المراجع والأسانيد

كنَّا في الرياض نسمُر ورجال التاريخ من آل سعود، المعاصرين منهم والأقدمين، وكان الفضل في السمر التاريخي للسلطان عبد العزيز الذي أرسل إليَّ كتابَين طُبِعا في الهند لاثنين من أدباء نجد ومؤرِّخيه؛ الأول: روضة الأفكار لحسين بن غنام الحنبلي، والثاني: علو المجد في تاريخ نجد، لعثمان بن عبد الله بن بشر.

قرأتُ التاريخ فصرت أُحسِن الحديث وعظمة السلطان عن أجداده، وطالعت في «الروضة» شيئًا كثيرًا في محمد بن عبد الوهاب وله، فصرتُ أفقه معنى النهضة الروحية التي قام بها في وادي حنيفة كبيران من ربيعة هما هذا التميمي ابن وهاب وذاك المانعي الوائلي ابن سعود.

ولكني وأنا أطالع الكتابَين أَسِفتُ لأسلوب مؤلفيهما القديم، ذاك الأسلوب المكلَّف المسجَّع الذي لا يحبب مطالعة التاريخ إلى قرَّاء هذا الزمان، ووددت لو أن أحد المنشئين العصريين يُلخِّص ابن بشر، أو يعيد كتابة تاريخ نجد منذ قرن ونصف قرن؛ ليطَّلع العامة والخاصة على ما جرى في وادي حنيفة من الأمور الدينية والسياسية، التي كان لها التأثير الأكبر في العرب بعد البعثة النبوية.

وكنت قد تذوَّقت السمر السلطاني في العقير، فروى عظمته شيئًا من أخبار حروبه وابن الرشيد، وكان في الرواية فصيحًا، بليغًا، جذَّابًا ومنصفًا لخَصْمه. فقلت في نفسي، وقد فُتِح لي باب في الكتابة عجيب، حبذا القصة كلها أدوِّنها للناس قصة هي تاريخٌ كله جديد، وأكثره لذيذ مفيد.

لم أجرؤ يوم كنَّا في العقير أن أُفصح للسلطان عن رغبتي هذه، ولكني قلت لرفيقي السيد هاشم الرفاعي: إني أحب أن أكتب سيرة السلطان عبد العزيز، وإني مباشر العمل. وفي الحقيقة كنت قد دوَّنت في مذكراتي الوقعة التي سمعت خبرَها في الليلة السابقة.

وعندما جئنا الرياض وبدا من عظمة السلطان ذاك التعطُّف الخاص الجميل، فأنزلني في القصر، وكان يشرِّف منزلي كلَّ ليلة بعد صلاة المساء، تشجعت فاستأذنت بأن أكون مؤرِّخه، فأجاب — وكان الجواب مبهِجًا: ما يخالف (لا بأس). فاستويت واقفًا وشكرته، ثم قلت: وخيرُ البرِّ عاجِلُه، لنبدأ إذا أمرتم الآن.

– ما يخالف.

وكان على المنضدة الورق والحبر، فجلست أكتب ما رواه تلك الليلة من أخباره الأولى في الكويت.

وبعد ذلك، أثناء المدة السعيدة التي أقمتُها في الرياض؛ أي ستة أسابيع، كان عظمته يروي من أخباره ما يستغرق ساعة واحدة كلَّ ليلة، فنتعاون أنا والسيد هاشم في التدوين. وكنت أستوقف عظمته في بادئ الأمر مرارًا لأفهم معنى لفظة من ألفاظه، أو عبارة نجدية الاصطلاح، وكنا فوق ذلك رغبة في التدقيق والتحقيق، نقرأ قبل أن نُباشر الكتابة ما كُتب في الليلة السابقة، فيُصلح عظمته ما قد يكون فيها من الخطأ.

هو ذا المصدر الأول الأعلى لهذا التاريخ. أضف إلى ذلك رسائل عدة ووثائق رسمية أطلعَني عظمتُه عليها، وأَذِن بنَسْخ بعضها.

•••

بعد أن وصلنا في تاريخ نجد الحديث إلى مؤتمر العقير عدتُ إلى ابن بشر، وعقدت النية على تلخيص ما جاء فيه من الأخبار. وابن بشر — بقطع النظر عن أسلوبه — مدقِّق في الإجمال وصادق الرواية، إلا أنه ينتهي في تاريخه عند سنة ١٢٦٧ﻫ/١٨٥٠م، فيكون بينه وبين النكبة الأخيرة (أي خروج آل سعود من نجد) فترةٌ مقدارها أربعون سنة، لم يروِ السلطان أخبارها؛ لأنه لم يكن متحققها كلها، ولا آذن أحد علماء الرياض، للسبب نفسه، بروايتها.

ولكنه عندما أزمعت الرحيل أعطاني كتابًا إلى أحد عمَّاله في شقراء، هو محمد السباعي، يأمره بأن يكتب إلى الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى في أُشَيقر (قرب شقراء)؛ ليُرسل إليه تاريخه الخطِّي، فأطَّلع عليه وأنسخه ثم يُعاد إلى صاحبه.

جئت شقراء، وراح نجاب السباعي إلى أُشَيقر فوجد بيت المؤرِّخ مُقفَلًا، وقيل له: إن الشيخ إبراهيم في عنيزة. وكنا في طريقنا إلى عنيزة، فرجونا أن نجتمع بالمؤرِّخ فيها، ولكن السباعي — سلَّمه الله — لا يثق كلَّ الثقة بالتقادير، فأمر نجابه بالرجوع إلى أُشَيقر يوم رحلنا من شقراء، وقال لي: إذا ظفر بالتاريخ أرسله إليك حيث تكون في بُريدَة أو في عنيزة أو في الحفَر، وإذا اجتمعتَ بصاحبه في طريقك فأمسكه يا أمين بتَلابِيبه.

وصلنا إلى عنيزة فلم نجد فيها المؤرِّخ، ولا جاءنا من السباعي التاريخ، ولكن غداة دنونا من بُريدة خرج النجاب يلاقينا، وكان قد جاءها رأسًا من أُشيقر، فسلم وأخرج التاريخ من جيبه قائلًا: بعد أن تقضي حاجتك منه رُدَّه إلى السباعي فيرده إلى صاحبه. وهكذا كان.

قد سرَّني من تاريخ ابن عيسى — على ما فيه من ركاكة وسذاجة — أنه خلوٌ من التقعُّر والسجع، وإليك بمثال واحد منه:

خرج عليهم «محمد ابن الإمام فيصل على أهل عنيزة»، واقتتل الفريقان قتالًا شديدًا، وصارت الهزيمة أولًا على محمد ابن الإمام ومَن معه، وتتابعت هزيمتهم إلى خيامهم، فأمر الله — سبحانه وتعالى — بالمطر، وكان غالب سلاح أهل عنيزة البنادق، فبطل عملها من شدة المطر فكرَّ عليهم محمد وأصحابه، فهزموهم، وقتلوا منهم أربعمائة رجل.

في ابن بشر وابن عيسى معًا يتمُّ إذن تاريخ آل سعود منذ نشأتهم إلى حين استيلاء محمد بن الرشيد على نجد. ولولاهما لما تمكَّنتُ من كتابة النبذة الثالثة من هذا التاريخ. على أنه، وأنا أكتبها، خطر لي أن أقابل بين المؤرخَين الوطنيَّين والمؤرخين الأجانب، خصوصًا في الحملات التي جرَّدها على نجد محمد علي باشا وابناه طوسون وإبراهيم.

والتاريخ ذو شجون، فقد جرَّتني فتوحات سعود الكبير إلى الحجاز، فمكة المكرمة، فالتقيت هناك ببعض الأوروبيِّين المستشرقين المتنكِّرين، فاستكشفتُ أخبارهم وآثارهم لأطلع على رأيهم في الوهابية يومئذٍ وفي أهل نجد، فعرفت أن السويسري بركهارت كان مُقرَّبًا من محمد علي، والإسباني باديا إِي لِبلخ كان جاسوسًا لنبوليون الأول. على أنهما متفقان في نزعتهما العلمية، وصدْق الرواية، وإن اختلفَا في المقاصد السياسية.

جاء بركهارت الحجاز قادمًا من السودان يوم كان محمد علي في الطائف، وعندما وصل إليها سأله الباشا عن أحوال تلك البلاد التي كان يحكمها يومئذٍ ابنُه إبراهيم.

قال بركهارت في رحلته العربية Travels in Arabia, John Lewis Burkhardt, London: Henry Colburn, 1829:

وسألني الباشا إذا كان ابنه إبراهيم محبوبًا هناك، فأجبتُه بلغة الصدق: إن مشايخ القرى كلهم يكرهونه؛ لأنه رَدَعهم عن الاستبداد بالفلاحين، أما الفلاحون فيحبونه حبًّا جمًّا.

ولا شك أن محمد علي الكبير كان يحب بركهارت لعلمِه، ويحترمه لصدق لهجته، فأَذِنه بالدخول إلى مكة وبزيارة المدينة.

أما المستشرق الإسباني الذي انتحل اسم علي بك العباسي، فلم يكن له من أولي الأمر نصير وما فاز بغير جدِّه ودهائه. أحببت أن أطَّلعَ على رحلته التي طُبِعت بالإنكليزية بلندن، فكتبتُ إلى كتبيٍّ مشهور هناك أطلبها، فأجاب أن الكتاب غير موجود في المكاتب، وعرض أن يُعلن في الجرائد علَّ هناك أحدًا عنده نسخة يبيعها، فقبلت، وبعد شهر جاءني منه كتابٌ يقول إنه حَظِي بنسخة من الطبعة الأولى، سليمة تامة، مجلدة بجلد ثمين، ثمنها عشرون ليرة إنكليزية فقط!

وكنت يومئذٍ أراجع التواريخ الإفرنسية في نهضة محمد علي المصرية، فقرأتُ ما كتبه إدوار غوان L’Egypte au XIX Siécle, Edouard Gouin, Paris 1847، ويمَّمتُ المكتبة الشرقية لأطالعَ تاريخ مانجن (Histoire de l’Egypte sous le Gouvernement de Mohammed Aly, Felix Mengin, Paris 1823)، فلم أجد منه غير الجزء الثالث وهو ملحق للتاريخ، كتبه جومار E. F. Jomard فجئتُ مكتبة الجامعة الأميركية، فحظيت فيها ليس بمانجن فقط بل برحلة علي بك أيضًا! وهي طبعة أميركية عن الطبعة اللندنية الأولى (Travels of Ali Bey Philadelphia: John Conrad, 1816).

أما مانجن فقد وجدتُ فيما راجعت لغرضي أنه ينقل أحيانًا عن تاريخ الجبرتي (عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، ووجدت أن الرواية فيما يختص بحوادث نجد لا تختلف كثيرًا عن رواية ابن بشر، إلَّا أن في تاريخ المصري، وبالتالي الإفرنسي، بعض الأشياء التي فات ابن بشر ذكْرها، أو أنه كان يجهلها. كالصندوق الصغير مثلًا الذي حمله عبد الله بن سعود إلى الآستانة، وفيه بعض أعلاق الحجرة النبوية التي كان يأمل أن يسترضيَ السلطان بها، فيعطيه الأمان ويُؤذنه بالرجوع إلى بلاده، هذا فيما يختص بالنبذة الثالثة.

•••

أما النبذة الثانية، محمد بن عبد الوهاب والوهابية، فقد كان لي في كتابتها عَوْن آخر غير ابن غنام. أجل قد طالعت وأنا في الرياض رسائل ابن تيمية وغيرها من الرسائل الحنبلية في كتاب طُبِع بمطبعة المنار بمصر.

وبما أننا، وقد ذكرنا النبذات عكسًا في النبذة الأولى: نواحي نجد، وهي لا تخلو من صعوبة إذا تحرَّينا التدقيق في ضبط الأسماء، أسماء البلدان، فكُتُب السيَّاح المستشرقين تُضلِّل غالبًا في أعلامها، وكتب الأقدمين العربية تروي أسماء بلدان دثرت، وأسماءً للبلدان التي لا تزال في عالم الوجود غيرَ المصطلح عليها لفظًا ومبنًى. لا بد إذن من الاستعانة بأحد علماء نجد المعاصرين، وبما أن الوقت كان قد ضاق دون ذلك يوم كنت في الرياض التمستُ من عظمة السلطان أن يأمر أحد العلماء بأن يُرسِل مطلوبي إلى الفريكة. فأرسل إليَّ بدل أسماء النواحي والبلدان نسخة من كُتيِّب خطِّيٍّ عنوانه: مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد، تأليف راشد بن علي الحنبلي، فجاء عونًا لي في تحقيق أنساب آل سعود، وابن عبد الوهاب، وعرب الشمال، أي مُضَر وربيعة.

وكنت قد استعنت عندما مررت بعنيزة بالشيخ عبد الله بن محمد العبد العزيز البسام، فكتب لي لائحة بأسماء بلدان القصيم وسدير والعارض، وبتُّ أنتظرُ وصول المعلومات الأخرى، فمرَّت الأيام وتزاحمت الحوادث في نجد، ولم تُكتَب النبذة الأولى.

وكانت حرب الحجاز، وكان من حظِّي أن أتشرف ثانية بزيارة السلطان عبد العزيز، فذكَّرته — ونحن في جدة — بتلك النبذة وبما وعدني به لإتمامها، فقال: ما يخالف. ولكني وجدته مشغولًا في مسائل أهم منها، فسكتُّ ثم سألت الدكتور عبد الله الدملوجي عن بعض البلدان، فقال: لا يستطيع أن يُجيبَ أسئلتك هذه غير السلطان، وهو الملقب بجغرافية البلاد العربية.

السلطان الأستاذ! ولحسن الحظ عندما جئتُه ذات يوم بعد الظهر حسب العادة، لقيتُه يطالع كتابًا للسيد محمود شكري الألوسي، عنوانه تاريخ نجد (المطبعة السلفية بمصر) فسألته رأيه فيه، فقال: لا بأس به، ولكنه لا يخلو من أغلاط في أسماء البلدان. فقلت وقد تمسَّكت بتلابيب الفرصة: إذن، يا طويل العمر، عليكم بإصلاحها.

وأخرجت القلم والدفتر من جيبي قائلًا: أتأمرون بأن تكونوا الآن الأستاذ وأنْ أكون أنا التلميذ؟ أتأمرون بأن أبدأ سؤالاتي؟

فأجاب عظمته: وما هي؟ فذكرت بعضها، فقال: الأمر يطول، تأذنون إذن بأن أمدَّ رجلي.

فقلت مُبتسِمًا: وهل في ذلك إشارة إلى قصة الإمام أبي حنيفة؟١

فرفع يدَيه ضاحكًا، وقال: لا والله، لا والله، القصة لا تنطبق عليك.

وكانت ساعة نادرة ذكَّرتني بليالي الرياض، ومكَّنتني من كتابة النبذة الأولى.

•••

أما مراجع هذا التاريخ الأخرى فأهمُّها ما يأتي:
  • الكتاب الأخضر النجدي.

  • كتاب الوفد الهندي.

  • الكتاب الأحمر الحجازي.

تقرير المندوب السامي لحكومة بريطانية العظمى في العراق من أول أكتوبر سنة ١٩٢٠ إلى آخر مارس سنة ١٩٢٢.

تاريخ الكويت لعبد العزيز الرشيد (المطبعة العصرية بغداد).

مذكرات الفريق شفيق كمالي باشا (متصرف عسير والقائد العام فيها من سنة ١٩٠٨ إلى سنة ١٩١٢، ووالي البصرة سنة ١٩١٣) نُشِرت تباعًا في الأهرام في شهرَي نوفمبر وديسمبر سنة ١٩٢٤.

عنوان المجد في أحوال بغداد والبصرة ونجد، تأليف إبراهيم فصيح الحيدري البغدادي (نسخة خطِّية).

ومن الكتب الإنكليزية:
  • قلب البلاد العربية (The Heart of Arabia. H. St. John Philby. Constable: London).
  • الطواف في البلاد العربية (Wanderings in Arabia, Charles M. Doughty, Duckworth: London).
  • التغلغل في البلاد العربية (The Penetraion of Arabia, D. G. Hogarth. Alston Rivers: London).

إنك ترى إذن ممَّا تقدَّم أن أهم مصادر النبذات الثلاث هي نجدية؛ أي إن ابن بشر هو ركن النبذة الثالثة، وابن غنام وابن تيمية ركنَا النبذة الثانية، والسلطان عبد العزيز الملقَّب بجغرافية البلاد العربية، والشيخ عبد الله البسام الذي قال فيه عظمة السلطان: إنه من العارفين المدقِّقين، هما مرجعي في النبذة الأولى.

أما السيرة فقد قصصت قصتَها، وقد أشفعت المصدر الأول الأعلى بما استوجبه التدقيق من مراجعات ما طُبِع في البلدان المجاورة لنجد، وما نشره السياح المستشرقون وبعض الترك والعرب فيما يختص بالبلاد العربية لخمسين سنة مضت.

ولا بد من ذكْر مرجع آخر هو رحلتي العربية الأولى، ورحلتي الثانية إلى الحجاز. فقد كنت أثناء ذلك أستقي الأخبار من مصادرها العليا، وأسمع من ذوي العرفان ممن حدَّثتهم ما يثبت أو يكمل الرواية السلطانية. فقد كان عظمته يقتضب الكلام فيما يتعلَّق بشخصيته، فيمسك النفس عمَّا فيه فخْرُها والثناء عليها. وإني أختم هذا الفصل بقصة واحدة من القصص العديدة التي كنت أسمعها، والتي تمثل الحلم والكرم في شخصية هذا العربي الكبير.

عندما كانت الحرب قائمة بينه وبين أقاربه «العرايف» في الحساء أرسل خصمه سلمان بن محمد بن سعود وفدًا من قِبله إلى قطَر، وعمان، ومسقط، والبحرين يستنجد شيوخَها على السلطان عبد العزيز. وكان العجمان يومئذٍ حلف «العرايف»، وكان أحد رجال الوفد من هذه القبيلة، فسافروا إلى عمان ومنها جازوا الخليج إلى لنجا على الشاطئ العجمي، وهم يقصدون سلطان الحمادَى حاكم تلك الناحية الذي يدَّعي أن العجمان من العجم، فأعطاهم لذلك مائة بندقية وأربعة آلاف روبية، ثم جاءوا البحرين فأعطاهم الشيخ عيسى مائة بندقية واثنَي عشر ألف روبية، وقد ساعدهم آلُ زايد بعمان بأكثر من ذلك.

عاد رجال الوفد موفَّقين، وبينا هم مسافرون إلى العقير التي كانت يومئذٍ بيَدِ العجمان، ومعهم ما جمعوا من الأسلحة والمال لمحاربة ابن سعود، علم بهم الشيخ عبد الرحمن بن سويلم أمير القطيف. فسارع إلى إرسال عساكر في مراكب شراعية، طاردوا مركب العدوِّ بين البحرين والعقير، ثم حاقوا به فحجزوه، وألقَوا القبض على ثلاثة من رجاله.

حدثني أحد الثلاثة، وهو العجماني، قال: جاءوا بنا إلى القطيف وأرسلونا مُقيَّدين إلى السلطان عبد العزيز بالحساء، فلما وصلنا أمر بفكِّ قيودنا وبأخْذِنا إلى المضيف. وبعد ثلاثة أيام أُحضِرنا إلى المجلس وكلُّ واحد منَّا لا يرى من قسمته غير الموت، فخاطبَنا السلطان قائلًا: يا عيالي، نحن لا نقهر أحدًا، فمَن كان منكم يبغي معزَّبه (شيخه أو أميره) فإليه به، ومَن كان منكم يبغينا فأهلًا ومرحبًا. فقال واحد منَّا: أنا، يا طويل العمر، أفضِّل نارَك على جنَّة سلمان، فأمر له ببندقية وكسوة وأدخله في الجيش. وقال الآخران: ودنا نروح إلى معزبنا نعتز واياه وننذبح واياه. فأمر لكلٍّ منهما بكسوة وذلول وشيء من المال، ثم أطلق سراحهما.

وفي التاريخ بقية القصة التي انتهت بتسليم العرايف، فكان الحلم أنجع بهم من السيف.

١  كان أبو حنيفة يخطب في حلقة من تلاميذه في أن صلاة الفجر ينبغي أن تكون قبل طلوع الشمس، وبينا هو يخطب وقد جلس جلسة الألفة ومدَّ رجله، دخل شيخ جليل الطلعة وتبوَّأ مكانًا في الحلقة، فتربَّع الإمام إكرامًا له، واستمر في كلامه أن صلاة الفجر ينبغي أن تُصلَّى قبل طلوع الشمس، فسأله الشيخ: وإذا طلعت الشمس قبل الفجر؟ فقال الإمام وهو يعود إلى جِلْسته الأولى: عندئذٍ يمدُّ أبو حنيفة رِجله ولا يبالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤