بضع نساء

أندهش في بعض الأحيان حين أفكر في عمري. أذكر حين كانت تُرَشُّ شوارع البلدة التي عشت فيها بالمياه لتهدئة التراب في الصيف، وحين كانت الفتيات يَرْتَدِينَ فساتينَ ذات خَصْر مُحْكَم ومن قماش القرينول القطني الذي ينتصب وَحْدَهُ، وحين لم يكن هناك الكثير مما يمكن عمله مع شلل الأطفال واللوكيميا — تحسَّنَ بعض من أصابهم شلل الأطفال، سواء أصيبوا بعدَها بالعَجْز أم لا، لكن من عانَوْا من اللوكيميا رقدوا في الفراش، وبعد انهيار كان يدوم أسابيع أو شهورًا في جوٍّ مأساوي، كانوا يموتون.

حصلت على وظيفتي الأولى بسبب حالةٍ كهذه في إجازة الصيف حين كنت في الثالثة عشرة من عمري. عاد السيد كروزير الشاب (بروس) إلى بيته من الحرب سالمًا؛ إذ كان طيارًا مقاتلًا، التحق بالجامعة ودرس التاريخ، وتخرج فيها، وتزوج، وهو يعاني الآن من اللوكيميا. عاد هو وزوجته ليَبْقَيَا مع زوجة أبيه السيدة كروزير العجوز. وكانت السيدة كروزير الشابة (سيلفيا) تذهب مرتين أسبوعيًّا في فترة ما بعد الظهيرة لتدرس أحد الفصول الدراسية الصيفية في تلك الكلية ذاتها التي تقابلا فيها، على بعد أربعين ميلًا. وظفوني لأرعى السيد كروزير الشاب أثناء غيابها عن المنزل. كان يرقد في السرير في أول غرفة في الدور العلوي، وكان لا يزال قادرًا على الذهاب إلى الحمام بنفسه. كل ما كان عليَّ أن أفعله هو أن أُحضر له الماء وأن أخففَ الإضاءة أو أَزِيدَها، وأرى ما الذي يحتاجه حين يقرع الجرس الصغير الموضوع على المائدة الصغيرة بجوار سَرِيره.

كان ما يريده غالبًا هو تحريك الْمِرْوَحة. أحب نسيمها لكن كان يزعجه ضجيجها؛ لذا كان يريد الْمِرْوَحة في الغرفة فترة من الوقت، ثم يريد إخراجها إلى القاعة لكن بالقرب من بابه المفتوح.

حين سمعت أمي هذا تساءلتْ عن السبب الذي جعلهم لا يضعونه في غرفة في الطابق السفلي، حيث السقف عالٍ بالتأكيد، وسوف يشعر ببرودة أكبر.

أخبرتها أنه لا توجد غرف نوم بالطابق السفلي.

قالت: «حسنًا، يا للسماء! ألا يستطيعون تجهيز واحدة بصفة مؤقتة؟»

أظهر هذا ضآلة ما تعرفه عن إدارة بيت آل كروزير أو سيطرة السيدة كروزير العجوز. تمشي السيدة كروزير العجوز بعكاز. تصعد السُّلَّم مرة واحدة، على نحو كئيب ينذر بالشؤم؛ لترى ابن زوجها في الأيام التي أكون فيها هناك، وأظن أنها لا تفعل أكثر من هذا حين لا أكون هناك، ثم صعودًا آخر، حسب الضرورة، حين تذهب للنوم. لكن فكرة وجود غرفة نوم في الطابق السفلي يمكن أن تُغضبَها مثل فكرة وجود حمام في غرفة المعيشة. لحسن الحظ كان هناك بالفعل حمام في الطابق السفلي، خلف المطبخ، لكني كنت متأكدة أنه لو كان الحمام الوحيد في الطابق العلوي لكانت فضلت صعود السلم بقدر ما هو ضروري ومجهِد، على أن ترى تغييرًا جذريًا ومزعجًا.

كانت أمي تفكر في العمل في مجال القطع الأثرية العتيقة؛ ولهذا كانت مهتمة جدًّا بالمنزل من الداخل. دخلتْه مرة في أول يوم لي. كنت في المطبخ، ووقفتْ مُرتاعة حين سمعتها تهتف «يوووو-هووو» ثم أتبعتْ ذلك بالشتيمة المرحة الخاصة بي، ثم دَقَّتها الروتينية، خطواتها على سلم المطبخ. حينها خرجت السيدة كروزير العجوز تمشي بتثاقل من الغرفة الْمُشْمسَة.

قالت أمي إنها مرت لترى كيف تسير شئون ابنتها.

قالت السيدة كروزير التي كانت تقف عند باب الصالة تحجب رؤية القطع الأثرية القديمة: «لا بأس بها.»

ألقت أمي ببعض الملاحظات المخزية الأخرى قبل أن ترحل. في الليلة ذاتها، قالت أمي إن السيدة كروزير العجوز لا تتمتع بالتهذيب؛ لأنها مجرد زوجة ثانية التقطها زوجها في رحلة عمل إلى ديترويت؛ ولهذا كانت تدخن وتصبغ شعرها أسود بلون القَار وتضع أحمر شفاه مثل لطخة مُرَبَّى. لم تكن حتى أمَّ المريض الذي في الطابق العلوي. لم تتمتع بالذكاء الكافي لتكون أمه.

(كنا أثناء أحد شِجاراتنا حينئذٍ؛ وكان هذا الشِّجار يتعلق بزيارتها، لكن هذا أمر لا أهمية له.)

أما من وجهة نظر السيدة كروزير العجوز، فلا بد أني بَدَوْتُ مجرد متطفلة مثل أمي، مجرد متبجحة مرحة. في يومي الأول ذاته دخلت قاعة الاستقبال الخلفية، وفتحت خزانة الكتب، ووقفت هناك أتفحص مجموعة كلاسيكيات هارفارد المصفوفة على نحو ممتاز. معظمها أَجْفَلَنِي، لكني أخرجت واحدًا، ربما كان رواية على الرغم من عنوانه بلغة أجنبية I Promessi Sposi (أعدك بالزواج). اتضح أنه رواية بالفعل، وكان بالإنجليزية.

لا بد أني كنت أتصور حينئذٍ أن كل الكتب مجانية أينما وجدتُها، مثل المياه في الصنبور العمومي. حين رأتني السيدة كروزير مع الكتاب سألتْني من أين حصلت عليه، وما الذي أفعل به. أجبتها بأني التقطتُه من المكتبة وأحضرته للطابق العلوي لكي أقرأ. يبدو أن الأمر الذي أربكها هو أني حصلت عليه من الطابق السفلي وأحضرته إلى الطابق العلوي. واضح أنها نَحَّتْ جانبًا جزءَ القراءة، كما لو أن هذا النشاط غريب جدًّا على تفكيرها. وأخيرًا، قالت لي إني إذا أردت أن أقرأ كتابًا فعليَّ إحضاره معي من البيت.

كانت الرواية مملَّة ورتيبة على كل حال، ولم أُبَالِ بإعادتها إلى مكانها في المكتبة.

كان هناك بالطبع كتب في غرفة المريض، بدا لي أن القراءة مقبولة فيها. لكن غالبية الكتب كانت مفتوحة، وعلى وجهها، كما لو أن السيد كروزير قرأ قليلًا من هذا وذاك ووضعه جانبًا. ولم تجذبني عناوينها: «محاكمة الحضارة»، «المؤامرة الكبرى على روسيا».

كانت جدتي قد حذَّرتني من لمس أي شيء يكون المريض قد لمسه؛ بسبب الجراثيم، إذا كان بوسعي تجنب ذلك، وأخبرتْني أنه يجب أن أضع قطعة قماش بين أصابعي وكوبِه.

قالت أمي إن اللوكيميا ليست مرضًا تسببه الجراثيم.

قالت جدتي: «ما الذي يسببه إذن؟»

– «الأطباء لا يعرفون.»

– «هاه.»

•••

كانت السيدة كروزير الشابة هي التي تأخذني وتعيدني إلى منزلي، مع أن المسافة لم تتجاوز عُبور البلدة من طرَف إلى الآخر. كانت امرأة طويلة ورفيعة ذات شعر فاتح، ولون بشرة متغير؛ ففي بعض الأحيان كان يملأ وَجْنَتَيْهَا بُقَعٌ حمراء وكأنها كانت تَحُكُّهما. سَرَتْ إشاعةٌ أنها أكبر سنًّا من زوجها، وأنه كان تلميذَها في الكلية. قالت أمي إنه يبدو أن أحدًا لم يفكر أنه قد يكون تلميذها ببساطة لأنه من قدامَى المحاربين دون أن يجعلها هذا أكبر منه. يعاملها الناس بِعَدَاءٍ لأنها متعلمة فقط.

قالوا أيضًا إنها كان يمكن أن تلازم المنزل وترعاه، حسبما يُلزمها عقد الزواج ووعوده، بدلًا من أن تخرج للتدريس. دافعت عنها أمي مرة أخرى فقالت إنهما ظهيرتان فقط أسبوعيًّا وعليها أن تحافظ على وظيفتها؛ إذ تدرك أنها سوف تَعُولُ نفسها قريبًا جدًّا. وتساءلت أمي: إذا لم تبتعد عن السيدة العجوز بين الحين والآخر، ألا تعتقدين أنها قد تُجَنُّ؟ لطالما دافعت أمي عن النساء اللواتي يعملن في البلدة، ولطالما وَبَّخَتْهَا جدتي بسبب هذا.

في أحد الأيام حاولتُ أن أجريَ حديثًا مع السيدة كروزير الشابة أو سيلفيا. كانت الخريجة الجامعية الوحيدة التي أعرفها، ناهيك عن أنها معلمة؛ بالإضافة إلى زوجها بالطبع، الذي لم أَعُدْ أضعه في الاعتبار.

سألْتُها: «هل كتب توينبي كتبًا تاريخية؟»

قالت: «أَسْتَمِحُيك عذرًا؟ أوه! نعم.»

لم يكن أي أحد منا يعني لها شيئًا؛ لا أنا، ولا من انتقدوها، ولا من دافعوا عنها، لسنا أكثر من حشرات حول مصباح مضيء.

•••

ما كان يعني السيدة كروزير العجوز حقًّا هو حديقة أزهارها. كان لديها رجل يأتي ويساعدها، شخص في مثل عمرها لكنه أكثر خفة ومرونة. كان يقطن في شارعنا، وفي الحقيقة كان هو مَنْ حَدَّثَهَا عني كموظفة محتملة. في البيت، لا يفعل شيئًا سوى الثرثرة ويترك الأعشاب الضارَّة تنمو، لكنه عند السيدة يقتلع الأعشاب، ويُسَمِّد الحديقة، ويتذمر، بينما تتبعه هي متكئة على عكازها، وتظللها قبعتها القش الكبيرة. في بعض الأحيان تجلس فوق مَقْعدها، لكن تُعَلِّق وتعطي الأوامر وتدَخِّن سيجارة. في البداية، تجرأت على المشي بين الأسيجة المتقنة الصُّنْع لأسأل إن كانت هي أو معاونها يرغبان في كوب من المياه، فصرخت: «انتبهي لأحواض الزرع» قبل أن تقول: كلا.

لم تكن هناك زُهور تدخل المنزل. أفلتت بعض نباتات الخشخاش ونمتْ بقوة خلف السياج، تقريبًا في الشارع؛ لذا سألْتُ إن كنت أستطيع جمع باقة منها لأضفيَ البهجة على غرفة المريض.

قالت: «ستموت فحَسْبُ»، دون أن تَعِيَ على ما يبدو أن هذه الملاحظة ذات حَدَّيْنِ، في ظل الظروف الحالية.

بعض اقتراحات أو أفكار معينة كانت تجعل عضلات وجهها الْمُبَقَّع الرخو ترتجف، وتجعل عينيها تصبحان حادَّتَيْنِ وسوداوَيْنِ، وتجعل فمَها يتحرك كما لو أن به مذاقًا بغيضًا. يمكن لملامح وجهها أن تُوقفَك عن الكلام حينَها، مثل النباتات الشوكية البَرِّيَّة.

•••

لم يكن يَوْمَا عملي متعاقِبَيْنِ. فلْنَقُلْ إنهما كانا الثلاثاء والخميس مثلًا. كنت وحيدة في اليوم الأول مع الرجل المريض والسيدة كروزير. وصل في اليوم الثاني شخص لم يخبروني عنه. سمعت صوت السيارة أمام البيت، وبعض الخطوات النشطة تصعد السلالم الخلفية، وشخصًا يدخل المطبخ دون أن يطرق الباب، ثم نادى أحدهم: «دورثي»، التي لم أكن أعرف أنه اسم السيدة كروزير العجوز. كان الصوت لامرأة أو فتاة، وكان جريئًا ومثيرًا في آنٍ واحد، فتشعر تقريبًا أن هذا الشخص يدغدغك.

هبطتُ السلم مسرعة وأنا أقول: «أعتقد أنها في الغرفة الْمُشْمِسَة.»

قالت: «واو، ما هذا؟ من أنتِ؟»

أخبرتها من أنا وماذا أفعل هنا، وقالت السيدة الشابة إن اسمها روكسان.

وأردفت: «أنا المدَلِّكة.»

لم أكن أحب أن يفاجئني أحد بكلمة لا أعرفها. لم أقل أي شيء لكنها رأت تعبيرات وجهي.

قالت: «لم تفهمي ما تعنيه المدلكة، أليس كذلك؟ أنا أقوم بجلسات تدليك للجسم، هل سمعت عن هذا من قبل؟»

كانت حينئذٍ تفرغ محتويات الحقيبة التي معها: ضمادات وأقمشة متنوعة وفُرَش مخملية.

ثم أردفت: «سأحتاج إلى بعض المياه الساخنة لتدفئة هذه الأشياء، يمكنك أن تسخني بعض الماء في الغلاية.»

كان المنزل كبيرًا، لكن لم يكن به إلا مياه باردة في الصنبور، كما في منزلي.

يبدو أنها رأت أني شخص على استعداد لتلقي الأوامر؛ خاصة، ربما، الأوامر التي تصدر بصوت لطيف جدًّا كصوتها. وكانت على حق، مع أنها ربما لم تخمن أن استعدادي كان بدافع الفُضول أكثر من سحرها.

اكتسبت سمرة مبكرًا في ذلك الصيف، وكان شعرها الصبياني يلمع لمعة نُحاسية؛ وهو ما يمكن أن تكتسبَه بسهولة هذه الأيام بواسطة زجاجة، لكن كان حينئذٍ أمرًا غير معتاد ويدعو للحسد. كانت ذات عينين بُنِّيَّتَيْنِ، ولديها غَمَّازة في أحد خَدَّيْهَا، وتبتسم وتمرح بحيث لا يمكنك قَطُّ أن تُلقيَ نظرة فاحصة على وجهها لتعرف ما إذا كانت جميلة حقًّا أم لا، أو كم عمرها.

انحنى ردفاها على نحو جميل إلى الوراء بدلًا من أن يتوزعا على جانبيها.

علمتُ على الفور أنها وافدة جديدة على البلدة، متزوجة من ميكانيكي يعمل في محطة إسو، وأن لديها ولدين، أحدهما في الرابعة والآخر في الثالثة. قالت وهي تغمز إحدى غمزاتها العابثة: «احتجت بعض الوقت لأفهم السبب في مجيئهما.»

تدربتْ على مهنة التدليك في هاملتون حيث كانوا يعيشون، واتضح لها أنه العمل الذي تمتعتْ دائمًا بمهارة خاصة في أدائه.

صاحت: «دووورثي؟»

قلت لها مرة ثانية: «إنها في الغرفة المشمسة.»

قالت: «أعرف، أنا أمازحها فحَسْبُ. ربما لا تعرفين شيئًا عن التدليك، لكن عندما تدلكين جسمك، يجب أن تخلعي كل ملابسك. لا تكون مشكلة كبيرة حين تكونين شابة، لكن حين تكبرين في العمر، كما تدركين، تشعرين بالحرج الشديد.»

كانت مخطئة في أمر واحد فقط، على الأقل بالنسبة لي، أخطأت في أن ذلك لا يكون مشكلة في الشباب.

وأضافت: «لهذا ربما يجب أن تنسحبي من هنا على الفور.»

هذه المرة صعدتُ السلم الأمامي بينما كانت هي مشغولة بالماء الساخن. بهذه الطريقة استطعت أن ألقيَ نظرة عبر باب الغرفة المشمسة، حيث لم تكن مشمسة على الإطلاق؛ إذ إن كل نوافذها في الجهات الثلاث مغطاة بأوراق عامرة من أشجار الكتلبة.

رأيت السيدة كروزير العجوز هناك مستلقية على سرير، على بطنها، رأسها متجه إلى الجهة الأخرى مني، عارية تمامًا. طبقة رقيقة رفيعة من اللحم الشاحب. لم يبدُ جسمها عجوزًا جدًّا مثل الأجزاء التي تظهر منه يوميًّا؛ يداها المعرقتان المنمشتان، وساعِداها، ووَجْنَتاها المبَقَّعتان. هذا الجزء المغطى من جسدها كان أصفر مائلًا إلى البياض، مثل الخشب الذي نُزع عنه لحاؤه.

جلست على الدرجة الأولى، واستمعت إلى أصوات التدليك. ضربات ونخرات. صوت روكسان آمرًا ومبتهجًا لكنه مُحفز.

– «عقدة متيبسة هنا. أوه! سأُضْطَرُّ إلى صَفْعِك بشدة. أمزح معك. آوو. هيا، فكِّي من أجلي. تعلمين أن لديك جلدًا جميلًا هنا. تجويف ظهر كمثل مؤخرة الطفل. الآن سوف أضغط عليك قليلًا، سوف تشعرين بهذا هنا. تخلَّصي من التوتر. فتاة جيدة.»

كانت السيدة كروزير العجوز تَعوي قليلًا. أصوات شكوى وامتنان. استمرت الجلسة لفترة طويلة ثم شعرتُ بالملل فعدت لأقرأ بعض المجلات البيتية الكندية القديمة التي وجدتها في خزانة الردهة. قرأت وصفات طعام وتفحصت الموضة القديمة حتى سمعت صوت روكسان يقول: «الآن سوف أنظِّف هذه الأشياء ونصعد لأعلى كما تريدين.»

وضعت المجلات في مكانها في الخزانة؛ المجلات التي كانت أمي ستحسدني عليها، ثم دخلت غرفة السيد كروزير. كان نائمًا، أو على الأقل عيناهُ مغلقتان. حركت المروحة بضع بوصات ورتبت غطاءه وذهبت أقف إلى جانب النافذة أتحسس طريقي في العتمة.

وكما هو متوقع، علَتْ ضجة من السلم الخلفي؛ السيدة كروزير العجوز بخطواتها البطيئة والمتوعدة مع العكاز، وروكسان تركض تسبقها على السلم وتنادي: «احذرْ، احذرْ، أينما كنت، نحن آتيتان لإمساكك أينما كنت.»

فتح السيد كروزير عينيه الآن، وعلا وجهه المرهق تعبير ينم عن القلق. لكن قبل أن يتظاهر بالنوم مرة أخرى، اندفعت روكسان إلى الغرفة.

قالت: «إذن، هذا هو المكان الذي تختبئ فيه. قلت لزوجة أبيك إني أعتقد أن الوقت حان لأتعرف عليك.»

قال السيد كروزير: «كيف حالك روكسان؟»

– «كيف عرفت اسمي؟»

– «الشائعات تنتشر.»

– قالت روكسان للسيدة كروزير العجوز، التي جاءت إلى الغرفة تتعثر في خطواتها: «لديك شخص ظريف هنا.»

قالت السيدة كروزير لي: «كفِّي عن التسكع؛ اذهبي وأحضري لي كوب ماء فاتر إذا كنت تريدين أن تفعلي شيئًا مفيدًا. ليس باردًا، فاترًا فحَسْبُ.»

قالت روكسان للسيد كروزير: «حالتك مُزْرِيَة. مَنْ حلق لك ذقنك؟»

قال: «حلقتها أمس بنفسي، بقدر ما استطعت.»

قالت روكسان: «هذا ما ظننته.» ثم قالت موجهة حديثها إليَّ: «حين تُحضرين لها كوب الماء، ما رأيك في أن تسخني لي بعض الماء لأتولى حلاقة ذقنه على نحو لائق؟»

•••

هكذا حصلت روكسان على هذا العمل الآخر، مرة أسبوعيًّا بعد جلسة التدليك. قالت للسيد كروزير في ذلك اليوم الأول ألا يقلق.

قالت له: «لن أخبط عليك كما لا بد أنك سمعتني أفعل مع دورثي العابثة في الدور السفلي. قبل أن أصبح مدلكة كنت أعمل في التمريض، مساعد ممرض. واحدة من تلك الأعمال التي تعمل فيها كل شيء ويمر الممرضات ليُشرفن عليك. على كلٍّ، تعلمت كيف أريح الناس.»

دورثي العابثة؟ ابتسم السيد كروزير ابتسامة عريضة. لكن الغريب أن السيدة كروزير العجوز اكتفت أيضًا بالابتسام فحَسْبُ.

حَلَقَتْ روكسان ذقنه بمهارة. مسحت وجهه ورقبته وجذعه وذراعَيْهِ ويَدَيْهِ بإسفنجة، وسحبت الْمُلاءات من تحته، بطريقة لا تزعجه، وخبطت الوسادات وأعادت ترتيبها. كانت تتحدث طوال الوقت؛ مزاح خالص وهُراء.

قالت: «دورثي، أنتِ كاذبة؛ قلت إن لديك رجلًا مريضًا فوق، فأدخل هنا وأتساءل أين الرجل المريض؟ لا أرى أي رجل مريض هنا.»

قال السيد كروزير: «إذن ما رأيك فيَّ؟»

– «تتعافى، هذا ما أعتقده. لا أقول إنك يجب أن تنهض وتجري، لكني أقول إنك تتعافى. أي شخص مصاب بمرضك ليس من المفترض أن يبدو في حالة جيدة كما تبدو أنت الآن.»

اعتقدت أن هذه الثرثرة المليئة بالغزل مهينة؛ كان مظهر السيد كروزير رهيبًا في الحقيقة، رجل طويل برزت أضلاعه بينما كانت تمسح جسده مثل أضلاع شخص عانى من الجوع، أصلع، وجِلْده مثل جِلْد دجاجة منتوفة الريش، وبرزت عُروق رقبته وكأنه طاعن في السن. حينما كنت أخدمه بأي شكل كنت أتجنب النظر إليه، ليس لأنه مريض وقبيح بل لأنه يُحْتَضَرُ. كنت سوف أشعر بشيء من هذا التحفظ حتى لو بَدَا جميلًا ملائكيًّا. كنت أشعر بجو الموت في المنزل؛ إذ يغدو أكثر كثافة حين تقترب من غرفته، وكان هو مَرْكزها، مثل خبز القُربان المقدس الذي يحتفظ به الكاثوليك في صُندوق يسمى الصِّيوان. كان هو المنكوب، مميزًا عن الجميع، وها هي روكسان تنتهك أرضه بمزحاتها وتبخترها وفكرتها عن التسلية.

تتساءل، على سبيل المثال، عمَّا إذا كان هناك في المنزل لُعبة اسمها الشطرنج الصيني.

وربما كانت زيارتها الثانية حين سألته ماذا فعل طَوال اليوم.

أجابها: «أقرأ أحيانًا، وأنام.»

وكيف نام في الليل؟

– «إذا لم أستطع النوم، أستلقي مستيقظًا، أفكر، أقرأ أحيانًا.»

– «ألا يزعج هذا زوجتك؟»

– «تنام في الغرفة الخلفية.»

– «آها. إنك بحاجة إلى بعض التسلية.»

– «هل ستغني وترقصي لي؟»

رأيت السيدة كروزير العجوز تدير وجهها بابتسامتها الغريبة الخارجة عن إرادتها.

قالت روكسان: «لا تكن وقحًا. هل تحب لعب الورق؟»

– «أكره لعب الورق.»

– «حسنًا، هل لديك شطرنج صيني في البيت؟»

وجهت روكسان السؤال إلى السيدة كروزير العجوز، التي قالت في البداية إنها لا تعرف، ثم تساءلت إن كان هناك واحد في درج من أدراج بوفيه غرفة الطعام.

لذا أرسلتني لأنظر، وعُدْتُ باللوح ووعاء من أحجار الداما الصغيرة.

وضعت روكسان اللوح على ساقَيِ السيد كروزير، ولعبت هي وأنا والسيد كروزير، بعد أن قالت السيدة كروزير العجوز إنها لم تفهم قطُّ اللُّعبة ولم تستطع أن تحافظ على أحجارها منتصبة. (لدهشتي، بدا لي أنها تقول هذا مازحة). قد تصرخ روكسان حين تحرك قطعة من أحجارها أو تزوم حين ينقضُّ شخص آخر على واحد منها، لكنها كانت حريصة ألَّا تزعجَ المريض أبدًا. احتفظت بجسدها ساكنًا وكانت ترتب قطع أحجارها كأنها ريشات. حاولتُ أن أتعلمَ أن أفعل مثلها؛ لأنها كانت تفتح عينيها على وُسعها تحذِّرني إن لم أفعل هذا. كل هذا بدون أن تفقد نغزتها.

تذكرت أن السيدة كروزير الشابة، سيلفيا، قالت لي في السيارة إن زوجها لا يحبذ الحوارات. قالت إنها تُنهكه، وحين يتعب يصبح مهتاجًا؛ لذا اعتقدت أن هذا الوقت هو الذي يمكن أن يصبح عصبيًّا فيه؛ إذ أجبر على لعب لُعبة سخيفة على سَرِير احتضاره؛ حيث تستطيع أن تشعر بحرارته الشديدة في الْمُلاءات.

لكن يبدو أن سيلفيا كانت مخطئة؛ فقد أظهر صبرًا عظيمًا وتأدبًا أكثر مما تعلم عنه. تصرَّف مع أُناس أدنى منه — بالتأكيد كانت روكسان أدنى منه — بتسامح ونُبْل. في حين أن كل ما كان يريد أن يفعلَه هو الاستلقاء وتأمُّل حياته والاستعداد لمستقبله.

مسحت روكسان العرق عن جبينه وهي تقول: «لا تفرحْ، أنت لم تَفُزْ بعدُ.»

قال: «روكسان، روكسان؛ هل تعرفين اسم من هذا يا روكسان؟»

قالت: «هممم؟» ومِنْ ثَمَّ تدخلتُ أنا في الحديث. لم أستطع أن أتمالك نفسي.

– «كان اسم زوجة الإسكندر الأكبر.»

كان رأسي مثل عش غراب العقعق المحتشد بكسرات لامعة من المعلومات.

قالت روكسان: «حقًّا؟ ومن يكون الإسكندر الأكبر هذا؟»

أدركت شيئًا حين نظرت إلى السيد كروزير في تلك اللحظة؛ شيئًا صادمًا ومحزنًا.

لقد كان يفضل ألَّا تعرفَ. أدركت هذا. كان يفضل ألَّا تعرفَ. لقد أيقظ جهلُها متعةً ذابت على لسانه مثل لعقة من حلوى التوفي.

•••

كانت ترتدي في اليوم الأول بنطالًا قصيرًا مثلي، لكن في المرة الثانية، وفيما بعدُ دائمًا ارتدت روكسان فستانًا من قماش سميك أخضر فاتح لامع. تستطيع أن تسمع حفيفه وهي تجري على السلالم. أحضرت وسادة صوفية رقيقة ناعمة للسيد كروزير حتى لا يصابَ بقُرَح الفراش. كانت مستاءة من ترتيب أغطية السَّرِير دائمًا، وكانت دائمًا تعدلها. ولكن التغييرات التي كانت تجريها لم تزعجه قَطُّ، وجعلته يعترف أنه يشعر بالارتياح بعدَها.

لم تكن تحتار أو ترتبك قطُّ. أحيانًا تأتي مجهزة بالألغاز، أو النكات. بعض النكات كانت من تلك التي تسميها أمي بذيئة، ولم تكن لتسمح أن تُذكر في منزلنا، إلا عندما تَصْدُر عن بعض أقرباء أبي الذين لم يمارسوا فعليًّا أي نوع آخر من الأحاديث.

تلك النكات تبدأ عادة بأسئلة تبدو جادة لكنها سخيفة.

هل سمعت عن المربية التي ذهبت تشتري مطحنة لحم؟

هل سمعت عمَّا طلبه العروسان تحلية في ليلة زفافهما؟

تأتي الإجابات تحمل دائمًا معنًى مزدوجًا؛ بحيث إن قائل النكتة يمكن أن يتظاهر أنه صُدِمَ ويتهم الحاضرين بأن طريقة تفكيرهم قذرة.

وبعد أن جعلَتْهم يعتادون على إلقائها لتلك النكات، مضت روكسان إلى نوع من النكات لا أعتقد أن أمي على دراية بوجودها؛ إذ إنها غالبًا تتضمن الجنس بين الخراف أو الدجاج أو آلات حلب اللبن.

كانت دائمًا ما تقول في نهاية كل نكتة من تلك النكات: «أليس هذا فظيعًا؟» وقالت روكسان إنها ما كانت لتعرف هذه الأشياء لو لم يحضرها زوجها معه من الجراج.

صدمني أن السيدة كروزير العجوز تُقهقه بقدر ما صدمتني النكات ذاتها. اعتقدت أنها لا تفهم على الأرجح مَغْزاها، بل استمتعت ببساطة بالاستماع إلى كل ما تقوله روكسان. جلست بابتسامتها الممضوغة على وجهها برغم شُرودها، كما لو أنها تلقَّتْ هدية عرفت أنها سوف تحبها رغم أنها لم تفتحها بعدُ.

لم يضحك السيد كروزير على نكاتها؛ لكنه لم يكن يضحك قطُّ في الحقيقة. كان يرفع حاجبيه، متظاهرًا بأنه سوف يوبخ روكسان حين يراها بذيئة ومحببة أيضًا على حد سواء. ربما كان هذا من باب اللياقة أو الامتنان لكل مجهوداتها، أيًّا ما كان.

أنا شخصيًّا حرصت على أن أضحك، حتى لا تحطَّ من قدْري بسبب براءتي المتزَمِّتة.

كان الشيء الآخر الذي فعلَتْه، لتحافظ على الحيوية هو أن تحكيَ عن حياتها. حضرت من بلدة صغيرة ضائعة في شمال أونتاريو إلى تورونتو لتزور أختها الكبرى، ثم حصلت على وظيفة في إيتون؛ عاملة نظافة في الكافيتريا، ثم بعد أن لفتت انتباه أحد المديرين؛ لأنها سريعة في أداء عملها ومبتهجة دائمًا، وجدت نفسها فجأة بائعة في قسم القفازات (أعتقد أنها جعلت هذا يبدو كما لو أن شركة وارنر برذرز هي التي اكتشفتها). وفي يوم من الأيام جاءت باربرا آن سكوت، نجمة التزحلق على الجليد، التي اشترت زوجين من القفازات الطويلة البيضاء للأطفال.

في تلك الأثناء، كان لدى أختها العديد من العشاق حتى إنها كانت ترمي قطعة نقدية في الهواء لتحدد بها من الذي سوف تخرج معه كل ليلة تقريبًا، ووظفت روكسان لتقابل المرفوضين بتعبيرات أسف عند الباب الأمامي لمنزلهما المشترك، بينما تتسلل هي ومن وقع عليه اختيارها من الخلف. قالت روكسان إنها ربما اكتسبت ميزة الثرثرة بهذه الطريقة. وسريعًا ما بدأ بعض من الأولاد الذين قابلَتْهم بهذه الطريقة يطلبون الخروج معها بدلًا من أختها؛ إذ لم يعرفوا سِنَّها الحقيقي.

قالت: «اقتنصت فرصتي.»

بدأت أفهم أن هناك متكلمين معينين — بنات معينات — يحب الناس أن يستمعوا إليهن، ليس بسبب ما يَقُلْنَهُ، بل للبهجة التي يضفينها على ما يَقُلْنَهُ. بهجة في داخلهن، إشراق على وجوههن، اقتناع بأن كل ما يَحْكِينَهُ رائع، وأنهن ذاتهن لا يَسَعُهُنَّ إلا إمتاع الآخرين. ربما كان هناك أناس آخرون — مثلي — لا يُقِرُّونَ بهذا، لكنهم هم الخاسرون. وأناس مثلي لن يكونوا أبدًا الجمهور الذي تسعى وراءه تلك الفتيات على كل حال.

اعتدل السيد كروزير مستندًا إلى وسائده، ونظر من كل النواحي كما لو كان سعيدًا، سعيدًا فقط بأن يغلقَ عينيه ويدعها تتكلم، ثم يفتح عينيه فيجدها أمامه، مثل أرنب الشوكولاتة في صباح عيد الفصح، وحينئذٍ — بعينين مفتوحتين — يتابع كل حركة من حركات شفتيها الجميلتين واهتزازات مؤخرتها البارزة.

تتأرجح السيدة كروزير العجوز إلى الأمام والخلف قليلًا في حالة رضًا غريبة.

كان الوقت الذي تقضيه روكسان في الدور العُلْوي يساوي الوقت الذي تقضيه في الدور السفلي في جلسة التدليك. تساءلت إن كانت تتقاضى أجرًا أم لا. لو أنها لا تتلقَّى أجرًا، فكيف تستطيع إنفاق هذا الوقت بلا مقابل؟ ومَنْ ذا الذي يدفع لها إلا السيدة كروزير العجوز؟

ولماذا؟

لكي يظلَّ ابن زوجها سعيدًا ومرتاحًا؟ أشك في هذا.

لكي تسلِّيَ نفسها بطريقة غريبة؟

•••

في ظهيرة أحد الأيام، حين تركت روكسان غرفته، قال السيد كروزير إنه يشعر بعطش أكثر من المعتاد. نزلت لكي أحضر له بعض الماء من الدَّوْرق الموضوع في الثلاجة دائمًا. كانت روكسان تستعد للرحيل.

قالت لي: «لَمْ أَنْوِ قَطُّ البقاء إلى هذا الوقت المتأخر، ما كنت لأرغب في مقابلة تلك المعلمة.»

للحظةٍ لم أفهم ما تقوله.

– «تعرفين ما أقصده، سيلفيا، هي أيضًا لا تحبني، أليس كذلك؟ هل تحدثتْ عني في أي مرة وهي توصلك؟»

قلت إن سيلفيا لم تذكر اسم روكسان قطُّ لي أثناء أي مرة من مرات توصيلي، لكن لماذا؟

قالت: «تقول دورثي إنها لا تعرف كيف تتعامل معه. تقول إني أُسعده أكثر منها. تقول دورثي هذا. لن أندهش لو أنها قالت لها هذا في وجهها.»

فكرت كيف تجري سيلفيا إلى غرفة زوجها كل ظهيرة حين تعود إلى المنزل، قبل حتى أن تتحدث إليَّ أو إلى حماتها، وجهها مشتعل بالشوق واليأس. أردت أن أقول شيئًا عن هذا؛ أردت أن أدافع عنها، لكني لم أعرف كيف. الناس الذين يتمتعون بقدْر المهارة الذي تتمتع به روكسان يستطيعون في الغالب الحصول على كل المعلومات التي يحتاجونها مني، حتى ولو بعدم الإصغاء إليَّ.

– «متأكدة أنها لم تَقُلْ أي شيء عني؟»

قلت لها مرة ثانية إنها لم تذكر اسمها: «تكون مرهقة حين تصل البيت.»

– «نعم، الجميع يشعرون بالتعب. البعض يتعلم أن يتظاهر بالعكس فحسب.»

قلت شيئًا حينئذٍ لمعارضتها: «إنها تروق لي تمامًا.»

سخرت روكسان قائلة: «تروق لك تمامًا؟»

سخرت بعبث وحِدَّة من تسريحة ضفائر مجدولة فعلتها بنفسي مؤخرًا.

قالت: «عليك أن تُمَشِّطي شعرك على نحو لائق.»

•••

لو أن روكسان تسعى وراء الإعجاب، وتلك هي طبيعتها، فما الذي تريده دورثي؟ انتابني شعور بأن هناك لُعبةً ما، لكني لم أستطع تحديدها. ربما ترغب فقط في أن تكونَ روكسان في المنزل. حيويتها في المنزل، لوقت مضاعف.

مر منتصف الصيف. كانت المياه منخفضة في الآبار. توقفت عربة الرَّشِّ عن الحضور، ووضعت بعض المتاجر صفحات من ورق يشبه السوليفان الأصفر على نوافذها لتحميَ بضائعها من الذُّبول. كانت أوراق الشجر مبقَّعة والعشب جافًّا.

ظلت السيدة كروزير العجوز حريصة على مجيء البستاني ليحرثَ حديقتها، يومًا بعد يوم. ذلك ما تفعله في الجو الجافِّ، تحرث وتحرث لكي تُخْرِجَ أي رطوبة يمكن أن تجدها تحت الأرض.

تنتهي المدرسة الصيفية في الكلية بعد الأسبوع الثاني من أغسطس، ومِنْ ثَمَّ سوف تصبح سيلفيا في البيت كلَّ يوم.

لا يزال السيد كروزير سعيدًا برؤية روكسان، لكنه ينام غالبًا. يمكن أن ينام دون أن يسقطَ رأسُه، أثناء سرد واحدة من نكاتها أو دعاباتها، ثم يستيقظ بعد لحظة ويسأل أين هو.

– «هنا، أيها الأبله النعسان، من المفترض أن تنتبه لي، يجب أن أضربَك، أو ما رأيك في أن أدغدغَك؟»

كان بوسع الجميع أن يرى أنه ينهار. كانت وَجْنتاه مجوَّفَتَيْنِ كرجل طاعن في السن، وشعاع الخفيف يشع فوق أعلى أذنيه كما لو كانتا من البلاستيك وليستا لحمًا (مع أننا لم نكن نقول «بلاستيك» حينَها، بل «سيلولويد»).

•••

كان اليومُ الأخير من عملي هنا وآخرُ يوم لسيلفيا في التدريس، أحدَ أيام التدليك. اضْطُرَّتْ سيلفيا أن تغادرَ المنزل مبكرًا متجهة إلى الجامعة؛ بسبب احتفالية ما، فقطعت البلدة مشيًا، وحين وصلت كانت روكسان موجودة بالفعل، وكانت السيدة كروزير العجوز في المطبخ أيضًا، ونظرتا إليَّ كما لو أنهما نسيتا أني قادمة؛ كما لو أني قاطعتهما.

قالت السيدة كروزير العجوز: «أرسلت في طلبها بوجه خاص.»

لا بد أنها كانت تقصد حلوى المعكرون التي كانت في العُلبة على المائدة.

قالت روكسان: «نعم، لكني قلت لك لا أستطيع أن آكلَ هذه الأشياء، مستحيل تمامًا.»

قالت دورثي: «أرسلت هارفي إلى المخبز ليُحضرَها.»

كان هارفي هو اسم جارنا، البستانيِّ.

أجابت روكسان: «حسنًا، ليأكلها هارفي. لست أمزح؛ أُصابُ بطفح جلدي فظيع من نوع ما.»

قالت السيدة كروزير العجوز: «ظننت أنه يمكننا تناول وجبة ممتعة، شيء مميز، بما أنه اليوم الأخير قبل …»

قاطعتها روكسان: «اليوم الأخير قبل أن تستقرَّ هنا للأبد. نعم، أعلم هذا، لكن لن يفيدَني أبدًا أن تبدو بشرتي مثل ضبع أَرْقَط.»

من التي ستستقر هنا للأبد؟

سيلفيا.

كانت السيدة كروزير ترتدي إزارًا حريريًّا أسود جميلًا منقوشًا بالسوسن والإوز. قالت: «ليست هناك فرصة لتناول أي شيء مميز في وُجودها، سوف تَرَيْنَ.»

قالت روكسان: «لنبدأ إذن ونحظَى ببعض الوقت اليوم، لا تبالي بتلك الحلوى، ليس هذا خطأك. أعلم أنك كنت ترغبين في شيء جميل.»

قلدتها السيدة كروزير العجوز بلهجة وضيعة قائلة: «أعلم أنك كنت ترغبين في شيء جميل.» ثم نظرتا إليَّ، وقالت روكسان: «الدورق حيث هو دائمًا.»

أخذْتُ دورق السيدة كروزير من الثلاجة. خطر ببالي أنهما قد تَعْرِضان عليَّ قطعة من حلوى المعكرون المرصوصة في العُلبة، لكن يبدو أنه لم يخطر ببالهما شيء كهذا.

•••

توقعت أن أجدَه مستلقيًا على وسائده بعينين مغلقتين، لكنه كان مستيقظًا تمامًا.

قال: «كنت أنتظرُ.» ثم أخذ نفسًا وأردف: «حضورك. أريد أن أطلب منك … شيئًا تفعلينه من أجلي. هل يمكنكِ أن تفعلي شيئًا من أجلي؟»

قلت له إني سأفعل بالتأكيد.

سألني: «هل ستحتفظين به سرًّا؟»

كنت أشعر بالفعل مسبقًا أنه سيطلب مني أن أسندَه إلى الخزانة الصغيرة التي ظهرت في غرفته مؤخرًا، لكن هذا ما كان ليكون سرًّا بالتأكيد.

قلت: «نعم.»

طلب مني أن أذهبَ إلى الغرفة المقابلة لغرفته، وأفتح الدرج الصغير الأيسر وأرى إن كان به مفتاح.

فعلت هذا، ووجدت مِفْتاحًا ضخمًا ثقيلًا قديم الطراز.

طلب مني أن أخرجَ من هذه الغرفة وأُغلقَ الباب وأُقفلَه بالمفتاح، ثم أُخَبِّئ المفتاح في مكانٍ آمن؛ ربما في جيب بنطالي القصير.

كان من المفترض ألَّا أخبرَ أحدًا بما فعلت.

لا يجب أن يعرف أحد أن المفتاح معي حتى تعود زوجته إلى المنزل؛ وحينئذٍ عليَّ أن أعطيَها إياه. وسألني: «هل فهمت؟»

قلت: «لا بأس.»

شكرني.

قلت: «حسنًا.»

كان يكسو وجهه طبقة خفيفة من العرق وتلمع عيناه كما لو أنه يعاني من الحمى طوال الوقت الذي كان يكلمني به.

لقد قال لي: «لا يدخل أحد إلى هنا.»

وكررت لنفسي: «لن يدخل أحد.»

ثم تذكرت قوله: «لا زوجة أبي ولا … روكسان، وَحْدَها زوجتي يمكن أن تدخل.»

أغلقت الباب من الخارج بالمفتاح ووضعته في جيب بنطالي القصير. لكن حينئذٍ خِفْتُ أن يظهرَ عبر القماش القطني الخفيف؛ لذا نزلت إلى الطابق السفلي واتجهت إلى غرفة المعيشة الخلفية وخبأته بين صفحات كتاب «أعدك بالزواج». أعرف أن روكسان والسيدة كروزير العجوز لن تسمعاني لأنهما منهمكتان في جلسة التدليك، وكانت روكسان تستخدم نبرة صوتها المهنية.

– «سوف أعاني الْأَمَرَّيْنِ قبلَ أن أتمكنَ من بَسْط هذه التشنجات اليوم.»

وسمعتُ صوت السيدة كروزير العجوز مُفْعَمًا بنبرة انزعاج غير معتادة.

– «… تضربين بقوة أكبر من المعتاد.»

– «مضطرة لذلك.»

كنت أصعد السلم حين خطرت لي أفكار إضافية.

لو أنه هو وليس أنا من أغلق الباب بالمفتاح، وهو ما أراد أن يعتقده الآخرون، وكنت أنا جالسة على الدرجة العليا كالمعتاد، فبالتأكيد كنت سوف أسمعه وأنادي عليهما وأنبههما. لذا نزلت وجلست على الدرجة الأولى من السلم الأمامي؛ مكان لا يمكن أن أسمع منه أي شيء.

بدا التدليك اليوم سريعًا وجادًّا؛ فلم تمزحا أو تتبادلا النكات. وسرعان ما سمعت صوت روكسان تصعد السلم الخلفي راكضة.

توقفت ثم قالت: «أهلًا، بروس.»

بروس.

هزت مَقْبَض الباب.

– «بروس.»

ثم لا بد أنها قربت فمها من ثقب الباب؛ أملًا في أن يستطيع أن يسمعَها دون أن يسمعَها سواه. لم أستطعْ تَبَيُّن ما كانت تقوله تمامًا، لكني أدركت أنها كانت تتوسل. تعاكسه أولًا، ثم تتوسل. لوهلة بدا وكأنها تصلي.

عندما يئست من هذا بدأت تدق على الباب بقَبْضَتَيْهَا، بإلحاح وليس بقوة.

كفَّتْ عن هذا أيضًا بعدَ بُرْهَة.

قالت بصوت أكثر صرامة: «هيا، لو أنك وصلت للباب لتغلقه تستطيع أن تصله لتفتحه.»

لم يحدث شيء. جاءت ونظرت من فوق الدرابزين ورأتني.

– «هل أحضرت مياه السيد كروزير إليه في غرفته؟»

أجبتها أنْ نعم.

– «إذن لم يكن بابه مغلقًا؟»

أجبتها أنْ نعم.

– «هل قال لك أي شيء؟»

– «قال شكرًا فحَسْبُ.»

– «حسنًا، لقد أغلق بابه ولا أستطيع أن أجعله يجيبني.»

سمعت عكاز السيدة كروزير العجوز يدق صعودًا إلى أعلى السلم الخلفي.

سألتْ: «ما هذه الضجة؟»

أجابت روكسان: «أغلق الباب على نفسه ولا أستطيع إقناعه بأن يجيبَني.»

– «ماذا تعنين بأنه أغلق على نفسه الباب؟ الباب عالق على الأرجح. تصفعه الريح ويَعْلَق.»

لم تكن هناك رياح في ذلك اليوم.

قالت روكسان: «حاولي بنفسك، إنه مغلق.»

قالت السيدة كروزير: «لم أعلم أن هناك مفتاحًا لهذا الباب.» كما لو أن عدم علمها ينفي الحقيقة. ثم، بلا مبالاة، حاولت أن تفتح المقبض، وقالت: «حسنًا. يبدو أنه مغلق فعلًا.»

فكرت في نفسي أنه اعتمد على هذا؛ أنهما لن تشُكَّا بي، معتقدتين أنه هو من فعل هذا، وتلك هي الحقيقة في واقع الأمر.

قالت روكسان: «يجب أن ندخلَ.» ورَكَلَتِ البابَ بقدمها.

قالت السيدة كروزير العجوز: «كُفِّي عن هذا، هل تريدين تحطيم الباب؟ لن تستطيعي على كل حال؛ إنه من خشب الْبَلُّوط؛ كل باب في هذا المنزل من الْبَلُّوط الصلب.»

ردت روكسان: «إذن علينا أن نتصلَ بالشرطة.»

خيم الصمت لبرهة.

قالت روكسان: «يمكنهم أن يصعدوا إلى النافذة.»

حبست السيدة كروزير العجوز أنفاسها وتكلمت بحسم.

– «أنتِ لا تَعِي ما تقولين. لن تأتيَ الشرطة إلى هذا المنزل. لن أسمح لهم بتسلق جدران المنزل كالديدان.»

– «إننا لا نعرف ما الذي يفعله بالداخل.»

– «حسنًا، هذا شأنه، أليس كذلك؟»

خيم الصمت مرة أخرى.

ثم علا صوتٌ؛ خطواتُ روكسان؛ تتراجع إلى السلم الخلفي.

قالت السيدة كروزير: «نعم، هذا أفضل. من الأفضل أن تنصرفي قبلَ أن تَنْسَيْ بيت من هذا.»

كانت روكسان تهبط السلم. وعلا صوت بضع ضربات من عصا السيدة كروزير من ورائها، لكنها لم تتبعها على السلم.

أضافت السيدة كروزير: «ولا تفكري في الذهاب إلى رئيس الشرطة من وراء ظهري، فلن يتلقى أوامره منك. من يصدر الأوامر هنا على أي حال؟ بالتأكيد لستِ أنتِ، أتسمعين؟»

سرعان ما سمعتُ صوت باب المطبخ يُغلق بعنف، ثم صوت محرك سيارة روكسان.

لم أكن قلقة من مجيء الشرطة بقدر قلق السيدة كروزير العجوز. كانت الشرطة في بلدتنا تعني رئيس الشرطة ماكلارتي الذي حضر إلى المدرسة ليحذِّرَنا من التزلج في الشوارع في الشتاء والاستحمام في قناة الطاحونة في الصيف، وقد ظللنا نفعل كلا الأمرين. كانت فكرة سخيفة أن تتصورَه يتسلق سلمًا أو يلقي محاضرة على مسامع السيد كروزير عبر باب موصَد.

سوف يقول لروكسان أن تهتم بأمورها وأن تدع آل كروزير يهتمون بأمورهم.

مع ذلك، لم تكن فكرة سخيفة أن أتصور أن السيدة كروزير تتصل بالشرطة، وقد ظننت أنها ستفعل هذا بالفعل الآن؛ إذ رحلت روكسان التي يبدو أنها فقدت إعجابها بها. لعلها تلتفت إليَّ وتسألني إن كنت ضالعة في هذا الأمر.

لكنها لم تهزَّ حتى مقبض الباب. فقط وقفت أمام الباب الموصَد وقالت شيئًا واحدًا.

هَمْهَمَتْ: «أقوى مما قد تظن.»

ثم اتجهت إلى الطابق السفلي، مُصدِرةً الضجة المعتادة بعكازها.

انتظرتْ قليلًا ثم ذهبت إلى المطبخ. لم تكن السيدة كروزير العجوز هناك، ولم تكن في غرفة المعيشة أو في غرفة الطعام أو في الغرفة المشمسة. توترت وطرقت باب الحمام، ثم فتحته، ولم تكن فيه كذلك. ثم نظرت من نافذة المطبخ التي تعلو الحوض ورأيت قبعتها المصنوعة من القش تتحرك بثبات فوق حاجز الأرز. كانت في الحديقة في الحر، تمشي بتثاقل بين أحواض زُهورها.

لم تقلقني الفكرة التي أثارت اضطراب روكسان. لم أتوقف للتفكير بها؛ لأني اعتقدت أنه من السخف تمامًا أن ينتحرَ إنسان لم يتبقَّ له وقت طويل في الدنيا. لا يمكن أن يحدث هذا.

مع ذلك، كنت متوترة. أكلت قطعتين من حلوى المعكرون التي كانت لا تزال على مائدة المطبخ. أكلتهما أملًا في أن تُرْجِعَ لذتهما حالتي الطبيعية، لكن لم أجِدْ لهما مذاقًا في فمي، ثم دفعت العُلبة في الثلاجة حتى لا ألجأ إلى تناول المزيد أملًا في تحقيق النتيجة المرجوة.

•••

كانت السيدة كروزير لا تزال في الخارج حين وصلت سيلفيا إلى المنزل، ولم تدخل حينَها.

أخرجت المفتاح من بين صفحات الكتاب ما إن سمعت صوت السيارة، وأعطيته سيلفيا ما إن دخلت المنزل. قلت لها سريعًا ما حدث، متغاضية عن معظم الهرْج والمرْج، وما كانت لتنتظر سماع التفاصيل على أية حال؛ إذ صعدت السلم ركضًا.

وقفت عند أول السلالم لأسمع ما يمكنني سماعه.

لا شيء، لا شيء.

ثم صوت سيلفيا، مندهشًا ومنزعجًا، لكن ليس يائسًا على الإطلاق، ومنخفضًا جدًّا بحيث لم أفهم ما كانت تقوله. خلال خمس دقائق كانت تهبط السلم قائلة إن الوقت قد حان لتوصلني إلى المنزل. كان وجهها أحمر كما لو أن البقع على وَجْنَتَيْهَا انتشرت على وجهها كله، وبدت مصدومة لكنها غير قادرة على أن تقاوم سعادتها.

ثم قالت: «أوه، أين الأم كروزير؟»

– «أعتقد أنها في حديقة الزهور.»

– «حسنًا، أعتقد أنه من الأفضل أن أتحدث إليها، لدقيقة فحَسْبُ.»

وبعد أن تحدثتْ إلى السيدة كروزير، لم تَعُدْ أمارات السعادة تبدو عليها.

قالت — وهي تعود بالسيارة إلى الخلف: «أظن أنك تعلمين. أعتقد أنك تُدركين مدى انزعاج الأم كروزير. هذا لا يعني أني ألومك. كان فعلًا جيدًا منْكِ ومخلصًا أن تفعلي ما طلبه منك السيد كروزير. ألم تَخْشَيْ وُقوع أي مكروه؟ للسيد كروزير؟ هل كنتِ خائفة؟»

أجبتها أنْ لا.

ثم أردفت: «أعتقد أن روكسان كانت خائفة.»

– «السيدة هوي؟ نعم، هذا سيئ جدًّا.»

وبينما كنا نسير فيما يعرف بتل كروزير، قالت: «أعتقد أنه لم يُرِدْ أن يكونَ سافلًا ويخيفهما. حين يمرض الإنسان لفترة طويلة، يمكن أن يصل به الحال إلى عدم تقدير مشاعر الآخرين. يمكن أن ينقلب على الناس حتى حين يكونون طيبين ويفعلون ما باستطاعتهم ليساعدوه. كانت السيدة كروزير والسيدة هوي تحاولان أقصى جهدهما بالتأكيد، لكن كل ما في الأمر أن السيد كروزير شعر أنه لا يرغب في وجودهما بالقرب منه بعد الآن. اكتفى منهما، أتفهمين؟»

يبدو أنها لم تدرك أنها كانت تبتسم حين قالت هذا.

السيدة هوي.

هل سمعت هذا الاسم من قبل؟

قالته بلطف واحترام، لكن بقدر هائل من التنازل المتعالي.

هل صدقت أنا ما قالته سيلفيا؟

أعتقد أن هذا ما قاله لها.

•••

رأيت روكسان مرة ثانية ذلك اليوم، رأيتها في اللحظة نفسها التي كانت سيلفيا تحدثني فيها وتُعرفني على الاسم الجديد؛ السيدة هوي.

كانت روكسان في سيارتها وتوقفت عند التقاطع الأول أسفل تل كروزير في انتظار مرورنا. لم ألتفت لأنظر إليها لأن هذا كان سيربكني جدًّا أثناء الحديث مع سيلفيا.

•••

بالطبع ما كانت سيلفيا لتعرف سيارة مَنْ هذه. لم تكن لتعرف أن روكسان لا بد أنها عادت لتفهم ماذا كان يحدث، أو لعلها ظلت تقود سيارتها في أنحاء الحي؛ أيعقل أن يكون هذا ما فعلته حقًّا؟ طول الوقت منذ أن غادرت بيت آل كروزير.

وكانت روكسان تستطيع التعرف على سيارة سيلفيا على الأرجح. وكانت ستراني فيها، وكانت ستعرف أن الأمور على ما يرام من خلال ابتسامة سيلفيا اللطيفة الطيبة والجادَّة أثناء حديثها معي.

لم تنعطف وتَقُدْ سيارتها إلى التل حيث بيت آل كروزير. أوه! لا. لقد قادت سيارتها عبر الشارع؛ رأيتها في المرآة الجانبية؛ نحو الجانب الشرقي من البلدة حيث المنازل التي بُنيت في فترة ما بعد الحرب. كان بيتها هناك.

قالت سيلفيا: «هل تشعرين بالنسيم، تلك السحب ستمطرنا على الأرجح.»

كانت السحب عالية وبيضاء، وساطعة بهية؛ لم يَبْدُ أنها تحمل مطرًا؛ وكان النسيم يَهُبُّ لأننا في سيارة متحركة بنوافذ مفتوحة.

•••

أدركت تمامًا لعبة المكسب والخسارة التي دارت بين سيلفيا وروكسان، لكن كان من الغريب أن أفكِّر في الجائزة شبه الفانية — السيد كروزير — وأن أفكر أنه كان يمتلك القدرة على اتخاذ قرار بأن يحرِم نفسه في أواخر حياته. الشهوة على أبواب الموت — أو الحب الحقيقي — إنها مسائل يجب أن أَنْفُضَهَا عني بينما تسري القُشَعْرِيرَةُ مرات في عمودي الفِقْرِيِّ.

•••

نقلت سيلفيا السيد كروزير بعيدًا إلى كوخ مُستأجر على البحيرة؛ حيث مات قبل سُقوط أوراق الشجر.

رحلت عائلة هوي من البلدة، كعادة عائلات الميكانيكية.

صارعت أمي مرضًا أقعدها؛ وهو ما وضع حدًّا لكل أحلامها في تكوين ثروة.

أصاب دورثي كروزير جلطة في المخ، لكنها تعافت منها، وأصبحت مشهورة ببيع حلوى الهالوين للأطفال الذين كانت تنهر إخوانهم وأخواتهم الأكبر عن الوقوف على بابها.

أما أنا فقد نضجت وكبرت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤