الدخول إلى «عش النسر»!

عندما أخذ كلُّ واحد من الضيوف مكانه حول المائدة المستديرة، كان الشياطين قد تفرَّقوا وجلس كلٌّ منهم في مكان، وجاء مكان «سيمون» في مواجهة «أحمد» تمامًا، كان يبتسم ابتسامةً هادئة، وهو يضع بعضَ الطعام أمامه. فكَّر «أحمد»: هل يُرسل إلى رقم «صفر» حتى يطمئن. انتظر لحظة، ثم وضع يده في جيبه، وأرسل رسالةً شفرية. كانت الرسالة تقول: «مَن هو «سيمون بريتش»؟» وبعد دقيقةٍ واحدة جاءه الردُّ، فعلَت وجهَه ابتسامةٌ هادئة، وربما سعيدة، ونظر إلى «سيمون». فجأة، دقَّ «سيمون» فوق حرف الطبق الذي أمامه دقَّاتٍ فهمها «أحمد»، ولفتَت نظر الشياطين، ولو أنَّ واحدًا منهم لم ينظر إليه. انتهى الغداء … وتفرَّق الضيوف كلٌّ إلى مكان. لم يجتمع الشياطين معًا؛ ذهب «أحمد» إلى «ماتي»، وانهمكَا في حديث حول الجيتار، وتفرَّق بقية الشياطين. في نفس الوقت، كان «سيمون» يقف مع «باولو»، وهما يتحدثان بحرارة. مرَّت ساعة ثم أعلن انتهاء اليوم، وعاد الشياطين إلى الجراند أوتيل. بعد وصولهم بدقيقة، جاءته رسالةٌ شفرية تقول رقم «صفر» يحيِّيكم، ويطلب الاستمرار، حتى لو طال الوقت!

ابتسم «أحمد» وهو ينقل للشياطين الرسالة، ثم قال في النهاية: إنها رسالةٌ من «سيمون بريتش»، عميل رقم «صفر» في «روما»!

ثم أضاف: لقد توصَّل العميل إلى بداية الخيط، وهو ما ننفذه الآن، وعلينا أن نستمر في عملنا في الملهى حتى النهاية.

في الليل، كانت فرقة «ستانا جروب» تعمل في ملهى «إيطاليانا»، ولم يشهد الملهى إقبالًا كما شهده الليلة، وبعدها طارَت شهرةُ «ستانا جروب» إلى إيطاليا كلها. وعندما عاد الشياطين إلى الفندق، كانت هناك رسالة من رقم «صفر»، تقول: «إن ملهى «إيطاليانا» هو المقرُّ الحقيقي لفرقة الاغتيالات، وإن التقارير التي وصلَته تؤكد أنَّ «باولو» هو رأس الفرع الموجود في إيطاليا، وأنه يتخفَّى خلف ملكيته للملهى.» ويبقى أن يَصِل الشياطين إلى القاتل الحقيقي للسينيور «كلاتشي»، وأضافت الرسالة: «إنَّ المهمة لا تحتاج السرعة، بل إنه يمكن أن تستغرق بعض الوقت، غير أنَّ المهم هو كشف «باولو» ودوره، ومساعديه …» هتفت «إلهام»: إذن فنحن في قلب المعركة!

قال «خالد» مبتسمًا: يا عزيزتي «للي»، إنَّ الزميل «بيدو» الذي يتحدث إليكِ الآن، يعرف يقينًا منذ البداية أننا دخلنا «عش النسر».

ثم ضحك وهو يضيف: غير أننا لن نخرج منه إلا والنسر في أيدينا.

ضحك الشياطين، وعلَّق «باسم»: «هان» الذي هو أنا، يحيِّيكم، ويُعلن استمتاعَه الكبير بهذه المغامرة الفريدة!

ظل الشياطين بعض الوقت يتضاحكون ثم في النهاية انصرف كلٌّ منهم إلى غرفته. استلقى «أحمد» على سريره، وشرد يفكر، أية مغامرة تلك التي يقومون بها؟ إنها مغامرة فريدة كما قال «باسم»، لكن متى يضع يده على القاتل الحقيقي ﻟ «كلاتشي».

مرَّ شهر، والشياطين يحققون نجاحًا، يومًا بعد يوم، كانت فرقة «ماتي» تعمل في أول الليل، وفرقة الشياطين تعمل في آخر الليل، ولم يكن الشياطين يفعلون شيئًا طوال النهار، سوى زيارة الأماكن الأثرية والمشهورة في إيطاليا، وحقَّق «أحمد» نجاحًا عظيمًا في كسب ثقة «باولو» … فذات ليلة، طلب لقاء «باولو»، وعندما صَحِبه «مانسيني» إلى مكتب «باولو»، قال «أحمد» ﻟ «مانسيني»: يا سيد «مانسيني»، هل يحقق لي السيد «باولو» طلبًا ما؟

أبدى «مانسيني» دهشته وهو يقول: إنَّ السيد «باولو» سوف يكون سعيدًا في أن يحقق أيَّ طلب للشياطين!

ولم ينطق «أحمد» بالطلب، لكنه عندما أصبح هو و«باولو» وحدهما، طلب «أحمد» أن تنتقل الفرقة للإقامة في أحد المنازل، بدلًا من الفندق. فصاح «باولو» في سعادة: شيء مدهش، لقد كنتُ أفكر في هذه المسألة، لكني ترددتُ أن أعرضها عليكم!

ابتسم «أحمد» وقال: إن ذلك سوف يُسعد الفرقة كثيرًا، إلا إذا كان السيد «باولو» سوف يحدِّد عقد الفرقة بشهور قليلة.

صاح «باولو» في دهشة: إنَّ عقدكم مستمر، حتى تُعلنوا رغبتكم في عدم التعاون معي!

ثم فتح درج مكتبه وأخرج عقد الفرقة، وأمسك قلمًا كتَب به بعض الكلمات، ثم قدَّمه ﻟ «أحمد» ضاحكًا، وقائلًا: هذا شرطٌ جزائي أضفتُه للعقد. مَن يستغني عن الآخر يدفع مليون ليرة …

أبدى «أحمد» دهشته وفرحته في نفس الوقت، وهو يقول: هذا مبلغٌ طيب.

ثم ضحك قائلًا: أرجو أن يُعلن السيد «باولو» استعداده للاستغناء عن الفرقة!

ضحك «باولو» طويلًا، ثم قال: بعد أن تنتهوا من العمل الليلة، سوف أقدِّم لكم المفاجأة! ثم أضاف وهو يبتسم: أنتم تعرفون مدى إعزازي لكم. إنني لا أُخفي عليك أنني أربح من ورائكم كثيرًا، وهذا سببٌ هامٌّ جدًّا يجعلني أتمسَّك بكم، بجوار أنني وجدت فيكم فريقًا رائعًا؛ فأنا لم أرَ في حياتي مجموعةً مترابطة مثلكم.

صمت قليلًا، ثم أضاف: وهذا ما يدفعني لأن يتسع مجالُ عملنا معًا. إنكم يمكن أن تربحوا الكثير والكثير إذا وضعنا أيديَنا في أيدي بعض، واتبعتم نصائحي … إننا معًا يُمكن أن نحقق الكثير.

كان «أحمد» يُتابع كلماته، وقد رسم على وجهه ابتسامةً هادئة. قال «باولو»: إنني أفكر في تقديمكم في التليفزيون والسينما أيضًا. إن في رأسي مشاريعَ كثيرةً؛ فأنتم فرصة لا يجب أن تضيع. مرَّت دقيقةٌ قبل أن يقول: سوف يكون لنا أنت وأنا أحاديث أخرى، فقط إنني أنتظر الوقت المناسب.

ثم أضاف: وأنا أعرف أنك سوف تفهمني جيدًا.

ثم ابتسم وقال: الآن هيَّا إلى العمل، ودَعْني أدبِّر لكم مفاجآتي!

شكره «أحمد» بحرارة، ثم استأذن وانصرف. كانت كلمات «باولو» تُدير رأسَ «أحمد»؛ فقد شعر أن كلَّ الأمور سوف تنكشف أمامه دفعةً واحدة، فقط المسألة تحتاج لبعض الوقت كما قال رقم «صفر». عندما انتهى عمل الليلة، الذي حقق فيه الشياطين نجاحًا هائلًا ككل ليلة، ظهر «مانسيني» مبتسمًا كعادته دائمًا، وقال ﻟ «أحمد»: إن السيد «باولو» سوف يصحبكم بنفسه.

ابتسم «أحمد» بينما كان يفكر، هذه إذن مفاجأة «باولو»، إنه يتوقع الكثير، وهو يعطي «باولو» كل ما يفكر فيه. عندما خرجوا من الباب، كان «باولو» يجلس إلى عجلة القيادة في السيارة، ولم يكن السائق موجودًا، قال «باولو» مبتسمًا: سوف أقدِّم لكم المفاجأة بنفسي.

رَكِب الشياطين، وانطلقَت السيارة في شوارع «روما» الهادئة الآن. وعندما أصبحَت السيارة خارج المدينة، قال «باولو»: أظن أن المفاجأة سوف تُعجبكم!

بعد قليل، وصلَت السيارة إلى فيلَّا أنيقة وسط المزارع، ثم دخلَت من البوابة التي يقف أمامها حارسان. وعندما توقَّفَت أمام الفيلَّا ذاتها، قال: ما رأيكم، أليست مفاجأة!

نزل الشياطين وهم يرسمون الدهشة. فُتح باب الفيلا، وظهر حارسٌ جديد. دخلوا ومعهم «باولو»، كانت فيلَّا أنيقة جدًّا، مفروشة بذوق رفيع، وقال «باولو»: هذا هو مقرُّ إقامتكم، ما رأيكم؟

ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنها مفاجأة حقيقية، لم نكن نحلم بها.

قال «باولو»: يوجد طقمٌ من الخدم لتلبية طلباتكم مهما كانت!

قضى معهم بعض الوقت، ثم انصرف. ظهر رئيس الخدم مبتسمًا وهو يقول: اسمي «جلاكسو»، وأنا رئيس الخدم هنا، وأرجو أن أستطيع خدمتكم!

شكره «أحمد»، وسألت «إلهام»: أين غُرَف النوم؟

ابتسم «جلاسكو» وهو يُجيب: إنها في الطابق العلوي!

ثم شرح لهم نظام الحياة في الفيلا، وطلب أن يضعوا أي ترتيب يرونه، إذا كان هذا النظام لا يُريحهم، إلا أن «أحمد» شكره. أخذ الشياطين طريقَهم إلى الطابق العلوي، وبينما هم يصعدون السلالم، قال «أحمد» بلغة الشياطين: إن طريقة تفاهمنا سوف تكون بلغة الشياطين إذا كانت الأمور خاصة بنا؛ فأظن أن «باولو» قد وضعنا تحت الاختبار، وأظن أننا مراقَبون تمامًا. أخذ كلٌّ منهم طريقَه إلى غرفته. تمدَّد «أحمد» فوق سريره، وفكر: ما الذي يريده «باولو»؟ إن حديثه الليلة في المكتب كان حديثًا يرمي إلى شيء. وعندما نقلنا إلى هذه الفيلا، كان يريد أن يحقق شيئًا، لكنه أوقع نفسه في المصيدة، وأظن أننا سوف نستفيد من وجودنا هنا تمامًا.

بعد قليلٍ كان قد استغرق في النوم، ولم يستيقظ إلا متأخرًا؛ فالشياطين كلُّهم تأخروا في النوم؛ فقد كانوا يشعرون بالإجهاد، في نفس الوقت كانوا قد اطمأنوا أن مغامرتهم تمشي في طريق سليم، وأن «باولو» يحقق لهم نجاح المغامرة، دون أن يدريَ، ودون أن يبذلوا جهدًا كبيرًا.

عندما اجتمع الشياطين لتناول الإفطار، ابتسمَت «إلهام» وهي تقول: إنها مغامرةٌ رائعة، وكلما مرَّ يومٌ ازدادَت روعتُها.

قال «بو عمير» ضاحكًا: يا عزيزتي «للي» … إنَّ حظنا رائعٌ جدًّا؛ لأننا وقعنا في يد السيد «باولو»، الذي يعرف إمكانياتنا جيدًا.

ظل الشياطين يتحدثون إلا «مصباح»؛ فقد ظلَّ صامتًا شاردًا. نظرَت له «إلهام»، وقالت: صديقُنا «كارمي» شاردٌ منذ جئنا للفطور!

نظر له «أحمد» وابتسم قائلًا: لعله ارتاح من الإقامة في الفندق، ولم يشعر بالراحة هنا.

كانوا يتحدثون بلغةٍ عادية، وظل «مصباح» ينظر إليهم بنفس شروده. قال «أحمد» بلغة الشياطين: هل هناك شيء يا عزيزي «مصباح»؟

تنهَّد «مصباح» لحظة، ثم ابتسم. فقالت «إلهام» ضاحكةً: أخيرًا، لقد ابتسم الجبل!

ضحك «باسم» وهو يقول بلغةٍ عادية: الصديق «كارمي» سوف يُطلق مفاجأة!

ابتسم «مصباح» مرةً أخرى، ثم قال بلغة الشياطين: إنها فعلًا مفاجأة، وإن كانت مفاجأة متوقعة.

نظروا له في اهتمام، فأضاف بنفس لغة الشياطين: إنَّ هناك عدساتٍ سرية تسجِّل كلَّ حركةٍ لنا.

ظهرَت الدهشة على وجوههم، وسأل «أحمد» بلغة الشياطين: هل اكتشفتَ شيئًا؟

ردَّ «مصباح»: نعم العدسة في العين السحرية للباب!

فجأة ضحك «أحمد»، وهو يقول: أنت رائع، وإن كنتُ قد سبقتُك واكتشفتُ وجودَها منذ دخولي الغرفة.

ضحك بقية الشياطين، وظلت المغامرة مستمرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤