الفصل السابع عشر

يَوْمٌ مَشْئُومٌ

كَمْ هُوَ مُخْزٍ وَمُحْزِنٌ
أَنْ يَجِدَ الْبَشَرُ فِي الْوَحْشِيَّةِ
مُتْعَةً وَتَسْلِيَةً وَرِيَاضَةً!

لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَبَاحٌ أَكْثَرُ جَمَالًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُنْعِشِ مِنْ شَهْرِ أُكْتُوبَرَ، كَانَ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي تَمْتَنُّ فِيهَا كَثِيرًا لِأَنَّكَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. شَعَرَ بوب وايت بِذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ شُعُورُ بَهْجَةِ الْحَيَاةِ يُدَغْدِغُهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ. أَطْلَقَ صَفِيرًا مِنْ فَرْطِ السَّعَادَةِ، أَحَبَّ الْعَالَمَ الْكَبِيرَ كُلَّهُ، كَمَا شَعَرَ بِأَنَّ الْعَالَمَ الْكَبِيرَ يُحِبُّهُ كَذَلِكَ. أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ بِمَا يَشْعُرُ بِهِ. كَانَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ بَنَاتُ الرِّيَاحِ الْغَرْبِيَّةِ الْعَجُوزِ، الْقَادِمَةُ مِنْ عِنْدِ التِّلَالِ الْأُرْجُوَانِيَّةِ، تَلْهُو طَوَالَ الْيَوْمِ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَأَخَذَتْ تَتَرَاقَصُ لِتُخْبِرَ بوب وايت كَمْ تُحِبُّهُ؛ مِمَّا جَعَلَ بوب وايت يَشْعُرُ بِسَعَادَةٍ أَكْبَرَ.

تَسَكَّعَ رَجُلٌ عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ فِي اتِّجَاهِ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ جونز، وَكَانَ يَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ، لَكِنَّ سَعَادَتَهُ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ. قَالَ الرَّجُلُ لِلْكَلْبِ الَّذِي كَانَ يَمْشِي فِي إِثْرِهِ: «أَعْتَقِدُ أَنَّنَا سَنَحْظَى بِصَيْدٍ مُمْتِعٍ يَا رَفِيقِيَ الْعَجُوزَ.» ثُمَّ نَقَلَ بُنْدُقِيَّةً مُرِيعَةَ الْمَنْظَرِ مِنْ كَتِفٍ إِلَى الْأُخْرَى.

لَوْ كَانَ بوب وايت قَدْ فَهِمَ تَحْذِيرَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون لَهُ، لَمَا كَانَ لِيَفْعَلَ أَبَدًا مَا فَعَلَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ التَّحْذِيرَ؛ وَلِذَلِكَ قَرَّرَ فِي رَأْسِهِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحَلِّقَ بِجَنَاحَيْهِ، وَقَادَ أُسْرَتَهُ مُبَاشَرَةً إِلَى أَرْضِ الْمُزَارِعِ جونز. كَانَ بوب وايت قَدْ ذَهَبَ إِلَى هُنَاكَ كَثِيرًا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَرَ ثَمَّةَ سَبَبًا يَمْنَعُهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى هُنَاكَ كَمَا يَحْلُو لَهُ؛ فَلَمْ يَقَعْ لَهُ مَكْرُوهٌ فِي الزِّيَارَاتِ السَّابِقَةِ؛ لِذَلِكَ قَادَهُمْ مُبَاشَرَةً إِلَى حَقْلِ الْقَمْحِ الْمَحْصُودِ الْخَاصِّ بِالْمُزَارِعِ جونز، وَسُرْعَانَ مَا انْشَغَلَ هُوَ وَأُسْرَتُهُ لِلْغَايَةِ فِي الْتِقَاطِ حُبُوبِ الْقَمْحِ الْمُتَنَاثِرَةِ، وَابْتَهَجُوا لِمِثْلِ هَذَا الْإِفْطَارِ الشَّهِيِّ.

وَوَسْطَ ذَلِكَ سَمِعَ بوب وايت وَقْعَ أَقْدَامٍ، فَمَدَّ رَقَبَتَهُ لِيَخْتَلِسَ النَّظَرَ عَلَى امْتِدَادِ الْحَقْلِ، وَفَجْأَةً ذَابَتْ كُلُّ السَّعَادَةِ وَالْإِشْرَاقِ بِدَاخِلِهِ؛ إِذْ رَأَى كَلْبًا ذَا أَنْفٍ مُلْتَصِقٍ بِالْأَرْضِ، وَكَانَ يَتْبَعُ أَثَرَ أَحَدِ صِغَارِ بوب وايت أَثْنَاءَ رَكْضِهِ فِي الْحَقْلِ لِالْتِقَاطِ الْقَمْحِ، وَفَجْأَةً وَقَفَ الْكَلْبُ بِلَا حَرَاكٍ، وَأَشَارَ بِإِحْدَى سَاقَيْهِ الْأَمَامِيَّتَيْنِ وَأَنْفِهِ مُبَاشَرَةً إِلَى بُقْعَةٍ مُحَدَّدَةٍ. أَدْرَكَ بوب وايت أَنَّ أَحَدَ صِغَارِهِ كَانَ يَجْثُمُ عَلَى الْأَرْضِ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ. وَمِنْ خَلْفِ الْكَلْبِ الَّذِي وَقَفَ مُتَجَمِّدًا فِي مَكَانِهِ، جَاءَ رَجُلٌ يَمْشِي بِبُطْءٍ وَحَذَرٍ يَحْمِلُ بُنْدُقِيَّةً مُرِيعَةً فِي وَضْعِ الِاسْتِعْدَادِ، وَعِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الْكَلْبِ أَطْلَقَهُ. لَمْ يَكُنْ فِي مَقْدُورِ الصَّغِيرِ الْجَاثِمِ فِي مَكَانِهِ سِوَى الطَّيَرَانِ، فَارْتَفَعَ فِي الْهَوَاءِ وَحَلَّقَ بِجَنَاحَيْهِ السَّرِيعَيْنِ.

دَوَّى صَوْتُ الْبُنْدُقِيَّةِ الْمُرِيعَةِ، وَسَقَطَ الطَّائِرُ الْبُنِّيُّ الصَّغِيرُ. قَفَزَ بَاقِي صِغَارِ بوب وايت فِي خَوْفٍ فَظِيعٍ عِنْدَ سَمَاعِهِمْ صَوْتَ الرَّصَاصِ، فَلَمْ يَكُونُوا قَدْ سَمِعُوا مِنْ قَبْلُ صَوْتًا مُخِيفًا كَهَذَا. دَوَّى صَوْتُ الْبُنْدُقِيَّةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةَ لَمْ يَسْقُطْ سِوَى بَعْضِ الرِّيشِ الْبُنِّيِّ. انْتَظَرَ بوب وايت وَزَوْجَتُهُ بَعْدَ دَوِيِّ الرَّصَاصَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَطِيرَا أَيْضًا؛ فَلَقَدْ تَعَلَّمَا أَنَّهُمَا سَيَكُونَانِ فِي أَمَانٍ عَلَى الْأَرْجَحِ لِبَعْضِ الْوَقْتِ بَعْدَ إِطْلَاقِ الرَّصَاصَةِ الثَّانِيَةِ.

تَفَرَّقَتْ أُسْرَةُ بوب وايت فِي جَمِيعِ الْجِهَاتِ كَمَا كَانُوا قَدْ تَعَلَّمُوا عِنْدَ وُجُودِ الْخَطَرِ. طَارَ بوب وايت مُبَاشَرَةً إِلَى حَقْلِ الْقَمْحِ الْخَاصِّ بِالْمُزَارِعِ براون، وَهُنَاكَ بَدَأَ فِي النِّدَاءِ؛ أَجَابَ وَاحِدٌ تِلْوَ الْآخَرِ مِنْ أُسْرَتِهِ مَا عَدَا الصَّغِيرَ الَّذِي سَقَطَ فِي أَوَّلِ طَلْقَةٍ.

قَالَ الصَّيَّادُ: «أَصَبْتُ وَاحِدًا عَلَى أَيِّ حَالٍ.» بَيْنَمَا كَانَ يُعِيدُ حَشْوَ بُنْدُقِيَّتِهِ الْمُرِيعَةِ، وَكَانَ يَبْدُو سَعِيدًا وَهُوَ ذَاهِبٌ لِمُسَاعَدَةِ كَلْبِهِ لِاصْطِيَادِ طَائِرِ السُّمَّانِ الصَّغِيرِ الَّذِي قَدْ سَقَطَ عِنْدَ الدَّوِيِّ الْأَوَّلِ الْفَظِيعِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤