الفصل الثالث

الجزء الأول

أورست – بيلاد
بيلاد :
كفاك حزنًا وغمًّا
مولاي فالحزن يضني
قد ذبت فيه سقامًا
وكاد يخفيك عني
كفى … …
أورست :
… أبيلاد دعني
فالذنب منك ومني
تبعت رأيك لكن
لشقوتي لم يفدني
سئمت عيشي ودهري
كل المصائب يجني
ولا أزال حزينًا
حتى أنال التمني
ومنيتي ذات حسنٍ
مذ كلمتني سبتني
فاعلم صديقي أني
إن لم أنلها فاني
بيلاد : أحسنت … نأخذها. كيف كانت الطريقة التي نتخذها، ولكن هل تبصرت فيما تقول؟ ألم تر مانعًا دون ذلك يحول؟ تأمل ومر عيونك واكتم سرك، واخف عن هرميوس أمرك، ولا تخدعك الظواهر فقد تخالفها السرائر، انظر إلى هذا القصر وما حوله من العساكر، هؤلاء الحرس وما دون مقاومتهم من المخاطر، كلهم لبيروس وهرميون له أيضًا لا محال، فكيف تخطر لك هذه الأفكار في مثل هذه الأحوال.
أورست : إن زمامي ليس بيدي وقد فقدت الرشد من شدة الوجد، حتى كدت أهجم عليه وعلى من تهواه بلا مبالاة.
بيلاد : وهل تكون نتيجة هذا العمل غير الفشل؟
أورست : ولكن أي نفس تلقى ما لقيت، وتشقى كما شقيت، ولا تخطر لها هذه الأفكار؟ ولو كان دون نفوذها أخطار، فقد طالما صبرت للصبر وعانيت جزيل عنائه، وكيف أصبر وفي الغد يقترن بيروس بهرميون وأقدمها إليه بيدي وليتها تلطخ بدمائه.
بيلاد : ولماذا … وهل تحسبه راضيًا بهذا الاقتران؟
أورست : لا لعمري … إنه لا يقترن بها إلا ليسلبني إياها، ويضرم في قلبي النيران، وا أسفي لقد أُصبت بالفشل، بعد أن كدت أبلغ الأمل.
بيلاد : إن هذا لمن الزعم، أو بالأولى من الوهم، فإنها تحب بيروس ولو غدر، وتروم قربه ولو هجر، وإن أغريتها بتركه فكلمة واحدة عن عزمها تثنيها.
أورست : ولذلك أريد أن أسبيها.
كيف أرضى بأن أسير وتبقى
بسرورٍ وافٍ وقلبي يشقى
ضعضعت همتي مصائب تترى
وأتاني البلاء غربًا وشرقا
كم أراعي وقتًا وأكظم غيظًا
ومصابًا وكم من الحب ألقى
لا تلمني إذا رأيت اضطرابي
يا أخي، أنا الذي مت حقا
مت حقًّا لكنما بعد موتي
من به مت لا يعيش ويبقى
سوف يلقى بيروس مني فتى لا
يرهب الموت أي نعم سوف يلقى
بيلاد : نعم الآراء، وما تكون نتيجة سفارتك لقب سفاك دم؟ (يقول ذلك سائلًا مستفهمًا.)
أورست : لا أعلم … ولكن ألا تحتقرني هذه الظالمة إن عدت بالخيبة من هذه الديار؟ فخيرٌ لي أن يتعجب اليونان من فعلي من أن أكون أضحوكة في أبيرة وألبس العار، إني أرى الحق في يدي فأيُّ شرع يحكم عليَّ بالجلد ولا يتجاوز في حكمه الحد. أما أنت فقد تحملت في المودة تعبًا، ولقيت نصيبًا فدعني، وكلني إلى تدبير الأقدار، اذهب وخلني ما بين الأخطار، وخذ إلى اليونان الغلام الذي أسلمه بيروس إلينا … اذهب.
بيلاد : فلنذهب سيدي، ونجرِ ما ترغب فلا تغضب، إني أرافقك في الأخطار حتى تنال الأوطار … فسر بنا إلى أصحابك اليونان ننشط ونحسن التدبير، فمراكبنا مجهزة والريح تنادي بنا: طاب المسير.
أورست : إني شاكرٌ لك أيها الصديق، فأنت خير من يُرجى في الضيق، وأرجو أن تعفو عن تعيسٍ زاد يأسه، وفقد كل ما يحبه فكرهته نفسه.
بيلاد : أفديك مولاي فخفف عنك الآلام، وتناس خيانة هرميون … ها هي قادمة إلى هذا المقام.
أورست : سر أنت للتدبير وعلى الآلهة التيسير.

الجزء الثاني

أورست – هرميون – كليون
أورست :
إن مسعاي قد أنالك فوزًا
وسعودًا لا زلت بالإسعاد
عاد بيروس طالبًا منك قربًا
فتهني بالقرب بعد البعاد
هرميون : بلغني ذلك وقيل لي إنك تطلبني لتخبرني بالخبر.
أورست : أراه خيرًا يزيل عنك الكدر.
هرميون : لا يجلب الفرح، ولكنه لا يجلب الترح.
أورست : لك الهناء … تهني، وأنا أقوم بالدعاء.
هرميون : ولا أنكر أنه ربما فضل مصلحةً على محبته، وإن لعيوني سلطةً على مهجتك ليست على مهجته.
أورست : لا يا سيدتي فهو يحبك، ولولا ذلك لما طاب له قربك ولحظك، الغزَّال لا يحوك إلا ما يرضيه.
هرميون : وسيدي إن الشرف يأمرني بذلك فلا أقدر أن أعصيه.
أورست :
أصبت فلا سوى حظي يلام
ولا عتبٌ عليك ولا ملام
وإني لا ألومك غير أني
أذوب أسى كما شاء الغرام
شكا قلبي عذابًا يلتقيه
فقلت اصبر كما صبر الكرام
فقال وقد أصيب بسهم غدر
على الدنيا وبهجتها السلام
هرميون : أسمعت هذه الشكوى التي تحزن الفؤاد؟
كليون : هو الملوم فإنه لولا تهاونه لنال المراد، ولما كان بيروس أجابه إلى ما طلب، مخافة أن يبلى بالعطب.
هرميون : بيروس لا يخاف فقد سارت بشجاعته الأمثال، وما له فيها مثال، فكأنك لا ترين بي ما يستحق الميل، حتى حملت ميله إليَّ على خوفه من الويل.
كليون : لا، ولكن لكل قلب جاذب، وللناس فيما يعشقون مذاهب، إن أندروماك آتية وهي باكية.
هرميون : لا أقدر أن أمنع نفسي من الطرب، ولكن ماذا أقول لها؟ أحسن ما أراه الهرب.

الجزء الثالث

أندروماك – هرميون – كليون – سفنز

(أندروماك تدخل وهرميون تكون على عزم الخروج.)

أندروماك :
مهلًا فإني في حماك ومالي
من ذلة كي تقطعي آمالي
وفقدت بعلي في القتال ومالي
والدهر لي كأس المذلة مالي
لله من ذل العزيز الغالي
أبكي على والدي ودمعي جاري
كالغيث لكن ليس يطفئ ناري
سلبوا بما طلبوا يسير قراري
لا تسلبوه فإن حفظ الجار
فرضٌ على أهل المقام العالي
قد صنت أمك يوم راموها بشر
ومنعتها من أن يدانيها بشر
فاحمي فتى ألف الكآبة والكدر
حيران ما بين السلامة والخطر
حتى غدا سقمًا خيالَ خيال
هرميون : إن حزنك يحزنني، ولكن واجباتي تمنعني من تتميم هذا الطلب، أما بيروس، فلا أعز منك لديه، وقد تسلطت لحاظك مدة عليه، فدعيها تكلمه وتتقدم في ذلك إليه (وتذهب).

الجزء الرابع

أندروماك – سفنز
أندروماك :
بقلبي من أذى دهري لهيبٌ
لدمعي فوقه أي انسكاب
فلا تطفي الدموع لهيب حزني
وغير القبر لا يطفي التهابي
كزيت معدني ليس يطفى
بماء وهو يطفأ بالتراب

(ثم ينشد على لحن «يا بدر جنح الغياهب»):

أنوح نوح الثواكل
والدمع جارٍ وسايل
والقلب راجٍ وسايل
وما لصبري وسايل
في مثل هذه المسائل
(ويلي ذلك):
إن قهري حان واصطباري خان
خيبت أملي هذه الأحوال
من لنا بالهنا والعنا قد دنا
غير محتمل حمل ذي الأهوال
فنكس : سيدتي، دعي الغم فنظرة واحدة منك تكفي، فتنتفي عنك الأحزان، وتقلق هرميون وكل اليونان.
أندروماك : أي نعم، لا بد من هذا الأمر، فأنا أجاريه، وإن كنت أفضل على ذلك مجاورة القبر.
سأجاريه وللدهر احتكام
وفؤادي فيه من حزني ضرام
مقصدي برر لي واسطتي
هكذا قال لنا بعض الأنام
فنكس : سيدتي، إنه آتٍ ها هو قد دنا.

الجزء الخامس

بيروس – فنكس – سفنز – أندروماك
بيروس : أين الملكة ألم تقل لي إنها هنا؟ (معرضًا عن أندروماك.)
أندروماك : أرأيت سطوة لحاظي؟
بيروس : ماذا تقول؟
أندروماك (بذاتها) : تركت بلا معين ولا مجير.
فنكس : هلم بنا نتبع هرميون.
سفنز : ما هذا الانتظار إنه يسير.
أندروماك : إنه وعد بتسليم ابني.
سفنز : ولكنه لم يسلمه بعد.
أندروماك : قد وعد بذلك، ولا يخلف الوعد.
بيروس (بذاته) : يا للعجب، إنها لا تزال تتجنى وتتجنب.
أندروماك : وا مصيبتاه إني أزيده غضبًا فلنذهب.
بيروس : فلنمض من هذا المكان، ونسلم ابن هكتور لليونان.
أندروماك :
لله مولاي، مهلًا
فأنت أعظم حلما
إن رمتم تسليم ابني
سلم مع الابن أما
مولاي، كنت حليمًا
لم تأت من قبل ظلما
عذبت قلبي شديدًا
كأنني جئت جرما
فاسمح فأنت كريم
أبًا وخالًا وعما
أمولاي رفقًا فالدموع سوافح
وكاسات حزني بالمصاب طوافح
فسامح إذا ما كنت ذات جريمة
فأنت كريم والكريم يسامح

(ثم تقول على قد «يا من حوى الخد الأسيل»):

وارحم فقد أضنى الألـ
ـمَّ جسمي وأضواه العذاب
والحزن عندي قد ألمَّ
بمهجتي والقلب ذاب
بيروس : قد وعدت به.
أندروماك : ألست الذي كان يدعي حبي؟
بيروس : كنت أعمى فصرت بصيرًا، فعصيت قلبي.
أندروماك : إن أندروماك تجثو لديك وأبى الله أن تجثو لدى غيرك من العالمين.
بيروس : لا تداهني من تبغضين.
سر بنا يا وزير (يقول ذلك بغضبٍ ومعرضًا عنها.)
أندروماك : وأنا أسير لألحق ببعلي فهو خير مجير … (وتهمُّ للذهاب).
سفنز : سيدتي …
أندروماك : وماذا أفعل؟
مولاي رفقًا بقلبي
وأشفق على سوء حالي
فأنت تعلم أني
فقدت أهلي ومالي
رأيت بعلي قتيلًا
يجر فوق الرمال
ووالدي الشهم أيضًا
قضى بذاك القتال
لم يبق لي غير طفلٍ
من أسرتي ورجالي
مولاي، قد ذاب قلبي
مولاي، رفقًا بحالي
بيروس : اذهب يا فنكس، وأنا أتبعك بعد حين.

(ويذهب فنكس)

الجزء السادس

بيروس – أندروماك – سفنز
بيروس : سيدتي، أين من عليه تبكين؟ أنا أعلم أني كلما زدت تقربًا زدت تجنبًا، وقد كنت أحسب بغضي أعظم مما أرى، ولكن جرى حكم الغرام بما جرى، انظري إليَّ أترين في عيني حاكم ظالم؟ ألا ترين فيهما حنوًّا ثابتًا بانعطافٍ ملازم؟ وإني أسألك بابنك الذي تحبينه، أن تخففي بغضك وترفعيه، وأرجوك أن تحفظي ابنك وتنقذيه. وهل يقتضي ذلك أن أنطرح بين يديك، أو أجثو على قدميك، وبالنتيجة أنقذيه سيدتي، وأنقذي ذاتك، واحفظي بحفظه حياتي وحياتك، واعلمي أني ألاقي دون ذلك أهوالًا ومهالك، ولكني أحبك فأنا أترك هرميون إن رضيت بي، وأقدم لك قلبي، وألبسك من المجد إكليلًا. وأرى كل ذلك بالنظر إلى ما تستحقين قليلًا، ويجب أن أملك مستبدًّا، فإن العاجز من لا يستبد، وإني في طلب ذلك مُجد … ولا أخاف وعدًا أو وعيدًا، فأنا أموت إن خسرتك، على أني أموت أيضًا إن زدت صدودًا، فاعلمي أني سأذهب بك إلى الهيكل، فإما أن تقبلي فهي إكليل القِران وإما أن أسلم ابنك إلى اليونان.

(ويذهب)

الجزء السابع

أندروماك – سفنز
أندروماك (بذاتها) :
أحرق الدهر بنار كبدي
عندما راموا بشر ولدي
أنت يا هكتور عزي عضدي
سيدي ركني مجيري سندي

•••

أقصروا اللوم وكفوا العذلا
لست أرضى من حبيبي بدلا
لا وحق الحب يا هكتور لا
ما قيادي يا مليكي في يدي

(تنشد ذلك على لحن «يا غزالي كيف عني أبعدوك؟»)

سفنز : فلنذهب إذًا ويسلم ابنك إلى اليونان.
أندروماك : ويلاه يموت ابني، ابني خليفة هكتور، بقية أبطال الزمان … سفنز دعيني أبك عليه، أو هلم نذهب إلى بيروس … لا لا اذهبي أنتِ إليه.
سفنز : وماذا أقول له؟
أندروماك : قولي له: إن حبها لابنها شديد … وهل تظنين أن ما قاله عن عزمه على قتل ابني أكيد؟
سفنز : سيدتي، سيأتي الآن.
أندروماك : اذهبي.
سفنز : وماذا أقول؟ هل أعدهُ عنك بالقبول؟
أندروماك (لذاتها) (تقول على نغم «ومن عجبي أن الصوارم والقنا») :
أيا دهر كم بالصابرين تجور
وما من نصيرٍ في بِلاك يجير
فسد واحتكم واظلم وعذب كما تشا
فإن فؤادي يا زمان صبور
سفنز (من النغم ذاته) :
مهيلًا سنقضي الأمر آلهة الورى
وليس عليهم في الأمور عسير
أندروماك (لذاتها) :
لقد ذاب يا هكتور قلبي ومهجتي
بهما من زماني لوعةٌ وسعير

(ثم تقول أندروماك مع سفنز):

(الأكرك)

أما كفى ما قد جرى
فالسقم بالجسم سرى
قد فاز من قد صبرا
فالصبر أولى ما أرى
والدهر يبدي العبرا
كما يروم

•••

لقد جنى دهري العنا
وحل بالجسم الفنا
وقد نأى عنا الهنا
والغم وافى ودنا
فارفق بنا يا ربنا
أنت الرحيم

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤