العَجْعَجَةُ: في قضاعة

إبدال الجيم من الياء

في «السيرافي على سيبويه»، ج١، ص٢٧٩: «إبدال الياء المشدَّدة والمخفَّفة جيمًا، ولم يَعْزُها لأحد.» وفي ج٥، ص٤٤١ وص٥٦٢: «ناس من بني سعد، في إبدال الياء جيمًا في الوقف، نحو: «تمِيمج في: تميمي».»

وفي «القاموس» في أول باب الجيم: ذكر «العَجْعَجة»، فقال: «قد تُبدل الجيم من الياء المشدَّدة والمخففة، كفُقَيْمجٍّ وحَجَّتِج في فُقَيْمِيٍّ وحَجَّتِي.»

وفي «شرح القاموس» ما نصُّه: «قال أبو عمرو: قد تُبْدَلُ الجيم من الياء المشددة، وقد أبدلوها من الياء المخففة أيضًا كفُقَيْمجْ مثال المشددة، قال: وقلتُ لرجلٍ من حَنْظَلَةَ: ممَّن أنت؟ فقال: فُقَيْمج، فقلت: من أيِّهم؟ فقال: مُرَجْ»، وأَنشد أبو زيد في المخففة:

يا ربِّ إن كنتَ قَبِلْتَ حجَّتِجْ
فلا يزال شَاحِجٌ يأتيكَ بجْ
أَقمرُ نهَّازٌ يُنَزِّي وَفْرَتِجْ

وأنشد أبو عمرو لهِمْيان بن قُحافةَ السَّعديِّ:

يطير عنها الوبر الصهابجا

يريد: الصهابيا، من الصهبة.

وقال خلف الأحمر: أنشدني رجل من أهل البادية:

خَالي عُوَيفٌ وأبو عَلجِّ
المُطْعِمان اللَّحْمَ بِالْعَشجِّ
وبالغداة كسرَا البَرْنِجِّ

يريد: عليِّ، والعشيِّ، والبرنيِّ وهو معرَّب برنيك؛ أي: الحمل المبارك، ذكر ذلك الجوهري في «الصحاح» وابن مالك في شرحيه: «الكافية» و«التسهيل»، والرَّضيُّ في «شرح شواهد الشافية» وابن عصفور في كتاب «الضرائر»، وصرح بأنها لا تجوز في غير الضرورة، وأَوردها ابن جنِّي في كتاب «سر الصناعة»، وسبقهم بذلك أستاذ الصنعة سيبَوَيْهِ فكتابه «البحر الجامع».

قال شيخنا: وقوله: المشددة؛ أي سواء أكانت للنسب — كما حكاه أبو عمرو — أَمْ لا كالأبيات، وقوله: والمخففة أي: التي لا تكون للنسب كإبدالها من ياء الضمير، وياء أمسيت وأمسى في قوله: «حتى إذا ما أَمْسجتُ وأَمْسَجْ» ونحوهما.

وصرح ابن عصفور وغيره بأَنَّ ذلك كله قبيح وهو مأخوذ من كلام سيبويه وغيره من الأئمة.

ومن العرب طائفةٌ، منهم قضاعةُ، يُبدلون الياء إذا وقعت بعد العين جيمًا، فيقولون في «هذا راعِيَّ خرج معي»: «هذا رَاعِجَّ خرجَ مَعِجْ» وهي التي يقولون لها: العَجْعَجَة. وصرَّح القرافي بأنَّ ذلك لغة طيِّئ، ولبعض أسد، وأنشد الفراء:

بكيت والمحترزَ البَكِجُّ
وإنَّما يأتي الصِّبَا الصَّبِجُّ

أي: البكيُّ والصبيُّ.

والعَجْعَجَة لم يذكرها صاحب «القاموس» في «عجَّ»، واستدركها عليه الشارح فنقل عبارة «اللسان» وهي: «والعَجْعَجَةُ في قُضاعة كالعنْعَنة في تميم — يحولون الياء جيمًا مع العين — يقولون: هذا راعِجَّ خرجَ مَعِجْ، أي: راعيَّ خرج مَعِي، كما قال الراجز:

خالي لقيطٌ وأبو عَلِجِّ
المطعمان اللحمَ بالعَشِجِّ
وبالغداةِ كَسَرَ البَرْنِجِّ
يُقْلَعُ بالوَدِّ وبالصِّيصجِّ

أراد: عليِّ، والعَشِيِّ، والبَرْنِيِّ، والصِّيصِيِّ.» ا.ﻫ.

وفي «التوضيح» لابن هشام، وشرحه المسمَّى ﺑ «التصريح» للشيخ خالد، ج٢، ص٤٥٩: وقال أعرابيٌّ من البادية:

خاليِ عُوْيفٌ وأَبو عَلِجِّ
المُطْعِمَانِ اللَّحْمَ بالعشِجِّ
يريد: أبو عليِّ، والعشيِّ؛ فأبدل «الجيم من الياء المشددة» وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، قاله السيد في «شرح الشافية» وتسمَّى هذه اللغة: «عجعجة قضاعة»، قال الجوهري: وعجعجة١ قضاعة؛ يحولون «الياء جيمًا مع العين» يقولون: «هذا راعِجَّ خرج مَعِجْ؛ أي: راعيَّ خرج معي.» ا.ﻫ.

وقد تبدل من الياء المخففة حملًا على المشددة كقوله:

لا هُمَّ إن كُنْتَ قبلتَ حجَّتِجْ
فلا يزالُ شاحجٌ يأتيكَ بِجْ
أَقْمَرُ نَهَّات يُنَزَّى وَفْرتِجْ٢

يريد: اللَّهُمَّ إن كنتَ قبلتَ حَجَّتي فلا يزال يأتي بي شاحجٌ هذه صفته. «والشاحجُ — بمعجمة فمهملة فجيم — من: شَحَجَ البغْلُ؛ أي: صوَّتَ، والأقمر: الأبيضُ، والنهَّاتُ: النهَّاقُ، ويُنزَّى: يحرَّكُ، وَوفْرتِجْ؛ أي وفرتي، وهي: الشعر إلى شحمة الأُذُنِ.» ا.ﻫ.

وفي «موارد البصائر فيما يجوز من الضرورات» للشاعر الشيخ محمد سليم ص٢٦٥: «إبدال الجيم من الياء المشددة» قال أعرابي من أهل البادية:

خاليِ عُويْفٌ وأَبو عَلِجِّ
المُطْعِمَانِ اللَّحْمَ بالعشِجِّ

يريد: أبو عليِّ، والعشِيِّ، فحوَّل الياء المشدَّدة جيمًا، وفي «الاقتراح» للسيوطي ص٩٩: نقل عبارة «المزهر» إلا أنَّ فيه: في قضاعة بدل: في لغة قضاعة.

وفي «حاشية الاقتراح» لابن الطيب المسمَّاة «نشر الانشراح» ص٤٤٢ ما نصه قوله: «العَجْعَجةُ بِمهملتين وجيمين، وقوله: يجعلون الياء … إلخ؛ أي الدالَّة على النسب في الأكثر، كما يدل له المثال، وقد يبدلون غير النسبية كقولهم في عليٍّ: علجِّ، والله أعلم.» ا.ﻫ.

وفي «المزهر» في باب الرديء المعلوم من اللغات، ج١، ص١٠٩: «ومن ذلك العجعجة — في لغة قضاعة، يجعلون الياء المشددة جيمًا، يقولون في تميميِّ: تميمجِّ.» ا.ﻫ.

وفي «أمالي أبي عليٍّ القالي»، ج٢، ص٧٩: «وقال الأصمعي: حدثني خلف الأحمر، قال: أنشدني رجل من أهل البادية: […] قال: قال أبو عمرو بن العلاء: قلت لرجل من بني حَنْظَلَة: ممَّن أنت؟

قال: فُقَيْمِجٌّ. فقلُت: من أَيِّهم؟ قال: مُرِّجٌّ. أراد: فُقَيْميٌّ ومُرِّيٌّ. وأنشد لهميان بن قحافة السعديِّ:

يُطِير عنها الوَبَرَ الصُّهَابِجَّا٣

قال: أراد الصُّهَابيَّ من الصُّهْبَة. وقال يعقوب بن السكيت: بعض العرب إذا شدَّد الياء جعلها جيمًا، وأنشد عن ابن الأعرابي:

كأنَّ في أذنابِهِنَّ الشُّوَّل
من عَبَس الصَّيْفِ قُرون الإجَّل

أراد: «الإيَّل بدل: الإجَّل.» وأنشد الفرَّاء:

لا هُمَّ إن كُنْتَ قبلتَ حجَّتِجْ
فلا يزالُ شاحجٌ يأتيكَ بِجْ
أَقْمَرُ نَهَّات يُنَزِّي وَفْرَتِجْ

أراد: وَفْرتِي.» ا.ﻫ.

وفي شرح الإمام ابن جنِّي على تصريف أبي عثمان المازني ص٤٨١: وأمَّا قول الآخر:

خاليِ عُوَيفٌ وأَبو عَلِجِّ
المُطْعِمَانِ اللَّحْمَ بالعشِجِّ
وبالغداة فِلَقَ البَرْنِجِّ
يُقْلَعُ بالوَدِّ وبالصِّيصِجِّ

فمعناه: بالصِّيصَة، والذي عندي فيه أنه لما اضطر إلى جيم مشددة عدل فيه إلى لفظ النسب، وإن لم يكن منسوبًا في المعنى كما تقول: أحمر وأحمريِّ، وأشقر وأشقريِّ، وحدَّاد قُرَاقِرٌ وقُرَاقِرِي، وأنشدنا أبو علي:

كأنَّ حدَّادًا قُرَاقِرِيَّا

فلم تحدث ياءُ الإضافة هنا معنًى زائدًا لم يكن في «قُرَاقِر». وكذلك قول العجاج أنشدنا أيضًا:

والدهر بالإنسان دوَّارِيُّ

فإنما معناه: دَوَّارٌ، فألحقه ياءَ الإضافة، وأنشد أيضًا:

نَظَلُّ لِنسْوة النُّعْمَان يومًا
على سَفوانَ يومٌ أَرْوناني

يريد: أرونان، ومعنى أرْونَانيِّ؛ أي فتيِّ، وهو: الشديد.

وفي «فقه اللغة» — المسمَّى بالصاحبي — لابن فارس ص٢٥: «وكذلك الياء تُجعل جيمًا في النسب، يقولون: غُلامِج؛ أي غلامي، وكذلك الياء المشدَّدة تحول جيمًا في النسب، يقولون: بصرجٌّ وكوفجٌّ»، قال الراجز:

خَالي عُوَيفٌ وأبو عَلجِّ
المُطْعِمان اللَّحْمَ بِالْعَشجِّ
وبالغداة فِلَق البَرْنِجِّ

وفي «الأمالي» أيضًا، ج٢، ص٢١٧: «وممكن أن يكون جار لغة في يار، كما قالوا: الصهاريج والصهاري، وصِهْرِيجٌ، وصِهْرِي، وصهريُّ لغة تميم، وكما قالوا: شَيَرَة: للشجرة، وحقَّروه فقالوا: شُيَيْرة.

قال الرياشي: قال أبو زيد: كنَّا يومًا عند المفضل، وعنده الأعراب، فقلت: أيهم يقول: شيرَةَ؟ فقالوها، فقلت له: قل لهم يحقرونها، فقالوا: شُييرة.

وحدثني أبو بكر بن دريد، قال: حدثني أبو حاتم، قال: سمعت أم الهيثم تقول: شَيَرَة، وأنشدت:

إذا لم يكنْ فيكنَّ ظلٌّ ولا جَنًى
فأبْعَدَكُنَّ اللهُ مِن شيرَاتِ

فقلت: يا أُمَّ الهيْثم: صغِّريها، فقالت: شُييرة.» انتهى وهو عكس المتقدم.

وفي «المزهر»، ج١، ص٢٢٦: «وفي «شرح التسهيل» لأبي حيَّان، قال أبو حاتم: قلت لأم الهيثم، واسمها عثيمة: هل تبدل العرب من الجيم ياءً في شيءٍ من الكلام؟ فقالت: نعم، ثم أنشدتني:

إذا لم يكنْ فيكنَّ ظلٌّ ولا جَنًى
فأبْعَدَكُنَّ اللهُ مِن شَيَرَاتِ»

وفي «شرح العلامة البغدادي على شواهد الشافية الحاجبية» — للرَّضيِّ ص٢٣٩: ومن شواهد «س»:

خالي عُوَيْفٌ٤ وأبو عَلِجِّ
المطعمان اللحمَ بالعَشِجِّ
وبالغداةِ فِلَقَ البَرْنِجِّ
يُقْلَعُ بالوَدِّ وبالصِّيصجِّ
أراد بالعشجِّ: العشيِّ، والصيصجِّ: الصيصيَة،٥ وهي: قرن البقرة.

على أن بعض بني سعد يبدلون الياء — شديدة كانت أو خفيفة — جيمًا في الوقف، كما في قوافي هذه الأبيات، فإن الجيم في أواخر ما عدا الأخير بدلٌ من ياء مشددة.

وأما الأخير فالجيم فيه بدل من ياء خفيفة كما يأتي بيانه، وإنما حرَّكها الشاعر هنا؛ لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف، قال «س»: «وأما ناس من بني سعد فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف؛ لأنها خفيَّة، فأبدلوا من موضعها أَبْيَنَ الحروف، وذلك قولهم: هذا تميمِجٌّ، يريدون: تميميٌّ، وهذا عَلِجٌّ يريدون: عليٌّ. وسمعت بعضهم يقول: عربانج، يريد: عرباني، وحدَّثني من سمعهم يقولون:

خَالي عُوَيفٌ وأبو عَلجِّ
المُطْعِمان اللَّحْمَ بِالْعَشجِّ
وبالغداة فِلَق البَرْنِجِّ

يريدون: بالعشيِّ والبرنيِّ، فزعم أنَّهم أنشدوه هكذا.» انتهى كلامه.

ولم يذكر إجراء الوصل مجرى الوقف، وذكره الزمخشري في «المفصَّل»، وكلام ابن جني في «سر الصناعة» وغيره ككلام سيبويه.

قال ابن المستوفي في شرح أبيات «المفصَّل»: «ومتى خرج هذا الإبدال عن هذين الشرطين، وهما: الياء المشدَّدة والوقف، عدُّوه شاذًّا؛ ولذلك قال الزمخشري: وقد أُجري الوصل مجرى الوقف.» انتهى.

وهذه الأبيات لبدويِّ، قال ابن جني في «سر الصناعة»: «قرأت على أبي بكر، عن بعض أصحاب يعقوب بن السِّكِّيت، عن يعقوب قال: قال الأصمعي: حدَّثني خلف قال: أنشدني رجل من أهل البادية: عمي عُوَيْفٌ وأبو عَلِجِّ … إلى آخر الأبيات الأربعة، يريد: أبو عليٍّ، وبالعشي٦ والصيصِيةَ وهي قرن البقرة.» انتهى.
وقال شارح «شواهد أبي علي الفارسي»: «جاء به أبو علي شاهدًا على أنَّ ناسًا من العرب يبدلون من الياء جيمًا، لما كان الوقف على الحرف يخفيه،٧ والإدغام فيه يقتضي الإظهار ويستدعيه، أبدلوا من الياء المشددة في الوقف الجيم؛ لأنها أبين وهي قريبة من مخرجها. وزعم أبو الفتح أنَّه احتاج إلى جيم مشدَّدة للقافية فحذف الياء، ثم ألحق ياء النسب كما ألحقوها في الصفات مبالغةً، وإن لم يكن منسوبًا في المعنى نحو: «أَحمريِّ في: أحمر.» ثمَّ أبدل من الياء المشدَّدة جيمًا.»

قال الشيخ: «أقرب من هذا وأشبه بالمعنى أن يكون أراد الصيصاء، وهو رديء التمر الذي لا يعقد نوًى، ألحقه بقنديل فقال: صيصيء، ثم أَبدل من الياء جيمًا في الوقف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف في هذا.» انتهى كلامه.

افتخر بِخَاليْه أو بِعمَّيْه. والمطعمان صفة لهما، واللحم والشَّحم مفعوله. والعشيُّ قيل: ما بين الزَّوَال إلى الغروب، وقيل: هو آخر النهار، وقيل: من الزوال إلى الصباح، وقيل: من صلاة المغرب إلى العتمة، كذا في «المصباح». والغداة: الضحوة. والفِلَق بكسر الفاء وفتح اللام جمع فلقة، وهي: القطعة. وروى: «قطع» بدله، وروى أيضًا: كُتَل البرنجِّ؛ وهو جمع كُتْلة بضم الكاف، قال الجوهري: الكُتْلَة: القطعة المجتمعة من الصمغ وغيره، والبَرنيُّ بفتح الموحدة نوع من أجود التمر، ونقل السهيلي أنه عجمي ومعناه: حمل مبارك، قال: «بر»: حمل، و«نيٌّ»: جيد. وأدخلته العرب في كلامها وتكلمت به. كذا في «المصباح»، وأقول: «برنيٌّ»، لغة الفرس: ثمرة الشجرة؛ أيَّ شجرة كانت، وأما حملها فهو عندهم: بار بزيادة ألف، والفرق أنَّ بر: الثمر الذي يؤكل، وأما بار فعامٌّ، سواءً أكان مما يؤكل أم لا، فصوابه أن يقول: «بر: ثمر الشجرة، لا حملها» وأما: نيٌّ: فأصله نِيك — بكسر النون — فعند التعريب حذفت الكاف وشدَّدت الياء، ونيك في لغة الفرس: الجيد، ويُقلَع بالبناء للمفعول، ونائب الفاعل ضمير البرِنج، وبالجملة حال منه، وقال العيني: صفة له. والوَدَ بفتح الواو — لغة في: وتد، والصيِّصيَة — بكسر الصادين وتخفيف الياء: القرن، واحد الصِّيصِي، والجمع الصياصي، وصياصي البقر: قرونها، وكان يُقلع التمر المرصوص بالوتد وبالقرن.

قال ابن المستوفي: «الصيصي جمع صيصية، وهي القرن، كأنه شدد في الوقف على لغة من يشدد، ثم أبدل وزادها أن أجرى الوقف مجرى الوصل كما قال: «مثل الحريق وافق القَصَبَّا»، وقال الزمخشري في «الحواشي»: شدَّد الصيِّصي في الوقف، كما لو وقف على «القاضي».» انتهى.

وقال ابن جني في «شرح تصريف المازني»: «الذي عندي فيه أنه لما اضطرَّ إلى جيم مشددة عدل فيه إلى لفظ النسب، وإن لم يكن منسوبًا في المعنى كما تقول: أحمر وأحمري، وهو كثير في كلامهم، فإذا كان الأمر كذلك جاز أن يراد بالصَّيَصج لفظ النسب، فلما اعتزمتَ على ذلك حذفتَ تاء التأنيث؛ لأنها لا تجتمع مع ياء النسبة، فلما حذفت الهاء بقيت الكلمة في التقدير: صيص بمنزلة: قاض — فلما ألحقتها ياء النسبة حذفت الياء لياء النسبة كما تقول في النسبة إلى قاضٍ: قاضي، فصارت في التقدير صيصيِّ، ثم إنها٨ أبدلت من الياء المشددة الجيم كما فعلت في القوافي التي قبلها فصارت صيصيج. كما ترى.

فهذا الذي عندي في هذا، وما رأيت أحدًا عرض تفسيره إلا أن يكون أبا عليٍّ فيما أظنه انتهى.» ا.ﻫ.

ثم قال عقب هذا في شرحه المذكور ص٢٤٣:

يا ربِّ إن كُنْتَ قَبِلْتَ «حجَّتِجْ»
فلا يزالُ شَاحِجٌ يأتيكَ بِجْ
أَقْمَرُ نَهَّاتٌ يُنَزَّى وَفْرَتِجْ

على أنَّه أبدل الجيم من الياء الخفيفة، وأصله حجتي، وبي، ووفرتي — بياء المتكلم في الثلاثة.

وأنشد أبو زيد هذه الأبيات الثلاثة في أوائل الجزء الثالث من «نوادره» قال: قال المفضل: أنشدني أبو الفوَّال هذه الأبيات لبعض أهل اليمن، ولم يخطر ببال أبي عليٍّ، ولا على بال ابن جني رواية هذه الأبيات عن أبي زيد في «نوادره»؛ ولهذا نسباها إلى الفرَّاء، وقالا: أنشدها الفرَّاء أَلْبَتَّة؛ لأن لهما غرامًا بالنَّقل عن نوادره، ولو أمكنهما ألا ينقلا شيئًا إلا منها فَعَلَا.

قال ابن جني في «سر الصناعة»: «وكان شيخنا أبو علي يكاد يصلِّي بنوادر أبي زيد إعظامًا لها، وقال لي وقت قراءتي إيَّاها عليه: ليس فيها حرف إلا لأبي زيد تحته غرض ما؛ وهو كذلك لأنها محشوة بالنكات والأسرار.» انتهى كلامه، رحمه الله.

ولله در الشارح المحقِّق في سعة اطلاعه، فإنه لم يشاركه أحدٌ في نقل هذه الأبيات عن أبي زيد إلا ابن المستوفي، وقد ذهب ابن عصفور في كتاب «الضرائر» إلى أنَّ إبدال الياء الخفيفة نحو قول هميان بن قحافة: «يُطير عنها الوَبَرَ الصُّهَابِجَا» يريد: الصهابيَّ، فحذف إحدى الياءين تخفيفًا، وأبدل من الأخرى جيمًا لتتفق القوافي، وسهَّل ذلك كون الجيم والياء متقاربتين في المخرج. ومثل ذلك قول الآخر، وأنشد الفرَّاء:

يا ربِّ إن كُنْتَ قَبِلْتَ حجَّتِجْ
إلى آخر الأبيات يريد: حجَّتي، ويأتيك بي ويَنزَّني وفرتي — فأبدل من الياء جيمًا، وقول الآخر: «حتى إذا ما أمْسَجَتْ وأمْسَجَا٩ يريد: أمْسَت وأَمْسَى؛ لأنَّه ردهما إلى أصلهما وهو: أمْسَيَتْ وأمْسَيَا ثم أبدل الياء جيمًا لتقاربهما لما اضطَّر إلى ذلك.» انتهى.

وجعله ابن المستوفي من الشاذ، قال: ومن الإبدال الشاذ قوله، وهو مما أنشده أبو زيد:

يا ربِّ إن كُنْتَ قَبِلْتَ حجَّتِجْ

وهذا أسهل من الأول؛ لأنه أورده الشاعر في الوقف، إلا أن الياء غير مشددة. انتهى.

وقوله: «يا ربِّ إن كنت …» إلخ، أنشده الزمخشري في «المفصَّلْ»: «لا هُمَّ إن كنتَ»، وكذا أنشده ابن مالك في «شرح الشافية»، والحِجَّة بالكسر: المرَّةُ من الحج، قال الفيومي في «المصباح»: حج حجًّا من باب «قتل-قصد» فهو حاجٌّ، هذا أصله ثم قصر استعماله في الشرح على قصد الكعبة للحج أو العُمرة، يقال: ما حج ولكن دجَّ، فالحج القصد للنسك، والدج لقصد التجارة، والاسم: الحِجُّ بالكسر، والحِجة: المرَّة بالكسر على غير قياس، والجمع: حِجَجٌ، مثل سِدْرَة وسِدَر، قال ثعلب: قياسه الفتح ولم يسمع من العرب، وبها سمى الشهر: ذا الحِجَّة بالكسر وبعضهم يفتح في الشهر، وجمعه ذوات الحجَّة. انتهى.

والشاحجُ بالشين المعجمة والحاء المهملة قبل الجيم: البغل أو الحمار، من شَحج البغل والحمار، والغراب بالفتح يشحج بالفتح والكسر شحيجا وشحاجًا، إذا صوت.

وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: «قال صدر الأفاضل: أراد بشاحج: حمارًا؛ أي عِيْرًا، قيل في نسخة الطباخي بخطه: شبَّه ناقته أو جمله بالعير.» انتهى.

وروى ابن جني عن أبي علي في «سر الفصاحة»: شامخ أيضًا بالخاء المعجمة بعد الميم، وقال: يعني مستكبرًا. انتهى. وهذا لا يناسبه أقمر نهَّات، وقوله: يأتيك؛ أي يأتي بيتك بي، والأقمر: الأبيض، والنهَّات: النهَّاق، يقال: نَهَتَ الحمار ينهِتُ — بالكسر — أي: نهق، ونهت الأسد أيضًا؛ أي زأَر، والنَّهِيت دون الزئير، وينزى — بالنون والزاي المعجمة — أي: يحرِّك لسرعة مشيه.

وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: قيل: عبَّر بالوفرة عن نفسه كما يعبر بالناصية من تسمية المحل باسم الحال، يقول: اللهم إن قبلتَ حِجتي هذه، فلا تزال دابَّتي تأتي بيتك وأنا عليها تحرِّك وفرتي، أو جسدي في سيرها إلى بيتك؛ أي: إن علمت أن حِجَّتي هذه مقبولةٌ، فأنا أبدًا أزور بيتك. ا.ﻫ.

١  عبارة «الصحاح»: والعجعجة.
٢  انظر هذه الأبيات أيضًا في «همع الهوامع»، ج١، أواخر ص١٧٨.
٣  انظر مادة «صهبج» من «اللسان».
٤  كتب المصحح على الحاشية قوله: عمى عويف، في «اللسان»: خالي لقيط، وفي «شرح الأشموني على ألفية ابن مالك»: خالي عويف، ولعلها روايات. ا.ﻫ.
٥  في الأصل: في الصيصية بتشديد الياء وهو خطأ من المطابع، فقد نص البغدادي على التحقيق فيها.
٦  سقط: البرني.
٧  هذا الكلام خاص بلفظة «الصيصيج» كما تقدم وكما ستأتي.
٨  لعل الصواب «أنك».
٩  انظر أيضًا: «مسائل ابن السيد»، أوائل ص٧٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤