بكاء الحلائل

وأوجع ما يكون بكاء الملاح إذا كن حلائل، والحليلة المعشوقة متاع عزيز، فمن ذلك قول أحد الفتيان في بكاء امرأته، وكان بها من المغرمين:

أطأ التراب وأنتِ رهن حفيرةٍ
هالت يدايَ على صداكِ ترابَها
إني لأغدَرُ من مشى إن لم أطأ
بجفونِ عيني ما حييتُ جنابَها

قال ابن رشيق: ومن جيد ما رُثِيَ به النساء وأشجاه، وأشده تأثيرًا في القلب، وإثارة للحزن، قول محمد بن عبد الملك الزيات في أم ولده:

ألا من رأى الطفل المفارق أمه
بعيد الكرى عيناهُ تبتدران
رأى كل أمٍّ وابنها غير أمه
يبيتان تحت الليل ينتجيان
وبات وحيدًا في الفراش تحثه
بلابل قلبٍ دائم الخفقان

يقول فيها بعد أبيات:

ألا إن سَجْلًا واحدًا قد أرقته
من الدمع أو سَجلين قد شفياني
فلا تلحياني إن بكيت فإنما
أداوي بهذا الدمع ما تريانِ
وإن مكانًا في الثرى خط لحدُهُ
لمن كان في قلبي بكل مكان
أحق مكان بالزيارة والهوى
فهل أنتما إن عُجْتُ منتظران

ومن أشجى الشعر رثاءً قوله في هذه القصيدة:

فهبني عزمت الصبرَ عنها لأنني
جليدٌ فمن بالصبر لابن ثمانِ
ضعيف القوى لا يعرف الأجر حسبة
ولا يأتسي بالناس في الحدثان
ألا من أمنيه المنى وأُعِده
لعثرة أيامي وصرف زماني
ألا من إذا ما جئت أكرم مجلسي
وإن غبت عنهُ حاطني ورعاني
ولم أر كالأقدار كيف يصبنني
ولا مثل هذا الدهر كيف رماني

ومن موجع الشعر قول امرأة شريفة ترثي زوجها ولم يكن دخل بها:

أبكيك لا للنعيم والأنس
بل للمعالي والرمح والفرس
أبكي على فارسٍ فجعتُ به
أرملني قبل ليلة العُرُسِ
يا فارسًا بالعراء مُطَّرحًا
خانته قُوَّادُه مع الحرَس
ما لليتامى إذا هم سغبوا
وكل عانٍ وكل محتبس

وإني لآسف على قلة هذا النوع من الشعر في الآداب العربية، مع أنه من دلائل الوفاء، لو يعلم الشعراء!

figure

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤