الفصل الحادي عشر

كانت وجبة العشاء في لايز هي الوجبة الرسمية خلال اليوم؛ إذ ترتدي طالبات السنة النهائية الثياب الحريرية الأنيقة، بينما ترتدي الطالبات الأُخريات الفساتين الخاصة بحضور مأدبة العشاء، أما في أيام السبت، عندما يغادر العديد من الطالبات المدرسةَ لقضاء بعض الوقت في لاربورو، يقِل الطابع الرسمي للحدث كثيرًا. فخلال مأدبة العشاء أيام السبت، تجلس الطالبات أينما يحلو لهن ويرتدين ما يرغبن من الثياب، في الحدود المُتعارَف عليها. وفي هذا المساء، مع نهاية أسبوع الامتحانات، قلَّ الطابع غير الرسمي عن المعتاد؛ إذ غادر العديد من الطالبات من أجل الاحتفال بنهاية الامتحانات في أماكنَ أخرى، وخطَّط عدد أكبر للاحتفال في المدرسة بعد العشاء. لم تكن هنرييتا حاضرةً — كان واضحًا أنها تتناول الوجبة في غرفتها — وتغيَّبت أيضًا السيدة لوفيفر لأسباب خاصة بها. أما فروكن ووالدتها، فكانتا في المسرح في لاربورو؛ لذلك وجدت لوسي نفسها تتقاسم الطاولةَ الرئيسية مع الآنسة لوكس والآنسة راج، الأمر الذي وجدته ممتعًا للغاية. ولم يذكر أحدٌ موضوعَ أرلينجهيرست المُلِح، كما لو أن بينهن اتفاقًا ضمنيًّا على ذلك.

قالت الآنسة لوكس، وهي تستخدم الشوكةَ لتُقلِّب بعناية الخضراوات غير المألوفة الموجودة في طبقها: «كنت أظن أنه في ليلة احتفالية كهذه ستقدِّم الآنسة جوليف طعامًا أشهى من هذه الفَضَلات.»

قالت راج وهي تأكل بنَهَم: «إنها لا تهتم بالطعام تحديدًا في ليالي الاحتفال. إنها تعرف جيدًا أن بالطابق العلوي يوجد ما يكفي من الطعام الشهي لإغراق سفينة حربية.»

«لسوء الحظ، هذا الطعام ليس لنا. لذا يجدُر بالآنسة بيم أن تُحضِر لنا بعض الطعام من الحفل عند مغادرتها.»

اعترفت راج: «في طريق عودتي من المباراة، اشتريت بعض الفطائر الصغيرة المحشوَّة بالكريمة من لاربورو. يمكننا تناول قهوتنا في غرفتِي والاستمتاع بوقتنا.»

بدت الآنسة لوكس وكأنها كانت تفضِّل أصابعَ البسكويت بالجبن، لكن على الرغم من طبيعتها الحاسمة، كانت شخصًا طيب القلب، فقالت: «أُقدِّر هذه اللفتة الطيبة منك.»

«كنت سأقترح ذلك في وقت سابق لو كنتُ أعرف أنك لن تذهبي إلى المسرح.»

قالت الآنسة لوكس: «المسرح تقليدٌ عفا عليه الزمن.»

سألت لوسي، متفاجئة مما قيل: «ألا تجدين المسرحَ ممتعًا؟» ففي رأيها، لا يزال المسرح يحمل جزءًا من عالم الطفولة السحري.

توقَّفت الآنسة لوكس عن تحديقها باشمئزاز في قطعة من الجزر وقالت متسائلة: «هل فكَّرتِ يومًا ماذا سيكون رأيك في المسرح إن كانت هذه هي المرة الأولى التي تذهبين فيها إليه، دون التأثُّر بحنين الطفولة وما شابه؟ هل كنتِ ستجدين حقًّا ظهور بعض الأشخاص الذين يرتدون ملابس مبهرَجة ويقفون على مقصورة مُضاءة أمرًا مسليًا؟ وماذا عن التقليد السخيف المُتمثل في الاستراحات … التي كان الهدف منها في الأساس هو عرض الأزياء الخاصة بالحضور، أما الآن فالهدف منها هو زيادة مبيعات الحانة الموجودة داخل المسرح. ما وسيلة الترفيه الأخرى التي تسمح بمثل هذه الاستراحات التي لا مبرِّر لها؟ هل يتوقف المرء أثناء الاستماع إلى سيمفونية لتناول مشروب؟»

اعترضت لوسي قائلة: «لكن المسرح مُنظَّم بهذه الطريقة.»

«نعم. إنه، كما قلت، تقليد عفا عليه الزمن.»

أدَّى هذا الرد إلى شعور لوسي بشيء من خيبة الأمل، ليس بسبب ولعها بالمسرح، ولكن لأنها أساءت فهم شخصية الآنسة لوكس إلى حدٍّ كبير. كانت تظن أن تكون الآنسة لوكس مُولَعة بحضور العروض التجريبية في الضواحي الأقل ثراءً، التي تضم مسرحياتٍ تناقش أسباب مشكلات المجتمع وعواقبها.

قالت راج: «حسنًا، لقد كدت أن أذهب إلى المسرح الليلة، لمجرد رؤية إدوارد أدريان مرةً أخرى. لقد كنت مفتونة به بشدة أثناء سنوات دراستي. أتوقَّع أن يكون قد أفل نجمُه الآن. هل رآه أحد منكما من قبل؟»

«لم أرَه على خشبة المسرح. لقد اعتاد قضاءَ عطلته معنا في صباه.» مرَّرت الآنسة لوكس شوكة طعامها في كومة الطعام في طبقها مرةً أخرى وتوصَّلت إلى أنه لم يَعُد يوجد ما ترغب في أن تأكله.

«اعتاد قضاءَ عطلته في منزلك!»

«نعم، لقد كان زميل أخي في المدرسة.»

«يا إلهي، هذا لا يُصدق على الإطلاق!»

«وما الذي لا يُصدق في ذلك؟»

«أعني، لا أحد يتصور أن إدوارد أدريان شخصٌ عادي يعرفه الناس. مجرد تلميذ مثل غيره من التلاميذ.»

«طفل صغير غير لطيف إلى حدٍّ كبير.»

«أوه، حقًّا!»

«طفل صغير مقيت تمامًا. مشغول دائمًا بالنظر في المرآة. وماهر بدرجة ملحوظة في الحصول على أفضلِ ما هو متاح.» كانت نبرتها هادئة وتحليلية وموضوعية.

«أوه، كاثرين، أنتِ تدهشينني.»

«لم أقابل أحدًا قط لديه نفس موهبة تيدي أدريان في إلقاء المسئولية على عاتق غيره.»

«لكنه بالتأكيد لديه أنواعٌ أخرى من المواهب.»

«لديه مواهب أخرى، نعم.»

سألت راج، التي لا تزال مفتونة قليلًا من تلقي أخبار مباشرة عن شخص استثنائي: «هل ما زلتِ تقابلينه؟»

«مصادفة فقط. فبعد وفاة أخي، تخلَّينا عن منزل العائلة، ولم يَعد هناك أي تجمعات عائلية.»

«ولم تَرَيه من قبلُ على خشبة المسرح؟»

«لم أرَه قط.»

«ولَمْ تقومي حتى برحلة رخيصة بالحافلة لن تكلفك أكثرَ من ستة بنسات إلى لاربورو لمشاهدة مسرحيته الليلة.»

«لا، لم أفعل. فالمسرح، كما قلت، يصيبني بالملل إلى حدٍّ لا يوصف.»

«لكنها مسرحية لشكسبير.»

«حسنًا، مسرحية شكسبير. أفضِّل البقاء في المنزل وقراءة أعماله بصحبة دورين راج ونحن نتناول فطائرها الصغيرة المحشوة بالكريمة. لن تنسي يا آنسة بيم إحضارَ بعض الأطعمة لنا عندما تغادرين الحفل، أليس كذلك؟ سوف تقبل البروليتاريا الجائعة بامتنان أيَّ شيء. يمكنك إحضار حلوى المَعْكَرون، أو شوكولاتة مارس، أو برتقال ماوردي، أو بقايا شطائر، أو لفائف نقانق مهروسة …»

وعدت لوسي: «سوف أجمع التبرعات. سوف أمرِّر قبعةً على الطالبات وأناشدهن بلطف قائلة: لا تنسوا هيئة التدريس.»

ولكن حماسة لوسي للحفل تضاءلت بينما كانت تُخرج زجاجة الشمبانيا من وسط الثلج الذائب في حوض الغسيل. فلا يمكن إنكار أن هذا الحفل سيجلب بعضَ المشقة. ولإضفاء مظهر احتفالي وعدم ترك أي انطباع بأنها أحضرت مشروبها الكحولي الخاص بها إلى الحفل، ربطت لوسي شريطًا ملوَّنًا حول عنق الزجاجة؛ والنتيجة كانت زجاجة شمبانيا تشبه في شكلها دوقةً ترتدي قبعة ورقية، لكنها لم تعتقد أن هذا التشبيه سيخطر ببال الطالبات. أما عن الملابس، فقد احتارت بين ارتداء ملابس غير رسمية تتناسب مع تجمُّعٍ تتكئ فيه الفتيات على الوسائد، رغبتِها في احترام مضيِّفاتها. فاختارت احترام الحدث بارتداء فستان رسمي، ووضع مساحيق تجميل بعناية شديدة. فإذا كانت أهواء هنرييتا قد انتقصت من بهجة هذا الحفل، فسوف تبذل لوسي كلَّ ما في وسعها لإضفاء البهجة.

كان واضحًا أن حفل ستيوارت لم يكن الوحيد الذي أقيم في لايز ذاك المساء، بسبب الضوضاء في الغرف الأخرى وحركة الطالبات ذهابًا وإيابًا وهن يحملن الغلايات. فاحت رائحة القهوة من الممرات، وتعالت الضحكات والمحادثات وتلاشت مع فتح الأبواب وإغلاقها. حتى إن الطالبات المستجدات يُقِمْن حفلاتهن الخاصة؛ فحتى إن كنَّ لم يحصلن على وظائفَ للاحتفال بها، فإنهن يحتفلن بإنهائهن أولى اختبارات نهاية العام. أدركت لوسي أنها نسيت أن تسأل فطيرة المكسرات عن اختبار علم التشريح النهائي. («قد تتحول نظرية اليوم إلى هراءٍ غدًا، لكن الترقوة تظل هي الترقوة أبدَ الآبدين.») عندما تمرُّ على لوحة الإشعارات مرةً أخرى عليها البحث عن اسم ديستيرو.

اضطُرت لوسي إلى طرقِ باب الغرفة رقم ١٠ مرتين حتى يصل الصوت إلى الداخل، ولكن عندما فتحت ستيوارت الباب بابتهاج وأدخلتها، أصابهن كلهن الخجل فجأةً، فوقفن بأدبٍ صامتات كالأطفال المهذَّبين.

بدأت ستيوارت الكلام قائلة: «نحن سعداء جدًّا بوجودك»، حتى لمحت ديكرز الزجاجة، فاختفت جميع الرسميات.

صرخت ديكرز: «زجاجة مشروب كحولي! لا أصدِّق عيني، زجاجة مشروب كحولي! أوه، أنتِ رائعة يا آنسة بيم!»

قالت لوسي: «آمُل ألا يكون ذلك مخالفًا للقواعد، لكن ذلك بدا حدثًا مناسبًا لاحتساء الشمبانيا»، متذكِّرةً النظرة الغريبة في عيني الآنسة جوليف التي لم تفهم معناها بعدُ.

قالت ستيوارت: «لدينا هنا مناسبة ثلاثية. إذ تحتفل ديكرز وتوماس أيضًا. إنها بالتأكيد مناسبة تستحق الاحتفال. لقد أحسنتِ إذ أحضرتِ الشمبانيا.»

قالت هاسيلت: «سيكون من غير المناسب شرب الشمبانيا في أكواب صغيرة.»

«حسنًا، بغض النظر، سنشربها الآن لفتح الشهية. نشرب الشمبانيا فقط أولًا. فليعطِني الجميع كئوسهن. تفضلي بالجلوس على الكرسي يا آنسة بيم.»

أُحضِر كرسي من الخيزران إلى الغرفة، ووُضِعَت عليه تشكيلة متعددة الألوان من الوسائد؛ وباستثناء الكرسي ذي السطح الصلب الموجود بجوار المكتب، كان هذا هو المقعد الوحيد في الغرفة؛ إذ أحضرت الفتيات الوسائد الخاصة بهن وجلسن متفرقات على الأرض في أرجاء الغرفة، أو ملتصقات ببعضهن على الفراش بارتياح، يشبهن في ذلك القططَ الصغيرة. كانت إحداهن قد غطَّت المصباح بمنديل حريري أصفر اللون؛ بحيث يحل ضوء ذهبي خافت محلَّ الضوء الساطع المعتاد. صنع الشفق وراء النافذة المفتوحة على مصراعيها خلفيةً زرقاء شاحبة ستتحول إلى خلفية مظلمة عمَّا قريب. كان الحفل شبيهًا بأي حفل طلابي حضرته لوسي أيام دراستها الجامعية، ولكن بدا هذا الحفل مُفعَمًا بالحياة أكثرَ من الحفلات التي حضرتها. هل كان ذلك بسبب ألوان الوسائد الأكثر بهجة؟ أو ربما بسبب قوام الحاضرات الجذاب، من دون الشعر الأشعث، والنظارات، وشحوب الوجه بسبب كثرة المذاكرة؟

لا، لم يكن الأمر كذلك بالطبع. لقد عرفت بالضبط السبب. وهو عدم وجود دخان سجائر في الهواء.

قالت توماس، وهي تجمع الكئوس الصغيرة من الحاضرات وتضعها على المفرش الذي يغطي المكتب: «لم تحضُر أودونيل بعدُ.»

قالت إحدى القرينات الأربع: «أتوقَّع أنها تساعد راوس في إقامة العارضة.»

قالت أخرى: «لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا، هذا يوم السبت.»

وأضافت ثالثة: «حتى مدرِّبات اللياقة البدنية يأخذن استراحة أيام الأحد.»

وأضافت رابعة: «حتى راوس.»

سألت لوسي: «هل ما زالت الآنسة راوس تتدرَّب على الحركة الدورانية؟»

أجابت الفتيات: «أوه، نعم. سوف تستمر في ذلك حتى يوم العرض.»

«ومتى تجد الوقت لفعل ذلك؟»

«تذهب في الصباح بعد ارتداء ملابسها. قبل المحاضرة الأولى.»

قالت لوسي: «الساعة السادسة. هذا أمرٌ متعِب جدًّا.»

قالت الفتيات: «هذا ليس أسوأ من أي وقت آخر. فعلى الأقل تكونين في حالة انتعاش، لا يستعجلك أحد، وبمفردك تمامًا في صالة الألعاب الرياضية. علاوة على ذلك، هذا يكون الوقت الوحيد الممكن لفعل ذلك. إذ يجب إعادة العارضة إلى مكانها قبل بداية المحاضرة الأولى.»

قالت ستيوارت: «لم تَعُد مضطرة إلى فعل ذلك بعد الآن؛ فقد استعادت مهارتها. ولكنها تخشى فقدان هذه المهارة مرة أخرى قبل العرض.»

قالت ديكرز: «أتفهَّم ذلك، يا عزيزتي. فقط تخيَّلي إحساس الحماقة الشديد الذي تشعرين به إن كنتِ معلَّقَة على العارضة مثل قرد مريض، يحدق النخبة فيك، وفروكن ترمقك ببساطة بنظرة تسقط عليك كالسهم. عزيزتي، سيكون الموت أهونَ مخلِّص من هذا الموقف. إن كانت دوني ليست مع راوس لتساعدها كالمعتاد، فأين يمكن أن تكون؟ إنها الوحيدة التي لم تحضُر.»

قالت توماس: «مسكينة دون، فهي لم تجد وظيفة بعدُ.» توماس التي كانت ستصبح الأعلى منصبًا بين ثلاثة، شعرت بأنها محظوظة للغاية.

قالت هاسيلت: «لا تقلقن بشأن دون، فالأيرلنديون دائمًا ما يحالفهم التوفيق.»

لكن الآنسة بيم كانت تجول بناظريها في أرجاء الغرفة بحثًا عن إينيس، لكنها لم تكن موجودة. كما أن بو لم تكن موجودة.

لاحظت ستيوارت نظرةَ لوسي الزائغة، وأدركت السؤال الذي بداخلها، فقالت: «تريد بو وإينيس أن يبلغاكِ باعتذاريهما عن عدم تمكُّنهما من الحضور الليلة، كما تأمُلان أن تقبلي دعوتهما لحضور حفل آخر قبل نهاية الفصل الدراسي.»

قالت هاسيلت: «تنوي بو إقامة حفل لإينيس. ستفعل ذلك احتفالًا بحصولها على وظيفة أرلينجهيرست.»

قالت إحدى القرينات الأربع: «في واقع الأمر، كلنا نقيم حفلًا لإينيس.»

قالت الثانية: «إنه احتفالٌ عام.»

وأضافت الثالثة: «إنه في النهاية شرفٌ لمدرستنا.»

وقالت الرابعة، بنبرة إقرار وليس سؤالًا: «سوف تحضُرين هذا الحفل يا آنسة بيم، أليس كذلك؟»

أجابت لوسي: «هذا يسعدني جدًّا.» ثم حرصت على تغيير الموضوع وقالت: «لماذا لم تحضُر بو وإينيس؟»

قالت ستيوارت: «حضرت عائلة بو على حين غرة واصطحبت الفتاتين إلى المسرح في لاربورو.»

قالت توماس، دون أدنى قدرٍ من الغَيرة: «هذه هي حياة مَن يمتلكون سيارة رولز. فهم يتجوَّلون في أنحاء إنجلترا متى شاءوا. أما أهلي، فإن أرادوا التنقُّل من مكان لمكان، فعليهم ركوب الفرس الرمادي العجوز، أو بالأحرى الجواد البني، والسفر نحو ٢٠ ميلًا حتى يتمكنوا من الوصول إلى أي مكان.»

سألت لوسي وهي تتخيَّل الطريق الضيق المعزول الذي يتعرج عبر محيط مُقفِر في ويلز: «أهم مزارعون؟».

لا، والدي رجل دين. لكننا نحتاج إلى حصان لرعاية الأرض، ولا يمكننا تحمُّل تكلفة امتلاك حصان وسيارة معًا.»

قالت إحدى القرينات الأربع، وهي تجلس بارتياح أكبر على الفراش: «أوه، حسنًا، ومَن يريد الذهاب إلى المسرح على أي حال؟»

وأضافت الثانية: «إنها طريقة مملة لقضاء أمسية.»

وقالت الثالثة: «تجلسين وركبتاك ملتصقتان في ظهر الشخص الذي أمامك.»

وقالت الرابعة: «ونظارات الأوبرا ملتصقة في عينيك.»

تساءلت لوسي، متفاجئة من أن نظرة الآنسة لوكس للمسرح هي نفسها نظرة مجموعة من الفتيات اليافعات اللاتي لم يمحُ فيها التكلُّف نهمَهن للترفيه بعد: «لماذا يرتدي الحاضرون نظارات الأوبرا؟»

«ماذا سترين من دونها؟»

«دُمًى صغيرة تتجول في صندوق.»

«مثل تلك التي في المسارح على الرصيف البحري الترفيهي في برايتون.»

«باستثناء أنه في مدينة الملاهي تلك، يمكنك رؤية التعبيرات على الوجوه.»

اعتقدت لوسي أن القرينات الأربع أنفسهن يشبهن إلى حدٍّ ما دُمى برايتون. كن مثل الشخصيات الخيالية التي تؤدي دورًا. نسخة أخرى من تويدلدوم وتويدلدي. بدا أنهن يتحدثن فقط عندما تتكلم إحداهن؛ حينئذٍ تشعر الأخريات أنهن ملزمات بتقديم أدلة داعمة على ما قالته إحداهن.

قالت هاسيلت: «أنا أشعر بالامتنان لمجرد الاسترخاء وأخذ قسط من الراحة على سبيل التغيير. أنا أستخدم زوجًا جديدًا من أحذية الباليه من أجل العرض، وتقرحات قدمي مستفحلة.»

قالت ستيوارت، نقلًا عن شخص آخر كما هو واضح: «على الطالبة يا آنسة هاسيلت أن تُبقي جسدها في حالة لائقة في جميع الأوقات.»

أجابت هاسيلت: «قد يكون هذا صحيحًا، لكن ليس لديَّ أيُّ نية لتحمُّل مشقة القيام برحلة في حافلة لمسافة خمسة أميال في ليلة السبت للذهاب إلى أي مكان، وخاصة المسرح.»

قالت ديكرز: «على أي حال، ما هي إلا مسرحية لشكسبير يا عزيزاتي.» صاحت وهي تمسك بصدرها: «تلك هي العلة يا نفسي!»

قالت لوسي، وهي تشعر أنه حريٌّ بأحد أن ينتصر للمسرح الذي تحبه: «ولكن بطلها هو إدوارد أدريان.»

سألت ديكرز بصدق: «مَن هو إدوارد أدريان؟»

قالت ستيوارت: «إنه ذلك الرجل الذي يبدو مُنهَكًا ويشبه نَسْرًا متساقط الريش»، قالت ذلك وهي منشغلة بواجبات الضيافة، بحيث لم تلاحظ ردةَ فعل لوسي: لقد كان وصفًا قاسيًا وواضحًا لإدوارد أدريان في العيون غير المُقَدِّرة للعواطف لشباب اليوم. وأردفت ستيوارت: «اعتدنا مشاهدةَ عروضه عندما كنت في المدرسة في إدنبرة.»

سألت لوسي: «وهل استمتعتِ بالعرض؟» متذكِّرةً أن اسم ستيوارت ظهر أعلى القائمة على لوحة الإشعارات إلى جانب أسماء إينيس وبو، ومدركةً أن النشاط العقلي قد لا يكون مرهقًا لها كما هو في الغالب بالنسبة إلى الأخريات.

اعترفت ستيوارت: «أوه، كان أفضل من الجلوس في الفصل. لكنه كان نشاطًا باليًا. من الجميل مشاهدته، ولكنه مملٌّ بعض الشيء. توجد كأس ناقصة.»

قالت أودونيل، وهي تدخل الغرفة وتعطي ستيوارت كأسها: «أعتقد أنها كأسي. أعتذر من تأخُّري. كنت أبحث عن زوج من الأحذية يناسب قدميَّ. اعذريني في ارتدائي هذه يا آنسة بيم»، وأشارت إلى خُفِّ حجرة النوم الذي كانت ترتديه. وأردفت: «إن قدميَّ تؤلمانني.»

سألتها لوسي: «هل تعرفين مَن هو إدوارد أدريان؟»

أجابت أودونيل: «بالطبع أعرفه. لقد كنت من أشد المعجبين به منذ أن رأيته يؤدي دورًا في بِلفاست، عندما كنت في الثانية عشرة من عمري.»

«يبدو أنك الشخص الوحيد في هذه الغرفة الذي يعرفه أو يُعجب به.»

قالت أودونيل «آه، الفتيات غير الراقيات»، وهي تنظر بازدراء إلى بقية الفتيات، ولاحظت لوسي أن عينَي أودونيل بدتا لامعتين لمعانًا غير عادي، كما لو كانت تبكي. وأردفت أودونيل: «لو كان لديَّ ما يكفي من المال لشراء تذكرة للمسرح، ولم نكن في نهاية الفصل الدراسي تقريبًا، لكنت الآن تحديدًا في لاربورو جالسةً في الصفوف الأولى.»

وإذا كنتِ — أكملت لوسي في ذهنها وهي مشفقة على الفتاة — لن تشعري أنه سيُقال إن كونك الطالبة الوحيدة التي لم تحصل على وظيفة بعدُ هو سبب تغيُّبك عن الحفل. أُعجبت لوسي بالفتاة التي جفَّت دموعها، واستخدمت خُفَّ غرفة النوم عذرًا، وحضرت حفلًا ليس بحفلها بروح مبهجة.

قالت ستيوارت، وهي منشغلة بإزالة سلك الفلين: «حسنًا، الآن، وبعد أن جاءت أودونيل، نستطيع فتح الزجاجة.»

صاحت أودونيل: «يا إلهي، شمبانيا!».

وسُكب النبيذ في الكئوس الصغيرة السميكة، وتحولت كل الأنظار إلى لوسي في ترقُّب.

قالت لوسي: «في صحة ستيوارت في اسكتلندا، وتوماس في ويلز، وديكرز في لينج آبي.»

وشربن الشمبانيا.

وأضافت ستيوارت: «وفي صحة كل أصدقائنا بين كيب تاون ومانشستر.»

وشربن مرةً أخرى.

«والآن، ماذا تحبين أن تأكلي يا آنسة بيم؟»

جلست لوسي لتستمتع بوقتها. لن تحضُر راوس الحفلَ؛ وبفضل التدخل الإلهي المُتمثل في أبوين ثريَّين يمتلكان سيارة رولز رويس، ستستريح من موقف عصيب مُتمثل في الجلوس مقابل إينيس التي امتلأ قلبها بسعادة لم تعرف بعدُ أنه لا مبرر لها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤