تمهيد

كثيرًا ما يسألني أُناسٌ من غير المُلِمِّين بالدراسات الكلاسيكية، أو بدءوا للتوِّ في دراستها: «ما الذي نعرفه حقَّ المعرفة عن هوميروس؟» فهذا الكتاب من أجْلهم. لا أفترض أن القارئ يعرف اللغة اليونانية، بَيْد أني بين الفَينة والفَينة سوف أناقش كلماتٍ ومفاهيمَ يونانية؛ لأن فكر هوميروس، بالطبع، مرموز إليه في كلماته. بينما أفترض أن القارئ قد طالع ملحمتَي «الإلياذة» و«الأوديسة» مُترجمتَين؛ لذا سوف يكون كتابي الصغير هذا بمثابة مقدمة وتعليقٍ تمهيديَّين للقارئ المُبتدئ لنصوص هوميروس.

بدءًا من العَقد الأخير من القرن العشرين، جمع أحد الباحثين أكثر من ٢٢٠٠ كتاب، ودراسة، ومقال، بلغ مجموعها ٦٠ ألف صفحة! وقُدِّم طوال القرن نحو ٥٠٠ ألف صفحة، عن هوميروس، وهو ما يُضاهي نتاجًا مماثلًا من القرن التاسع عشر، ونتاجًا أقل ولكنه حافل، دون توقُّف على مدى خمسة وعشرين قرنًا سابقة. وليس من المُستغرَب أن كل الأمور المتعلِّقة بهوميروس كانت، أو «لا تزال»، موضع جَدلٍ من قِبَل أحدٍ ما في مكانٍ ما. فتُشير دراسةٌ حديثة إلى أن أطلال طروادة تقع في الجُزُر البريطانية. في هذا الكتاب الصغير سأُنحِّي جانبًا — قَدْر الإمكان — تعدُّد الآراء حول الموضوعات المختلفة؛ إذ يُمكنك أن تجد من يعتقد أي شيء تقريبًا فيما يتعلق بهوميروس. بل إن كثيرًا من الباحثين المُتخصِّصِين في الدراسات الكلاسيكية اليونانية والرومانية لا يفهمون أصل الافتراضات التي عادةً ما تتكرَّر بشأن هوميروس، وخاصةً عصره، رُغم أنه المُؤلَّف الأهم في المُؤلَّفات الإغريقية الموثَّقة ببونٍ شاسع. لذا فإن هذا الكتاب سوف يكون لأجلهم أيضًا. لقد حقَّقنا تقدمًا هائلًا في الدراسات الهوميرية خلال الأجيال العديدة الأخيرة، ولسوف أسعى إلى توضيح إلامَ وصَل بنا هذا التقدم بالضبط. سوف يدَّعي كثيرون أن «هذا الأمر أو ذاك لَهُوَ من الأمور الخلافية»، ولكن وجود تبايُنٍ في الآراء لا يَحُول دون جلاءِ أمرٍ ما، إذا ما كنا نرغب في احترام الأدلة. نحن بالفعل نعرف بعض الأمور عن هوميروس. وسوف أُركِّز على آراء المُفكِّرِين الأرفع منزلةً فيما يتعلق بهوميروس، الذين — حتى في صخب تبايُن الآراء — يرى معظم المُختصِّين بالدراسات الهوميرية أن آراءهم مقبولةٌ ومنطقية. ولن أَتردَّد في عرض الاستنتاجات التي تَوصَّلتُ إليها أنا نفسي بعد عقودٍ من التأمُّل والتفكُّر.

التراجم الواردة بالكتاب من «الإلياذة» و«الأوديسة» هي ترجماتٌ مُحدَّثة ومُعدَّلة لِتُناسب العصر الحالي، مأخوذةٌ عن تراجم سلسلة مكتبة لوب الكلاسيكية لمُترجِمها إيه تي موراي. أمَّا التراجم من النصوص الأُخرى فهي ترجماتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤