الفصل الثاني

في رأي طمسن في الجوهر الفرد

ذهب السير «وليم طمسن» الإنكليزي إلى أن الجواهر الفردة إنما هي زوابع حلقية في الأثير أو الهيولي، قال ورتز: «وقد شاع في هذه الأيام مذهب يبين فيه بالبرهان كيف أنَّ الجوهر الفرد لا يقبل القسمة، بل كيف أنه ذو وجود مستقل أزلي أبدي، وهو مذهب السير وليم طمسن في الجواهر الزوبعية، قال: فالعالم على رأي طمسن مؤلَّف من سائل تام الاتصال، مالئ للخلاء، ومن هذه الحلقات الزوبعية المنتشرة فيه، وهي ليست سوى أجزاء هذا السائل المتحركة فيه حركة زوبعية، وكل حلقة منها محدودة ومتميزة عن نفس السائل وعن الحلقات الأخرى أيضًا، لا بجوهر مادتها، بل بجرمها وحركتها. وهذه الخصائص تبقى إلى الأبد، والحلقات المذكورة هي الجواهر الفردة.»

فالجواهر الفردة كما ترى وإن تكن متماثلة في الذات، لكنها مختلفة في الصفات، وهي كذلك لا أنها لا تقبل القسمة، الأمر الذي لا يعقل، كلا وإنما لو انقسمت لزالت خصائصها الجوهرية، فهي كالهيولي تقبل القسمة فرضًا لا فعلًا؛ لأن الهيولي لا تقسم فعلًا مع أنها ذات امتداد، وإلا لزم أن يقسم جسم متصل مالئ للخلاء لا فراغ حوله ولا مسامية فيه، وذلك مستحيل فعلًا. والجواهر من حيث إنها ذات خصائص معينة لا تنقسم مع بقاء هذه الخصائص فيها، كما أن الكريات الحية لا تقبل القسمة طبيعيًّا لا حيويًّا مع بقاء خصائصها كما هي، وبهذا الاعتبار تكون الجواهر الفردة للعوالم كالكريات الحية للحي.

فهذه المعلومات ليست من أوهام الماديين، بل نتيجة اجتهاد فحول الفلاسفة الطبيعيين والكيماويين، فمن أي الكيماويين يطلب صاحبنا أن يعجبوا: من قول سبنسر، أم من أيهم يطلب أن يطالبوا بخنر بما أفسد من عباراتهم؟ أيلزم من تماثل الذات تماثل الصفات، أم هل تزول نسب التركيب المعينة، أم لا تبقى أعداد التركيب كاملة، فمذهب الجواهر المتماثلة في الذات لا ينقض المذهب الجوهري لدلتون ولا يفسده، وإنما يعتبر تأييدًا له وتوسيعًا، قال ورتز: «إن مذهب الجواهر الزوبعية تتضح به بعض خصائص المادة وكل الأقوال في طبيعة الجواهر الفردة، ويظهر أنه أقرب المذاهب إلى الحقيقة.» نقول: وإن كان للعلم قيمة صحيحة؛ فلا يسعنا أن نترك آراء مثل هؤلاء العلماء، التي هي نتيجة اجتهاد العلم، ونتمسك بآراء سواهم التي هي نتيجة الحرص، فاقتداؤنا بهم كاقتداء غيرنا بسواهم، ولا فرق بيننا إلا فرق المنتقل عن الواقف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤