أحمد نسيم

١٨٨٠–١٩٣٨
figure

شاعرٌ مُبدِع، من أعلام الشعر الوطني، يمتاز بجذالة الأسلوب وتدفُّق المعاني والأحاسيس الوطنية في قصائده، لا يقلُّ شعره رواءً وحسنَ ديباجة عن شعر شوقي وحافظ وأحمد محرم.

وُلِد سنة ١٨٨٠، واعتنق منذ صباه مبادئ الوطنية، وتجلَّت مواهبه الأدبية وهو في سن مُبكِّرة، فامتزجت الوطنية بروحه الشاعرية، وتمشَّت في قصائده الغُر، وأضفَت عليها جمالًا ورونقًا وبهاءً، وجعلت لها رنينًا موسيقيًّا يأخذ بمجامع القلوب.

سُمي «شاعر الحزب الوطني»، واعتز هو بهذا اللقب، وسجَّله في ديباجة ديوانه الذي ظهر في جزأين سنة ١٩٠٨ وسنة ١٩١٠، وأهداه إلى المرحوم محمد فريد زعيم الحزب الوطني إذ ذاك، قال في كلمة الإهداء:

رئيسي المحبوب

أما بعد، فإني أتشرف بإهداء الجزء الثاني من ديواني إلى سعادتكم؛ لاحتوائه على القصائد الوطنية التي نظمتُها ما بين سنتَي ١٩٠٩ و١٩١٠ ميلادية، وقد اعتمدت في نقلها على الصحف التي تفضَّلت بنشرها، مُبقيًا ديباجتها كما هي حتى لا يغرب عن ذهن القارئ على مَدى الأيام وصفُ الحادث الذي نظمت القصيدة بسببه.

وإني إذا أهديت ديواني إلى سعادتكم فكأني أهديته إلى الأمة المصرية التي يُمثِّلها حزبكم الموقَّر.

أحمد نسيم
شاعر الحزب الوطني

ويُعَد نسيم ثاني الطبقة الأولى من شعراء الحزب الوطني، وأوَّلهم أحمد محرم، وثالث الثلاثة المعاصرين أحمد الكاشف الذي سنتحدث عنه فيما يلي، وجميعهم تبدأ أسماؤهم ﺑ «أحمد».

وتبدو مكانة نسيم الممتازة في عالم الشعر من قول إسماعيل صبري شيخ الشعراء في تقريظ الجزء الأول من ديوانه سنة ١٩٠٨:

لك في الشعر يا «نسيمُ» معانٍ
باهراتٌ تحار فيها العقولُ
كلُّ بيتٍ يُطِل منه على أفـ
ـهام أهل النُّهى مُحيًّا جميلُ

ولما ظهر الجزء الثاني سنة ١٩١٠ قرَّظه صبري أيضًا ببيتَين آخرَين رقيقَين، قال:

أيُّ غصنٍ في الروض هزَّ «نسيم»
نُثِرت منه هذه الأزهارُ
حبذا شعره الجنيُّ وأهلًا
ببيانٍ تُزهى به الأشعارُ

يؤيد مصطفى كامل في قطع علاقته بالخديو

قال نسيم مخاطبًا مصطفى كامل بمناسبة كتابه إلى الخديو عباس الثاني بقطع علاقته به سنة ١٩٠٤:

خطيبَ الشرق لا تلوي العنانا
فأنت المرء أوقرُهم جَنانا
وأمضاهم إذا كتبوا يراعًا
وأذلقهم إذا نطقوا لسانا
لقد دافعت دهرًا عن بلاد
قد افتخرت بمِدرهِها زمانا
وكم رُمتَ العلاء لقوم مصر
وكنت أشد مَن فيها جَنانا
بقلبٍ عافَ أرزاء الليالي
كما عاف المذلة والهوانا

•••

وجانبتَ الأمير وأنت تنوي
فعالًا لا يكون بها مُدانا
وكم من فُرقةٍ صعبَت فهانت
وكم من طارئٍ أخنى فهانا
فزِدنا مصطفى وازدد ثباتًا
يَزدك القوم شكرًا وامتنانا
مدحتُك لا لجائزة ولكن
وجدتك خير مَن يُهدى البيانا
هديةُ شاعرٍ ما ظل يُطري
ويمدح فيك أخلاقًا حسانا
فكن للشرق ساعَده المرجَّى
تزُرك قصائدي آنًا فآنا

يُهاجِم المعتمد البريطاني

ومن قوله سنة ١٩٠٧ مخاطبًا اللورد كرومر لمناسبة رحيله عن مصر بعد خطبته التي هاجم فيها المصريين والإسلام:

يا لورد هل لك في الإسلام من غرضٍ
ترمي إليه بسهم منك مسنونِ؟
هجوتَ قومي وما فارقت أرضَهمُ
حتى تجرأتَ أن تنحى على الدينِ
رأيتُ أنك لست المرء تُصلِحنا
ولست فينا على مصر بمأمونِ
غادرتها وهي للتقرير صارخةٌ
إلى الإله بقلب منك محزونِ
فلا رماك الحيا إلا بداجنة
تهمي عليك بزقُّوم وغسلينِ

يُمجِّد الشرق ويحزن لحالته

قال يُمجِّد الشرق ومصر ويحزن لحالتهما:

تداعت رواسي الشرق فانهار جانبه
وما همَّ حتى أقعدته نوائبهْ
تُحارِبه الأعداء من كل جانب
ولم يكفِهم أن الزمان يُحاربهْ
تحدُّ على هاماته شفراته
وترهف فوق الناصيات قواضبه
وحسبك أن الشرق في كل أمة
مآثره مشهورة ومناقبه
تخرَّج منه الفاتحون لأرضه
فماجت به بطحاؤه وسباسِبه
وكم كان للشمس المضيئة مطلعًا
وأفقَ مَعالٍ لا تغيب كواكبه

إلى أن قال:

وما الشرق إلا موطنٌ عبثَت به
على غِرةٍ أبناؤه وأجانبه
أضاعوا حِمًى يجري النضار بأرضه
وتهمي عليه باللُّجَين سحائبه

يُهاجِم أسرة محمد علي

وقال سنة ١٩٠٨ يُخاطِب مصر ويُهاجِم أسرة محمد علي وهي في إبان سلطانها:

رثَيتُك يا أرض الفراعنة الأُلى
قضَوا في بلوغ المجد ما الحق واجبُهْ
«ورثتِ بفضل العلم عزًّا ممنَّعًا
فما بات إلا وابن غيرك غاصبُه»
«ولا خير في عرشٍ من الغرب رَبُّه
ولا خير في مالٍ من الغرب كاسبُه»
أفيقي فما في الجهل إلا مذلة
ولا العلم إلا سؤددٌ عزَّ صاحبه
أنيري ظلام الشرق بعد انسداله
فعند طلوع الشمس تجلو غياهبه
ولا تقنطي من رحمة الله مرة
إذا شِيمَ من برقِ انخذالك خالبه
وددتُ بلادي أن تسود بنفسها
لأكتب فيها خيرَ ما أنا كاتبه!

يدعو الأمة إلى الجهاد

ومن قوله سنة ١٩٠٨ يدعو الأمة إلى الجهاد والذود عن حقوقها واستقلالها:

هلمَّ نُدافِع جهدنا عن بلادنا
دفاعَ كماة أو ضراغمِ غابِ
كذلكم الرِّئبال تعرُوه سَورة
إذا احتُلَّ يومًا خيسه بذئابِ
«ومن فقدَ استقلاله عاش هيِّنًا
يُسام صنوفًا من أذًى وعذابِ»
هلمَّ نخُض غمر الصعاب إلى العُلا
ونُفرِق من الإقدام كلَّ عُبابِ
عسى يسعد الجد الذي مال نجمه
وتُشرق شمس المجد بعد غيابِ
ألم نكُ كاليونان أهلًا لمجلس
يُدافِع عنا عند كلِّ مصابِ
ألم نكُ كالبلغار والصرب في الحِجا
وأخصبَ منهن اخضرارَ جَنابِ
ألم نكُ أرقى من ممالكَ لم تقم
لدأبٍ ولم تهمم لأيِّ طِلابِ
أليست بلاد النيل أوَّل أمة
أماطت عن العرفان كلَّ نقابِ
علوم وأخلاق وفضل وهمة
وتذليلُ أوعارٍ ودكُّ صعابِ

وقال يُفنِّد مطاعن كرومر على المصريين:

فحتَّامَ ذيَّاك العميد ينوشنا
بناجذِ سرحان وظفرِ عُقابِ
فطورًا يُعادينا بتقرير كاشح
وطورًا يُناوينا بنشرِ كتابِ
ويا ليته ردَّ الدليل بمثله
وخفَّض من طعن له وضرابِ
إذا عجز المقهور عن قهر خصمه
لدى البطش لم يلجأ لغيرِ سبابِ

يرثي مصطفى كامل

وقال سنة ١٩٠٨ في رثاء مصطفى كامل من قصيدةٍ تزيد على ستين بيتًا:

ما بالُ دمعك لا هامٍ ولا جاري
هل اكتفيت بما في القلب من نارِ؟
خفَّت دموعك من عينَيك واستترت
فيها لواعج أحزان وأكدارِ
ضاع الصواب ونفس المرء ساهمة
ما بين أقضيةٍ تجري وأقدارِ

•••

يا طائرَ البَين لا قرَّبت من سكن
ولا هدأت بأفنان وأوكارِ
نعيتَ خير فتًى كنا نؤمِّله
يوم الرجاء لأوطان وأوطارِ
فليمرح الذئب ما شاءت مهانته
فقد غفَت عنه عين الضيغم الضاري
لا أيَّد الله أعداءً أذلَّهمُ
حتى أقاموا بدار الذل والعارِ

•••

يا بائعَ الصبر إن الناس في جزع
فَبِع لهم كل مثقال بدينارِ
ما زال يدأب حتى خانه قدَرٌ
ألقى عليه عصا دأبٍ وتسيارِ

وقال يصف الجنازة واحتشاد الجموع فيها:

أعزِزْ على حامليه فوق أعيُنهم
أن يرجعوا بأكفٍّ منه أصفارِ
كأنما النعش عرشٌ زانَه مَلكٌ
يمشي الهُوَينى بإجلال وإكبارِ
كأنما الناس حول النعش مائجةً
أمواجُ مضطربِ الآذيِّ زخَّارِ
فلو يعدُّون ما أوفى بهم عدد
كصيِّبِ القطر لا يُحصى بمقدارِ
كأنما لَجبُ الباكين من هلع
هزيمُ رعدٍ أجشَّ الصوت هدَّارِ
كأنما الأرض قد سدَّت طرائقها
بالناس من ثابت فيها وسيَّارِ

ومن قصيدة أخرى له سنة ١٩٠٨ في رثائه:

أملٌ نأى عن أرض مصر وزالا
أصمى القلوب وقطَّع الأوصالا
يا نائبًا عنا وكنت محسَّدًا
فينا كما كنت الشريف فِعالا
مدَّت إليك يد المنون فأنشبت
بقلوبنا قُضبًا لها ونصالا

إلى أن قال:

إنا سنُبقي ذِكر فضلك خالدًا
لنكون في صدق الوفاء مثالا
قد كنت أفضل مَن يذود لسانه
عنا وأصدق مَن يقول مقالا
فليسقِ شؤبوبُ الحيا لك مُوحشًا
قد ضم مجدًا بينه وجلالا

يؤيد فريدًا في جهاده

قال سنة ١٩٠٨ مُخاطبًا محمد فريد رئيس الحزب الوطني مؤيدًا له في جهاده:

اجهز برأيك إن الحق قد غلبا
هذا يَراعك يحكي السيفَ ما كتبا
أرى المضلين قد زاغت بصائرهم
ومن يظن الدُّجى صبحًا فقد كذبا
سِر في طريقك لا تحفل بذمِّهمِ
ولا يهزك مغرور إذا غضبا
لا أنت ترجو افتقارًا منهم نشبًا
ولا تؤمِّل من إحسانهم رُتبًا
لا زِلتَ بالحق بين القوم تخذلهم
حتى تراهم وكلٌّ في الوغى هربا
فاهزم كتائبهم وافلل مَضاربهم
واسلل يَراعك واكتب عنهم العجبا

يُندِّد بوزارة مصطفى فهمي

وقال في نوفمبر سنة ١٩٠٨ يُندِّد بوزارة مصطفى فهمي على إثر سقوطها، وكانت موالية للاحتلال:

ما للوزارة ذات الضعف والفشلِ
باتت على دارسٍ أعفى من الطللِ؟
وزارةٌ بلغَت بالوهن غايتها
في كل نائبة أو حادثٍ جللِ
ترحَّلَت غيرَ مبكيٍّ على أحد
وودَّعت غير مأسوف على رجلِ
إن زال مَجد الفتى أو زال منصبه
فذِكره بعدُ في التاريخ لم يزُلِ
يا هيئة الصُّم بِيني غيرَ راجعة
إلى جمودك في أيامك الأُولِ
وزارةٌ ما لها في الخير صالحة
ولا على صولة الأيام من قِبلِ
«كانت تماثيلَ بين القوم قائمة
بلا لسان ولا قلب ولا عملِ»

يندِّد بالخديو عباس

وقال في ديسمبر سنة ١٩٠٨ حين تنكَّر الخديو عباس الثاني للحركة الوطنية، وحِيلَ بين جموع الشعب والاقتراب من موكبه لمطالبته بالدستور:

خطوبٌ ما لها أبدًا نصيرُ
وأمرٌ حلَّ في مصر خطيرُ
لئن كُرهَت حياة الشعب يومًا
فخيرٌ لو تفتَّحت القبورُ

•••

أيا ربَّ الأريكة قد رضينا
بأنك لا تُزار ولا تزورُ
وهَبْنا نطلب الدستور جهرًا
ألا يُرضيك ذيَّاك الشعورُ؟
أغيرُك في الملوك وأنت أدرى
له شعبٌ على البلوى صبورُ؟
فهل خدعَتك في البهتان ناسٌ
أرادوا أن يسوء بنا المصيرُ؟
«أمورٌ يضحك السفهاء منها
ويبكي من عواقبها الخبيرُ»

يمجِّد الوطنية في رأس السنة الهجرية

وقال سنة ١٩٠٩ في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية ١٣٢٧ الذي أقامته لجنة الحزب الوطني الفرعية ببولاق بمدرسة الشعب، يمجِّد الوطنية ويُخاطِب فريدًا:

قد مثَّلونا في التعصب مثلما
قد شاءت الآثام والأوزارُ
كذبٌ قد ابتدعوه حتى ما لهم
في مصر إلا الكيد والإضرارُ
بانَ الضلال من الهدى وبدا لنا
في منهج الحق القديم منارُ
يا أمةً ثبتَت على كيد العِدى
لا تجزعي إن الثبات فخارُ
«سِيري إلى طلب «الجلاء» ولا تني
نُمنَح من العلياء ما نختارُ»
أفريدُ لا تخذل بلادك بعدما
جُمعَت لديك أولئك الأنصارُ
هذي الشبيبة قُل لها لا تحجمي
ما في ثبات المُقدِمين شنارُ
لك من يراعِ الكاتبين صوارم
ولديك منهم جحفلٌ جرارُ
«ترمي العداة إليك سهم سمومها
ويذود عنك الواحد القهارُ»
دعهم كما شاءوا ليوم حسابهم
فلهم كما شاء الهوى أطوارُ
إنا قد اخترناك خيرَ مُدافع
يرضى به الرحمن والمختارُ

وفي سنة ١٩١١ ألقى قصيدة أخرى في تحية السنة الهجرية ١٣٢٩ بالاحتفال الذي أقامه الطلبة لهذه المناسبة بدار التمثيل العربي يومَ أول يناير سنة ١٩١١، وقد حضره المرحوم محمد فريد، وأشار الشاعر في مطلع قصيدته إلى ما أصاب الحركة الوطنية من اضطهاد في العام السابق، قال:

تجلَّى العام فاستجلوا الهلالا
فإني شِمتُه للسعد فالا
سأُطريه متى عزَّت بلادي
وقد رُزقَت كما رُزِق الكمالا
وأمدحه متى قمنا بمصر
وأرجعنا لها ذاك الجلالا
فأما والبلاد وساكنوها
يزيد الدهر حالتهم نكالا
فلست بناظم فيه قريضًا
ولا أنا قائل فيه مقالا

•••

إلامَ نُطالِب الأعوام خيرًا
ولم تنعم لنا الأعوام بالا؟
تمر وتنقضي منها ليالٍ
بأرزاء الزمان غدَت حُبالى
وتلك ممالك الإسلام كادت
صروف الدهر تخبلها خبالا
«فلست أخصها بالذِّكر عنا
ونحن من البلاء أشد حالا»

•••

أيا عامًا تقضَّى بئس سهم
رمَيت به الغواني والرجالا
فقالوا هل صروف العام كانت
نزاعًا قلت بل كانت نِزالا
همومٌ لو رشقتَ بها فؤادًا
لكانت في جوانبه نبالا
لقد حمَّلتنا للضيم عبئًا
ثقيلًا لا نُطيق له احتمالا
وقد أجريت دمع القوم حتى
كأنا كلنا قومٌ ثكالى
ولولا ذِكر أحمد١ كل عام
لما صُغنا لك الذِّكر الحلالا

المضي في الجهاد

أرى فِرقًا قد افترقت بمصر
ورامت عن أواصلها انفصالا
أناسٌ أخلصوا من بعد زيغ
وثابوا بعد أن ألِفوا الضلالا
وأقوامٌ قد ارتدوا جهارًا
فساءوا في عواقبهم مآلا
وقال الناكصون كفى غُلوًّا
وإلا ذقتمُ منه الوبالا
خلائق في المكارم لم يمدوا
يمينًا للفعال ولا شمالا
أولئك عصبة بالخزي باءوا
فسمُّوا الخزي والجبن اعتدالا

وقال يُخاطِب الشباب:

أنابتةَ البلاد وخيرَ نشء
غدَوا للنشء بعدهمُ مثالا
عليكم بالإخاء ولا تفلُّوا
عُرى القُربى فتنخذلوا انخذالا
«سيندب حظَّه الوطنُ المفدَّى
إذا لم تُحسِنوا عنه النضالا»
فجدُّوا في علومكمُ صغارًا
ولا تشكو السآمة والكلالا
فمن رامَ الكواكب والدراري
بلا علم فقد رامَ المحالا
«وإن صِرتم رجال النيل يومًا
فلا تنسوا بربكم القتالا»
وذودوا عنه ما اسطعتم برأي
حصيف واجعلوا الحسنى جدالا
وما زال الرئيس٢ لكم كفيلًا
على رغم الخطوب ولن يزالا
وكُونوا للأجانب خيرَ عون
تزيدوا عروة الود اتصالا
إذا عشتم وإياهم بخير
محوتم عنكمُ قيلًا وقالا
لقد أوجزت خيفةَ أن يقولوا:
نسيم في قصيدته تغالى

الجهاد في سبيل الدستور

وقال يستحث الأمة على طلب الدستور وعلى الاتحاد والثبات في ميدان الجهاد:

فلا تفكُّوا عُرى القُربى ولو رجعت
عنكم شفار الظُّبا مخضوبةً بدمِ
ولا تُضيعوا من الدستور فرصته
فتقرعوا السن مِن ذل ومِن ندمِ
إن تيئسوا فانتهاء اليأس مسكنة
أو تسأموا فاحتمال الذل في السأمِ
ما نال قط المعاني وهي دانية
قومٌ نيام وشعبٌ غيرُ ملتئمِ
خيرٌ لنا الموت من عيشٍ نُكابِده
مع الهوان إذا كنتم ذوي شممِ

ذكرى مصطفى كامل

وقال في فبراير سنة ١٩٠٩ في ذكرى مرور العام الأول على وفاة مصطفى كامل، وقد ألقى هذه القصيدة في دار اللواء بين يدَي محمد فريد وأعضاء الحزب الوطني قبل أن يتحرك موكب الذكرى بالمسير:

ما بال عينك بالمدامع تسجمُ
رفقًا بنفسك فالقضاء محتَّمُ
قد عادت الذكرى فجدَّد عودُها
بين الحشا جرحًا يثور فيُؤلمُ
يا يومَ كامل كنت يومًا قاتمًا
كالليل أقبل وهو أسود أقتمُ
يا يوم لا كانت طلائعك التي
بالنحس أنذر وجهها المُتهجمُ

وختمها بقوله مُخاطبًا محمد فريد:

أفريدُ يا ابن الأكرمين تحية
من شاعر لعقود مدحك ينظمُ
أفريدُ يُقرئك السلامَ معاشرٌ
مدُّوا إليك يد الولاء وسلَّموا
حصَّنت بيضتهم وصُنتَ ذمارهم
بعزيمةٍ قد أصغرَت ما استعظموا
ركبوا مطايا الحزم نحو رئيسهم
إذ أنت بينهم الأجلُّ الأحزمُ
فاضرب برأيك في مواقفَ جمة
فالرأي في بعض المواقف مِخذمُ

يُهاجِم الاحتلال في إبان سلطانه

قال سنة ١٩٠٩ من قصيدةٍ يحمل فيها على الاحتلال ويفضح نكثه بعهوده ويستنهض الهِمَم للجهاد، وقد بدأها يستصرخ الإنسانية لتمد إلى مصر المُكافِحة يدَ العون والتأييد، وهي من عيون الشعر الوطني:

يا ناشرين لواءَ العدل في الأممِ
اللهَ في أمةٍ أنَّت من الألمِ
مُدوا إلينا يدًا بيضاء نشكرها
عند التحدث شكرَ الروض للديَمِ
إنا مُنينا بأقوام جبابرة
ما بين مُغتصِب منهم ومُحتكمِ٣
لو استطاعوا لَساقونا أمامهمُ
ما بين مُتهَم منا ومُجترمِ
جاءوا إلينا وفي أيمانهم شرف
يموِّهون به في العهد والقسَمِ
قالوا لنا إننا جئنا بلادكمُ
نبني لكم ركنَ مجدٍ غيرِ مُنهدمِ
حتى تخدَّرَت الأعصاب وانسدلت
على العقول سجوفُ البُطل والوهمِ
ولم يزالوا على هذا الدعاء وهم
لا يقصدون سوى الإخماد للهِممِ
حتى إذا انتبهَت منا جوارحنا
وأدرك الحالَ فهمُ الحاذقِ الفهِمِ
حكُّوا القلوب فأذكَوها ورُبَّتما
أدَّى إلى النار حكُّ الباردِ الشبِمِ
فلا عهود لهم تُرعى ولا ذممٌ
كما استباحوا لدينا النكث في الذممِ
صبُّوا على مصر سوطًا من تعنُّتهم
وأجَّجوا في حشاها جمر بغيهمِ
هم أحرجونا بهذا الضيم من زمن
فإن همَمْنا بدفع الضيم لم نُلمِ

•••

يا قائمين بأمر النيل حسبُكمُ
ما أحرج القوم من ظلم ومن غشمِ
ناموا هنيئًا قريري العين إن لنا
عينًا من الشعب لم تغفل ولم تنمِ

وقال فيها يدعو الشعب إلى الاعتماد على نفسه:

«وأنتَ يا شعبَ وادي النيل كن حَكمًا
فليس غيرك من مُستنصِفٍ حَكمِ»
كم أمةٍ حكمَت في مصر وارتحلت
عنها حليفةُ جدٍّ بعدُ لم يقمِ
سَل أمة الروم هل أبقت لنا أثرًا
يبقى على الدهر أو سَل أمةَ العجمِ
مضَوا ولم يتركوا في مصر مأثرة
يُنبيك عنها لسان النيل والهرمِ
هذي عجائب هذا القُطر من زمن
وتلك حالات وادي النيل من قِدمِ

يُحيي جريدة العلَم

قام في سنة ١٩١٠ خلاف على ملكية «اللواء» بين بعض ورثة المرحوم مصطفى كامل، طُرِح أمره أمام القضاء، وعُيِّن حارس قضائي على اللواء، وكانت صحيفة الحزب الوطني، وأراد الحارس أن يتدخل في تحريره وتوجيه سيايته، فرفض المرحوم محمد فريد هذا التدخل، وأنشأ جريدة «العلَم» وجعلها لسان حال الحزب الوطني، وابتدأ ظهورها يوم ٧ مارس سنة ١٩١٠، فحيَّاها نسيم بقصيدة بديعة، قال:

ألا فليخفق «العلَم» الجديدُ
يمينًا إن طالعه سعيدُ
أيا علَم البلاد عليك مني
سلام الله ما خفقَت بنودُ
أرى الأعلام معقلُها بناءٌ
ومعقلُك الجوانحُ والكبودُ
بِربِّك خبِّر الأقوام عني
بما تنوي الوزارة والعميدُ٤
رفعتَ لنا وبالأبصار شكٌّ
من الشبهات والأيامُ سودُ
فجئنا من لدنك بكلِّ فألٍ
تحدَّاه التيمُّن والسعودُ
«وإن كنا نرى الأعلام شتى
فأنت وربِّك العلَمُ الفريدُ»

•••

أيا «علَم» البلاد أرى احتلالًا
كأنا عنده نفرٌ عبيدُ
أصرَّ على الجفاء ونحن شعب
أضرَّ به التعسف والوعيدُ
وكم من جذوة في القلب شبَّت
فلم يُدرِك تأجُّجَها الخمودُ
«فقُل لهمُ أثيروا كل عسف
فريحُ العاسفين لها ركودُ»
متى ينأى احتلال النيل عنا
وتصدق منه هاتيك الوعودُ؟
قضَوا فينا بما شاءوا وصدُّوا
كما راموا فهل نفع الصدودُ؟
لقد فرِحوا بما أُوتوا فجاروا
وللباغي إذا عقلوا حدودُ
ضروب في المكايد يوم تُحصى
عليهم ليس يُحصيها العديدُ
«وكم ودُّوا الشقاء لأهل مصر
كما شقيت بظلمهم «الهنود»»
«مكايد يفزع التاريخ منها
ويصدف عن إعادتها المُعيدُ»

•••

أقول الحقَّ لا أخشى انتقامًا
يهمُّ إليه «طاغيةٌ» مريدُ
أإنْ أنَّ المَضيم فقال رفقًا
تُشدُّ له السلاسل والقيودُ؟
إذا مدُّوا حبال السوء يومًا
فإن الله يومئذٍ شهيدُ

•••

أيا «علَم» البلاد إليك شعرًا
تُردِّده التهائم والنجودُ
ودونك عقد نظمي من جمان
ومن دررٍ يقال لها قصيدُ
يريد الشامتون بنا نكالًا
«ويأبى الله إلا ما يريدُ»
فكُن في الحق مثل الحق يمضي
يكُن لك بينهم بأسٌ شديدُ
ولا تتبَع هواهم بعد علم
يضلوا في الغواية أو يزيدوا
فليس بنافع فيهم رشاد
ولا من بينهم رجلٌ رشيدُ

إلى الزعيم محمد فريد في سجنه

في سنة ١٩١١ حُوكِم الزعيم محمد فريد أمام محكمة الجنايات بتهمة أنه حبَّذ الجرائم وأهان الحكومة إذ كتب مقدمة لكتاب «وطنيتي» الذي تضمَّن قصائد نظمها الأستاذ علي الغاياتي، ومع أن هذه المقدمة كتبها الزعيم دون أن يطَّلع على محتويات الكتاب وقبل أن يُتِم المؤلف وضعه، ثم سافر الزعيم إلى أوروبا في مايو ولم يظهر الكتاب إلا في شهر يوليو، وليس في المقدمة ما يقع تحت أي نص من قانون العقوبات، ومع ذلك فقد أقامت عليه النيابة الدعوى العمومية، وكان الغرض من محاكمته إرهابه وتهديد أنصاره واضطهاد الحركة الوطنية، وقد حُكِم عليه في ٢٣ يناير سنة ١٩١١ بالحبس ستة أشهر في هذه التهمة الباطلة، ونُفِّذ فيه الحكم يوم صدوره.

فنظم أحمد نسيم قصيدة من روائع الشعر الوطني بعنوان «إلى الرئيس في سجنه» حيَّاه فيها أبلغ تحية، وعبَّر عن الشعور العام بإزائه أصدق تعبير، قال:

يا ليتَ سجنك لم يكُن بمقدَّرِ
فاصبر على المقدور ستةَ أشهرِ
قد جلَّ رزء الشهر حتى خِلتُه
بعض الرثاء وأنت لمَّا تُقبَرِ
لولا احترام الحاكمين وحكمهم
لَجعلته مثل الشواظ الأحمرِ
أقصرتَ فيما قلتَ حتى لم تسَل
أمُقصرًا أم كنتَ غيرَ مُقصرِ٥
وتركتَ أقيال الدفاع فلم تُعَن
بالمِدره المشهور أو بالأشهرِ
يكفيك عطفُ العالمين ووجدُهم
من أكبرٍ يطأ الثرى أو أصغرِ
حتى لقد ماد «البقيع» و«يثرب»
وتزلزت أرض «الصفا» و«المشعرِ»
والتَاع قلبُ «محمد» لمحمد
رب المحامد والعلا والمفخرِ

•••

إني نظرتك في اتهامك واقفًا
فظننتُ أنك واقف في المِنبرِ
لتقول شعبي أو بلادي إنني
لِهَواكما بين اللظى المُتسعرِ
ولقد رأيتك جالسًا مستبسِلًا
خلف الشِّباك جلوسَ مَن لم يُذعرِ
فرأيتُ في هذا الشباك مَعانيًا
فهي العرينُ وأنت أجرأُ قسورِ
ولقد لمحتُك ماشيًا في ثُلة
تعتز بينهمُ بقدرٍ أوفرِ
فسألت هل هذا المُسوَّر «خالد»
أم «جوهر» يختال بين العسكرِ

•••

أفريدُ يا ابن الأكرمين تحية
من شاعرٍ بسوى الأسى لم يشعرِ
في مصر قومٌ ناوَءوك بشرِّهم
فاردد مكايدهم إليهم وانحرِ
ذكَروك في حب البلاد وأهلها
ما قيمة الإنسان إن لم يُذكرِ؟
«لو كنتَ ممن تاجروا بضميرهم
للعبتَ لعبًا بالنضارِ الأصفرِ»
«أو كنتَ ممن يطلبون مراتبًا
لَشأوتَ في العلياء نجم المشتري»
وسبقت أجرام السماء وفُتَّها
من مُظلمٍ في ذاته أو نيِّرِ

•••

أ«محمدٌ» كُن في النوائب ضيغمًا
مُستجمِعًا للطارئ المُتنمرِ
إن بتَّ أنت من الفوادح جازعًا
ما فضل مفتول الذراع غضنفرِ؟
أشرِق لعلك بين سجنك مُشرقًا
تهدي سبيل الطارق المُتنورِ
«فالشعب بعدك بات ينتجع العُلا
وغدا مُناه ورود هذا الكوثرِ»
أنعِم بسؤددك العظيم ومرحبًا
بك من كريم الأصل زاكي العنصرِ
أعزِز علينا يا ابن «أحمد» حالة
جاءت بعيش بالهموم مُكدَّرِ

•••

فكأنه بذرٌ يُحجِّب نورَه
ظلماتُ غيمٍ في السماء كنهورِ
أو درةٍ مكنونة في زاخر
أو دمعة مخبوءة في مَحجرِ
أو زهرة فيحاء خِيفَ ذبولها
وضياع نفحتها إذا لم تُستَرِ
أو ناظرٍ غمضَت عليه جفونه
حذرًا عليه من القذى والعِثيرِ
أو أنت سر الكائنات مُحجَّب
أو بعض مكنون القضاء المضمَرِ

•••

إلى أن قال:

أمحمدٌ ما أنت أول مُبتلًى
بالفادحات من الزمان الأكدرِ
إني عهدتك خير من يُسدي الورى
رأيًا وخير مفكِّر ومدبِّرِ
فاشهر لدى الأهوال عزمًا صادقًا
فلرُب عزمٍ كالحُسام الأبترِ
ما الناس إلا اثنان ذاك ميسَّر
للصالحات وذاك غير ميسَّرِ
جلَّ الإله فقد أرانا علمه
من كل شيء في الوجود مسخَّرِ
بانت مَراحمه بأكمل رونق
وبدت مآثره بأكملِ مظهرِ
لولا الفؤاد وما أصاب دفينه
ما كنتُ عن ذِكراك بالمتأخرِ
لولا مراس الداء صغتُ قصيدة
أربَت على شعر الأديب المُكثرِ

•••

عفوًا رئيسَ المخلصين فإنني
ما رمت إلا جل عفوك فاغفرِ
قد جئتُ أزجي في القريض خريدة
قد بات يحسدني عليها «البحتري»
عطرية فيحاء طورًا عن شذا
وَردٍ وطورًا عن أريجِ العنبرِ
فيها معانٍ صاغها لك مُبدِع
جم البيان خياله لم يُحصَرِ
فاخلع عليها من خلالك نفحة
حتى تضوع بنفحِ مسكٍ أذفرِ
لي فيك ملء الخافقَين لآلئ
زهرٌ تبيع بها الرواة وتشتري
فعليك مني ما حييت تحية
وسلام كسرى في الملوك وقيصرِ

يُحيي الوحدة الوطنية

قال سنة ١٩١٩ يُحيي الوحدة الوطنية والتآخي بين المسلمين والأقباط:

أقباط مصر ومسلموها ضمَّهم
دين المسيح وشرعةُ الإسلامِ
الناشئون على الطهارة والتُّقى
والقائمون بمصر خيرَ قيامِ
والخالدون إلى السكينة كلما
جاء الزمان بشدة وعُرامِ
برح الخفاء وبان أنَّا أمة
لم تبغِ غير محبة ووئامِ
إنَّا لَنرجو أن نعيش بغبطة
تُوحي السلام وتنتهي بسلامِ

يرثي فريدًا

قال سنة ١٩١٩ من قصيدة في رثاء محمد فريد:

رمانا الزمان بإحدى الكُبَر
ومنه العظات ومنه العِبرْ!
شهيدٌ تُصارِع في حومة
رماه القضاء بها والقدَرْ
وخلَّف من بعده أمة
كسِربِ النجوم فقَدنَ القمر
أتى جثة سافرت للبِلى
ولم يسترِح من عناء السفر
مُنًى أوردَته حياض الردى
ووِردُ الردى ما له مِن صدر
تعلَّقها عند شرخ الصِّبا
ولم يجفُها عند مس الكِبَر
وأينع في روضها غرسُه
ولم يبقَ إلا اجتناء الثمر
وأيُّ امرئٍ عاش أقصى المدى
فنال من العيش أقصى الوطر؟

•••

إلى أن قال:

هنيئًا لميتٍ نعَته العُلى
وطوبى لحيٍّ وعى وادَّكر
وحسبُ فريد مُنًى نالها
فقد حصدت كفه ما بذر
فتًى أغمض الموت أجفانه
وأطبقها بعد طولِ السهر
أفاض على قومه ماله
فأدَّى الحقوق وأسدى البدر
طويلُ نجادِ الجدا عائل
لكل ضريك إليه افتقر
رأى الحرص عارًا على نفسه
فهان على نفسه ما ادخر
وكان بصيرًا بعقبى الندى
يرى المال يفنى وتبقى السِّيَر
وأخلد ما للفتى ذِكره
إذا نزل القبر لا ما يذر
وكم صامتٍ ناطق في الثرى
بآيٍ فِصاح كآيِ السُّوَر
وليس الذي ذِكره خامل
كمن شاع صيتٌ له وانتشر
وليس بميتٍ أغرُّ اسمُه
على صفحات العُلى مستطَر
خطيب المنابر مِنطيقها
وأسلس مَن فوق جمعٍ نثر
فإن يكبُ يومًا بمضماره
فكم من جواد كبا أو عثر
وما زال ينهب في عَدوِه
فيافي الفجائع حتى ضمر
وحتى دهَته بأعناتها
كوارث كاسرة للفِقَر

وختمها بقوله:

أرى «كاملًا» راح في شرخه
وأودى «فريد» حميد الأثر
«زعيما بلادٍ خلَت منهما
«أبو بكر» مات وولَّى «عمر»»
عزاء العُلا عنهما أمة
تنادت لتجديدِ مجدٍ دثر
وشعبٌ سعى نحو آماله
بعزٍّ توقَّد حتى استعر
وما من ضعيف القوى واهن
تشبَّث بالحق إلا انتصر

يُحيي جريدة الأخبار

قال سنة ١٩٢٠ يُحيي المرحوم أمين الرافعي لمناسبة إصداره جريدة الأخبار:

يا وحيُ أسعِفني بنظم قلادة
صِيغَت لآلئُها من الأشعارِ
هذا «أمين الرافعي» ومن له
خير السجايا الغُر والآثارِ
يا «رافعيُّ» لَأنت أصدق مُخلِص
للنِّيل في الإعلان والإسرارِ
جرِّد يراع المخلصين وذُد بها
بطش القوي وصولةَ الجبَّارِ
واحذر على «الأخبار» من آفاتها
إن «الرواة» لَآفةُ الأخبارِ
اليوم هنَّأتُ البلاد بكاتب
ملكت يداه صحيفةَ الأحرارِ

يُندِّد بالانقسام ويدعو إلى التآخي

وقال سنة ١٩٢١ حين اشتد الانقسام بين سعد وعدلي وأنصارهما، يُندِّد بهذا الانقسام ويدعو إلى توحيد الصفوف:

قالوا انقسمنا فقلنا فتنةٌ عَممٌ
بها تُفلُّ مواضي العزم والهممِ
ولم نكُن غيرَ جيشٍ راكب طرفًا
شتى المسالك من سهل ومن أكمِ
حتى يرفَّ لواء الفوز مُنعقدًا
على الزمان بحقٍّ غيرِ مهتضَمِ
وكيف نُقسَم والتاريخ يُنبئنا
أن الفلَاح لشعبٍ غيرِ مُنقسمِ
فحاذِروا أن تحلُّوا عقد شملكم
فتقرعوا السن من حزن ومن ندمِ
ونظِّموا ما استطعتم من صفوفكمُ
فالجيش إن يَعرُه الإخلال ينهزمِ
ولا أُحدِّثكم عن إرثكم عجبًا
فمنه كان بزوغ المجد والكرمِ

•••

والمجد يُدرَك بالأعمال مُنجَزة
لا يُدرَك المجد بالألفاظ والكلِمِ
١  يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام.
٢  يريد الزعيم محمد فريد، وكان حاضرًا الاحتفال، وكانت النيابة العامة قد استدعته لاستجوابه في تهمة صحيفة باطلة، ثم أحالته إلى محكمة الجنايات، وقد حُوكِم فعلًا وقضت عليه المحكمة ظلمًا في ٢٣ يناير سنة ١٩١١ بالحبس ستة أشهر.
٣  يريد المحتلين.
٤  وزارة محمد سعيد. والعميد: الدون جورست معتمد بريطانيا.
٥  يُشير إلى إيجاز الفقيد في جوابه على أسئلة المحكمة وعدم استعانته بمحامين للدفاع عنه إيمانًا منه ببطلان التهمة وتحديًا للمؤامرة التي اتخذت شكل المحاكمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤