العباقرة … يعرفون كل شيء!

لم يستطِع الشياطين التحكُّم في شيء؛ فحتى جهاز المجال المغناطيسي قد انتهى دوره. إن قوة الجذب إلى الجزيرة كانت أقوى من أي شيء.

نظر «أحمد» إلى جهاز القياس، ثم قال: تبعًا للسرعة التي ننطلق بها؛ فإننا سوف نصطدم بالجزيرة خلال ثلث ساعة. يجب أن نتصرَّف بسرعة.

أوقف «فهد» المحرِّك، ورغم أن السرعة أصبحت أقل إلا أن الغواصة ظلَّت منجذبةً إلى نقطة ما.

قال «أحمد»: ينبغي أن نغادر الغواصة بسرعة.

إلهام: ينبغي أن نفجِّرها.

فهد: إنها سوف تنفجر وحدها عندما تصطدم بأي شيء.

فجأةً علت الدهشة وجوه الشياطين. لقد توقَّفت الغواصة. الْتقت عيونهم، وقال «قيس»: لقد أصبحنا تحت رحمتهم فعلًا.

قال «أحمد» بسرعة: هذه فرصتنا حتى لا نقع في أيديهم.

في لحظات كان الشياطين يلبسون ملابس الغوص، ثم فُتح الباب الخلفي للغواصة وبدءوا يخرجون الواحد خلف الآخر. وفي لمح البصر كانت الغواصة تنطلق بسرعة. لقد أنقذ الشياطين أنفسهم في اللحظة المناسبة. كان عليهم الآن أن يتصرَّفوا بسرعة. إن المسافة بينهم وبين الجزيرة لا تزال كبيرة، غير أن أجهزة الغوص التي زُوِّدت بمحرِّك تجعل سرعتهم أربعة أضعاف السرعة العادية.

اقترب الشياطين من بعضهم، ثم أخذوا يتحدَّثون بطريقة اللمس.

أحمد: ينبغي أن نتقدَّم معًا حتى نقترب من الجزيرة، ثم نقرِّر ما سوف يحدث.

باسم: اقترح أن أتقدَّم وأن يكون خلفي «أحمد» و«فهد»، وأن يكون «قيس» و«إلهام» في المؤخِّرة؛ حتى لا نتعرَّض لأي مفاجأة.

وافق الشياطين على اقتراح «باسم»، ثم أداروا المحركات وانطلقوا، ولم تمرَّ دقائق حتى ارتجَّ الماء حولهم، فعرفوا أن الغواصة قد انفجرت فعلًا، وأنها هي التي أحدثت هذا الارتجاج. كان «باسم» يتقدَّم المجموعة حسب الاتفاق، وكان «أحمد» يفكِّر في الموقف الآن. إن المسألة أخطر من ذلك بكثير. إنهم ممكن أن يقعوا في أيدي العباقرة ببساطة؛ فمن المؤكَّد كما فكَّر «أحمد» أن الحراسة حول الجزيرة سوف تكون أبعد ممَّا يفكِّرون؛ ولذلك كان يفكِّر في كل الاحتمالات التي يمكن أن توجد، وكان أكثر ما فكَّر فيه هو أن تكون هناك عدسات إلكترونية تسجِّل أي حركة حول الجزيرة، بما فيها أعماق المحيط. وهذا يعني أن هذه العدسات يمكن أن تسجِّلهم هم أيضًا، وأنهم يمكن، بهذا الشكل، أن يقعوا ببساطة.

أرسل «أحمد» رسالةً سريعةً إلى الشياطين يُخبرهم بما فكَّر فيه، غير أن أحدًا منهم لم يرد. لقد توقَّف «باسم» عن التقدُّم حتى لحق به «أحمد» و«فهد»، ثم انضمَّ إليهم «قيس» و«إلهام».

بدأ الشياطين يناقشون الموقف بطريقة اللمس.

قال «قيس»: إن هذه مسألة فكَّرت فيها من البداية. لقد كنت أتوقَّع أشياء متقدِّمةً منذ تحدَّث رقم «صفر» عن «نادي العباقرة»؛ ولذلك فقد حملت معي أقراصًا ممغنطةً تلغي أي جسم إلكتروني، سواء في الصوت أو في الصورة.

فتح جيبًا صغيرًا في ملابس الغوص، ثم أخرج منه عجلةً دقيقةً كانت تحتوي على أقراص معدِنية مشحونة بشحنة كهربية، تلغي أي تسجيل يمكن أن يتعرَّضوا له. أُعطي كلٌّ منهم قرصًا. إن طبيعة هذه الأقراص أن تلتصق بأي جسم توضع فوقه؛ ولذلك فقد وضعها الشياطين فوق جسم النظارة التي يلبسونها.

قال «أحمد» وهو يلمس «قيس»: لقد أنقذتنا في الوقت المناسب.

من جديد تقدَّم «باسم»، ثم تبعه «أحمد» و«فهد»، ثم «قيس» و«إلهام». كانت الأسماك الصغيرة تدور حولهم.

أرسلت «إلهام» رسالةً تقول: من يدري؟ قد تكون هذه الأسماك تعمل هي الأخرى في خدمة العباقرة.

ردَّ عليها «أحمد»: إذا كانت الأسماك في خدمتهم، فنحن في خدمتهم أيضًا. كان «أحمد» يقصد بالرسالة معنًى ابتسمت له «إلهام». إن الشياطين يمكن أن يجعلوا من العباقرة طعامًا شهيًّا مقليًّا أو مشويًّا.

ولذلك ردَّت تقول: إن ذلك يحتاج إلى طبق سلطة.

ابتسم الشياطين وهم يسمعون رسالة «إلهام»، وظلُّوا في تقدُّمهم. فجأةً نظر «باسم» إلى الجهاز المثبت فوق صدره. لقد كان يستقبل ذبذبات معيَّنة. أرسل رسالةً للشياطين يطلب منهم أن يتوقَّفوا، ثم قال بعد لحظة: سوف أتقدَّم قليلًا وأرسل إليكم. إننا نقترب من شيء جديد.

تقدَّم «باسم» أكثر. كان الجهاز لا يزال يسجِّل نفس الذبذبات، وفكَّر بسرعة: إذا كانت المسافة قليلةً فهذا يعني أن الذبذبات تصدر من الجزيرة ذاتها، وإذا كنا بعيدين فإن الذبذبات تصدر من شيء ما في الماء.

أخرج جهازًا صغيرًا، ثم وجَّهه ناحية الجزيرة، وضغط زرًّا فيه. تحرَّك مؤشِّر الجهاز وسجَّل رقمًا. عرف أن الجزيرة تبعد نصف كيلومتر فقط. أرسل رسالةً إلى الشياطين أن يتقدَّموا، بينما ظلَّ هو في مكانه، ونقل إليهم ما حدث. لقد سجَّل الشياطين نفس الذبذبات.

قال «أحمد»: ما دامت الجزيرة على بعد ٥٠٠ متر فقط، فهذا يعني أننا يجب أن نصل إليها قبل طلوع النهار، فذلك يعطينا فرصة التحرُّك أكثر.

وتحرَّك الشياطين. كانت حركةً حذرةً خوف حدوث شيء. إنهم يدخلون الآن منطقةً لا يعرفون فيها شيئًا، ويمكن أن يحدث فيها أي شيء … إن هذا التقدُّم العلمي الذي حقَّقه أعضاء «نادي العباقرة» يجعلهم أمام أي مفاجأة. ظلَّ مؤشِّر المسافة يتناقص حتى احتجبت الجزيرة على بعد أمتار. كانت المياه لا تزال عميقةً بما يكفي أن يتقدَّموا دون خوف.

قال «باسم»: سوف أطفو لأرى ماذا يمكن أن نفعل.

طفا في هدوء، ولم يكن هناك شيء غير عادي، غير أن حافة الشاطئ كانت مرتفعة.

أخرج خنجرَين من جيوبه، ثم بدأ يصعد بهما. يغرز الخنجر، ثم يجذب نفسه إلى أعلى، ثم يغرز الآخر وهكذا، وعندما صعد تمامًا ألقى نظرةً سريعةً على الجزيرة. لم يكُن هناك أيضًا شيء غير عادي. كانت الأشجار عبارةً عن مساحة كبيرة تتوسَّط الجزيرة، ولا يبدو شيئًا آخر.

أرسل رسالةً للشياطين حتى تبعوه، وكما فعل «باسم» فعلوا نفس طريقة الخناجر. صعد الواحد خلف الآخر حتى أصبحوا جميعًا على الشاطئ. كان «باسم» يحرس المكان حتى لا يظهر ما يمكن أن يفاجئهم.

قال «أحمد»: لا بد أن هناك أجهزةً تقوم بالحراسة الآن.

ردَّ «قيس»: لا يستطيع أي جهاز أن يسجِّل لنا شيئًا. إن المسألة أن نلقاهم هم أنفسهم.

تقدَّموا في حذر. لم يكن هناك صوت ما سوى أصوات الأمواج الهادئة، ولم يكن يظهر ضوء ما. كان الظلام يحيط بكل شيء. أصبحوا عند بداية الأشجار. وعند أول خطوة إلى الداخل أضاء المكان ضوءً قويًّا جعل المساحة كلها تغرق في الضوء … أسرع الشياطين يُلقون أنفسهم على الأرض وهم يختفون خلف الأشجار. ظلَّ الضوء مستمرًّا، في نفس الوقت كان الشياطين ينسحبون إلى الظلام خارج مساحة الأشجار، ويرقبون ما يمكن أن يحدث. لم ينسحب الضوء. فجأةً ظهر بعض الأشخاص كانوا يتقدَّمون في ثقة حيث يرقد الشياطين.

أرسل «أحمد» رسالة: «يجب أن ننسحب بسرعة. إن الصدام الآن ليس في مصلحتنا.»

انسحب الشياطين في هدوء وهم يرقبون الرجال الذين يتقدَّمون. ظهر آخرون من اتجاهات أخرى. أصبح واضحًا أن المكان سوف يكون محاصرًا تمامًا. فكَّر الشياطين بسرعة. إن المسحوق الذي يحملونه ويجعلهم يختفون عن العيون ينبغي استخدامه بسرعة، ودون رسالة ما من أحد كانوا جميعًا يفتحون الجيوب السحرية لحقائبهم الصغيرة، ثم يُخرجون المسحوق الأبيض، وأخذوا ينثرونه فوق أجسادهم، ثم التصقوا في أماكنهم. إن اكتشافهم يخضع لحالة واحدة؛ أن يصطدم بهم أحد؛ ولذلك فعليهم ألَّا يصطدموا بأحد الرجال.

كانوا يرقبون الجميع وهم يقتربون، ويسمعون حوارهم أيضًا. قال واحد: هناك شيء غريب.

ردَّ آخر: إن العدسات لم تسجِّل شيئًا.

قال ثالث: إن «أوستن» يقوم بعملية مسح للجزيرة. إن تسجيل الغواصة، ثم انفجارها، يعني أن هناك أحدًا.

ردَّ آخر: ربما تكون الغواصة قد انفجرت بمن فيها.

صمت الرجال لكن ظلَّت حركة تقدُّمهم. كان الشياطين يسمعون ويرَون كل شيء. أخذ الرجال يتقدَّمون في نفس اتجاه الشياطين، فاضطروا إلى أن يتحرَّكوا بعيدًا عنهم.

أرسل «أحمد» رسالة: «سوف نتحرَّك إلى الداخل. يجب أن نقترب من المقر. إننا في النهاية لن نصطدم بهم الآن، ويجب المحافظة على ذلك.»

تقدَّم الشياطين إلى داخل غابة الأشجار التي كانت تتوسَّط الجزيرة، والتي كانت غارقةً في الضوء. سجَّلت أجهزة الشياطين موجاتٍ كهربيةً في الهواء.

أرسل «باسم» رسالة: «إنهم يجعلون المنطقة مكهربةً تمامًا حتى يمكن اصطياد من يقترب.»

ردَّ «أحمد» برسالة أخرى: «يجب أن نهدأ الآن. إننا نريد مزيدًا من المعلومات. توغَّلوا أكثر بين الأشجار.»

من بعيد ظهر مبنًى غريب الشكل جعل «إلهام» تهمس: لا بد أنه مقر العباقرة.

اتجهوا إليه وكانوا يسيرون بنفس تشكيلهم؛ «باسم» في المقدمة، ثم «أحمد» و«فهد»، ثم «إلهام» و«قيس». اقتربوا من المبنى تمامًا وتوقَّفوا. كان المبنى مضاءً إضاءةً تامة. فجأةً ظهرت فتحة كأنها باب، ثم ظهر فيها رجل أشيب صاح بصوت خشن: أين «أوستن»؟

ردَّ الرجل القريب: إنه في غرفة الخرائط.

قال الصوت الخشن: فليحضر حالًا.

اختفى الرجل وظلَّ الآخر في مكانه الذي كان يكشف ملامحه كاملة.

لم تمرَّ دقائق حتى ظهر «أوستن» قائلًا: إن أجهزة التسجيل لم تسجِّل شيئًا أيها السيد «يورك».

قال «يورك» بصوته الخشن الهادئ: إن أحدًا في الجزيرة.

أجاب «أوستن»: لا أدري يا سيدي.

صمت «يورك» قليلًا، ثم قال بعد لحظة: إن العباقرة نائمون الآن في مقرهم. سكت مرةً أخرى، ثم نظر في ساعة يده وأضاف: لا يزال في الليل بقية، غير أن الموقف لم يعد مطمئنًا. إننا يمكن أن نتعرَّض للخطر أمام هذا الغموض.

لم يردَّ «أوستن»، وتقدَّم «يورك» من السلم، ثم نزل في هدوء. كان الشياطين في مكان يمكنهم منه مراقبة وسماع كل شيء.

أرسل «أحمد» رسالة: «ينبغي أن نصل إلى مقر العباقرة.»

في نفس اللحظة جاء صوت «يورك»: إن الحراسة الإلكترونية لم تعد مطمئنة. من الضروري أن تذهب إلى مقرِّهم لتتأكَّد بنفسك.

أجاب «أوستن»: أمرك يا سيدي.

في الوقت الذي عاد فيه «يورك» إلى داخل المبنى كان «أوستن» وخلفه بعض الرجال يأخذون طريقهم إلى داخل الغابة. تابعهم الشياطين عن بعد. كانت الأشجار كثيفة، لكن الممرَّات التي بينها كانت كافيةً لأن تمر سيارة صغيرة، وفي لحظات كانت سيارة جيب صغيرة تقترب من «أوستن» ورجاله. كانت السيارة توجَّه لا سلكيًّا؛ فلم يكن بها سائق. ركبوا فيها، فانطلقت بهم بلا صوت.

همست «إلهام»: إنه تقدُّم آخر. سيارة بلا سائق وبلا صوت.

كان «أحمد» قد ضبط جهاز التوجيه خلف السيارة، فبدأ المؤشِّر يرصد تحرُّكها، وتبعًا لحركتها تحرَّك الشياطين. كانوا يعرفون أن الموقف الآن قد انكشف، وأنهم يستطيعون تحديد وقت المعركة. إنهم فقط لم يحدِّدوا بعد إن كانوا سوف ينسفون النادي، أو إنهم سوف يُبقون على العباقرة. إن هذه مسألة سوف تحدِّدها الظروف. ظلوا في تقدُّمهم. كان مؤشِّر جهاز التوجيه يحدِّد لهم الطريق، ولم يكونوا يمشون في الطرقات الممهَّدة. كانوا يمشون فوق الأعشاب خوفًا من حدوث أي شيء.

وقال «أحمد» هامسًا: إن أسفلت الطريق يمكن أن يحمل أي مفاجأة؛ جاذبية من نوع جديد، أو مجال مغناطيسي، أو كهربي. ولهذا استمرُّوا يمشون فوق الحشائش، ومن بعيد ظهرت السيارة الجيب. كانت تقف أمام فيلَّا … أنيقة مضاءة إضاءةً كاملة، لكن لم يكن يظهر شيء آخر غير المبنى.

قال «قيس»: لا بد أن نرصد ما يدور في الداخل.

أخرج «فهد» فراشةً صغيرة، ثم وجَّهها مغناطيسيًّا وقذفها، فطارت في اتجاه الفيلَّا. كان «فهد» يمسك جهاز استقبال صغيرًا حتى يسجِّل ما سوف ترسله الفراشة التي تحمل جهاز إرسال دقيق. لحظات، ثم بدأ الجهاز يستقبل. وسمع الشياطين ما جعلهم ينظرون لبعضهم في دهشة.

لقد سمعوا صوتًا يقول: إنهم ليسوا بعيدين عنا، وسوف نوقع بهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤