الدليل … يقودهم إلى هناك!

تجمَّدَت ملامح الشياطين، بينما كان «فهد» يقود السيارة ببطء …

كان «أحمد» يفكِّر: إن العصابة سوف تعذِّب «إلهام»، وهي تتصور أنها المساعِدة الفعلية ﻟ «بوارو»، وعندما تكتشف العصابة أن «بوارو» قد اختفى، فسوف تكون حياة «إلهام» في خطر.

قطع أفكارَه صوتُ العميل يقول: إن مقرَّ عصابة «القبضة الحديدية» يقع بين خط طول ١٠ وخط عرض ٤٦، وهي واحدة من الهضاب التي تنتشر في جبال «الألب»، والوصول إليها ليس سهلًا، وربما لن تستطيعوا الوصول ما لم تكن لديكم طائرة.

توقَّف صوت العميل، فقال «أحمد» بسرعة: سوف نتصل بك فيما بعد!

ردَّ العميل: إنني في الانتظار.

نظر «أحمد» إلى «فهد» وقال: ينبغي أن نَصِل إلى الفندق بسرعة.

في نفس اللحظة كان يبسط أمامه خريطة لمدينة «روما»، بسرعة حدد اتجاه الفندق الذي اتجه إليه «فهد» مباشرة.

مضَت نصف ساعة، قبل أن يصلوا إلى الفندق؛ ذلك لأن المطار يقع خارج المدينة، وعندما ضمَّتهم غرفة «أحمد» في اجتماع سريع، كانوا يشعرون بالحزن؛ فقد كان نقل «بوارو» من مكانه مفاجأة مؤلمة لهم، ولم يكن هناك ما يقولونه.

إلَّا أن «قيس» قطَع صمتَهم قائلًا: ينبغي أن نتصل برقم «صفر»، فليس أمامنا ما نستطيع عمله الآن.

كان «أحمد» يقف قريبًا من النافذة، ولم يكن هناك ما يمكن أن يقوله، نظر إلى «قيس»، وقال: ليس بهذه السرعة، ينبغي أن نعتمد على أنفسنا أولًا …

قال «عثمان»: إن المهمة ليست صعبة كما أرى، إن علينا الآتي أن نناقش الأمر بهدوء، ومن الضروري أن نَصِل إلى حلٍّ.

قال «أحمد»: أعتقد أننا في حاجة إلى بعض الهدوء، حتى نستطيع أن نفكر!

ثم نظر إلى «عثمان»، وقال: اطلب شايًا ساخنًا.

رفع «عثمان» سماعة التليفون، ثم طلب الشاي. في نفس الوقت اتجه «أحمد» إلى جهاز التليفزيون الموجود في الغرفة، ثم ضغط زرَّ التشغيل.

أخذ الشياطين يشاهدون برنامجًا إخباريًّا ظهر على الشاشة. ثم فجأة قُطع البرنامج لتظهر نشرة جوية. اهتم «أحمد» بالنشرة، ثم فجأة أسرع إلى الجرائد التي كان قد أحضرها من المطار، وتصفَّح أول صفحة، فوقعَت عيناه على خبر منشور يقول:

فقدَت أمس إحدى الطائرات الخاصة طريقَها أمام غزارة الأمطار، واضطر قائدها إلى الهبوط اضطراريًّا، الطائرة كان يستقلها الملياردير «جان بروفيمو»، وزوجته واثنان من أصدقائهما … وكانت زوجة «بروفيمو» تصحب كلبها.

عاد «أحمد» إلى التليفزيون يشاهد النشرة التي انتهَت، ثم أعقبها تحقيق تليفزيوني عن الطائرة المفقودة، وصاحبها «جان بروفيمو» وزوجته والكلب، وظهرَت عدة صور للملياردير ثم زوجته وبصحبتها الكلب. وعندما انتهى التحقيق التليفزيوني، جاء تحذير من المذيع يقول: إن جهات الطيران المسئولة تحذِّر من طيران الطائرات الصغيرة في هذا الجو المتقلب.

كان الشاي قد حضر. أخذ الشياطين يحتسون الشاي الساخن، وكان «أحمد» قد استغرق في تفكير طويل.

ثم فجأة قال: إننا لن نستطيع التحرك الآن، وعلينا أن ننتظر.

ولم يكن أمام الشياطين شيئًا يفعلونه سوى مشاهدة التليفزيون، حتى موعد النوم، غير أن «أحمد» ظل قلقًا. كان يفكر في هذه الطائرة التي هبطت اضطراريًّا. قال لنفسه: هل يمكن استغلال هذه الطائرة؟ وهل حدثت كارثة فتحطمت أم أنها لا تزال سليمة؟ وكيف يمكن العثور عليها؟ ظل يُقلِّب الأمر من كل زواياه، ثم قال لنفسه مرة أخرى: من المؤكد أن عمليات بحث سوف تتم، فهل يمكن أن نكون أسرع في الوصول إليها؟

قام وذهب إلى النافذة، ونظر من خلال الزجاج، كانت الأمطار تنزل بغزارة، فكَّر: لو أننا بدأنا التحرك في الصباح — ولو أن الظروف ساعدتنا — فإننا نستطيع أن نفعل شيئًا.

في النهاية، استلقى «أحمد» على سريره، كان يريد أن ينال قسطًا من النوم حتى يستيقظ مبكرًا، وحتى يستطيع العمل طوال النهار؛ ولذلك استغرق في النوم بسرعة، لكنه كان أولَ مَن استيقظ. أسرع إلى النافذة، كان المطر لا يزال ينزل بنفس الغزارة. ابتسم وقال لنفسه: هذه فرصتنا.

أسرع لإيقاظ بقية الشياطين، إلَّا أنهم كانوا جاهزين.

سأل «عثمان»: ما هي وجهتنا الآن؟

رد «أحمد»: إن تفاصيل حادث الطائرة، تُشير إلى أنها اضطرت إلى الهبوط من منطقة جيدة، ويمكن الوصول إليها، غير أن المسألة الآن هي … هل سنكون سبَّاقين في الوصول إليها، أم أن أحدًا سوف يسبقنا؟

كان الشياطين يستمعون إلى «أحمد»، فسأل «فهد»: هل حددت المنطقة؟

ردَّ «أحمد» بسرعة: نعم.

بسط الخريطة أمامه، ثم بدأ يمدُّ خطوطًا تقاطعَت عند نقطة معينة، ثم قال: هذه هي.

ردَّ «فهد» بسرعة: إذن علينا أن ننطلق بسرعة.

سكت لحظة، ثم أضاف: إن سيارة الشياطين ليست كأيِّ سيارة أخرى، وإمكانياتنا سوف تُعطينا فرصة أكثر من غيرنا.

وفي دقائق كانوا قد غادروا الفندق إلى حيث مكان انتظار السيارات، وبسرعة كانت سيارة الشياطين تتحرك في طريقها إلى الاتجاه الذي حدَّده «أحمد» على الخريطة.

كان المطر يتساقط بغزارة شديدة، غير أن ذلك لم يكن يعطِّل سيارة الشياطين؛ فهي مزودة بجهاز كمبيوتر يجعلها تنطلق دون حاجة إلى سائق، وهي تستطيع أن تأخذ طريقها دون أن يعوقها شيء.

ضغط «فهد» على زرِّ جهاز التشغيل، فأصبحت عجلةُ القيادة بلا ضرورة، وحدَّد «أحمد» الاتجاه المطلوب، فلم يَعُد هناك شيء يعوقها إلَّا أن يُوقفَها «فهد».

في نفس الوقت ضبط «فهد» جهاز السرعة المطلوبة حتى يخرج من المدينة. كانت أشباح السيارات تظهر للشياطين من خلال زجاج السيارة، وهي تنطلق بسرعة متوسطة، ولا أحدَ يمشي في الشارع.

وعندما أصبحَت سيارة الشياطين خارج مدينة «روما»، ضبط «فهد» جهاز السرعة مرة أخرى على سرعة أكبر؛ فانطلقت بسرعة مائتي كيلو في الساعة.

لم يكن هناك شيءٌ في الطريق، كانت فقط الحقول الخضراء ممتدة وقد اغتسلَت بمياه الأمطار.

قال «قيس»: لا أظن أن أحدًا يمكن أن يصل إلى الطائرة قبلنا.

ابتسم «عثمان»، وقال: هذا إذا استطعنا أن نَصِل إليها.

ردَّ «أحمد»: لا تنسَ أننا نملك جهازَ رادار قويًّا يمكن أن يكشف وجودها.

هزَّ «عثمان» رأسَه، وهو يقول: إنني فقط أمزح!

ظلَّت السيارة منطلقةً بسرعتها العالية، والشياطين يتحدثون، إلَّا «أحمد» الذي كان دائمَ النظر من زجاج النافذة المجاورة له، وكأنه يبحث عن شيء. مرَّت ساعة، ضغط «أحمد» زرَّ تشغيل الراديو، فانطلقَت موسيقى هادئة. بعد قليل توقَّفت الموسيقى وأعلن المذيع عن نشرة الأخبار، التي بدأها بالنشرة الجوية، ثم أحداث الطريق، وفي النهاية، قدَّم تعليقًا على الطائرة المفقودة.

كان الشياطين يتابعون النشرة باهتمام، وعندما انتهت، علَّق «مصباح» قائلًا: يبدو أن السماء تساعدنا تمامًا.

فظهرَت منطقة الغابات، وقد اغتسلَت أشجارها بالمطر، فقال «أحمد»: إننا نقترب من منطقة الجبال.

سكت لحظة ثم أضاف: ينبغي أن نُبطئَ من سرعة السيارة حتى لا يفوتَنا شيء.

فجأةً صرخ: انتظر.

وبسرعة خفض «فهد» من سرعة السيارة، حتى توقَّفت. قال «أحمد»: عُد إلى الخلف بسرعة. في نفس الوقت أخذ معطفًا واقيًا للمطر، وألقاه فوق كتفَيه، كانت السيارة تعود بسرعة …

فجأةً قال: قف.

أوقف «فهد» السيارة فنزل «أحمد» مسرعًا. كان الشياطين يراقبونه، وهم لا يفهمون شيئًا، لكنهم كانوا يراقبونه. أخذ «أحمد» يبتعد وهم يتتبَّعون خُطاه، حتى دخل بين الأشجار. كانت الأمطار لا تزال تهبط بنفس الغزارة. فجأة، لمعَت عينَا «عثمان» وهو يقول: الكلب.

تقدَّم «فهد» بالسيارة إلى جانب الطريق، حتى أوقفها، وبسرعة نزل الشياطين، واتجهوا في اتجاه «أحمد» … كان يقف تحت الشجرة، وقد حمل كلبًا أبيضَ بلَّله المطر، وكان يرتجف بشدة.

هتف «عثمان»: إنه كلب السيدة!

ثم أضاف: لا بد أن الطائرة في مكان قريب!

أخذ «أحمد» يُجفِّف شعر الكلب المبتل، ثم قال: أعتقد أنها لا تبتعد عنَّا كثيرًا.

قال «مصباح»: لكن الطائرة هبطَت أول أمس، وهذا يعني أنها في منطقة بعيدة.

ردَّ «أحمد»: لا أظن، فهم سوف لن يتركوا الكلب بمجرد هبوطهم، إنهم سوف يحاولون محاولات كثيرة، وأخيرًا سوف يهتدون إلى فكرة إطلاق الكلب، كدليل على وجودهم، بجانب أنه يمكن أن يُرشد عنهم.

علَّق «مصباح»: ربما.

نظر «أحمد» حوله قليلًا، ثم قال: إن هبوط الطائرة لن يكون داخل منطقة الغابات. من الضروري أن يكون بعدَها. إن ذلك سوف يحتاج منَّا إلى بعض الجهد لكننا سوف نرى.

قال «فهد» بعد لحظة: أقترح أن ننقسم إلى فريقين؛ فريق يستمر بالسيارة حتى انتهاء منطقة الغابات، وفريق يقطع المسافة وسط الغابة سيرًا حتى نهايتها.

ردَّ «قيس»: هذه فكرةٌ طيبة.

انقسم الشياطين إلى قسمين؛ مجموعة ضمَّت «أحمد» و«قيس» و«مصباح»، ومجموعة ضمَّت «فهد» و«عثمان». اتجهت المجموعة الثانية إلى السيارة. في نفس الوقت تقدَّم «أحمد» يقود مجموعته داخل الغابة، التي كانت أشجارها مرتفعة تمامًا.

أخرج «أحمد» بعضَ قِطَع البسكويت من حقيبته، وقدَّمها للكلب الذي أكلها بسرعة، فعلَّق قائلًا: لقد مشى الكلب مسافة طويلة، ويبدو أنه غادرهم منذ مدة طويلة، وإلَّا ما كان جائعًا إلى هذه الدرجة.

كان الكلب يلتصق بحِضْن «أحمد» حتى يشعر بالدفء، فقال «قيس»: إننا لا نعرف الاتجاه الصحيح الآن؛ فقد نكون متجهين إلى منطقة أخرى.

فكر «أحمد» لحظة، ثم قال: هذه حقيقة، غير أن الكلب يمكن أن يدلَّنا.

أنزل الكلبَ إلى الأرض، فصاح وكأنه ينبح. ابتسم «أحمد»، ثم حمله مرة أخرى … ووقفوا وهم لا يعرفون إلى أيِّ اتجاه يمكن أن يتَّجهوا إليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤