عبد الحليم المصري

١٨٨٧–١٩٢٢
figure

من الشعراء الضباط، وُلِد في مايو سنة ١٨٨٧، وبعد أن أتم دراسته الابتدائية دخل المدرسة الحربية وتخرَّج منها سنة ١٩٠٦ في التاسعة عشرة من عمره، وأُلحِق ضابطًا بالأورطة السادسة عشرة من المشاة في كسلا.

تعشَّق الشعر والحرية منذ صباه؛ فجاد بقصائد رقيقة في التغني بالوطنية والحرية.

وظل يغرِّد بالشعر ويتغنى به إلى أن تُوفي في يوليو ١٩٢٢، وكان حين وفاته في ريعان الشباب؛ فكان لوفاته وقعٌ أليم في النفوس.

كانت له في الشعر مكانة ممتازة، عبَّر عنها حافظ إبراهيم بقوله في رثائه:

لك الله قد أسرعت في السير قبلنا
وآثرت يا «مصريُّ» سُكنى المقابرِ
وقد كنتَ فينا يا فتى الشعر زهرةً
تفتَّح للأذهان قبل النواظرِ
فلهفي على تلك الأنامل في البِلى
فكم نسجَت قبل البِلى مِن مَفاخرِ
ويا ويحَ للأشعار قبل نجِيِّها
وويح القوافي ساقها غيرُ شاعرِ
تزوَّدتَ من دنياك ذكرًا مخلَّدًا
وذاك لعمري نِعمَ زادُ المسافرِ

وللمصري ديوان شعر من ثلاثة أجزاء.

فجر الأمل

من قصيدةٍ له نظمها سنة ١٩٠٩:

ترعرع عهد اليمْن واخضلَّ جانبه
وردَّ علينا اللهُ ما الدهر سالبُهْ
مضى زمنٌ كنا فريسة حربه
وجاء زمانٌ ما نزال نُحارِبه
فلم يغلب الدهر العَصيُّ مُجاهدًا
من الشرق إلا قام ألفٌ يُغالِبه
فيا شرقُ قد جاشت بنفسك أنفسٌ
فعدِّد لها بالله ما أنت طالبه
فإما أصابت من مُناها طليبة
وإما تمشَّت للقضاء تُطالِبه
تقول له إما احتسبت جزاءنا
وإما محَونا اليوم ما أنت كاتبه
جزاكنَّ عني الله يا خير أنفس
وروَّاك من ماء المَجرة ساكبه
إذا ما النفوس الطاهرات تضامنت
على فوزها أبدى لها الفوزَ حاجبه

إلى أن قال مُخاطِبًا الزعيم محمد فريد:

«محمد» لا يَلوِ الكرى لك عزمةً
عن البأس حتى إن ترن نوادبه
نهزت بأنباء البلاد ولم تمِل
عن الجِد حتى نظم الدرَّ ثاقبه
طلعت بهم في باسمِ الصبح عابسًا
فقالوا أبو حفص بدا وكتائبه
كأني وأنت اليوم تدعو إلى الهدى
وأكتب ما يُملي الرسول وكاتبه
فجرِّد شَبا تلك اليراعة صارمًا
وضارب به من لا نُطيق نُضارِبه
لقد روَّعت منا الهموم جوانحًا
وفرَّت من الجفن الحريص سواربه

ثم قال مُخاطبًا الكتابة:

فيا غادة في الشرق قد غار نجمها
أطلِّي على وادٍ نمَتكِ جوانبه
لقد كان روضًا وارفَ الظل في العُلا
بلابلُه تشدو وتصفو مَشاربه
فأصبح تذروه الرياح عوصفًا
ترامى نواحيه وينهال كاتبه
إلى أن دعا داعي الصلاح حياله
فألفى رجالًا كالأُسود تُجاوِبه
دعوتُ أناسًا ليس يدعوهم امرؤٌ
إلى رغبة إلا وتمَّت رغائبه

يصف قصر أنس الوجود ويُشيد بعظمة مصر

وقفٌ عليك دموعي أيها الطللُ
عيني إليك وقلبي للأُلى رحلوا
أرسلت بالعين في سُقياك هامية
وفي الطلول البوالي تُرسَل المُقلُ
لولا بقية أطلال لما عرفت
عيوننا أين كانت دُورنا الأُولُ
ليت الأحِبة حين البُعد طاح بهم
أدناهم الشوق أو أقصانيَ الأجلُ
يا عالمًا بالهوى أرشِد فتاك إلى
غير البكاء فقد ضاقت به الحِيلُ
تبكي على دورهم مثلي وتعذلني
أن أبكها وكلانا خَطبُه جللُ
يا أيها الطلل المُزورُّ جانبُه
هوِّن عليك كلانا بعدهم طللُ
وقفتَ باليم رسمًا لا حراك به
واليمُّ مُضطرِب والموج مُقتبَلُ
ريَّاك من جنة الفردوس سارية
وأنت كالركن فيه تُحمَد القُبلُ
الدهر ملَّ وآيُ الدهر كامنة
في وجهك الطَّلق لا يبدو بها مَللُ
قرأت فيهن سر العالمين فيا
شتان ما بين من قالوا ومن عملوا

وختمها بقوله:

فمن يُجاريك فيما شِدتَ يا «أنس»
المرء مُرتحِل والذِّكر مُقتبَلُ

يكرِّم الشيخ عبد العزيز جاويش بعد خروجه من السجن

من قصيدة له سنة ١٩٠٩ في حفلة تكريم الشيخ عبد العزيز جاويش لمناسبة خروجه من السجن بعد استيفائه مدة الحبس (ثلاثة أشهر) التي حُكِم بها عليه في أغسطس سنة ١٩٠٩ عن مقالة له في «ذكرى دنشواي»:

تصف السجون وما بها
من جائر للمُستجير
أيام كنت تخال نفـ
ـسك بين سكان القبور
مُتقلبًا فوق الفرا
ش تقلُّبَ العاني الأسير
وتودُّ رؤية زائر
يحنو على ذاك المَزور
ما خِفتَ من سجن الخيا
ل وخفتَ من سجن الضمير
في جانب الوطن العزيـ
ـز تهون هائلة الأمور

أُسود النيل

من قصيدةٍ قالها سنة ١٩٠٩ في الاحتفال برأس السنة الهجرية سنة ١٣٢٧:

ما لي أرى السودان طُعمةَ آكل
هل أطمعَتهم مصر في السودانِ؟
أنَسُوا أُسود النيل يوم تضرَّجوا
بدَم العِدى حين التقى الجيشانِ
متسابِقين إلى الحصون كأنها
أوكارهم شِيدَت على الأفنانِ
متقاسِمين العاديات كأنهم
في الحرب مشترِكان مختصِمانِ

صوت الشعب

من قصيدة له يُخاطِب الخديو عباس الثاني ويُطالِبه بالدستور:

رُد الوديعة لا مالًا ولا شانا
لم نرجُ في جانب الدستور إحسانا
لولا ولاؤك لم نبسط إليك يدًا
من الرجاء ولم نسألك غفرانا

يُناجي الحرية

من قصيدة له في مناجاة الحرية سنة ١٩١٠:

حلا لها البَين فانجابت عن المُقلِ
ولم تودِّع قُبَيل السَّير من رجلِ
كأنما لم يُضِفها القوم في بلد
ولم يؤهَّل بها في منزلٍ حفِلِ

إلى أن قال:

عُودي أطلِّي علينا إننا نفرٌ
إن حِلتِ عنا فإنا عنك لم نحلِ
الدهر غيَّرنا حتى إذا بصرَت
بنا الديار غدَت منا على دخلِ
ردِّي علينا عهودًا منك ناضرة
يا رُبَّ عهدٍ تولَّى ثم لم يؤلِ
كنا وكنتِ وكان الدهر فانقرضت
أيامنا وتولَّينا على عَجلِ
أصبحت في غير وادى النيل ثاويةً
والشمس في الحوت غيرُ الشمس في الحملِ
أيسجنون يراعًا لم يُثِر فِتنًا
ويعقلون لسانًا غيرَ مُنعقِلِ١

وختمها بقوله مُخاطبًا المواطنين:

أتى زمانُ نهوضٍ وانقضى زمنٌ
كان البكاء يُرى فيه من الحِيلِ
فراقِبوا الله يومًا في كنانته
إن الكنانة أضحت مَطمحَ الدُّولِ
١  يُشير إلى تقييد حرية الصحافة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤