الفصل الثاني

الحياة المنزلية والحب والنساء

«مهما تفعل الأم فلا حق لولدها في تأنيبها.»

وقال من خطاب إلى جوزفين:

«وصلني خطابك الذي تؤنبينني فيه على سوء رأيي في النساء، أما الحقيقة التي لا مراء فيها فهي أني أكره ربَّات الدسائس منهن؛ ذلك بأني لم أعتد إلا رؤية السيدات الطيبات الرقيقات المؤاسيات، أولئك أحبُّهن. فإذا كنَّ قد ألفنني فذلك من خطئك لا خطئي، ولكن مهما يكن من الأمر فإنك تشهدين أنني سرت سيرة الكرم والتسامح مع امرأة عاقلة لبيبة جديرة بذلك؛ تلك هي مدام دي هاتزفلد، فإني لمَّا أريتُها خطاب زوجها أسبلت دموعها وصاحت صيحة الإخلاص والحزن وهي تقول: «بلى ذلك خطه بعينه!» وقد كفاني منها ذلك. أجل لقد بلغ قولها مني صميم الفؤاد، فقلت لها عندئذ: «أيتها السيدة ألقي هذا الخطاب في النار تسقط كل حجة على زوجك»، ففعلت وعادت إليها سعادتها، وها هو زوجها الآن في أمان، ولو انقضت قبل ذلك ساعتان لكان اليوم ميتًا. من ذلك ترين أنني أحب من النساء من كانت على شاكلة النساء بساطة ومودة ودعة؛ لأنها يومئذ تشابهك وتماثلك.»

«لست أرى ضرورة لإتعاب أنفسنا بوضع مشروع لتعليم الفتيات؛ فإنه لا تربية خير من تربية أمهاتهن لهن، أما التعليم العام فلا يوافقهن؛ لأنه لا يطلب منهن أن يعملن عملًا بين الناس. إن تربيتهن على الأخلاق الفاضلة هو الكل في الكل. أما هن فلا يتطلعن لشيء غير الزواج.»

سألتْ مدام دوستيل نابليون مرة: أي النساء أعظم؟ قال:

«أكثرهن ولدًا.»

«المرأة الجميلة تسرُّ العين، ولكن المرأة الصالحة تسرُّ القلب؛ أولاهما جوهرة والأخرى كنز.»

«أحرِ بالمحبة أن تكون مسرة لا مساءة.»

«إن الحب شغلة الخليِّ الكسول وضيعة المحارب ومهبط الملك.»

«المحبة الصادقة هي السعادة التامة.»

«لا تتم السعادة في البيوت حتى يلين أحد الطرفين للآخر.»

«إن الزوج الذي يرضى لنفسه أن تقوده امرأته قليل الاعتبار في نظري.»

«لم أجد أقوى من الضعف؛ يُشعر أن له من القوة حمى. ذلك دأب المرأة في كل حين.»

«إذا تملَّك الإنسانَ الحبُّ تملَّكه الضعفُ.»

«الحب جهالة وجنون.»

«أعتقد أن الحب مضرٌّ بالمجتمع، وقاضٍ على سعادة الفرد؛ لذلك أرى ضرره أكثر من نفعه.»

«لا تستطيع النساء جميعها أن تضيَّع عليَّ من زماني ساعة.»

«عندي من الأمور غير الحب ما أفكر فيه؛ إنه لا يستطيع رجل أن يبلغ في الحب غاية حتى يضيع عليه كثير من المجد. لقد رسمتُ لنفسي خطتها، فأقسم لا تستطيع أسحَرُ عينٍ ولا أفتَرُ طرفٍ، أن تحوِّلني عنها قيد شعرة.»

«لا أظن أن قلوبنا تستطيع أن تحب اثنين في آن واحد، إننا لنخدع أنفسنا إذا حسبنا أننا نحب شيئين حبًّا شرعًا.»

«لقد ملكتُ القلوب كما ملكتُ الأقطار.»

«ليست فرنسا في حاجة إلى ما يعيد من شأنها أكثر من حاجتها إلى أمهات صالحات.»

«إن للمبادئ الأولى التي ينالها الإنسان من أبويه، بل يشربها مع ما يرضعه من ثدي أمه، لأثرًا في النفس لا يمحى.»

«خير للنساء من تحريك لسانهن أن يشتغلن بالإبرة، ولا سيما إذا كان تحريك هذا اللسان في الأمور السياسية. أرى الحكومة تضيع إذا أخذت المرأة في تدبير الشئون العامة. إنه إذا رأت جوزفين يومًا أن هذا الأمر جدير أن تفعله الحكومة دعاني رأيها هذا إلى أن أفعل نقيضه على خط مستقيم.»

«يجب عليهن أن يعنين بتربية أولادهن وترتيب منازلهن من غير أن يشغلن أنفسهن بأمور ليس لهن بها دخل.»

«ليتني كنت تحادثت مع النساء كثيرًا؛ فإنهن كنَّ يذكرن إليَّ ما لا يستطيع الرجال ذكره.»

«ليس المجتمع في فرنسا شيئًا حتى تكون فيه السيدات؛ إنهن روح الحديث وحياة المجالس.»

«أهم ما يجب على الرجل إذا كان له بنون أن يربيهم تربية حسنة، ولكن إذا حرم الإنسان نفسه من الثروة بسببهم فإنما يأتي عملًا من أعمال الجنون. قد تقتصد وتجمع لهم الثروة والمال ثم لا تلبث حتى ترى حوراء قد ملكت فؤاد ولدك أو سارت به نفخة بوق، فإذا المال الذي جمعته لهم قد ضاع في لمحة عين! ألا إن أجدر ما تهتم به في حياتك أن تُعنى بشأن نفسك.»

(١) عائلة نابليون

(١-١) عن أمه

«إنها لجديرة بكل أنواع الاحترام؛ كانت رأفتها شديدة، وكان جزاؤها عدلًا؛ عاقبت أم أثابت. وكانت تنظر إلى الأمر من جهتيه.»

«إن الفضل فيما بلغتُ وفعلتُ من عظائم الأمور إنما هو لمبادئ والدتي وحسن أسوتها.»

«رأيُ أمي رأي سليم لا تخطئ فيه أبدًا؛ فنصائحها وتجاربها عندي لا تقدَّر بثمن.»

«إن أمي امرأة رشيدة ملئت حكمة وصوابًا.»

وقال عن مدام دي كولومبي؛ وهي أول من علق بها من النساء:

«كنا أطهر مخلوقَيْن، وكنا نعقد لتلاقينا اجتماعات قصيرة جميلة، أذكر منها أنني اجتمعت بها صباح يوم من أيام الصيف وقت السحر فكانت كل سعادتنا في تلك الساعة أن جلسنا نأكل أثمار الكرز.»

(١-٢) جوزفين

«جوزفين أيتها الشريفة، إني مدين لك بهنيهات السعادة التي قضيتها في حياتي.»

figure
جوزفين.
وقال وهو يخاطب جوزفين في آخر اجتماع بها:

«لقد كنتُ يا جوزفين سعيدًا كأي رجل في هذه الدنيا، ولكني اليوم وقد تكاثفت فوق رأسي سحائب من الهم لا أجد لي سواك ألجأ إليه.»

وقال وهو يودع جوزفين قبل سفره إلى جزيرة ألبا:

«إن سقوطي لعظيم، ولكن ربما كان نافعًا كما يقول الناس. إني سأجعل القلم في عزلتي مكان السيف فأسطر به تاريخ حياتي، وسيرى الناس أنه عجيب. لم يرَ العالم مني حتى اليوم إلا جانب طلعتي، ولسوف أريهم نفسي في تمامها، فكم من أمور خافية سأكشف عنها الغطاء … الوداع يا جوزفين أيتها العزيزة، تجلدي كما أنا متجلد، ولا تنسي الذي لم ينسَكِ ولا هو ذو قدرة على نسيه لك. الوداع الوداع يا جوزفين.»

وقال بعد تخليه عن المُلك في المرة الثانية:

«كل شيء هنا يهيج في نفسي آلام الذكرى، هذه الدار أول شيء ملكته، اقتنيتها بمال حصَّلته بكدي. لقد كانت دار السعادة كلها. أين التي كانت نور هذا المكان وجوهرته! لقد غلبني الدهر عليها وقتلتها المصايب التي نزلت بي. ما كنت أظن منذ عشر سنوات أنني سأجد فيها يومًا من الأيام حِمًى من أعدائي!»

«كم موقعة تطلبتُ لنفسي فيها الموت فلم أجده! واليوم لو جاءني لهللت له فرحًا واغتباطًا، بيد أني أريد أن أرى جوزفين مرة أخرى (١٨١٤).»

«كانت جوزفين مخلصة لي. كانت تحبني حبًّا ممزوجًا بالحنو. لم يكن لإنسان غيري في قلبها مكانة فوق مكانتي، نزلتُ منه أعلى منزل، ونزل أولادها بعد ذلك. على أنها كانت محقة في كل حبها لي؛ لأنها هي المخلوق الذي أحببته أعظم الحب، حتى لتزال ذكراها مجددة في فؤادي عاملة في قلبي. كانت جوزفين ظُرفًا مجسمًا، وكان كل شيء تفعله يدل على هذا الظُّرف. لم أرَهَا مدة عشرتي معها قد عملت شيئًا بغير تلطف ولا رشاقة؛ كانت تجعل هندامها كاملًا وتخفي مظهر العمر بحسن ذوقها في التجميل.»

(١-٣) ماري لويز

«كان حكم ماري لويز قصير الأمد، ولكنها نعمت به؛ لأن العالم كله كان تحت أقدامها.»

«إني إذا أفقدت الإمبراطورة لا أتزوج.»

(١-٤) المقارنة بين جوزفين وماري لويز

«كانت الأولى الرقةَ والفنَّ، وكانت الأخرى الطهارةَ والبساطةَ. لم أرَ من تلك في أي وقت من أوقاتها إلا الجميل الساحر، حتى لا يستطيع الإنسان أن يرى عليها غبرة يؤاخذها عليها. كانت إذا طالعت طالعت لتسرَّ وتبهج، وإذا حاولت أمرًا بلغته من غير أن يبدو لأحد أنها تحاول هذا الأمر، وكان كل ما احتوته الفنون من دواعي لَفْت الأنظار آلة في يدها تستفيد منه، ولكن كان ذلك خفيًّا لا يكاد يلمسه النظر إلا توهمًا.

أما الثانية، فلم تكن تتصور أن في الوجود أمرًا يُنال بالحيلة. كانت جوزفين قريبة من الحق دائمًا، سريعة إلى النفي في البوادر، أما ماري فكانت لا تعرف التصنُّع ولا الرياء، ولا تعرف من الأمور مختلط السبل.

لم تطلب الأولى شيئًا، ولكنها كانت مدينة هنا وهناك، وكانت الثانية لا تتردد في الطلب إذا هي أنفقت كل ما في يدها، على أن ذلك لم يكن إلا نادرًا. لم تأخذ شيئًا إلا وشعرت بضرورة مقابلته بالجميل في حينه. كلتاهما طيبة القلب، حلوة الشمائل، مخلصة لزوجها ومحِبَّة.»

«أظن أني وإن أكن أحببتُ ماري لويز بإخلاص قد أحببتُ جوزفين أكثر منها. ذلك أمر طبيعي؛ فقد نشأتُ معها وكانت لي بعد ذلك زوجة صالحة، بل الزوجة التي اخترتها … كانت ماري من الإخلاص بقدر ما كانت جوزفين من السياسة، كانت جوزفين تبدأ القول بالنفي حتى يكون لها من وراء ذلك متسع من الوقت للتفكير والنظر. ثم كانت تستدين كثيرًا وتحملني سداد هذه الديون. كانت لها في كل شهر حَلْفة على أن تقتصد. وهناك تلقي عليَّ ما كان يجمُّ في فؤادها. كانت باريسية بالمعنى الصحيح. ما كنت لأفارقها لو أنها وَلدت لي ولدًا، ولكن بذلك قضى سوء الحظ.»

وقال لمنثلون في صباح اليوم السادس والعشرين من شهر أبريل سنة ١٨٢١ وهو في سكرات الموت، بعد موت جوزفين بسبع سنوات تقريبًا:

«قد رأيت جوزفين يا منتلون فعانقتني ثم اختفت فجأة حين أردت أن أعانقها. كانت جالسة على ذلك المقعد وكأني رأيتها أمس مساء لم تتغير، بل كانت كما هي شديدة الميل إليَّ. قالت لي أنَّا على وشك أن نجتمع ويرى بعضنا بعضًا ثم لن نفترق بعد ذلك. ولقد أكدت لي ذلك — أفلم ترها يا منتلون؟»

«إذا بلغ الرجل من العمر خمسين سنة فيندر أن يتملَّكه الحب. لقد كان برثير يستطيع ذلك، أما أنا فلا أستطيعه. لقد تحجر قلبي، بل هو اليوم أشبه بالنحاس. لم أكن يومًا من الأيام عاشقًا، اللهم إلا لجوزفين، على أنه كان عشقًا قليلًا. إني كنت في سن السابعة والعشرين يوم عرفتها، أما ماري لويز فلم يكن حبي لها إلا ودادًا أخلصه لها، على أني ربما كنت من رأي جاسيون إذ يقول: إن الحياة ليست من القيمة بحيث يصح أن يهبها الإنسان لإنسان.»

(١-٥) ملك روما

«ولدي أحب شيء إليَّ في العالم بعد فرنسا.»

«ما أثقل صولجان الملك في يد ولدي من بعدي!»

«وا حسرتاه لولدي! أي شقاء أتركه له من بعدي! وا حسرتاه على طفل يولد ملكًا ثم لا يجد الآن لنفسه وطنًا!»

«لو ولدت لي جوزفين ولدًا لجعلني هذا الولد سعيدًا وحفظ في نفسه أسرتي، ولكان الفرنسيون أحبوه أكثر مما يحبون ولدًا من ماري لويز، ولم تكن قادتني قدمي إلى السقوط في تلك الوهدة التي غطاها بساط من الزهور؛ تلك الوهدة التي جلبت عليَّ الدمار كله. فلا يعتدَّ إنسان بعد اليوم بحسن تدبيره، ولا يعجل لسانه بالحكم على الحياة في سعدها وبؤسها قبل أن ينقضي أمد هذه الحياة … بيد أن جوزفين كانت تعلم أنه لا زواج بلا نتاج.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤