاد، ومَن أنذرَ فقد أعذَر. أنا أعني ما أقول، ولن أتحمل أيًّا من ترهاتك.»

شحب وجه اللورد ستانسفورد ونظر حوله ليرى ما إذا كان أيُّ شخص قد سمع ما قيل له. وبدا موشكًا على إبداء الامتعاض، لكنه استعاد السيطرة على زِمام نفسه وقال:

«نحن في منزل والدك يا سيد هيكل؛ لذا أمكَنَك أن تقولَ شيئًا كهذا لي!»

رد هيكل: «أعلم أنَّ باستطاعتي قولَ ذلك، وفي أي مكان.» ثم أردف: «لقد أسديتُ لك نصيحة مباشرةً، وأريد الآن أن أراك تُنفذها.»

مشى هيكل، ووقف اللورد ستانسفورد مكانه للحظة، ثم عاد إلى الغرفة الوُسطى. كانت المحادثة قد جرَت بالقرب بعضَ الشيء من نافذةٍ مغطَّاة بالستائر، وكان الرجلان يقفان على مسافة بعيدة بعض الشيء من باقي الضيوف. وعندما غادرا مكانَهما أُزيحت الستائر برفق، ومرت من بينها شابةٌ طويلة القامة شديدة الجمال. شاهدت اللورد ستانسفورد يُغادر للحظة، وهمَّت بالذَّهاب في أثره، لكنَّ أحد معجبيها أتى إليها وطلب منها أن ترقص معه الرقصة الأولى. قال: «لقد بدأ عزف الموسيقى في غرفة الرقص.» فوضعت يدها على ذراع رفيقها وخرجَت معه.

عندما انتهت الرقصة، اندهشت لرؤية اللورد ستانسفورد لم يزل في الغرفة. توقعَت منه أن يُغادر بعد أن تحدَّث إليه ابنُ مضيفه على هذا النحو المهين، لكنه لم ينصرف. بدا مستمتعًا لدرجة كبيرة، ورقص كلَّ الرقصات بحماس بالغ، وهو ما أزعج الكثيرَ من الشباب الذين استندوا إلى الجدران، ومع ذلك لم يقترب من الآنسة ليندرهام ولو مرةً واحدة قبل أن ينقضي معظم الأمسية، ثم مر بجوارها بالمصادفة. لمست ذراعَه بمروحتها، فالتفت إليها بسرعة.

وقال لها: «كيف أنتِ يا آنسة ليندرهام؟»

سألته وهي تنظر إليه بعينَين ملتمعتين: «لماذا تجاهلتَني طَوال الأمسية؟»

أجابها ببعض الحرج: «لم أتجاهَلْك، بل لم أعلم بوجودك هنا.»

قالت ضاحكة: «أوه، هذا أسوأُ من التجاهل، لكن ها أنت قد علمتَ بوجودي، وأود منك أن تأخذني إلى الحديقة. فالحرارة هنا أصبحَت لا تُطاق.»

احمرَّ وجه الشاب وقال: «نعم، الجو دافئ.»

لم يخفَ عليها تردُّده، لكنها أمسكت بذراعه على أي حال، ومرَّا بعدة غرف حتى وصلا إلى الشرفة المواجِهة للحديقة. وبدت عينا اللورد ستانسفورد القلقتان تُفتشان الغُرفَ التي مرَّا بها، ولما التقَتَا بعينَي بيلي هيكل من جديد سرَت فيه رِعدةٌ خفيفة وهو يرافق الآنسة ليندرهام. تساءلت الآنسةُ عن السر الكامن وراء كلِّ ذلك، ودفعها فضولها الأنثوي لمحاولة اكتشافه، حتى إن اضطُرَّت إلى سؤال اللورد ستانسفورد نفسِه. تهادَيَا في أحد الممرات حتى وصلا إلى مقعدٍ بعيد عن المنزل. وسرَت الموسيقى إليهما ضعيفةً من النوافذ المفتوحة. جلسَت الآنسة ليندرهام وأشارت إلى اللورد ستانسفورد ليجلس بجانبها. وقالت بعد أن التفتت بوجهها الجميل إليه: «والآن أخبرني لماذا كنت تتجنَّبُني طوال الأمسية؟»

قال: «لم أتجنَّبْك.»

قالت: «كلا، لا يجب أن تُعارض سيدة، أنت تعرف ذلك. أريد معرفةَ السبب، السبب الحقيقي، دون أعذار.»

وقبل أن يردَّ الشاب، جاء بيلي هيكل عبر الممر وواجَههما وفي وجهه توردٌ بفعل النبيذ أو الغضب أو ربما كليهما.

وصاح: «لقد حذَّرتك.»

وقف اللورد ستانسفورد، ووقفت الآنسة ليندرهام أيضًا وأخذت تنظر ببعض الفزع إلى الشابَّين.

قال اللورد بسرعة: «توقَّف للحظة يا هيكل، لا تنبس بكلمة، وسألتقي بك أينما تُريد في وقتٍ لاحق.»

أجاب هيكل: «لا يناسبني أيُّ وقت لاحق.» ثم أردف: «لقد نصحتك، لكنك لم تستمع.»

قال ستانسفورد بصوت خفيض مرتعد: «أتوسل إليك أن تتذكر أنَّ هناك سيدةً معنا.»

التفتت الآنسة ليندرهام لتنصرف.

صاح هيكل: «توقَّفي لحظة، هل تعرفين مَن يكون هذا الرجل؟»

توقفت الآنسة ليندرهام لكنها لم تردَّ.

قال هيكل: «سأخبرك مَن يكون، إنه ضيف مستأجَر. والدي يدفع خمسةَ جنيهات نظيرَ حضورِه هنا الليلة، ولقد كان مستأجَرًا للحضور في أيِّ مكان التقيتِ به فيه. هذا هو اللورد ستانسفورد. لقد قلتُ لكَ إني سأفضحك. والآن سأخبر الآخرين.»

شحب وجه اللورد ستانسفورد حتى أصبح في بياض الورق. وصرَّ أسنانه، وخطا خطوة سريعة إلى الأمام، ووجَّه إلى غريمه ضربةً استقرت بين عينَيه وطرَحَته أرضًا.

صاح فيه: «يا لك من وغد!» ثم أضاف: «انهض وإلا سأركلُك، ولو أنبت نفسي على ذلك فيما بعد.»

نهض الشاب هيكل وهو يُطلق سبابًا مكتومًا.

وصاح: «سأنتصف منك، يا صاح، سأستدعي شرطيًّا. وستقضي ما تبقى من هذه الليلة في السجن.»

أجاب اللورد ستانسفورد: «لن يحدث ذلك»، وأمسكه من معصميه بقبضتين محكَمَتين. ثم قال: «اسمعني الآن يا بيلي هيكل: أنت تشعر بضغط قبضتي على معصميك، ولقد شعر وجهُك بأثرِ ضربتي، أليس كذلك؟ والآن ادخل إلى المنزل من أي مدخل خلفي، وتوجَّه إلى غرفتك، واغسل الدمَ عن وجهك، وامكث هناك، وإلا أُقسم بالرب أن أكسرَ معصميك وأنت واقفٌ هنا»، ثم ضغط على المعصمين أكثرَ حتى جعل هيكل يفزع من شدة الألم رغم ضخامة بدَنِه.

قال هيكل: «أعِدُك بذلك.»

قال ستانسفورد: «جيد جدًّا، فلتفِ بوعدك إذن.»

انسلَّ الشاب هيكل مبتعدًا، والتفت اللورد ستانسفورد إلى الآنسة لندرهام التي وقفت تنظر وقد ألجم لسانَها الرعبُ والمفاجأة.

صاحت وشفتها السفلى ترتجف: «يا لك من متوحش!»

رد بهدوء: «نعم.» ثم أردف: «معظمنا نحن الرجالَ يُخفي وراء مظهره الخارجيِّ وحشًا. لم لا تَجلسين يا آنسة ليندرهام؟ لا حاجة الآن إلى الإجابة عن السؤال الذي طرَحتِه عليَّ؛ فالواقعة التي شَهِدتِها والكلامُ الذي سَمعتِه هما الإجابة.»

لم تجلس الشابة، بل وقفت تنظر إليه، وقد هدَأَت نظرةُ عينيها قليلًا.

وصاحت: «الأمر صحيح إذن؟»

قال: «أي أمر؟»

قالت: «أنك ضيفٌ مستأجَر هنا؟»

أجابها: «نعم، هذا صحيح.»

سألت: «لماذا طرحتَه أرضًا إذن إذا كان ذلك صحيحًا؟»

قال: «لأنه قال الحقيقةَ أمامك.»

قالت: «أتمنى يا لورد ستانسفورد ألا يكون قصدك أنني المتسبِّبة بأي نحوٍ في همجيتك؟»

قال: «أنتِ كذلك حقًّا، وبأكثرَ مِن نحوٍ. هذا الشابُّ هدَّدني عندما وصلتُ إلى هنا اليوم لمعرفته أنِّي ضيفٌ استأجره أبوه، ولم أُرِد لذلك أن ينكشف؛ لذا تجنبتُك. وأنت تحدثتِ إليَّ، وطلبتِ مني اصطحابَكِ إلى هنا. فجئت وأنا أعلم أن هيكل سيُنفِّذ تهديده إذا رآني. وها قد نفَّذه، وسعدتُ أنا بطرحه أرضًا.»

جلسَت الآنسة ليندرهام في مقعدها، وأشارت إليه بمروحتها مجددًا ليجلس بجانبها.

وقالت: «إذن أنت تتقاضى خمسة جنيهات في الليلة نظيرَ الحضور إلى الأماكن المختلفة التي التقيتُ بك فيها؟»

قال ستانسفورد: «بل أتقاضى جُنيهَين فقط. أعتقد أن الثلاثة الأخرى — لو كان هناك مَن يدفعها — يأخذها مَن يطلبونني.»

قالت: «كنتُ أعتقد أن السيد هيكل هو مَن طلبك الليلة؟»

قال: «أعني أن الشركة التي تُرسلني إليه هي التي تتقاضاها، شركة سبنك آند كومباني. إن رقم هاتفها هو ١٠٠٨٠٣. إذا أردتِ يومًا ضيفًا مناسبًا لأيِّ فعالية تُقيمينها ولم تَجِدي رجالًا فما عليك إلا الاتصالُ بهم، وسيُرسلونني إليكِ.»

قالت الآنسة ليندرهام وهي تنقر ركبتها بالمروحة: «أوه، فهمت.»

قال ستانسفورد: «إحقاقًا لحقِّ زملائي، ينبغي أن أقول إنهم جميعًا رجالٌ لَبِقون، لكنَّ الكثير منهم يُمكن استئجارهم نظيرَ جنيهٍ واحد. أما أنا فأجري أعلى لأنَّ لي لقَبًا. كثيرًا ما أحاول إقناعَ نفسي بأن تصرفي الراقيَ المبجَّل هو ما رفع أجري، لكن بعد ما قُلتِه عن وحشيتي الليلة، أخشى أن السبب هو اللقب الذي أحملُه. فنحن الأرستقراطيِّين أجرُنا عالٍ، كما تعرفين.»

ساد الصمتُ بينهما بضع لحظات، ثم رفعت الفتاةُ وجهها إليه وقالت:

«ألا تخجل من مهنتك يا لورد ستانسفورد؟»

أجابها: «بلى، أخجلُ منها.»

قالت: «لماذا تمتهنها إذن؟»

أجابها: «لماذا يلجأ الرجلُ إلى كَنْس الميادين؟ الحاجة إلى المال. لا بد للمرء من المال، كما تعرفين، ليتدبَّرَ أمره في هذا العالم، وأنا، للأسف، ليس لديَّ أيٌّ منه. كان لديَّ القليل قبل ذلك، وأردت أن أجنيَ المزيد، فقامرتُ وخسرت. ثم تواريتُ عن الأنظار عدة سنوات ولم ألتقِ بأيٍّ من معارفي القدامى، لكن ذلك لم يُجدِ نفعًا، ولم أجد مَن ألجأ إليه. هذه المهنة، إن جازت تسميتُها بذلك، أعادت إليَّ وضعي السابق. صحيحٌ أن العديد من المنازل التي كنتُ أتردد عليها لا تستأجر الضيوف. لكن الطلب عليَّ أكبرُ من جانب مُحْدَثي النعمة، مثل هيكل هذا الذي لا يعرف لا هو ولا نجلُه الموقَّر كيف يكون التعامل مع أي ضيف، ولو كان ضيفًا مستأجَرًا.»

قالت الآنسة ليندرهام: «لكني أعتقد أنَّ رجلًا مثلك كان من الممكن أن يذهب إلى جنوب أفريقيا أو أستراليا حيث هناك الكثيرُ من الأشياء العظيمة التي يمكن فِعلُها. أتخيل مما استنبطتُه عن شخصيتك أنك تصلحُ كمقاتلٍ بارع. لم لا تذهب إلى حيث يُعتبر القتالُ محلَّ تقدير، ولا تُستدعى الشرطة إذا نَشب؟»

قال لها: «فكَّرت في ذلك كثيرًا يا آنسة ليندرهام، لكن ليحصلَ المرءُ على مقابلة، فالأمر يتطلب بعض النفوذ ويتطلب النجاحَ في عددٍ من الاختبارات، وأنا لا يمكنني النجاحُ في أي اختبار. لقد تعاركت مع كلِّ مَن أعرفهم، وليس لدي أيُّ نفوذ. بصراحة أنا أدَّخر المالَ الآن على أمل السفر إلى رأس الرجاء الصالح.»

قالت: «لكني أفترضُ أنك تُفضِّل البقاء في لندن، أليس كذلك؟»

أجابها: «بلى، هذا إن كان لديَّ دخلٌ كافٍ.»

قالت له: «هل أنت مستعد لِقَبول عرضٍ عادل؟»

سألها: «ماذا تعنين بعرضٍ عادل؟»

قالت: «هل ستُرحب بعرضٍ في نفس مجال عملك الحالي وبأجرٍ أكبر؟»

جلس الشاب صامتًا بضع لحظات ولم ينظر إلى رفيقته. وعندما تحدث أخيرًا كان في صوته بعضُ الاستياء.

قال: «ظننتُكِ يا آنسة ليندرهام رأيتِ أني لستُ فخورًا جدًّا بمهنتي الحاليَّة.»

قالت: «نعم، لكن الرجل قد يفعل أيَّ شيء من أجل المال، كما قلتَ.»

رد عليها: «اعذريني على مُعارضتك مرة أخرى، لكني لم أقل أيَّ شيء من هذا النوع قط.»

قالت: «ظننتُك قلتَ ذلك عندما كنت تتحدث عن كنس الميادين، لكن لا تقلق، أعرف سيدةً لديها الكثير من المال، إنها فنانة، أو على الأقل تظنُّ نفسها كذلك، وتود تكريس حياتها للفن. وكثيرًا ما تزعجها عروض الزواج، وهي تعرف أن السبب الأساسي في انهمار هذه العروض عليها هو مالها. والآن تريد هذه السيدةُ الزواجَ من رجل، وستعطيه ألفَيْ جنيه في العام. هل أنت مستعدٌّ لِقَبول عرضٍ كهذا إذا رتَّبتُ ذلك لك؟»

أجابها: «هذا يعتمد كثيرًا على هذه السيدة.»

قالت: «أوه، كلا، هذا ليس صحيحًا؛ فلن تكون لك صلةٌ بها البتَّة، ستكون زوجَها المستأجَر فحَسْب. إنها تريد تكريسَ نفسِها للرسم وليس لك، ألا تفهمُ ذلك؟ وما دمتَ ستتجنَّب إزعاجها يُمكنك الاستمتاع بالألفي جنيهٍ كلَّ عام. قد تُضطَر إلى الظهور في بعض حفلات الاستقبال التي ستُقيمها، ولا شك لديَّ في أنها ستُضيف لأجرك خمسة جنيهات عن كلِّ أمسية تحضرها. سيكون ذلك دخلًا إضافيًّا، كما ترى.»

ساد صمتٌ طويل بينهما بعدما توقَّفت ماجي ليندرهام عن الحديث. ركَل الشاب الحصى بقَدمِه، وركَّز عينيه على المسار الممتد أمامَه. خاطبت الآنسة ليندرهام نفسَها قائلة: «إنه يفكر في الأمر.» وفي النهاية، رفع اللورد ستانسفورد رأسه متنهدًا.

وقال لها: «هل شاهَدتِ العراكَ الأخير بيني وبين البائس هيكل؟»

سألته: «هل شاهدتُه؟» ثم أضافت: «وكيف لي ألَّا أراه؟!»

قال: «آه، إذن، هل لاحظتِ أنه عندما سقط ساعَدتُه على النهوض؟»

قالت: «نعم، وهددتَه بكسر معصميه بعدما أنهضته.»

قال ستانسفورد: «نعم. وكنتُ سأُضطرُّ إلى تنفيذ ذلك لولا وعدُه. لكن ما أردتُ لفتَ انتباهِك إليه هو أنه كان واقفًا عندما ضربتُه، وأردتُ أيضًا أن ألفتَ نظرَكِ إلى حقيقةٍ أخرى وهي أني لم أضربه عندما كان على الأرض. هل لاحظتِ ذلك؟»

قالت: «بالطبع، لاحظت ذلك. لا يُقدِمُ رجلٌ على ضربِ آخرَ وهو مُلقًى على الأرض.»

قال: «أنا سعيد جدًّا يا آنسة ليندرهام بأنك تعرفين أنَّ هذا قانونُ شرفٍ بيننا معشرَ الرجال، رغم وحشيتنا. ألا تعتقدين أن المرأة ينبغي أن تكون على القَدْر نفسِه من الكرم؟»

قالت: «بالتأكيد؛ لكني لا أفهم ما تعنيه.»

قال: «أعني يا آنسة ليندرهام أنَّ عرضك يضربُني وأنا مُلقًى على الأرض.»

صاحت في جزع: «أوه!» ثم أردفَت: «أستميحك عذرًا، لكني لم أنظر إلى الأمر على هذا النحو.»

قال ستانسفورد وهو يقوم: «أوه، هذا ليس بالأمر الجلل؛ فالجنيهان يُعدَّان ثمنًا لهذا كلِّه، لكن يُسعدني أن أفكِّر في أني ما زلتُ أحتفظ ببعض احترامي لذاتي، وأنه بإمكاني رفضُ عرضِك، وأني لن أكون زوجًا مستأجَرًا بألفَي جنيه في العام. هل يمكنني إعادتُك إلى المنزل يا آنسة ليندرهام؟ فأنا، كما تعرفين، لديَّ واجباتٌ عليَّ تأديتُها تجاهَ الضيوف الآخرين غيرِ المستأجَرين، واستحقاقُ مالي مسألةُ شرف بالنسبة إليَّ. أنا لا أريد أن تصل شكوى لشركة سبنك آند كومباني.»

قامت الآنسة ليندرهام ووضعت يدها على ذراعه.

وقالت: «الهاتف، ما رقمه؟»

أجابها: «١٠٠٨٠٣.» ثم أردفَ: «يُؤسفني أن الشركة لم تمنَحْني بعضَ بطاقاتها عندما كنت في المكتب بعد ظهر اليوم.»

قالت الآنسة ليندرهام: «هذا ليس مهمًّا، سأتذكَّر الرقم»، ودخَلا المنزل معًا.

وفي اليوم التالي، في مرسم كبير في كينزنجتون، ظهرت الآنسة ليندرهام بمظهرٍ لم يكن لأحدٍ من أصدقائها الذين حضروا الحفلَ الراقصَ في الأمسية السابقة أن يتعرف عليها به، كانت جميلة كعادتها، وربما أكثرَ جمالًا، وقد تلوَّن مئزرُها الأبيض الطويل وأصابعُ يديها الجميلة بالألوان الشمعية التي كانت تستخدمها. كانت تُحاول أن ترسم على اللوحة الموجودة أمامها شكلَ رجل، وقد بدأت برسمِ كتفيه، وبدا أن النجاح في رسمتها كان يُراوغها، ربما لعدم وجودِ عارضٍ معها، وربما لشرود ذهنها. كانت تجلس وقتًا طويلًا وتُحدق في اللوحة، ثم تنهض فجأة وتُضيف بعض الخطوط التي لم تُقرِّب الرسم من الكمال الذي ابتَغَتْه قِيدَ أنملة.

كانت الغرفة ضخمة، وبها نافذةٌ كبيرة في اتجاه الشمال، وتناثرت في أرجاء الغرفة أغراضٌ لا حصر لها تُميز مراسمَ الرسامين. وفي النهاية، وضعَت الفرشاة من يديها، وتوجَّهت إلى هاتف معلَّق في طرَف الغرفة، ونقرت جرسه.

وقالت: «اطلب رقم ١٠٠٨٠٣.»

بعد لحظاتٍ إضافية من الانتظار، ظهر صوت.

فقالت: «هل هذه شركة سبنك آند كومباني؟»

فجاءها الرد: «نعم، سيدتي.»

قالت: «أعتقد أنَّ لديكم موظفًا باسم اللورد ستانسفورد، أليس كذلك؟»

جاءها الرد: «بلى، سيدتي.»

سألت: «هل هو منشغلٌ بعد ظهر اليوم؟»

«كلا يا سيدتي.»

قالت: «حسنًا، يُرجى إرساله إلى الآنسة ليندرهام، بناية رقم ٢٠٤٤ شارع كرومويل، ساوث كينزنجتون.»

كتب الرجل العنوان، ثم سألها:

«في أيِّ ساعة يا سيدتي؟»

ردَّت: «أريده من الساعة الرابعة إلى السادسة.»

قال الرجل: «حسنًا، يا سيدتي، سنُرسله.»

خاطبَت الآنسة ليندرهام نفسها وهي تتنهَّد في ارتياح: «هكذا سيكون لديَّ عارضٌ يأخذ الوضع المناسب. فالرسم من الذاكرة صعب جدًّا.»

السبب في فشل الكثير من السيدات في مَساعيهن الفنِّية وفي الكثير من المهن الأخرى ربما يكون هو إفراطُهن في الاهتمام بملبسهن. من المذهل أن الآنسة ليندرهام أرسلَت في طلب مُصفِّف شعر فرنسي يتقاضى أجرًا باهظًا لم تعتَد استدعاءه إلا إذا كانت فعاليةٌ مهمةٌ للغاية على وشك الانعقاد.

وقالت له: «أريد منك تصفيفَ شعري تصفيفةً فنية، وفي الوقت ذاتِه لا يبدو أن مجهودًا كبيرًا بُذِل فيها. فهمت؟»

قال الفرنسي المهذَّب: «نعم، فهمتُكِ تمامًا يا آنستي.» وأضاف: «ستظهرين بمظهرٍ رائع يا آنستي، لدرجة أن …»

قاطعَته: «نعم، هذا ما أريد.»

في الساعة الثالثة كانت ترفل في فُستان جميل. كان كُمَّا الفستان مطويَّين كما لو كانت مقبلةً على مهمة شاقة. وارتَدَت فوقه مئزرًا خاليًا من البقع تُحيط به كشكشاتٌ صغيرة جذابة، كان من الصعب الاعتقادُ أن أيَّ مرسم في لندن ولو كان لأبرزِ فنانيها يشمل ضمن محتوياته لوحةً تُضاهي في جمالها مظهرَ الآنسة ليندرهام بعد ظُهر ذلك اليوم. في الساعة الثالثة، رن جرس الهاتف، وعندما ردَّت الآنسة ليندرهام أجابها الصوت الذي سمعته من قبل قائلًا:

«أعتذر بشدةٍ عن إحباطك يا سيدتي، لكن اللورد ستانسفورد استقال من العمل بعد ظُهر اليوم. يمكننا إرسال بديل له إذا أردتِ.»

صاحت الآنسة ليندرهام: «لا، لا!» واعتقد الرجلُ الذي يسمعها على الطرف الآخر أنه سمعها تنتحب.

وأضافت: «أنا لا أريد بدلًا له. لا يهم.»

رد الصوت: «الرجل الآخر سيُكلِّفُك جُنيهين فقط، واللورد ستانسفورد كان سيُكلفك خمسة. يمكننا أيضًا أن نُرسل لكِ رجلًا يكلفك جنيهًا واحدًا، لكننا لا نرشحه لك.»

قالت الآنسة ليندرهام: «كلا، أنا لا أريد أحدًا. سعدتُ لمعرفة أن اللورد ستانسفورد لن يأتي، فقد تأجَّل الحفل الصغير الذي كنتُ سأقيمه.»

سألها الرجل: «آه، إذن، عندما سينعقد يا سيدتي، أتمنى أن …»

وضعَت الآنسة ليندرهام السماعة، ولم تسمع باقيَ ترشيحات الرجل من الضيوف المستأجَرين. أغلب الظن أن ماجي ليندرهام كانت ستبكي لولا أنَّ شعرها كان مصففًا على نحوٍ جميل وفي شكلٍ لا يشي بمجهود كبير، لكن قبل أن تحظى بوقتٍ كافٍ لتحديدِ ما ستفعل، جاءت الخادمة المهندمة الصغيرة الجسم عبر الرواق وهبطَت الدرَجَ وصولًا إلى المرسم تحمل في يدِها صينيةً فِضية عليها بطاقة أعطَتها للآنسة ليندرهام، فأخذتها وقرأَت عليها الاسم: «ريتشارد ستانسفورد».

صاحت في ابتهاج: «أوه، اطلبي منه المجيء إلى هنا.»

سألتها الخادمة: «ألن تُقابليه في غرفة الاستقبال، يا آنستي؟»

ردَّت: «لا، لا، أخبريه أني منشغلةٌ للغاية، واطلبي منه المجيء إلى المرسم.»

صعدت الخادمة الدَّرج وعادت من حيث أتَت. وأخذت الآنسة ليندرهام تُلقي نظرةً متفحصة طويلة على نفسِها عبر المرآة الطويلة، وتجنَّبَت لمس شعرها الطويل، وأمسكت بالفرشاة وشرعَت تُضيف إلى الرجل الذي بدأَت ترسمه بعضَ الخطوط التي جعلت مظهره أسوأَ مما كان عليه من قبل. لم تلتفت حتى سمعَت خُطوات اللورد ستانسفورد على الدرج، ثم انطلق منها تعبيرٌ عن المفاجأة ما إن رأته. كان الشابُّ يعتمر قبعةً كبيرة من اللباد الطري، ويرتدي ملابسَ كالتي نرى أصدقاءنا من جنوبِ أفريقيا يرتدونها في صورهم في الصحف المصوَّرة. لم ينقصه إلا نطاقٌ من الرصاصات وبندقيةٌ لتكتملَ الصورة.

قال الشاب ضاحكًا: «ليس هذا ما يُفترض أن يرتديَه الرجلُ في لندن وهو يزور سيدةً بعد الظهيرة، لكني وجدتُ نفسي مُضطرًّا إلى المجيء بهذا الزيِّ أو عدم المجيء على الإطلاق؛ لأن وقتي محدودٌ للغاية. ظننتُ أنه من الإجحاف أن أُغادر البلاد دون أن أمنحَكِ فرصةً للاعتذار عن سلوكِك ليلةَ أمس، وعن الإهانة الإضافية في محاولتِك استئجاري ساعتين عصرَ اليوم. ولهذا جئت.»

ردَّت الآنسة ليندرهام: «يُسعدني مجيئك جدًّا.» ثم أردفَت: «لقد شعرتُ بالإحباط الشديد عندما هاتفوني بعد ظهر اليوم وأخبروني باستقالتك. يجب عليَّ القول إنك تبدو جميلًا بشدةٍ في هذا الزي، يا لورد ستانسفورد.»

قال وهو يتفقد مظهره سريعًا: «نعم، عليَّ الاعتراف بأنه جميلٌ فعلًا. لقد سعدتُ بجذب الكثيرِ من الانتباه وأنا أمشي في الشارع.»

قالت: «حسبوك راعيَ بقر، أليس كذلك؟»

أجابها: «بلى، شيءٌ من هذا القبيل. لكن ما أزعَجَني هو ذلك الولد الصغير الفظُّ الذي أخذ يُدندن بأغنية عن اجتذابي للنساء وأهازيجَ بذيئةٍ أخرى من هذا النوع، يبدو أنه ظنَّها مناسِبةً للموقف. لكنَّ أشخاصًا آخرين رمَقوني باحترام كبير، وهو ما سرَّى عني. هل يُمكنك أن تغفري تبجُّحي يا آنسة ليندرهام إن قلت إنك تبدين بزيِّ المرسم أكثرَ جمالًا مما كنتِ بفستان حفلة الرقص وإني لم أظنَّ قطُّ ذلك ممكنًا؟»

صاحت الفتاة وتورَّدَت خجلًا، ربما لانعكاس اللون القرمزي من لوح الألوان الذي كانت تُمسك به على وجنتها. وقالت: «اعذرني في ارتداء زيِّ العمل هذا؛ لأنني لم أتوقَّعْ زُوارًا. فكما تعرف، لقد هاتَفوني وأخبروني أنك لن تأتي.»

ظنَّ الشابُّ المخدوعُ أن ما قالته له هو الحقيقة، في حين لم يكن حقيقيًّا إلا جزءٌ منه، كما لم يعلم أن الشَّعر الكثيف الذي ظنه غيرَ مصفَّف بعناية هو في حقيقة الأمر نِتاجُ عمل فني يتفوَّق على أي رسم خطَّته فتاةٌ على لوحة الرسم.

قالت: «إذن أنتَ ستذهب إلى جنوب أفريقيا؟»

أجابها: «نعم، رأس الرجاء الصالح.»

سألته: «أوه، وهل رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا؟»

رد الشابُّ ببعض الارتياب: «أعتقد ذلك، لكني لستُ متأكدًا، رغم أن الشركة المسيِّرة للسفينة البخارية أكَّدت لي أنها ستوصلني إلى رأس الرجاء الصالح، أينما كان.»

ضحكت الفتاة.

قالت: «لا بد أنك فكرتَ في الأمر كثيرًا، لدرجة أنك لا تعرف إلى أين ستذهب.»

فقال الشاب: «أوه، بل فِكْرتي عن وجهتي أفضلُ مما تعتقدين. أنا لستُ أبلهَ كما بدَوتُ أمس؛ ففي أمس كنتُ موظفًا في شركة سبنك آند كومباني، وأجَّروني لهيكل الكبير، أما الآن فأنا سيدُ قراري ووِجْهتي جنوب أفريقيا. الفارق كبيرٌ لو تعرفين.»

ردَّت الآنسة ليندرهام: «أرى ذلك.» ثم أضافت: «لم لا تجلس؟»

جلست الفتاة على كرسيٍّ ذي ذراعَين، في حين جلس ستانسفورد على طاولة منخفضة وأخذ يُؤرجِحُ إحدى قدمَيه إلى الأمام والخلف، وسحب قبعتَه الكبيرة إلى الخلف، وحدَّقَ في الفتاة حتى وصل تورُّدُ وجهِها إلى درجةٍ غير مسبوقة. ولم يتكلم أيٌّ منهما لبعض اللحظات.

وفي النهاية، قال ستانسفورد: «هل تعلمين أني عندما أنظرُ إليكِ تبدو لي جنوب أفريقيا بعيدةً جدًّا؟»

قالت دون أن ترفع وجهَها: «ظننتُها بعيدةً جدًّا بالفعل.»

قال: «نعم، لكنها تبدو أبعدَ وأشدَّ وحشة عندما ينظر المرءُ إليك. أقسم إني لو لم أعلم أن خيارًا أفضلَ متاحٌ لي، لحدثَتني نفسي بقَبول عَرض الألفي جنيه سنويًّا الذي قدَّمتِه و…»

قالت سريعًا: «لم يكن هذا عرضًا مني.» ثم أردفَت: «وربما لم تكن صاحبة الشأن فيها لِتقبَل، حتى ولو توسطتُ أنا لديها.»

رد ستانسفورد: «هذا صحيح، ومع ذلك أعتقد أنها لو رأَتني في هذا الزيِّ لأدركَت أني أستحقُّ المال.»

قالت: «هل تعتقد أنه بإمكانك جنيُ أكثرَ من ألفي جنيه في العام في جنوب أفريقيا؟ لقد تماديتَ في الطموح فجأة. يبدو لي أن الرجل الذي يعتقد أن بإمكانه جنْيَ ألفَي جنيه في العام ومع ذلك يعمل بجنيهين في الأمسية شديدُ البلاهة.»

قال ستانسفورد: «أتعلمين يا آنسة ليندرهام أن هذا ما ظننته أنا أيضًا وأخبرتُ به سبنك المحترمَ كذلك. قلت له إن أمامي عرضًا بقيمة ألفَين في العام في نفس مجال عمله. فأجابني بأنه لا توجد شركة في لندن بإمكانها تحمُّلُ هذه التكلفة. وصاح في غضب: «يمكنني استئجارُ دوق بهذا المبلغ».»

فأجبتُه: «المسألة تِجاريةٌ بحتة بالنسبة إليَّ. عُرِض عليَّ ألفا جنيه في العام من شابة فائقة الجمال للقيام بدورٍ شكلي؛ شابة لديها مرسم في ساوث كينزنجتون، وعندما ترتدي زيَّ الرسامين تكون أجملَ من أي لوحة في الأكاديمية الملكية.» هذا ما أخبرتُ به سبنك.

رفعَت الفتاة رأسَها إليه وفي عينيها سخط، ثم استحال السخطُ تبسمًا ارتسم على شفتيها الجميلتين.

وقالت: «إنك لم تقل شيئًا كهذا؛ إذ لم تكن تعرف شيئًا عن هذا المرسم حينَذاك؛ لذا لن أُجارِيَك في التحايل بادعاء عدم إدراكي أنك تقصدُني بما تقول.»

صاح الشابُّ محتجًّا: «تحايُل؟!» ثم أردف: «بل أنا الأكثرُ صدقًا وصراحةً بين كل الناس، وأعتقد أني كنتُ سأقبل عرض الألفين في العام لو لم أعتقد أنَّ بإمكاني الحصولَ على ما هو أفضل منه.»

قالت: «أين؟ في جنوب أفريقيا؟»

أجابها: «لا، في ساوث كينزنجتون. أعتقد أنه عندما تُدرك السيدة مدى نفعي في أي مرسم ﻓﺴ… أوه، يُمكنني أن أتعلم غسيلَ الفُرَش، وكنسَ الغرفة، وإعداد ألواح الرسم، وإشعال النار، كما يمكنني توزيعُ أكواب الشاي إذا استقبلَت ضيوفًا تعرضُ عليهم لوحاتِها! عندما تُدرك ذلك وتعرف الفائدةَ التي قد تعود عليها، أشعر بما يُقارب اليقينَ أنها لن تضع أيَّ شروط على الإطلاق.»

نهض الشابُّ عن الطاولة، وقامت الفتاة من على الكرسي وفي وجهها ما يُشبه القلق. ثم أمسك بذراعيها.

وقال لها: «ما رأيك يا آنسة ليندرهام؟ أنت تعرفين السيدة. ألا تعتقدين أنها سترفضُ الارتباط بنذلٍ مثل بيلي هيكل رغم ثرائه وتُفضِّل مزارعًا متواضعًا مجتهدًا من رأس الرجاء الصالح؟»

لم تُجِب الفتاة عن سؤاله.

وقالت له: «هل ستكسر ذراعيَّ كما هددتَ بكسر معصميه ليلة أمس؟»

فأجابها هامسًا بصوت خفيض وحاد: «ماجي! لن أكسرَ إلا قلبي أنا إن رفضتِني.»

رفعت رأسَها إليه وابتسمت.

وكان كل ما قالته هو: «كنتُ أعلم، يا فتى، منذ أن أتيتَ أنك لن تذهب إلى جنوب أفريقيا.» واستغلَّ هو استسلامها فقبَّلَها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤