الفصل السابع

استجابة الفرديين

طيلة قرن، استعمل اللاسلطويون كلمة «ليبرتاري» مرادفًا لكلمة «لاسلطوي»، كاسمٍ وكصفة معًا، كما أن الصحيفة اللاسلطوية الشهيرة «الليبرتاري» تأسست في عام ١٨٩٥. ومع هذا، فقد منح عددٌ من فلاسفة السوق الحرة الأمريكيين — ديفيد فريدمان وروبرت نوزيك وموراي روثبارد وروبرت بول وولف — معنًى خاصًّا للكلمة مؤخرًا؛ ولذا من الضروري دراسة الاستجابة «الليبرتارية» الفردية الحديثة من وجهة نظر الفكر اللاسلطوي.

عند تناول هذا الموضوع، يوجد عائق وحيد يجب تخطيه، وهو المؤيد الألماني «للأنانية الواعية»، ماكس شتيرنر. ولد باسم يوهان كاسبر شميت (١٨٠٦–٥٦) وكان كتابه Der Einzige und sein Eigentum المنشور عام ١٨٤٥ قد ترجم إلى الإنجليزية عام ١٩٠٧ تحت اسم «الذات ونفسها». لقد قمت بعدة محاولات لقراءة هذا الكتاب، ولكني دائمًا كنت أجده غير مفهوم. كنت أقدم العذر لنفسي بتعليق عن أن عبادة «الذات» بدت لي مقيتة مثلما بدت لي فكرة نيتشه عن «الإنسان الخارق»، إلا أن اللاسلطويين المعجبين بشتيرنر أكدوا لي أن توجهه مختلف بعض الشيء عن توجه نيتشه؛ فهم يجادلون بأن «الأنانية الواعية» لشتيرنر لا تُنكر بأية حال من الأحوال ميل الإنسان إلى السلوك الإيثاري؛ تحديدًا لأن صورتنا الذاتية تشعر بالرِّضَى بسبب الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا ككائنات اجتماعية. كما يَلفتون انتباهي إلى توقع شتيرنر للملاحظة اللاحقة التي أدركها روبرت ميكيلز عن «القانون الحديدي لحكم القلة»، مشخصًا ميلًا فطريًّا لدى جميع المؤسسات الإنسانية للتحول إلى كيانات قمعية، وهو ما يجب أن نعترض عليه باسم الحرية الشخصية.

ثَمَّةَ سلسلة طويلة من النشطاء والمبدعين الأمريكيين تنتمي على نحوٍ أكثر نمطية من شتيرنر إلى التيار الفردي اللاسلطوي، وهي تعود إلى تاريخ سابق على الدعاية اللاسلطوية وسط جماعات مهاجرة عديدة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين: ألمان وروس ويهود وسويديين وهولنديين وإيطاليين وإسبانيين. وهناك كتابان إرشاديان؛ الأول لجيمس جيه مارتن بعنوان «الإنسان ضد الدولة» (الذي ظهر لأول مرة في عام ١٩٥٣)، والثاني لديفيد ديليون بعنوان «الأمريكي سلطويًّا: تأملات في الراديكالية الوطنية» (الذي ظهر لأول مرة عام ١٩٧٨)، يقدمان تاريخًا ثريًّا ومتنوعًا في الولايات المتحدة عن التجربة والجدل اللاسلطوي الاجتماعي والفردي الخلاق.

كان التقليد النمطي للمهاجرين يتمثل في القيام بمشروعات اجتماعية وجمعية تنمو بسرعة لتتحول إلى مؤسسات راسخة من الرعاية والود، وقد ضمت نقابات العمال والمدارس والجمعيات التعاونية. أما التقليد الوطني فكان أكثر فردية، ولكن كان لأنصاره آثار متنوعة على الحياة الأمريكية. ويميز المؤرخون بين أيديولوجيات الليبرتاريين اليساريين والليبرتاريين اليمينيين. وحسبما يميز ديفيد ديليون بينهما: «بينما يحتقر الليبرتاريون اليمينيون الدولة لأنها تعيق حرية الملكية، فإن الليبرتاريين اليساريين يدينون الدولة لأنها معقل الملكية.»

أولى هذه الشخصيات اللامعة هو جوزاياه وارين (١٧٩٨–١٨٧٤) الذي، بعد خيبة أمله نتيجة فشل مستعمرة روبرت أوين التعاونية في نيوهارموني، أسس متجر تايم في سينسيناتي، حيث كان العملاء يشترون منه البضائع في مقابل «أوراق نقد عمالية» تَعِد التاجر بمنتج مماثل أو خدمة مماثلة. تبعت هذا قرية العدالة التعاونية في أوهايو، وهي أقدم قرية «تكافلية» مثالية، ومجتمع مودرن تايمز على جزيرة لونج آيلاند الذي احتفظ بالمثل بطابعه التعاوني لمدة ٢٠ سنة على الأقل. كان إيمان وارين بأهمية الفرد قد قاده إلى الدفاع عن المطابخ العامة، لكي «يحرر نساء العائلة من الكدح التام والشاق الذي — بطريقة أو بأخرى — هو مقدر لهن بلا مناص.»

أراد ليساندر سبونر (١٨٠٨–١٨٨٧) وطنًا أمريكيًّا يضم أفرادًا يعملون لحسابهم الخاص ويتشاركون الوصول المتكافئ للمال. وقد ذهب إلى أنه:

لو لم يقبل الإنسان أو يوافق على مساندة الحكومة، فإنه لا يرتكب ذنبًا برفضه مساندتها. ولو شن الحرب عليها، فإنه يفعل ذلك بصفته عدوًّا صريحًا، لا بصفته خائنًا.

يسلِّم ستيفن بيرل أندروز (١٨١٢–١٨٨٦) بالمثل بأن سيادة الفرد تنطبق على «كل» فرد. ومن ثَمَّ، حسبما يشرح بيتر مارشال:

لقد عارض دائمًا العبودية وحاول أن يحرر ولاية تكساس عن طريق جمع المال ليشتريَ حرية كل عبيدها، ولكن الحرب مع المكسيك عطلته. كما جادل بأن السلوك الجنسي والحياة العائلية يجب أن يقعا تحت مسئولية الفرد الشخصية وبعيدًا عن سيطرة الكنيسة والدولة.

مثل وارين، قاد المذهب الفردي ستيفن بيرل أندروز إلى التوصية بالحضانات العامة ومدارس الأطفال والمطاعم التعاونية بهدف تحرير النساء.

كان بينجامين آر تاكر (١٨٥٤–١٩٣٩)، في عصره، أشهر اللاسلطويين الفرديين الأمريكيين؛ إذ استمرت جريدته «الحرية» لمدة ربع قرن، إلى أن احترقت ورشة الطباعة الخاصة به في بوسطن عام ١٩٠٧. كما كان أيضًا رائدًا في ترجمة أعمال برودون وباكونين.

لكن من بين الليبرتاريين الأمريكيين المنتمين للقرن التاسع عشر، كان أكثرهم إيمانًا بالفردية وأكثرهم شهرة هو هنري ديفيد ثورو (١٨١٧–١٨٦٢). ويعتبر كتابه الشهير «حياة الغابات» وصفًا للعامين اللذين قضاهما بحثًا عن الاكتفاء الذاتي في الكوخ الذي بناه لنفسه بالقرب من كونكورد في ماساتشوستس. لم يكن هذا يعني انسحابه من الحياة الأمريكية؛ فالرجل الذي أعلن أن العدو الحقيقي للجندي هو الحكومة التي تدربه كان أبرز مفكر هدَّام في بلاده. لم تجذب إحدى مقالاته — والمسماة عادةً «عن واجب التمرد المدني»، والمنشورة في الأساس عام ١٨٤٩ تحت عنوان «مقاومة الحكومة المدنية»؛ اهتمام أحد في ذلك الوقت، ولكنها أثرت فيما بعد على كلٍّ من تولستوي وغاندي (الذي قرأها في السجن في جنوب أفريقيا). وقرأها مارتن لوثر كينج وهو طالب في أتلانتا، ويذكر قائلًا:

نظرًا لتأثُّري بفكرة رفض التعاون مع نظام فاسد، تحمستُ للغاية لدرجة أنني أعدت قراءة هذا العمل عدة مرات. كان هذا أول احتكاك فكري لي مع نظرية المقاومة السلمية.

بدأ تاريخ مقالة ثورو عن العصيان المدني — والتي كتبها بحسه الازدرائي بسبب الحرب المكسيكية التي شنتها حكومة الولايات المتحدة وبسبب استمرار تجارة الرقيق الأسود — كمحاضرة ألقاها أمام المواطنين في قاعة كونكورد للمحاضرات عام ١٨٤٨. وعندما حارب المنادي بتحرير العبيد جون براون الولايات المتحدة عام ١٨٥٩ وحكم عليه بالإعدام، ألقى ثورو، رغم بعض المعارضة، خطابًا في مبنى البلدية بعنوان «مرافعة من أجل كابتن جون براون». بعد ذلك بعقود، علَّق هافلوك إيليس أن ثورو كان ««الرجل الوحيد» في أمريكا الذي يدرك قدر هذه المناسبة ويقف علنًا في صفه.»

ويوجد مؤيد آخر للفردية أمريكي مشهور، وهو راندولف بورن (١٨٨٦–١٩١٨)، وهو الذي صاغ عبارة شهيرة خلال الحرب العالمية الأولى، عندما لاحظ العملية التي يتم بها التحايل على بلده لإشراكها في تلك الحرب، فادعى أن «الحرب هي «رخاء» الأمة»، وفسَّر قائلًا إن:

الدولة هي تنظيم القطيع ليتصرف بشكل هجومي أو دفاعي أمام قطيع آخر منظم مثله. ترسل الحرب تيار الأهداف والنشاط المتدفق إلى أدنى مستوًى في القطيع ووصولًا إلى أبعد روافده. وترتبط جميع أنشطة المجتمع بأسرع ما يكون بهذا الهدف المحوري المتعلق بشن هجوم عسكري أو دفاع عسكري، وتصبح الدولة الكيان الذي ناضلت عبثًا لتكونه خلال وقت السلم … يقل الركود وتختفي التيارات المعاكسة وتتحرك الأمة بتثاقل وبطء، ولكن بتوحد وسرعة فائقة نحو الهدف الأكبر، نحو «سلمية» الانخراط في الحرب …

يتجسد فهمه باستفاضة للطريقة التي استطاعت بها حكومات القرن العشرين تشكيل الرأي والتلاعب به، من خلال الأحداث التي وقعت خلال التسعين عامًا التالية على ما كتبه. وقد شكل المعارضون اللاسلطويون الأمريكيون المؤيدون للفردية جماعات ضغط في الشوارع ضد سياسات حكومة الولايات المتحدة منذ ذلك الحين. وأحد هؤلاء كان آمون هيناسي، الذي يوصف دومًا بأنه «ثورة الرجل الأوحد»، الذي شن احتجاجًا فرديًّا مستمرًّا ضد إمبريالية الولايات المتحدة، من الساحل الشرقي وحتى الجنوب الغربي، والأخرى كانت دوروثي داي المنتمية لحركة العمال الكاثوليك، التي أعلنت طيلة عقود من القرن العشرين إيمانها بالمجتمعات التعاونية ذاتية التنظيم، وهو ما يوصف بالمصطلحات السياسية ﺑ «اللاسلطوية».

بعد ذلك بفترة — في سبعينيات القرن العشرين — تبنَّت سلسلة من الكتب، ألفها أكاديميون أكثر منهم نشطاء، أسلوبًا مختلفًا لليبرتارية الأمريكية. فهناك كتاب روبرت بول وولف «دفاعًا عن اللاسلطوية»، وكتاب روبرت نوزيك «اللاسلطويون والدولة واليوتوبيا»، وكتاب ديفيد فريدمان «آلية الحرية»، وكتاب موراي روثبارد «من أجل حرية جديدة: بيان التحرير». قدمت هذه الكَتِيبة من المؤلفين «البنية الفوقية الأيديولوجية» للميل نحو تيار اليمين في السياسات الفيدرالية والمحلية بالولايات المتحدة وفي السياسات البريطانية بهدف «تغيير حدود الدولة»، وهو ما كان في الأصل ستارًا للانصياع المتزايد لاتخاذ القرار مركزيًّا. وقد ذهب روبرت بول وولف إلى أن «اللاسلطوية الفلسفية تبدو العقيدة الوحيدة المعقولة بالنسبة إلى الإنسان المتنور.» وقد قال المؤرخ بيتر مارشال عن روبرت نوزيك إنه «ساعد في جعل النظرية الليبرتارية واللاسلطوية مقبولة في الدوائر الأكاديمية.» وهو إنجاز ليس بصغير، في حين بسَّط ديفيد فريدمان للقراء الأمريكيين رأي فريدريك فون هايك القائل بأن تشريعات الرعاية الاجتماعية هي الخطوة الأولى على «طريق العبودية».

أما بيتر مارشال، فيرى رجل الاقتصاد موراي روثبارد بوصفه الأكثر وعيًا بالفكر اللاسلطوي الحقيقي من بين المدافعين الرأسماليين اللاسلطويين:

كان يُعتبر في الأصل جمهوريًّا من الجناح اليميني المتطرف، ولكنه انطلق ليحرر المقالة الكلاسيكية الليبرتارية التي كتبها لا بويتي «عن العبودية الطوعية» والآن يُسمِّي نفسه لاسلطويًّا. وقد كتب في كتابه «من أجل حرية جديدة» قائلًا: «إذا أردت أن تعرف كيف ينظر الليبرتاريون إلى الدولة وإلى أيٍّ من تصرفاتها، فانظر إلى الدولة ببساطة بصفتها عصابة إجرامية، وستسير جميع مواقف الليبرتاريين بشكل منطقي في مسارها الطبيعي.» وهو يختزل العقيدة الليبرتارية في قاعدة محورية واحدة، وهي أنه «ليس من حق إنسان أو مجموعة من البشر الاعتداء على شخص آخر أو على ملكيته.» ولذلك، لا الدولة ولا أي حزب خاص يستطيع أن يشنَّ أو يهدد باستخدام العنف ضد أي شخص لأي هدف. يجب أن ينظم الأفراد الأحرار شئونهم ويتخلصون من ملكيتهم فقط عن طريق الاتفاق الطوعي المبني على الالتزام التعاقدي.

روثبارد واعٍ بهذا الفكر، ولكنه على نحوٍ استثنائي لا يعرف المثل القديم الذي يقول بأن حرية سمك الكراكي تعني موت سمك المنوة (أي إن حرية البعض تعتمد على تقييد حرية البعض الآخر). بالنسبة إلى الحقائق المحبطة حول اقتصاد الولايات المتحدة فإن ١٠٪ من مواطنيها يملكون ٨٥٪ من صافي ثروة الأمة، وهذه الأقلية هي أيضًا الأفراد الذين ينتفعون من كل تقليص في ميزانية الرعاية الاجتماعية للأمة.

ومع ذلك، يلعب الليبرتاريون اليمينيون دورًا في نطاق الحوار اللاسلطوي؛ حيث يجد كل مروج لاسلطوي أن الجمهور أو القراء تحيرهم فكرة أنه ربما من الممكن تنظيم الحياة الإنسانية دون حكومة. ولهذا أصر كروبوتكين، بصفته ليبرتاريًّا يساريًّا — كما رأينا في الفصل الثالث — على ضرورة أن يصوغ المروجون اللاسلطويون أشكالًا جديدة للتنظيم من أجل تلك الأدوار التي تشغلها الدولة الآن من خلال البيروقراطية.

كان موراي روثبارد أحد مؤسسي الحزب الليبرتاري في الولايات المتحدة وقد كان يسعى — حسبما يشرح بيتر مارشال — إلى محو «الجهاز التنظيمي الفيدرالي بأكمله بالإضافة إلى الضمان الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، والتعليم العام، والضرائب»، وحث الولايات المتحدة على «الانسحاب من الأمم المتحدة والتزاماتها الأجنبية، وتقليل قواتها العسكرية إلى الحد المطلوب لأدنى درجات الدفاع.»

بخلاف الطموح إلى إلغاء كل قوانين «الجرائم بلا ضحايا»، لم نسمع بأي التزام نحو تغيير منظومة السجن في الولايات المتحدة، التي تحبس الآن نسبة كبيرة من السكان مقارنةً بأية أمة أخرى تحتفظ بسجلات موثوق بها. ولكن على أية حال، يبدو أن الفلاسفة الآخرين المنتمين لليمين الليبرتاري لديهم أهداف أقل شمولية. فمثلًا: يقترح روبرت بول وولف، في كتابه «دفاعًا عن اللاسلطوية» الذي أعيد طبعه عام ١٩٩٨، أن «ننشئ نظامًا يتكون من ماكينات تصويت منزلية»، كلٌّ منها «متصل بجهاز تليفزيون» لاتخاذ قرار بشأن الموضوعات السياسية والاجتماعية. وهو يؤكد أنه عندئذٍ «ستنتعش العدالة الاجتماعية أكثر من أي وقت مضى.»

سيعتبر معظم اللاسلطويين هذا تهربًا مخزيًا من الموضوعات التي يثيرها النقد اللاسلطوي للمجتمع الأمريكي، وسيفضلون الاحتفاء بميراث من المعارضة أكثر ثراءً في الولايات المتحدة، ممثلًا في مجموعة كبيرة من المروجين المشهورين، بدايةً من ثورو في أحد الأجيال، وإيما جولدمان في جيل آخر، وصولًا إلى بول جودمان، الذي ترك تراثًا أثار اهتمام خلفائه من اللاسلطويين؛ ففي مقاله الأخير في الصحافة الأمريكية، اقترح أنه:

بالنسبة إليَّ، فإن المبدأ الأساسي للاسلطوية ليس الحرية وإنما الاستقلالية؛ أي قدرة المرء على بدء مهمة ما وبطريقته. نقطة الضعف في «لاسلطويتي» هي أن شهوة الحرية تمثل حافزًا قويًّا للتغيير السياسي، في حين أن الاستقلالية ليست كذلك. إن الأفراد المستقلين يحمون أنفسهم بصلابة ولكن بطرق أقل عنفًا، بما في ذلك قدر كبير من المقاومة السلبية. لكنهم يفعلون ذلك بطريقتهم على أية حال. لكن الأفراد المقموعين يشعرون أنهم إذا تحرروا لا يعرفون ما سيفعلون، فلأنهم لم يذوقوا طعم الاستقلالية من قبل؛ لا يعرفون معناها؛ وقبل أن يتعلموها، يأتيهم مديرون جدد لا يتعجلون التنازل عن مناصبهم …

انشغل مؤيدو الفردية الأمريكيون في القرن التاسع عشر بتكوين كوميونات وتعاونيات ومدارس بديلة وعملات محلية وبرامج للخدمات المصرفية المتبادلة. كانوا مبتكرين اجتماعيين مشغولين باستكشاف إمكانات الاستقلالية، بما في ذلك تحرير المرأة وتحقيق المساواة للسود. تفسر تجربتهم، في ظل المناخ الاجتماعي الأمريكي، إصرار مارتن بوبر — المذكور في الفصل الثالث — على العلاقة العكسية بين المبدأ الاجتماعي والمبدأ السياسي. تشكِّل ممارسة الاستقلالية التجربة التي تزيد من احتمالية النجاح. أو كما عبر عنها اللاسلطوي الأمريكي ديفيد ويك: «ربما تتطابق عادة الإضرابات مع عادة الحرية، والاستعداد لممارسة حياة مسئولة في مجتمع حر.»

يعتبر «الليبرتاريون» الأمريكيون المنتمون للقرن العشرين أكاديميين أكثر منهم نشطاء اجتماعيين، وتبدو قدرتهم الإبداعية قاصرة على تقديم أيديولوجية لرأسمالية سوقية لا يعوقها عائق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤