كلمة المؤلف

هذا الكتاب يضم بين دفتيه جميع دراساتي عن مقدمة ابن خلدون؛ ما كان نُشر منها سنة ١٩٤٣، وما نُشر سنة ١٩٤٤، وما لم يسبق نشره قبلًا.

عندما نشرت الجزء الأول من هذه الدراسات، كنت صدَّرتُه بكلمة تشير إلى ظروفها وتوضح أغراضها، رأيت من الضروري أن أعيد نشرها عينًا في مستهلِّ هذا الكتاب أيضًا:

إن كتابة دراسة مفصَّلة عن مقدمة ابن خلدون كانت من أعز الأماني التي لم أنقطع عن التفكير بها، وعن العمل لإعداد وسائلها منذ مدة غير يسيرة.

إنها كانت من جملة المشاريع الفكرية التي وضعتها لنفسي، بغية إنجازها في الوقت الذي أتخلص فيه من أعباء الأعمال الرسمية، وأتفرغ إلى الدرس والتأليف في المسائل التربوية والاجتماعية.

إن ظروف السنة الأخيرة قد رفعت عن عاتقي أعباء الأعمال الرسمية، فمنحتني الوقت اللازم لتحقيق هذا المشروع، غير أنها — في الوقت نفسه — أبعدتني عن كتبي وأوراقي، فحرمتني من وسائل تحقيق أمنيتي بالإحاطة التي كنت أستعد لها، والدقة التي كنت أتوخَّاها.

ومع هذا، فقد رأيت أن أشغل أوقاتي بكتابة بعض الدراسات عن مقدمة ابن خلدون، بقدر ما تسمح لي الذاكرة من جهة، وبقدر ما تساعدني المراجع التي أستطيع الحصول عليها في ظروفي الحالية من جهة أخرى، آملًا أن تكون هذه الدراسات ممهِّدةً للدراسة التامة التي لا أزال أمنِّي النفس بها.

فمن أجل ذلك أَقْدمت على كتابة هذه الدراسات على شكل مقالات متفرقة.

ولما تجمَّعت لديَّ هذه الكمية منها رأيت أن أنشرها؛ لاعتقادي بأنها ستكون مفيدةً في حالتها الحاضرة أيضًا.

وإذا سمحت لي الظروف — في المستقبل — لاستئناف العمل فيها، وإدماجها في الدراسة التامة التي ذكرتها؛ فسأكون مغتبطًا بإكمال المشروع الذي كنت قد وضعت خططه منذ سنين عديدة.

وإلا فسأكون قد قدَّمت «بعض النماذج» و«بعض الخطط» لدراسات علمية عن مقدمة ابن خلدون، يستطيع أن يستفيد منها كل من يُقْدِمُ على مطالعة المقدمة بإمعان، كما يستطيع أن ينسج على منوالها ويقوم على إتمامها كل من يريد التوسع والتعمق في دراسة هذه المقدمة الخالدة دراسةً علميةً شاملة.

وحسبي هذا خدمةً لذكرى مؤلفها العظيم.

بيروت، ٢٠ كانون الأول ١٩٤٢

إن الظروف التي تَلَتْ كتابة هذه الكلمة لم تسمح لي بالإقدام على الدراسة التامة التي كنت أمنِّي النفس بها، ولكنها ساعدتني على مواصلة الأبحاث وكتابة الدراسات، ولو بصورة متفرقة ومتقطعة:

خلال سنة ١٩٤٣ اشتغلت بالإشراف على طبع الجزء الأول من الدراسات من ناحية، وبكتابة بعض الدراسات الجديدة من ناحية أخرى.

وفي سنة ١٩٤٤ قدَّمت إلى المطبعة الدراسات التي كوَّنت الجزء الثاني، وشرعت في كتابة دراسات أخرى؛ بغية إعداد الجزء الثالث منها.

ولكن قبل الانتهاء من ذلك وجدت نفسي أمام ظروف وواجبات جديدة، ألقت على عاتقي سلسلة مهام — أولًا في سوريا ثم في مصر — استأثرت بكل جهودي وأوقاتي، فأبعدتني عن مقدمة ابن خلدون، ولم تسمح لي بالعودة إلى دراستها إلا منذ أوائل السنة الماضية.

ولما كانت نُسَخ الجزأين المطبوعين قبلًا قد نفدت منذ مدة طويلة، رأيت أن أضمَّ تلك الدراسات إلى دراساتي الجديدة في كتاب واحد، مع إعادة النظر في ترتيبها وتبويبها حسب ما يقتضيه هذا الضم والتوحيد.

وفي ختام الكلمة أود أن أصرِّح بأن مجموعة الدراسات التي أقدِّمها في هذا الكتاب لا تزال في حالة مقالات مستقلة، تناولت كل واحدة منها دراسة المقدمة من ناحية خاصة، وهي لا تزال في حالة خطط ونماذج لدراسات علمية عن مقدمة ابن خلدون، «يستطيع أن يستفيد منها كل من يُقْدم على دراسة المقدمة بإمعان، كما يستطيع أن ينسج على منوالها ويُقْدم على إتمامها كل من يريد التوسع والتعمق في دراسة هذه المقدمة الخالدة دراسةً علميةً شاملة»، كما قلت ذلك عند نشر المجموعة الأولى من هذه الدراسات.

أبو خلدون
ساطع الحصري
القاهرة، ٣ تشرين الثاني ١٩٥٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤