حياة ابن خلدون

إن حياة ابن خلدون كانت من النوع الذي أسماه تيودور روزفلت «الحياة الصاخبة» La vie intense، أو من النوع الذي كان يعبر عنه موسوليني ﺑ «الحياة المستخطرة» Vivre dangereusement.

وكان لهذه الحياة الصاخبة المستخطرة صفحات متنوعة، ومسارح مختلفة، نستعرضها فيما يلي، حسب ترتيبها الزمني:

(١) في تونس (١٣٣٢–١٣٥٢)

وُلِد ابن خلدون في تونس في أول رمضان سنة ٧٣٢ (المصادف ٢٧ أيار ١٣٣٢)، ونشأ وترعرع هناك إلى أن بلغ العشرين من العمر.

  • (١)

    ولما كان والده من رجال العلم والأدب اعتنى بتربيته عنايةً فائقة، تولَّى بنفسه تعليمه بعض العلوم، وهيَّأ له السبل لدرس سائر العلوم على يد أقدر الأساتذة الموجودين في تونس إذ ذاك.

    ونشأ ابن خلدون حريصًا على الدروس وشغوفًا بالعلم، وساعيًا وراء الاستزادة منه على الدوام.

    قرأ القرآن الكريم واستظهره، وتمرَّن على تلاوته على القراءات العشر، درس النحو دراسةً تفصيلية، قرأ كثيرًا من كتب الأدب ودواوين الشعر، وحفظ كثيرًا من الأشعار، كما أنه درس الفقه والحديث دراسةً مفصَّلة، وفي الأخير حصَّل العلوم العقلية أيضًا.

    والوقائع السياسية التي حدثت سنة ١٣٤٧ / ٧٤٨ فتحت أمام ابن خلدون آفاقًا جديدةً وواسعةً للدرس والتعلم؛ لأن السلطان «أبو الحسن المريني» — الذي استولى على تونس في السنة المذكورة — كان يهتم بالعلم ويجمع حوله أكابر العلم والأدب «يلزمهم شهود مجلسه، ويتجمَّل بمكانهم فيه»، وعندما جاء إلى تونس استصحب معه طائفةً من هؤلاء العلماء والأدباء، ومن الطبيعي أن والد ابن خلدون اتصل بهم لمكانته العلمية والأدبية، وحمل أولاده على الاستفادة منهم إلى أقصى حدود الاستفادة.

    ابن خلدون يذكر — في ترجمة حاله — أسماء العلماء والأدباء الذين وفدوا على تونس مع السلطان؛ يدوِّن تراجم أحوالهم، ويشيد بغزارة علمهم، ويعترف بفضلهم عليه. ونفهم مما كتبه عنهم أنه تأثر من اثنين منهم بوجه خاص تأثُّرًا شديدًا؛ أحدهم عبد المهيمن، وثانيهم محمد بن إبراهيم الآبلي.

    كان عبد المهيمن «إمام المحدثين والنحاة بالمغرب»، وكان كاتب السلطان وصاحب علامته، وكان حضرمي الأصل مثل أبناء خلدون؛ ولذلك توطَّدت بينه وبينهم صلاة وثيقة من الود والصداقة، حتى إنه عندما ثار أهل تونس على السلطان وعلى جماعته التجأ — المشار إليه — إلى دار بني خلدون، واختفى عندهم مدة ثلاثة أشهر. ابن خلدون «لازم» هذا العالم وأخذ عنه «سماعًا وإجازة؛ الأمهات الست، وكتاب الموطأ لابن مالك، وكتاب السيرة لابن إسحاق، وكتاب ابن الصلاح في الحديث.»

    وأمَّا الآبلي فكان «شيخ العلوم العقلية»، لازمه ابن خلدون عدة سنوات، أخذ منه خلال ذلك هذه العلوم؛ افتتحها بالتعاليم — أي العلوم الرياضية — ثم المنطق، ثم سائر الفنون الحكمية.

    يشيد ابن خلدون بغزارة علم الآبلي وبفضله عليه أكثر من غيره، ويقول في الوقت نفسه: «إنه كان يشهد له بالتبريز في هذه العلوم.»

    ولا شك في أن ذلك يدل على أن ابن خلدون كان نزوعًا إلى التفكير المنطقي، كما يدل على أن العلوم العقلية التي درسها على يد الآبلي ساعدت كثيرًا على تقوية هذه النزعة الفكرية وتنميتها.

    إن آثار هذه النزعة تتجلَّى في كثير من مباحث المقدمة بوضوح تام.

  • (٢)

    غير أن ابن خلدون عندما بلغ السابعة عشر من العمر تعرَّض إلى نكبة شديدة؛ كان الطاعون الكبير أخذ يفتك بالناس في تونس، ومات من جراء هذا الطاعون الجارف أبواه ومعظم مشايخه.

    ثم قامت الثورة على السلطان المريني، انتهت بانحسار حكمهم عن إفريقية، ونتج عن ذلك عودة من كان بقي على قيد الحياة من العلماء والأدباء الوافدين من المغرب.

    تألَّم ابن خلدون من هذه الأحداث ألمًا شديدًا، إنه فَقَدَ أبويه فجأةً مع كثيرين من أشياخه، وكان أخذ يتعزى عن ذلك بطلب العلم من العلماء الباقين، إلا أن عودة هؤلاء إلى بلادهم «عطَّله عن طلب العلم»، وأوجد في نفسه «استيحاشًا» من هذه الأحداث والأوضاع؛ فاعتزم اللحاق بأشياخه والسفر معهم إلى المغرب، إلا أن «أخاه الأكبر محمد صدَّه عن ذلك».

    ومع هذا قد وجد ابن خلدون بعد مدة وجيزة فرصةً جديدةً لتحقيق رغبته هذه، فرحل من تونس إلى المغرب، وهذه الفرصة واتَتْه من جراء بعض الوقائع السياسية:

    إن الوزير ابن تافراكين — المستبد على الدولة يومئذ بتونس — استدعى ابن خلدون إلى «كتابة العلامة» عن سلطانه «أبو إسحاق».

    وأمَّا مهمة كاتب العلامة فكانت «وضع الحمد لله والشكر لله بالقلم الغليظ مما بين البسملة وما بعدها من مخاطبة أو مرسوم.»

    تولى ابن خلدون هذا العمل، وأخذ يقوم بهذه المهمة، مع أن عمره ما كان يزيد بعدُ على العشرين.

    وكان عندئذٍ أمير قسنطينة الحفصي يطالب بعرش السلطنة، ويزحف نحو تونس مع جمع من العساكر والقبائل، وكان الوزير ابن تافراكين أيضًا يجمع العساكر والقبائل لمقابلة الأمير الثائر وصده عن إفريقية.

    وخرج السلطان من تونس مع العساكر والقبائل التي تجمَّعت لمناصرته والدفاع عن عرشه، وخرج ابن خلدون أيضًا معه بطبيعة الحال.

    وعندما وصلوا إلى فحص مرماجنة، التقَوا بعساكر الأمير، والتحم الطرفان في حرب عنيفة، انتهت بانهزام عساكر السلطان وجماعته.

    وأمَّا ابن خلدون فقد نجا بنفسه من ميدان القتال إلى مدينة «أبة» عقب هذا الانهزام، ولم يَعُد بعد ذلك إلى تونس.

(٢) بين تونس وفاس (١٣٥٢–١٣٥٤)

إن ذهاب ابن خلدون من ميدان القتال إلى أبة، كان يعني الافتراق عن الطرفين المتخاصمين في وقت واحد.

ويصرِّح ابن خلدون في ترجمة حياته أن غرضه الأصلي من قَبول وظيفة كتابة العلامة كان اقتناص الفرص لمغادرة تونس إلى المغرب؛ لأنه كان يعرف أن السلطان كان يتهيأ إلى السفر، وأن استدعاءه إلى الوظيفة كان بناءً على امتناع سلفه من الخروج من السلطان، وكان يعرف أن هذا السفر سييسر له وسائل الانتقال إلى حيث يريد.

إذ يقول في ترجمة حياته ما يلي: «خرجت معهم وقد كنت منطويًا على مفارقتهم؛ لما أصابني من الاستيحاش لذهاب أشياخي وعطلتي عن العلم.» كما يقول: «لمَّا دُعِيت إلى هذه الوظيفة (أي إلى كتابة العلامة) سارعت إلى الإجابة لتحصيل غرضي من اللحاق بالمغرب، وكان كذلك.»

وانتقل ابن خلدون فعلًا بعد واقعة مرماجنة إلى فاس، غير أن انتقاله هذا إنما تمَّ على مراحل عديدة، واستغرق سنتين كاملتين.

تنقَّل خلال هذه المدة بين عدة مدن وبوادٍ، وعاشر عدة قبائل، وتعرَّف إلى عدة شيوخ وحكام، والتقى في الأخير بسلطان المغرب ووزيره.

بعدما نجا بنفسه إلى أبة تحوَّل منها إلى تبسة ثم إلى قفصة، وهناك التقى بصاحب الزاب، وسافر معه إلى بيسكرة، وأقام فيها حتى انقضاء الشتاء.

بعد ذلك رحل من هناك إلى تلمسان، حيث التقى بالسلطان «أبو عنان» ووزيره «الحسن بن عمر»، ثم سافر إلى بجاية برفقة الوزير المشار إليه، وقضى فصل الشتاء هناك.

وعندما عاد السلطان أبو عنان إلى مقر ملكه — بعد الاستيلاء على تلمسان وبجاية — وأخذ يجمع أهل العلم والأدب «للتحليق بمجلسه»، وينتقي طلبة العلم للمذاكرة في ذلك المجلس، استقدم ابن خلدون إلى فاس بناءً على توصية البعض ممن كانوا التقوا به في تونس، وعجبوا بذكائه ومواهبه.

وبهذه الصورة وصل ابن خلدون إلى مدينة فاس.

(٣) في فاس (١٣٥٤–١٣٦٢)

أقام ابن خلدون في فاس ثمانية أعوام، وجد خلالها مجالًا واسعًا لمواصلة الدرس والاستزادة من العلم كما كان يأمله ويشتهيه، اتصل في عاصمة المغرب بكثير من رجال العلم والأدب، أخذ عنهم واستفاد من علمهم، وكان بعضهم ممن يقيمون في فاس، وبعضهم ممن وفدوا إليها من الأندلس لمناسبات مختلفة، كما أنه خلال هذه الأعوام الثمانية مارس إنشاء الرسائل ونَظْم الشعر، وإلقاء الخطب أيضًا. وخلاصة القول: إنه عاش في فاس حياةً فكريةً وأدبيةً شديدة النشاط.

ولكنه خلال كل ذلك خاض غمار الحياة السياسية أيضًا، وكانت حياته هذه كثيرة التقلُّب؛ تولَّى وظائف عديدةً في عهود أربعة سلاطين ووزيرين من الوزراء المستبدين بسلاطينهم، شاهد عدة انقلابات، لعب في بعضها دورًا هامًّا، واشترك في مؤامرة فشلت وأودت به إلى السجن أيضًا.

عقب وصول ابن خلدون إلى فاس، نظمه السلطان أبو عنان «في أهل مجلسه العلمي، وألزمه شهود الصلوات معه، ثم استعمله في كتابته والتوقيع بين يديه»، وابن خلدون تولَّى هذه الوظيفة «على كره منه»؛ لأنه كان يعتبرها غير متناسبة مع مكانة أسرته، وكان يطمح بمناصب أعلى وأرفع منها.

ولا شك في أن هذا الطموح كان من جملة العوامل التي دفعته إلى الاشتراك في وضع الخطة السرية التي كان ينوي اتباعها الأمير الحفصي محمد بن عبد الله للفرار من فاس؛ بغية استرداد إمارته في بجاية.

من المعلوم أن السلطان «أبو عنان» عندما عاد وأخضع بجاية إلى الحكم المريني، كان نقل أميرها إلى فاس، وفرض عليه الإقامة هناك، وعندما مرض السلطان أراد الأمير أن يغتنم فرصة هذا المرض، وأخذ يبحث عن الوسائل التي تضمن له الخروج من فاس والوصول إلى بجاية، وكان ابن خلدون تعارف وتصادق مع الأمير منذ وصوله إلى فاس؛ بسبب العلاقات التي كانت تربط أسرته بأسرة بني حفص منذ عدة أجيال، فكان من الطبيعي أن يفاتح الأميرُ ابنَ خلدون بما ينتويه، وأن يطلب مساعدته في أمر تحقيق مأربه، ويظهر أن ابن خلدون وعده بتهيئة الوسائل اللازمة لذلك، كما أن الأمير وعده بتوليته منصب الحجابة عند استعادته الإمارة.

إلا أن السلطان علم بهذه المفاوضات والاستعدادات السرية، وغضب على ابن خلدون غضبةً شديدة، وأمر بسجنه وامتحنه في السجن.

بقي ابن خلدون مسجونًا مدة سنتين، ولم يخرج منه إلا بعد أن مات أبو عنان، وقام بأمر الدولة وزيره الحسن بن عمر باسم «السلطان السعيد» الصغير الذي نصَّبه على العرش.

والوزير المشار إليه أعاد ابن خلدون على ما كان عليه قبل دخوله السجن، غير أن حكم الوزير وسلطانه لم يدم طويلًا؛ إذ لم يعترف بهذا الحكم جماعة من أمراء بني مرين، وثاروا عليه ملتفِّين حول الأمير منصور بن سليمان، ثم ظهر مُطَالِب ثالث، هو الأمير «أبو سالم» الذي عاد من منفاه في الأندلس، مدَّعيًا أحقيَّته في تولِّي السلطنة. وخلال هذه البلبلة السياسية رأى ابن خلدون أن ينضم إلى مناصري المطالب الأخير، وأخذ يبثُّ الدعاية له بالأساليب التي كان برع فيها، حتى إنه خرج إليه وشجَّعه على الإسراع في التقدم نحو العاصمة، وفي الأخير دخلها في ركابه.

والسلطان أبو سالم بعدما تولَّى العرش بهذه الصورة، قدَّر خدمة ابن خلدون له حق قدرها واستعمله في كتابة سره، والترسيل عنه والإنشاء لمخاطباته، وفي الأخير ولَّاه «خطة المظالم» أيضًا.

في عهد هذا السلطان عاش ابن خلدون مرتاحًا، ثم أخذ نفسه بالشعر، «فانثال عليه منه بحور — حسب تعبيره هو — توسَّطت بين الإجادة والقصور.»

ولكن السلطان أبا سالم لم يبقَ على عرش السلطنة إلا مدة سنتين؛ لأن وزيره عمر بن عبد الله ثار عليه مع جماعة من المتذمرين وقتله، ثم نصَّب محله «ابن تاشفين» ليبقى هو مستبدًّا بالأمر وراء اسم هذا السلطان الصغير.

إن الوزير عمر هذا عندما أصبح الآمر والناهي المطلق بهذه الصورة، أقرَّ ابن خلدون «على ما كان عليه، ووفَّر إقطاعه وزاد في جرايته»، ولكن ابن خلدون كان «يسمو بطغيان الشباب إلى أرفع مما كان عليه»، كما أنه كان ينتظر من هذا الوزير أن يوليه منصبًا أعلى من منصبه؛ بسبب وشائج المودة التي كانت قائمةً بينهما منذ مدة غير قصيرة، هذه المودة كانت تقوَّت بوجه خاص عندما كانا يجتمعان في مجالس الأمير محمد — صاحب بجاية — وفضلًا عن ذلك فإن تعرُّف عمر بن عبد الله إلى السلطان «أبو سالم» كان قد تمَّ بفضل ابن خلدون، ولهذه الأسباب اعتبر ابن خلدون سلوك الوزير نحوه منافيًا لموجبات هذه السوابق، فرأى «أن يهجره، وقعد عن دار السلطان مغاضبًا له.»

ولكن الوزير لم يهتم بهذا الموقف وأعرض عنه.

عندئذٍ قرَّر ابن خلدون «الرحلة إلى بلده بإفريقية» وطلب الإذن لذلك.

وفي ذلك التاريخ كان أبو حمو استرجع من المرينيين ملك بني عبد الواد في تلمسان والمغرب الأوسط، فخشي الوزير أن ينضمَّ ابن خلدون إليه ويقربه؛ ولذلك لم يرضَ بسفره إلى إفريقية.

ولكن بعد توسُّط بعض الأصحاب وافق الوزير في الأخير على سفر ابن خلدون إلى أي محل شاء «شريطة العدول عن تلمسان».

فاختار ابن خلدون الأندلس، وصرف ولده وأمهم إلى أخوالهم أولاد القائد محمد بن الحكيم بقسنطينة، وتوجَّه هو إلى سبتة في طريقه إلى الأندلس.

(٤) في الأندلس (١٣٦٢–١٣٦٥)

رحل ابن خلدون إلى الأندلس عن طريق سبتة فجبل الفتح (الذي يُعْرَف الآن باسم جبل الطارق).

وأمَّا سبب اختياره الأندلس؛ فيعود إلى التعارف الذي حصل بينه وبين سلطان غرناطة عندما كان في فاس، ولا سيما إلى أواصر الصداقة والمودة التي كانت انعقدت بينه وبين الوزير لسان الدين ابن الخطيب خلال إقامته هناك.

كان السلطان أبو عبد الله ثالث ملوك بني الأحمر، وكان خُلِع خلال ثورة قامت عليه، والتجأ إلى المغرب مع وزيره لسان الدين، ولكنه بعد مدة استطاع أن يعود إلى الأندلس، وأن يسترجع عرشه من المستولين عليه.

كان ابن خلدون تعرَّف إلى السلطان والوزير معًا خلال إقامتهما في فاس، وساعدهما مساعدةً فعليةً بفضل تأثيره على رجال الدولة، كما أنه كان تولَّى رعاية عائلة لسان الدين بعد سفره مدة بقائها هناك، انتظارًا إلى انتهاء الاضطرابات في الأندلس.

وكانت الصداقة التي توطَّدت بينه وبين لسان الدين ابن الخطيب عميقة الجذور، يظهر أن كل واحد منهما قدر عبقرية صاحبه حق قدرها، وشعر نحوه بنوع من القرابة الفكرية والأخوة الأدبية؛ فارتبط الاثنان بعضهما ببعض بروابط معنوية لا تنفصم.

ولذلك كله كان يأمل ابن خلدون أن يقابَلَ بالترحاب من السلطان ووزيره عندما يرحل إلى الأندلس.

إن الوقائع لم تخيِّب أمله في هذا المضمار؛ فإن السلطان والوزير رحَّبا به ترحيبًا حارًّا، وهيئا له منزلًا فخمًا يحتوي على وسائل الراحة والهناء.

ويقول ابن خلدون في ترجمة حياته: إن السلطان «نَظَمَه في علية أهل مجلسه، واختصَّه بالنجي في خلوته، والمواكبة في ركوبه، والمواكلة والمطايبة والفكاهة في خلوات أنسه.»

وفي السنة التالية أوفده السلطان بالسفارة إلى ملك قشتالة؛ بغية إتمام عقد الصلح بينهما، وكان الملك المذكور استولى على إشبيلية واتخذها عاصمةً لمملكته، فلما سافر ابن خلدون إليها «عاين آثار سلفه بها»، وملك قشتالة كان قد اطَّلع قبلًا على مكانة ابن خلدون الأدبية، فاقترح عليه البقاء في خدمته ووعده بإعادة أملاك أجداده إليه إذا عمل باقتراحه، ولكن ابن خلدون رفض البقاء في إشبيلية، وعاد إلى غرناطة بعد إتمام مهمة السفارة بنجاح تام.

وسُرَّ السلطان من نجاح ابن خلدون في إتمام عقد الصلح؛ فأقطعه «قريةً من أراضي السقي بمرج غرناطة».

عندئذٍ استقدم عائلته من قسنطينة، وتهيَّأت له بذلك جميع وسائل الراحة والهناء.

إلا أن هذا الهناء أيضًا لم يستمر مدةً طويلة؛ قرَّر ابن خلدون مغادرة الأندلس إلى بجاية.

وقد حمله على هذا القرار عاملان أساسيان:
  • أولًا: أخذ ابن خلدون يشعر بأن لسان الدين ابن الخطيب صار يتوجَّس خيفةً من تعاظم نفوذه لدى السلطان؛ وذلك بسبب وشايات الأعداء و«أهل السعايات»، وعلى الرغم من كل ما كان توثَّق بينهما من أواصر الصداقة والاحترام، فأراد ابن خلدون أن يجد وسيلةً لمغادرة الأندلس قبل أن يحدث ما يكدِّر صفو المودة القائمة بينه وبين لسان الدين.
  • ثانيًا: إن أحداث المغرب الأوسط أعطت لابن خلدون الوسيلة التي كان يبحث عنها.
  • ثالثًا: إن الأمير «محمد أبو عبد الله محمد» استطاع أن يستولي على بجاية ويسترجع مملكته السابقة، فكتب إلى ابن خلدون — حسب وعده القديم — يستدعيه إلى مقر ملكه؛ لتولي منصب الحجابة.

وابن خلدون عرض هذه الدعوة على سلطان غرناطة مستأذنًا السفر — دون أن يذكر له شيئًا مما لاحظه على الوزير لسان الدين ابن الخطيب — ثم غادر الأندلس بإذن من السلطان بعد مرور نحو ثلاث سنوات على مجيئه إليها.

(٥) في بجاية (١٣٦٥)

عند وصول ابن خلدون إلى بجاية عن طريق البحر، احتفل السلطان أبو عبد الله بقدومه احتفالًا رائعًا، وولَّاه أرفع مناصب الدولة وهي الحجابة.

ومعنى الحجابة — حسب وصف ابن خلدون لها — هي: «الاستقلال بالدولة، والوساطة بين السلطان وبين أهل دولته، لا يشاركه في ذلك أحد.»

ويُفْهَم من هذا الوصف أن الحاجب كان بمثابة «الصدر الأعظم» في السلطنات الإسلامية الأخيرة، قبل إنشاء مجالس الوزراء والبرلمانات.

ويقول ابن خلدون في ترجمة حياته عن عمله في بجاية ما يلي:

«أمر السلطان أهل الدولة بمباركة بابي، واستقللت بحمل ملكه، واستفرغت جهدي في سياسة أموره وتدبير سلطانه، وقدَّمني للخطابة بجامع القصبة، وأنا مع ذلك عاكف — بعد انصرافي من تدبير الملك غدوةً — إلى تدريس العلم أثناء النهار بجامع القصبة لا أنفك عن ذلك.»

ويظهر من هذه العبارات أن ابن خلدون كان مغتبطًا بمنصبه وبعمله كل الاغتباط.

إلا أن هذه الحالة لم تَدُمْ إلا سنةً واحدة؛ لأن السلطان قُتِل في معركة، وانهار مُلْكُه بقتله كما يتضح من التفاصيل التالية:

إن ابن عم سلطان بجاية هذا، صاحب قسنطينة، السلطان أبا العباس كان ينافسه، ويختلف معه في كثير من الشئون، وكان يطمح في الاستيلاء على بلاده؛ ولذلك قامت بين هذين السلطانين — على الرغم مما كان بينهما من وشائج النسب والقرابة — سلسلة طويلة من الفتن والمخاصمات، وفي الأخير أخذ صاحب قسنطينة يزحف على بجاية على رأس عساكر وجموع غفيرة، واستطاع أن يباغت ابن عمه في مخيمه وأن يقتله هناك، ثم صار يوالي الزحف نحو بجاية بسرعة.

عندما وصلت أخبار هذه الوقائع إلى عاصمة السلطان المقتول تبلبلت آراء الناس فيما يجب عمله؛ رأى بعضهم الاستعداد لاستقبال صاحب قسنطينة، في حين أن بعضهم الآخر اقترح «البيعة إلى بعض الصبيان من أبناء السلطان» السابق، ولكن ابن خلدون — الذي كان لا يزال على رأس الحكومة — لم يستحسن هذا الاقتراح، بل رجَّح تفادي الفتن وتسليم أزمَّة الحكم إلى السلطان «أبو العباس»، وفعلًا خرج إلى لقائه، ومكَّنه من دخول بجاية دون قتال.

والسلطان المشار إليه «أكرم ابن خلدون وحباه، وأجرى الأحوال كلها على معهودها.»

ولكن ابن خلدون لاحظ أن أعداءه أخذوا يُكْثِرون من السعاية فيه، ويحذِّرون السلطان الجديد منه؛ ولذلك رأى أن يتفادى أخطار هذه الدسائس وقرَّر أن يتخلى عن الوظائف، وطلب الإذن من السلطان بالانصراف، وغادر بجاية.

(٦) في بيسكرة (١٣٦٦–١٣٧٢)

بعد الخروج من بجاية دخل ابن خلدون على بعض القبائل، وأخذ يتنقَّل بينها، إلى أن وصل إلى بيسكرة، واتخذها مقر إقامة له ولعائلته؛ وذلك بسبب الصداقة التي كانت توطَّدت بينه وبين صاحب تلك الديار ابن المزني في أوائل حياته العامة.

أقام ابن خلدون في بيسكرة نحو ست سنوات، في الواقع إنه غادرها عدة مرات لإنجاز بعض الأعمال في البوادي أو في المدن، ولكنه في كل مرة عاد إليها بعد مدة قصيرة، فنستطيع أن نقول لذلك إن حياته خلال هذه السنوات الست ظلت مرتكزةً على بيسكرة.

والحياة التي قضاها ابن خلدون هناك كانت من نوع جديد؛ إنه كان سئم العواصم وفتنها، ولم يعد يستسلم إلى غواية الرتب والمناصب، حتى إنه رفض تولِّي منصب الحجابة عندما عرضها عليه «أبو حمو» سلطان تلمسان.

ولكنه — مع كل ذلك — لم ينقطع عن الأعمال السياسية بتاتًا، بل استمر على مزاولتها، وظل يلعب دورًا هامًّا في سياسة الدول المغربية بطريقة جديدة وأسلوب خاص؛ صار يخدم هذا السلطان أو ذاك عن طريق استئلاف القبائل واستتباعها، دون أن يتولَّى منصبًا رسميًّا، ودون أن ينتسب إلى حكومة من الحكومات.

إنه كان اكتسب خبرةً كبيرةً في شئون البدو، وسيطرةً معنويةً على العشائر، وإقامته في بيسكرة — بين أهم مجالات العشائر البدوية — زادته خبرةً على خبرته السابقة، وضاعفت سيطرته المعنوية عليها، إنه أصبح بارعًا في استمالة القبائل واستئلافها واستتباعها، ولا نغالي إذا قلنا إنه أصبح بمثابة الملتزم والمورِّد لتلك القوى المسلحة، إنه كان يوجِّه العشائر إلى خدمة السلاطين الذين يشايعهم، حتى إنه كان يصطحبها في بعض الأحيان.

إنه شايع وخدم بهذه الصورة أولًا سلطان تلمسان «أبو حمو»، ثم سلطان المغرب الأقصى «عبد العزيز».

كان في ذلك العهد لدول المغرب أربع عواصم أساسية؛ فاس، تلمسان، قسنطينة، تونس، وكانت المنافسة والعداوة مستحكمةً بوجه خاص بين سلطان تلمسان وبين سلطان قسنطينة.

لأن سلطان تلمسان «أبو حمو» كان تزوَّج ابنة سلطان بجاية «أبو عبد الله»، وعندما علم بأن صاحب قسنطينة قتل والد زوجته واستولى على بجاية؛ غضب غضبةً شديدة، وزحف على بجاية بغية تخليصها من حكم قاتل عمه، إلا أن سلطان المغرب انتهز فرصة انشغال صاحب تلمسان بشئون بجاية، وأغار على عاصمته؛ ولذلك اضطُر أبو حمو إلى ترك بجاية جانبًا، والعودة إلى الدفاع عن تلمسان.

بهذه الصورة أصبح سلطان المغرب مساعدًا طبيعيًّا لصاحب قسنطينة، ومقابل ذلك رأى صاحب تلمسان أن يوثِّق أواصر الصداقة بينه وبين سلطان تونس؛ ليهدد به سلطان قسنطينة عند الاقتضاء.

ونتج عن هذه الوقائع وضع سياسي معقد؛ خصمان واقفان وجهًا إلى وجه، ووراء كل واحد منهما خصم متحالف مع خصمه محالفةً طبيعية.

ومن الطبيعي أن التنافس القائم بين هذه القوى الأساسية الأربع، كان يفسح مجالًا واسعًا لقيام طائفة من المتنافسين والمتخاصمين الثانويين الذين يزيدون الفتن اضطرامًا.

إن هذه الخصومات والفتن استمرت سنوات عديدة، لعب ابن خلدون خلالها دورًا فعَّالًا بالطريقة التي شرحناها آنفًا.

إنه شايع في بادئ الأمر سلطان تلمسان «أبو حمو»، وساعده أولًا؛ باستتباع القبائل وتوجيهها لمناصرته، وثانيًا؛ بضمان اتصال تلمسان بتونس عن طريق الصحراء، مارًّا ببيسكرة.

ولكن بعد ذلك عندما استولى سلطان المغرب عبد العزيز على تلمسان خابر ابن خلدون وطلب مساعدته على توطيد حكمه في المغرب الأوسط، وابن خلدون لبَّى هذا الطلب، وانصرف من مشايعة «أبو حمو» إلى مشايعة عبد العزيز، وخدمه بذلك خدمةً ثمينة.

ولعب ابن خلدون هذه الأدوار السياسية خلال هذه السنوات العديدة بفضل المهارة التي اكتسبها في أمر إقناع القبائل واستمالتها، وبفضل الزعامة المعنوية التي حصل عليها بين سكان البوادي بوجه عام.

إلا أن تعاظم نفوذ ابن خلدون على العشائر بهذه الصورة أخذ يثير — بعد مدة — هواجس صاحب بيسكرة، الذي كان الزعيم الرسمي لمنطقة الزاب؛ إنه صار يخاف من زوال نفوذه على القبائل بتاتًا؛ ولهذا السبب أخذ يعمل لتبعيد ابن خلدون من بيسكرة، ووسَّط البعض من أصحابه لحمل سلطان المغرب على استدعاء ابن خلدون إلى فاس.

واضطُر لذلك ابن خلدون أن يغادر بيسكرة — مع عائلته — إلى فاس.

(٧) احتضار الحياة السياسية (١٣٧٢–١٣٧٤)

ولكن ابن خلدون بعدما غادر بيسكرة قضى مدة سنتين مليئتين بالتقلُّبات المتوالية والاضطرابات المتزايدة.

إن هذه المدة كانت بمثابة «دور الاحتضار» لحياته السياسية الصاخبة، ونستطيع أن نقول إن الحياة السياسية التي عاشها ابن خلدون منذ دخوله الحياة العامة أخذت تلفظ أنفاسها الأخيرة خلال هاتين السنتين؛ لأننا سنجده بعد ذلك قد فارق الحياة السياسية بصورة نهائية.

لقد بدأت الأهوال والاضطرابات تنهال على ابن خلدون وهو في الطريق قبل أن يصل فاس؛ فإنه عندما وصل مليانة علم أن السلطان عبد العزيز قد مات، وأن ابنه «السعيد» نُصب بعده للأمر، في كفالة الوزير ابن غازي.

وطبيعي أن السلطان «أبو حمو» لم يترك هذه الفرصة تفلت من بين يديه؛ استفاد من انشغال رجال المغرب بمعالجة الموقف الناجم عن موت السلطان عبد العزيز، و«رجع من مكان انتباذه إلى تلمسان، واستولى عليها وعلى سائر أعماله.»

ولما كان أبو حمو غاضبًا على ابن خلدون — بسبب انقلابه عليه ومشايعته لسلطان المغرب خلال الوقائع الأخيرة — أراد الانتقام منه؛ فأوعز إلى بعض القبائل الموالية إليه «أن يعترضوه في حدود بلادهم».

ويصف لنا ابن خلدون نفسه ما حدث عندئذٍ بما يلي:

«اعترضونا هنالك فنجا منا من نجا على خيولهم إلى جبل دبدو، وانتهبوا جميع ما كان معنا، وأرجلوا الكثير من الفرسان وأنا منهم، وبقيت يومين ضاحيًا عاريًا إلى أن خلصت إلى العمران، ولحقت بأصحابي بجبل دبدو.»

وعندما وصل فاس بعد هذه المحنة، لقي من الوزير ابن غازي القائم بالأمر ترحيبًا حارًّا؛ بسبب معرفته السابقة به، إلا أن الأوضاع السياسية أخذت تتطوَّر بسرعة، وقضت على حكم هذا الوزير؛ وذلك بسبب تحريكات سلطان غرناطة من جهة، وتعدُّد المطالبين بعرش المغرب من جهة أخرى.

كان السلطان ابن الأحمر غاضبًا على السلطان عبد العزيز وعلى الوزير ابن غازي الذي استبدَّ بالحكم بعده، وكان الدافع إلى هذا الغضب التجاء لسان الدين ابن الخطيب إلى المغرب، وامتناع السلطان أولًا والوزير ثانيًا من إعادته إلى الأندلس، على الرغم من طلب ابن الأحمر وإلحاحه.

ولذلك أطلق ابن الأحمر سراح الأمير عبد الرحمن المريني، وأجازه إلى المغرب؛ ليطالب بالملك، ويقضي بذلك على حكم الوزير ابن غازي.

وأخذ هذا الأمير عقب دخوله بلاد المغرب يدعو لنفسه، ويجمع حوله جماعات كبيرةً من الأنصار؛ محتجًّا على نصب الصبي القاصر على عرش السلطنة.

والوزير ابن غازي عندما استخبر ذلك، أخذ يجهِّز العساكر ويجمع الجموع لمقابلة الأمير الثائر، ونشبت من جرَّاء ذلك اصطدامات وحروب عديدة بين جموع الوزير الكافل، وبين الأمير المطالب بالعرش.

وخلال ذلك قامت جماعة أخرى أخرجت الأمير المريني أحمد من السجن في طنجة وبايعته بالسلطنة، وأصبح الوزير ابن غازي بهذه الصورة أمام ثورة أميرين وجماعتين.

ثم التقى الأميران المذكوران وتعاهدا على التعاون والتناصر حتى النهاية، واتفقا على أن يقتسما البلاد بينهما بعدما يتغلبان على الوزير وجماعته، وقررا أن تكون السلطنة والعاصمة إلى أحمد، على أن يصبح قسم من البلاد ملكًا لعبد الرحمن.

إن هذا الاتفاق سهَّل — بطبيعة الحال — انتصار الثوار، فاضطُر الوزير ابن غازي إلى الاستسلام بعد أن بقي محاصرًا مدة ثلاثة أشهر.

وبهذه الصورة انتهى حكم الوزير، وصار السلطان أبو العباس أحمد ملكًا على المغرب.

ولكن الأمير والسلطان بعدما انتهيا من محاربة عدوهم المشترك، أخذا يختلفان فيما بينهما في تفسير وتحديد ما كانوا اتفقوا عليه.

وهكذا توالت الفتن والقلاقل في المغرب الأقصى بدون انقطاع.

وأمَّا ابن خلدون فكان قد كره الفتن والانقلابات، وأخذ ينشد «الدَّعَة والقرار»، وعندما تأكد أنه لا سبيل إلى الحصول على ذلك في بلاد المغرب بسبب توالي الاضطرابات؛ قرَّر أن يرحل مرةً أخرى إلى الأندلس، آملًا أن يجد هنالك وسائل الدعة والاستقرار.

ولكنه صادف في هذا السبيل كثيرًا من المشاكل والعقبات، لم يستطع التغلُّب عليها إلا بعد جهد جهيد.

وعندما وصل إلى الأندلس التقى بالسلطان في غرناطة، ووجد منه في بادئ الأمر ترحيبًا حارًّا.

إلا أن هذه الحالة أيضًا لم تَدُمْ طويلًا؛ لأن حكام المغرب لم يرتاحوا إلى سفر ابن خلدون إلى الأندلس، خشية أن يعمل هناك ما يفصم أواصر الصداقة التي كانت توثَّقت بينهم وبين بني الأحمر خلال أزمة السلطنة الأخيرة، وطلبوا من السلطان المشار إليه إعادة ابن خلدون إلى المغرب، وأمَّا السلطان فقد امتنع عن تلبية هذا الطلب في بادئ الأمر، ولكن رجال سلطان المغرب وجدوا وسيلةً ناجعةً لإقناعه؛ ذكروا له روابط الصداقة التي كانت تربط ابن خلدون بلسان الدين ابن الخطيب منذ سنوات طويلة، وقالوا له إن تلك الصداقة جعلته داعيةً للسان الدين المغضوب عليه؛ ولذلك قرَّر السلطان إقصاء ابن خلدون إلى المغرب الأوسط.

وبناءً على هذا القرار انتقل ابن خلدون بحرًا إلى مرسى هنين، وكان هذا المرسى تابعًا إلى تلمسان، وكان سلطان تلمسان عند ذاك أبا حمو.

إن سوابق ابن خلدون مع هذا السلطان كانت تضعه في موقف حرج وخطر جدًّا، ولكن أبا حمو كان ينوي فتح بجاية، وصار يفكر بالاستفادة من ابن خلدون في هذا الأمر؛ ولذلك تناسى الماضي، وترك ابن خلدون وشأنه مدةً من الزمن، ثم استدعاه وطلب منه أن يسافر إلى «أوطان الدواودة» لاستئلاف تلك القبائل وحملها على خدمته.

ابن خلدون لم يَرْتَحْ لهذا الطلب؛ لأنه كان قرَّر الخروج من الحياة السياسية بصورة نهائية، والتفرُّغ إلى الدرس والعلم تفرُّغًا كليًّا، غير أنه لم يرَ من الموافق أن يُطلع السلطان على ما كان ينتويه في قرارة نفسه؛ فتظاهر بتلبية الطلب، وخرج من تلمسان بحجة الاتصال بالعشائر واستمالتهم إلى خدمة مآرب السلطان، وعندما وصل إلى البطحاء «عدل ذات اليمين إلى منداس»، ولحق بأولاد عريف.

وهؤلاء تلقوه «بالتحفي والكرامة»، وتوسطوا في إبلاغ اعتذاره إلى السلطان، وفي نقل عائلته من تلمسان، وقاموا بهذه الوساطة خير قيام، ثم أنزلوه وعائلته في قلعة ابن سلامة.

(٨) في قلعة ابن سلامة (١٣٧٤–١٣٧٨)

إن انتقال ابن خلدون لهذه القلعة صار بمثابة نهاية النهاية لحياته السياسية.

كانت القلعة شُيِّدت في موقع استراتيجي هام على حافة طنف مرتفع، يطلُّ من علٍ على السهول المجاورة التي تمتد إلى الآفاق البعيدة، وكانت موئلًا لشيوخ أولاد عريف، منعزلةً عن المدن انعزالًا تامًّا.

وكان ابن خلدون عند وصوله القلعة المذكورة بلغ الثانية والأربعين من العمر، وكان قد عاش حياةً سياسيةً طويلةً زاخرةً بالأحداث والانقلابات المعقدة، وخلال هذه الحياة السياسية لم ينقطع عن الدرس والعلم، ولكنه كان يشعر بأن السياسة تشغله عن العلم، وصار يتمنَّى أن ينصرف عنها انصرافًا كليًّا ليتفرَّغ إلى العلم تفرُّغًا تامًّا. إن هذه القلعة المنعزلة مع القصر القائم فيها كانت أحسن مكان لتحقيق أمنيته هذه؛ ولذلك أقام فيها أربعة أعوام، تفرَّغ خلالها إلى التأمُّل والتأليف بكل نشاط، وشرع في تأليف التاريخ، وكتابة المقدمة خلال انزوائه عن الناس في هذه القلعة النائية.

ويصف ابن خلدون ما عمله هناك في ترجمة حياته بهذه العبارات الوجيزة:

«أقمت بها متخليًا عن الشواغل كلها، وشرعت في تأليف هذا الكتاب وأنا مقيم بها، وأكملت المقدمة منه على ذلك النحو الغريب الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة.»

وبعد إتمام المقدمة أقدم على كتابة «أخبار العرب والبربر وزناتة»، وكان يكتب كل ما يكتبه عن حفظه بطبيعة الحال، غير أنه عندما تقدم في تدوين الأخبار، أدرك عدم إمكان العمل هناك، وضرورة مراجعة بعض الكتب والمصادر التي لا توجد إلا في المدن.

إنه لم يشأ أن يعود إلى مدينة من مدن المغرب الأوسط والأقصى التي كانت مرسحًا لحياته السياسية؛ فقرر الارتحال إلى تونس، وكتب إلى سلطانها يستأذنه في ذلك.

يصف ابن خلدون قراره هذا وما نجم عن هذا القرار بالعبارات التالية:

«حدث عندي ميل إلى مراجعة السلطان أبي العباس والرحلة إلى تونس، حيث قرار آبائي ومساكنهم وآثارهم وقبورهم، فبادرت إلى خطاب السلطان بالفيئة إلى طاعته والمراجعة، وانتظرت فما كان غير بعيد، إذا بخطابه وعهوده بالأمان والاستحثاث للقدوم، فكان الخفوق للرحلة.»

بهذه الصورة غادر ابن خلدون قلعة ابن سلامة بعد الانزواء فيها مدة أربعة أعوام.

(٩) في تونس (١٣٧٨–١٣٨٢)

عاد ابن خلدون إلى تونس بعد أن تغرَّب عنها مدة ستة وعشرين عامًا.

وكانت شهرته وصلت إلى تونس قبله بكثير بطبيعة الحال؛ ولذلك وجد هناك ترحيبًا حارًّا من السلطان ومن الناس على حد سواء.

ويصف لنا في ترجمة حياته ترحيب السلطان له بهذه العبارات:

«وافيته بظاهر سوسة، فحيَّا وفادتي، وبرَّ مَقدَمي، وبالغ في تأنيسي، وشاورني في مهمات أموره، ثم ردَّني إلى تونس، وأوعز إلى تابعه بها مولاه فارح بتهيئة المنزل، والكفاية في الجراية والعلوفة وجزيل الإحسان، فرجعت إلى تونس في شعبان من السنة، وآويت إلى ظل ظليل من عناية السلطان وحرمته، وبعثت عن الأهل والولد، وجمعت شملهم في مرعى تلك النعمة، وألقيت عصا التسيار.»

يُفْهَم من هذه العبارات أن السلطان وفَّر له وسائل العيشة الهنيئة، فأخذ يشتغل ابن خلدون بتدريس العلوم من ناحية، وبمراجعة المصادر لإتمام تاريخه من ناحية أخرى.

وأثارت دروسه إعجاب طلاب العلم من جهة، وحسد الشيوخ القدماء من جهة أخرى، واشتد حسد هؤلاء عليه بوجه خاص من جراء ازدياد تقرُّبه إلى السلطان.

ويظهر أن السلطان كان مولعًا بالتاريخ؛ ولذلك اهتم بمشروع ابن خلدون، فشجَّعه على مواصلة البحث والتأليف لإتمام كتابه الخطير.

وانتهى ابن خلدون من تأليفه وهو في تونس، وقدَّم نسخةً منه إلى السلطان. ويقول لنا هو في هذا الصدد ما يلي:

«أكملت منه أخبار البربر وزناتة، وكتبت من أخبار الدولتين وما قبل الإسلام ما وصل إليَّ منها، وأكملت منه نسخةً رفعتها إلى خزانته.»

ويوم تقديم هذه النسخة إلى السلطان أنشد بين يديه قصيدةً امتدحه فيها، وأشار إلى الكتاب الذي قدَّمه إليه.

والقصيدة طويلة نقل لنا منها في ترجمة حياته مائة بيت وبيت، ثمانية منها تتعلَّق بالكتاب، ونحن ندرج فيما يلي هذه الأبيات فقط لتعلُّقها بموضوع دراساتنا هذه:

وإليك من سِيَر الزمان وأهله
عبرًا يدين بفضلها من يعدلُ
صُحُفًا تترجِم عن أحاديث الألى
غبروا، فتُجمل عنهمُ وتفصِّل
تبدي التبابع والعمالق سرها
وثمود قبلهمُ، وعاد الأول
والقائمون بملة الإسلام من
مضر وبربرهم، إذا ما حصلوا
لخَّصت كُتْب الأولين لجمعها
وأتيت أولها بما قد أغفلوا
وألنت حُوشِيَّ الكلام كأنما
شرد اللغات بها لنطقي ذلل
أهديت منه إلى علاك جواهرًا
مكنونة، وكواكبًا لا تأفل
وجعلته لصوان مُلكك مفخرًا
يبأى الندي به ويزهو المحفل

(القصيدة في كتاب التعريف بابن خلدون ورحلته شرقًا وغربًا، ص٢٣٣–٢٤٤.)

بهذه الصورة انتهى ابن خلدون من عمله العظيم، وهو في تونس.

ولكنه لم ينته من مجابهة مشاكل الحياة؛ لأن حساده كانوا لا ينقطعون عن الوشاية به عند السلطان بمناسبات مختلفة وأساليب متنوعة، والسلطان مع ذلك كان لا يزال يُدْنيه، حتى إنه أخذ يستصحبه في سفراته.

وكان بلغ ابن خلدون عندئذٍ الخمسين من العمر، فأخذ يفكر في أداء فريضة الحج، وصادف أن «كانت بالمرسى سفينة لتجار الإسكندرية، قد شحنها التجار بأمتعتهم وعروضهم، وهي مقلعة إلى الإسكندرية». وانتهز ابن خلدون فرصة وجود هذه السفينة هناك، «فتطارح إلى السلطان، وتوسَّل إليه في تخلية سبيله لقضاء فرضه، وأذن له في ذلك». وغادر ابن خلدون تونس على ظهر السفينة المذكورة، بعد مرور نحو أربعة أعوام على عودته إليها.

(١٠) في مصر (١٣٨٢–١٤٠٦)

وصل ابن خلدون إلى مصر في طريقه إلى الحج، ولكنه أقام فيها حتى آخر حياته مدة أربعة وعشرين عامًا.

وصوله إلى الإسكندرية كان صادف «يوم الفطر لعشر ليال من جلوس الملك الظاهر على التخت.»

أقام ابن خلدون في الإسكندرية مدة شهر؛ لتهيئة أسباب الحج، ولكن ذلك لم يتيسَّر له عامئذ، فانتقل إلى القاهرة.

وكانت شهرته وصلت إلى مصر منذ مدة، ولذلك عندما جلس للتدريس بالجامع الأزهر؛ «انثال عليه طلبة العلم»، واستطاع هو أن يخلب ألباب هؤلاء بطلاقة لسانه وسحر بيانه، وزادت شهرته من جراء ذلك في البلاد.

ثم اتصل بالسلطان، ونال عطفه ورعايته؛ لأنه — حسب تعبير ابن خلدون — «أبر اللقاء وأنس الغربة، ووفَّر الجراية من صدقاته شأنه مع أهل العلم.»

ولذلك عزم ابن خلدون على الاستقرار في مصر، وطلب أهله وولده من تونس، ولكن سلطان تونس «صدَّهم عن السفر اغتباطًا بعوده إليه»، عندئذٍ طلب ابن خلدون من «السلطان صاحب مصر الشفاعة إليه في تخلية سبيلهم»، والسلطان المشار إليه لبَّى طلبه وأرسل خطابًا مؤثرًا إلى سلطان تونس، وبناءً على هذا الخطاب، سافرت العائلة من تونس، ولكن السفينة التي كانت تقلُّهم غرقت في البحر، ولم يتيسر لابن خلدون الالتقاء بهم.

لم يعد ابن خلدون في مصر إلى الحياة السياسية، ولم يطمع في منصب غير مناصب التدريس والقضاء والمشيخة.

تولى مناصب التدريس والقضاء عدة مرات؛ عُيِّن أولًا مدرسًا في المدرسة القمحية، ثم وَلِيَ منصب «قاضي القضاة المالكية».

إن هذه المناصب كانت في ذلك العهد عرضةً إلى تبديلات كثيرة؛ ولذلك عُزِل منها، ثم أعيد إليها مرات عديدة.

إنه تولَّى التدريس — بعد المدرسة القمحية — في المدرسة الظاهرية، ثم في مدرسة صرغتمش، وبعد ذلك تولَّى مشيخة خانقاه البيبرسية، وأمَّا منصب قاضي القضاة المالكية فعُزِل منها وأعيد إليها خمس مرات.

إن صرامة ابن خلدون في الأحكام، خلال تولِّيه مهام القضاء، أثارت إعجاب الكثيرين من جهة، ومشاغبات الكثيرين من جهة أخرى، وانقسم معاصروه في مصر بين المعجبين به إعجابًا شديدًا، وبين الناقمين عليه نقمةً عنيفة.

لم ينقطع ابن خلدون خلال هذه المدة من مراجعة تأليفه أيضًا، إنه أضاف إلى كتابه فصولًا كثيرة، ووسَّع بوجه خاص أبحاثه المتعلقة بتاريخ المشرق، وأضاف بعض الفصول والفقرات إلى المقدمة، وغيَّر بعض فصولها تغييرًا كليًّا، ثم قدَّم نسخةً منه إلى الملك الظاهر، وانتهز فرصة سفر وفد من السلطان المشار إليه إلى سلطان المغرب، فأرسل مع الوفد المذكور نسخةً منه إلى خزانة الكتب في جامع القرويين بفاس، مهداةً إلى «السلطان أبي الفارس عبد العزيز».

(ومن المعلوم أن طبعة بولاق والطبعات المتفرعة منها تستند إلى هذه النسخة التي عُرِفت باسم «الفارسية» بالنسبة إلى اسم السلطان «أبو فارس عبد العزيز»).

هذا وقد غادر ابن خلدون القاهرة عدة مرات في سفرات قصيرة؛ يظهر أنه كان يذهب إلى الفيوم لاستلام حصته من القمح من أوقاف المدرسة القمحية، عندما كان يتولَّى التدريس فيها.

وسافر إلى الحجاز سنة ١٣٨٧ / ٧٨٩ عن طريق الطور وينبع، وعاد منه عن طريق القصير وقوص.

وسافر إلى القدس سنة ١٣٩٩ / ٨٠٢، وزار بيت لحم والخليل، وشاهد المقامات المباركة فيها.

وفي الأخير سافر إلى دمشق سنة ١٤٠٠ / ٨٠٣ عندما تقدَّم تيمورلنك للاستيلاء عليها.

وهذا السفر الأخير كان مترافقًا بأحداث كثيرة، رواها ابن خلدون بتفصيلات وافية:

عندما استولى تيمورلنك على حلب، «وقع فيها من العبث والنهب والمصادرة واستباحة الحُرم ما لم يعهد الناس مثله»، وعندما وصل خبر ذلك إلى مصر؛ تجهَّز السلطان فرج ابن الملك الظاهر إلى المدافعة عن الشام، وخرج مع عساكره، كما استصحب معه الخليفة والقضاة الثلاثة، واستدعى ابن خلدون أيضًا لمرافقته، مع أنه كان معزولًا من منصب القضاء.

وصل سلطان مصر إلى دمشق عندما كان تيمور رحل من بعلبك قاصدًا إلى المدينة المذكورة، فاتخذ السلطان وسائل الدفاع، وقوَّى أسوار المدينة قبل وصول تيمور إليها، وعندما وصل تيمور ظلت قوات الطرفين تراقب بعضها البعض وتحارب حول المدينة مدة شهر.

ولكن بعد ذلك «نمى إلى السلطان وأكابر أمرائه أن بعض الأمراء المنغمسين في الفتنة يحاولون الهرب إلى مصر للثورة بها، فأجمع رأيهم للرجوع إلى مصر؛ خشيةً من انتقاض الناس وراءهم واختلال الدولة بذلك»، وعملوا بهذا الرأي، وتحوَّلوا عن دمشق إلى مصر.

وأصبح عندئذٍ أهل دمشق متحيرين في الأمر، اجتمع القضاة والفقهاء بالمدرسة العادلية وابن خلدون معهم، واتفق رأيهم في طلب الأمان من الأمير تيمور على بيوتهم وحرمهم، وشاوروا في ذلك نائب القلعة، فأبى عليهم ذلك ونكره، فلم يوافقوه؛ فخرجوا إلى تيمور متدلين من السور، وبعد أن أخذوا منه الأمان «اتفقوا معه على فتح المدينة من الغد، وتصرف الناس في المعاملات، ودخول أمير ينزل بمحل الإمارة منها، ويملك أمرهم بعز ولايته.»

ولكن اختلاف رأي محافظ القلعة مع آراء القضاة والفقهاء أدَّى إلى ارتباك الأمور وتعقُّدها، وخلال هذه الارتباكات ذهب ابن خلدون بمفرده إلى تيمور متدليًا من السور، ولاقاه وتحدَّث إليه حديثًا طويلًا.

ابن خلدون رجع إلى مصر بعد هذه الوقائع، وهذه كانت آخر أعماله ومغامراته.

إنه دوَّن تفاصيل ملاقاته مع تيمور في ترجمة حياته، ثم واصل كتابة الترجمة حتى سنة ١٤٠٥ / ٨٠٧، ومات بعد ذلك في القاهرة سنة ١٤٠٦ / ٨٠٨.

ويذكر الكُتَّاب المعاصرون له أنه دُفِن في مقبرة الصوفية.

(١١) الخلاصة

يظهر من التفاصيل التي استعرضناها آنفًا أن حياة ابن خلدون العلمية والفكرية — بعد عهد الدراسة، ومن تاريخ دخوله الحياة العامة — ينقسم إلى ثلاثة أدوار أساسية:
  • الدور الأول: كان دور العمل السياسي في بلاد المغرب، استمر مدةً تزيد على عقدين من السنين (١٣٥٢–١٣٧٤).
  • الدور الثاني: كان دور الانزواء والتأمل والتأليف في قلعة ابن سلامة عند أولاد بني عريف، استمر أربع سنوات فقط (١٣٧٤–١٣٧٨).
  • الدور الثالث: كان دور الانصراف إلى التدريس والقضاء مع مراجعة التأليف، واستمر ثمانيةً وعشرين عامًا (١٣٧٨–١٤٠٦).

إن دور الانزواء الذي أشرنا إليه آنفًا كان قصيرًا جدًّا بالنسبة إلى الدورين الآخرين، غير أنه كان نقطة تحوُّل هامة جدًّا في حياة ابن خلدون؛ فإنه كان قبل هذا الانزواء مجروفًا بتيارات السياسة وتقلُّباتها، وكان يعيش عيشة السياسي المغامر، ولكنه بعد الانزواء في قلعة ابن سلامة لم يعد إلى حياة السياسة، بل انقطع للتفكير والتأليف، مع الاشتغال بالقضاء والتدريس.

إنه كان قبل الانزواء في القلعة المذكورة رجل سياسة وعمل قبل كل شيء، ولكنه بعد هذا الانزواء أصبح رجل علم وتفكير بكل معنى الكلمة.

(١٢) ابن خلدون في الذاكرة الشعبية

ماذا بقي من حياة ابن خلدون وأعماله في الذاكرة الشعبية؟

نستطيع أن نقول إن الذاكرة الشعبية في مصر لم تحفظ عن ذلك شيئًا، وقبر ابن خلدون في القاهرة غير معروف إلى الآن.

وأمَّا الذاكرة الشعبية في تونس فإنها لم تهمله أبدًا، هناك يعرفه الناس ويعرفون الدار التي وُلِد وترعرع فيها ابن خلدون، دار تقع في أحد الشوارع المهمة من المدينة القديمة، هو شارع تربة الباي، تشغلها منذ عدة سنوات مدرسة الإدارة العليا، وقد وُضِع على جانب بابها لوحة رخامية تذكيرًا لمولد المفكر الكبير هناك.

ويقع في آخر الشارع المذكور «كُتَّاب» صغير تحت قبة جميلة، يسمى «مسيد القبة».١

ويُروى أن ابن خلدون كان درس في هذا الكُتَّاب.

وأمَّا قلعة ابن سلامة التي كَتب فيها ابن خلدون مقدمته المشهورة، فموقعها معلوم لدى الجميع؛ إنها تقع على بُعْدِ خمس كيلومترات من مدينة «فرندا» الحالية التابعة إلى مقاطعة وهران في الجزائر، وأطلال القلعة شاخصة إلى الأبصار هناك.

١  كلمة مسيد مُحرَّفة من كلمة مسجد، والكُتَّاب في تونس يسمى «مسيد».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤