تصدير

بقلم الطبيبة ماري كاثرين مايو

أثناء تأليفها هذا الكتاب، وقبل ذلك، أثناء إخراجها مجموعةَ «الجانب الآخر من داء ألزهايمر» إلى النور — وهي مجموعة دعم مخصَّصة لمقدِّمي الرعاية الصحية — مرَّت باتي ديفيس بتجربة شخصية غاية في الصعوبة، فحفَّزتها تلك التجربة على الخوض في مهمة طويلة استمرت سنواتٍ لتقديم المعرفة والدعم والإرشاد والطمأنينة لمقدِّمي الرعاية الصحية لمرضى ألزهايمر. وباعتبارها مقدِّمة رعاية صحية لوالدها، بذلت مجهودًا كبيرًا وأجْرت أبحاثًا مطوَّلة في موضوع رعاية مرضى ألزهايمر، واكتسبت قدْرًا كبيرًا من المعرفة العملية. كما تعرَّفت أيضًا الاحتياجاتِ الخاصَّةَ والتحدياتِ التي يجابهها أولئك الذين «يقدِّمون الرعاية» لمرضى ألزهايمر، بما في ذلك رحلتهم الروحية المهمة. وقد حظيتُ بشرف أن أكون جزءًا من مجموعة «الجانب الآخر من داء ألزهايمر» بصفتي مُيَسِّرة مُشارِكة مع باتي، ولطالما أدهشتني بلطفها وظرفها وتعاطفها.

ثمَّة مقولة في مجال الطب تقول: «شاهد وطبق ولَقِّن.» عادةً ما تشير العبارة إلى تعلُّم إجراء معيَّن ثم تمرير هذه المعرفة للآخرين، لكنها تخطُر في بالي في هذا المقام أيضًا. تُقَدِّم باتي في متن الصفحات القادمة من خلال بصيرتها النافذة ومنظورها؛ الإرشادَ والطمأنينة، وإحساسًا بالتواصل مع الآخرين ممن يمرُّون بمختلف مراحل تقديم الرعاية لأحبائهم الذين يعانون الخرفَ، ومَن يشعرون بالمشاعر الفريدة التي تنبع من كونهم مرهقين ووحيدين. ومن خلال هذا الكتاب أيضًا، لم توفِّر باتي النصحَ الذي تشتد الحاجة إليه في الكثير من التحديات الخاصة أثناء هذه الفترة فحسب، بل مكَّنت أيضًا مقدِّمي الرعاية من إقامة صلات مع بعضهم البعض والحصول على دعمٍ هم في أمسِّ الحاجة إليه.

عند مقابلة مريض جديد يعاني مشاكلَ في الذاكرة تكون مهمةُ الطبيب المبدئية هي التشخيص والعلاج. وفي حين أنه توجد بعض العلاجات للأعراض التي يختبرها هؤلاء المرضى، فثمَّة افتقار إلى العقاقير التي تعالج الخرف. يُشَجِّع الأطباء على ممارسة التمارين الرياضية وعلى التغذية السليمة والنوم بقدْرٍ كافٍ، إلى غير ذلك من التعديلات على أسلوب الحياة، لكن الهدف الأسمى هو سلامة المريض وسعادته. ويهدف المتخصصون في المجال الطبي، جنبًا إلى جنب مع أسرة المريض، إلى تحديد المخاطر المحتمَلة للمريض والحرص على سلامته في كل مرحلة من مراحل تقدُّم المرض. ومعظم الوقت، يكون تعاطي أحد أفراد الأسرة مع ذلك عبئًا لا يُطاق، وتستمر التحديات الخاصة في التطور بمرور الوقت. وفي حين أنه لا يوجد وجهُ تشابه بين اثنين من المرضى، فإن هناك أوجهَ تشابه وخبرات شائعة بين المرضى المصابين بالخرف ومقدِّمي الرعاية لهم. ففي الوقت الذي يفقد فيه المرضى قدراتهم الإدراكية، يبدءون، عادةً، في الشعور بأنهم يزدادون شيئًا فشيئًا انفصالًا عن طوق النجاة الذي كان فيما مضى يمثِّل هويتهم. ويمكن لمقدِّمي الرعاية، المثقلين بالعمل والذين يضطلعون بدور قارب النجاة، أن يشعروا بأنهم غارقون تمامًا.

ويكاد يكون لا مناص من شعور مقدِّمي الرعاية بالإنهاك النفسي أثناء دعمهم لمريضٍ مصابٍ بالخرف، على الأقل في مرحلةٍ ما أثناء مرض أحد أحبائهم. وتساعد مجموعة «الجانب الآخر من داء ألزهايمر» الكثيرين على ألَّا يشعروا بالوحدة التامة. وتوفير هذا الدعم موردٌ لا يُقدَّر بثمن، ليس لمقدِّمي الرعاية فقط ولكن أيضًا للمرضى أنفسهم، حيث ينتفعون هم أيضًا على نحو مباشر. تتمتع باتي بقدرة خاصة على اكتشاف العطايا والدروس في أبسط اللحظات، وقد كان شرفًا لي وكذلك محرِّكًا للمشاعر على نحوٍ رائعٍ أن أشهد تعاطفها وحصافتها المتأصلَين فيها. إن هذا الكتاب هِبة نادرة واستثنائية قدَّمتها باتي لنا جميعًا، وذلك بتعبيرها بانفتاح عما مرَّت به من خبرات وبمشاركتها لما لديها من معرفة، حتى يتسنى للمزيد من الأسر التي تكافح في هذه الرحلة الصعبة أن تجد بعض العزاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤