الفصل التاسع عشر

عندما انتهى وقت تناول الشاي (وقد تعرَّفت لوسي ﺑ ٢٠ زوجًا مختلفًا على الأقل من الآباء)، بدأ الحشد في مغادرة الحديقة، وفي طريقها إلى المبنى، قابلت لوسي الآنسة لوكس.

قالت لوسي: «للأسف سأضطر إلى عدم الخروج الليلة. فأنا أشعر بصداع نِصفي وشيك.»

ردَّت لوكس ببرود: «هذا مؤسف. أنا أيضًا قرَّرت عدم الخروج.»

«أوه، لماذا؟»

«أنا متعبة للغاية، وحزينة لما حدث لراوس، وفكرة الخروج إلى المدينة لا تروق لي.»

«لقد فاجأتِني.»

«فاجأتُك؟ كيف؟»

«لم أعتقد قط أنني سأعيش لأرى كاثرين لوكس غير صريحة مع نفسها.»

«أوه. وما الذي أخدع نفسي بشأنه؟»

«إذا فحصتِ مشاعرك عن كَثَب، فستجدين أن هذا ليس السبب الحقيقي لعدم رغبتك في الخروج.»

«لا؟ ما السبب إذن؟»

«السبب أنكِ تجدين متعة في التكبُّر عليه.»

«كلام محزن.»

«لكنه صحيح. لقد استمتعتِ بفرصة تأكيد تفوُّقك عليه، أليس كذلك؟»

«يجب أن أعترف أن إلغاء الموعد كان أمرًا سهلًا.»

«وقاسيًا قليلًا؟»

«عملٌ غير مستحَب من امرأة سليطة. هل هذا ما تحاولين قوله؟»

«إنه يتطلع بشغَف إلى مقابلتك. لا أستطيع أن أفهم السبب.»

«شكرًا لك. أستطيع أن أخبرك بالسبب. حتى يستطيع أن يشتكي لي ويخبرني كيف أنه يكره التمثيل … وهو شريان حياته.»

«حتى لو كان مملًّا في نظركِ …»

«لو! يا إلهي!»

«يمكنك بالتأكيد تحمُّله ساعةً أو نحو ذلك، بدلًا من استخدام حادث راوس ذريعةً.»

«هل تحاولين جعلي امرأةً صادقة يا لوسي بيم؟»

«هذه هي الفكرة العامة. أشعر بالأسف تجاهه، كونه يُترك وحيدًا …»

قاطعتها لوكس، مشيرةً بإصبعها إلى لوسي مع كل كلمة: «سيدتي … العزيزة، لا تشعري بالأسف أبدًا تجاه إدوارد أدريان. فالنساء تضيِّع أفضل سنوات حياتهن في الشعور بالأسف تجاهه، ويندمن على ذلك في النهاية. إنه أحد أكثر الأشخاص المنغمِسين في ملذَّاتهم والخادعين لذواتهم …»

«لكنه سيُحضِر لنا نبيذ جوهانسبرجر.»

توقفت لوكس عن الكلام وابتسمت.

قالت وهي تفكر: «يمكنني تناول مشروب، حقًّا.»

ومشت خطوات قليلة.

ثم سألت: «هل حقًّا كان تيدي بائسًا؟»

«نعم.»

«حسنًا. لقد فُزتِ. لقد كنت قاسية. سأخرج. وفي كل مرة يكرر فيها قوله: «أوه، كاثرين، كم أنا متعَب من هذه الحياة المصطنعة»، سأقول في نفسي في استياء: الآنسة بيم هي مَن ورطتني في هذا الأمر.»

أجابت لوسي: «سأتحمل ذلك. هل عرف أحد أخبار راوس؟»

«اتصلَت الآنسة هودج بالمستشفى التوة. لا تزال فاقدة الوعي.»

لاحظت لوسي وجودَ هنرييتا عبر نافذة مكتبها — يُطلق عليه المكتب، ولكنه في الواقع غرفة الجلوس الصغيرة على يسار الباب الأمامي — فدخلت لتُهنِّئها على نجاح فترةِ ما بعد الظهيرة ومن ثَم تصرف انتباه هنرييتا، ولو فترةً وجيزة، عما كان يزعجها، وواصلت الآنسة لوكس السَّير. بدت هنرييتا سعيدة برؤية لوسي ولم تمانع في سماع الإطراءات نفسها التي كانت تتلقاها طوال فترة ما بعد الظهر، وبقيت لوسي معها تتحدثان بعض الوقت؛ وبحلول الوقت الذي عادت فيه لوسي إلى مقعدها لمشاهدة الرقص، كانت الشُّرفة قد ازدحمت تقريبًا عن آخرها مرةً أخرى.

وعندما وجدت إدوارد أدريان جالسًا في أحد مقاعد الممر، توقفت وقالت له:

«كاثرين قادمة.»

فسأل وهو ينظر لأعلى: «وماذا عنكِ؟»

«لا، للأسف، سأصاب بالصداع النصفي بالضبط في السادسة والنصف.»

وعند سماعه هذا، صاح قائلًا: «آنسة بيم، أنا أعشقُك» وقَبَّل يدها.

بدا الشخص الجالس بجواره مندهشًا، وضحِك أحد الجالسين في الخلف، لكن لوسي استمتعت بتقبيل يدها. فما فائدة وضع ماء الورد والجلسرين كل ليلة على يديها إذا لم يُقبِّل أحدٌ يديك بين الحين والآخر؟

عادت إلى مقعدها في نهاية الصف الأمامي ولاحظت أن السيدة العجوز التي كانت تستخدم نظارة الأوبرا لم تنتظر الرقص؛ فقد كان كرسيُّها شاغرًا. ولكن، قبل أن تخفت الأضواء مباشرة — كان بالقاعة ستائر وإضاءة صناعية — ظهر ريك من الخلف وسأل لوسي: «إذا كنتِ لا تحجزين هذا المقعد لأحد، هل يمكنني الجلوس عليه؟»

وعندما استقر على المقعد، ظهرت أولى الراقصات على المسرح.

وبعد مشاهدة العرض الرابع أو الخامس، بدأ إحساس بخيبة الأمل يتسلل إلى قلب لوسي. فقد كانت معتادة مشاهدةَ عروض الباليه العالمية ذات المعايير الفنية العالية، ولم تأخذ في اعتبارها أن عروض الباليه هنا لن تكون سوى عروض للهواة. فحتى هذه اللحظة، كان أداء الطالبات في العروض التي شاهدتها استثنائيًّا؛ أداءً احترافيًّا بمعنى الكلمة. لكن كان واضحًا أنه من غير الممكن أن تبذل الطالبات الوقت والجهد في المواد الأخرى، كما فعلن، والوصول في الوقت نفسه إلى مستوًى عالٍ في الرقص. فالرقص يتطلب التفرغ الكامل.

كان الأداء جيدًا، لكنه افتقر إلى الإبداع. لقد كان في مستوى عروض الهواة أو أفضل قليلًا. وتضمَّن البرنامج حتى الآن رقصاتٍ وطنية وتاريخية تقليدية، تعتز بها جميع مدرِّبات الرقص، وقد أُدِّيت بإتقان شديد يدعو للثناء، ولكنه ليس جذَّابًا. ربما كانت ضرورة الاستمرار في التركيز على الروتين المُعَدَّل قد سلبت بعض العفوية من أدائهن. ولكن بوجه عام، اعتقدت لوسي أن التدريب والحالة المزاجية لم يكونا مناسبَين لتقديم أداء استثنائي حقًّا. كما بدا أن الجمهور يفتقر إلى الحماسة هو الآخر؛ فقد اختفت الحماسة التي أظهرها خلال أداء الجمباز. من الممكن أن يكونوا قد تناولوا الكثير من الشاي، أو أن السينما قد عرَّضتهم، من خلال أفلامها، لمستوًى عالٍ من الأداء، وهو ما جعلهم أكثرَ انتقادًا عند تقييم العروض الحية. على أي حال، كان تصفيقهم مهذبًا وليس حماسيًّا.

أثار استعراض روسي حماسةَ المتفرجين فترة وجيزة، وانتظروا الفقرة التالية بشغف. انفتحت الستائر، لتكشف عن ديستيرو وهي واقفة بمفردها على المسرح. كانت ترفع ذراعيها فوق رأسها وخَصرها الممشوق في مواجهة الجمهور. كانت ترتدي زيًّا تقليديًّا من موطنها الأصلي، وقد جعلت الأضواء الألوان الزاهية والمجوهرات الغريبة تتلألأ، فبدت ديستيرو كطائر مبهج من غابات البرازيل. طرقت بقدميها الصغيرتين، اللتين تلبَس فيهما زوجين من الأحذية ذوي كعبٍ عالٍ، الأرضَ بسرعة تحت تنُّورتها الواسعة. ثم بدأت بالرقص؛ كانت ترقص ببطء في البداية، وبدت كأنها لا تهتم بالأمر، كما لو كانت تقضي بعض الوقت فحسب. ثم أصبح واضحًا أنها كانت تنتظر حبيبها، وأنه تأخَّر. يمكنك أن ترى بسرعة مدى أهمية هذا لها. وفي هذه اللحظة، كان المتفرجون يجلسون على حافة مقاعدهم. ففي الفراغ، أوحت ديستيرو للمتفرجين أن حبيبها قد ظهر بطريقة سحرية. واستطاع المتفرج أن يتخيَّل النظرةَ الحزينة على وجهه الأسمر. فتفاعلت معه كما لو كان أمامها. وفي هذه اللحظة، كان المتفرجون جالسين على حافة مقاعدهم. وبعد التفاعل معه، بدأت تُبرز جمالها أمامه؛ لكن ألم يدرك كم هو محظوظ بوجود فتاة مثلها في حياته؟ فتاة أنيقة تتمتَّع بجمال الخَصر، والعينين، والأرداف، والفم، والكاحلين؟ هل كان جاهلًا لدرجةِ أنه لا يرى كل هذا؟ لذلك، أبرزت جمالها أمامه؛ وذلك باستخدام حركات ذكية جلبت البسمة على وجوه جميع المتفرجين. نظرت لوسي إليهم؛ في غضون دقيقة، كانوا على وشْك التهليل من شدة الإعجاب. كان العرض مثل السِّحر. وعندما سمحت لحبيبها أخيرًا بالانضمام إليها، كان الجمهور تحت تأثير سِحرها تمامًا. وعندما غادرت المسرح مع ذلك الشاب الذي لا يزال غير مرئي، ولكنه خاضع بالتأكيد، هلَّل الحضور بحماسة، تمامًا مثل الأطفال في عرض «وايلد ويست» النهاري.

تذكَّرت لوسي، وهي تشاهد ديستيرو تُحيي الجمهور، كيف أن فطيرة المكسرات قد اختارت لايز؛ إذ إن «الالتحاق بمدارس الرقص التقليدية يتطلب موهبةً كبيرة.»

قالت لوسي بصوتٍ عالٍ: «كانت متواضعة جدًّا حين تحدَّثت عن قدراتها في الرقص. كان من الممكن أن تكون راقصة محترفة.»

قال ريك: «أنا سعيد أنها لم تفعل ذلك. فوجودها هنا جعلها تتعلم أن تحب الريف الإنجليزي. لو كانت تدرَّبت في المدينة، لكانت قابلت فقط أراذل القوم ممن لهم صلة بعالم الباليه العالمي.»

اعتقدت لوسي أنه ربما كان على حق.

عندما عاودت الطالبات المتفانيات الظهورَ على المسرح لأداء رقصاتهن مرةً أخرى، لم يكن الجمهور على الدرجة نفسها من الحماسة. أدَّت ستيوارت بخفة رقصةً ذات طابعٍ سلتيٍّ ممتع. ورقصت إينيس برشاقة وشغف شديدين؛ ولكن عندما ظهرت ديستيرو معهن على المسرح، انجذب انتباه الجميع إليها، ونسيت لوسي وجودَ إينيس والأخريات. كانت ديستيرو آسِرة.

وعندما انتهت الرقصة، حظِيت ديستيرو وحدَها بموجة كبيرة من التصفيق.

وشعرت الآنسة بيم ببعض الغَيرة عندما رأت النظرة على وجه ريك.

يبدو أن تقبيل اليد لم يكن كافيًا.

قالت لوسي للآنسة راج، وهما في طريقهما لتناول العشاء معًا بعد أن غادر الضيوف أخيرًا، وامتلأ الهواء بأصوات محركات السيارات وأصوات الضيوف والطالبات وهم يودِّعون بعضهم بعضًا: «لم يُخبرني أحد أن ديستيرو لديها مثل هذه القدرات في الرقص.»

قالت راج بنبرة غير متحمِّسة، متحدثة بصفتها تابعةً للسيدة لوفيفر عن فتاةٍ تعتبرها غارقةً في الخطيئة لأنها قرَّرت عدم الاشتراك في الألعاب الرياضية: «أوه، إنها الطالبة المفضَّلة لدى السيدة لوفيفر. أنا شخصيًّا أجد أن أداءها مُبالغ فيه إلى حدٍّ ما. إنها تبدو في غير مكانها المناسب هنا، لسببٍ ما. بصراحة، لم تعجبني رقصتها الأولى. ما رأيك؟»

أجابت لوسي: «لقد كانت رقصة رائعة.»

قالت الآنسة راج، باستسلام: «أوه، حسنًا»، وأضافت: «هي بالتأكيد جيدة، وإلا لم تكن السيدة لتُغرم بها.»

تناول الجميع وجبةَ العشاء في هدوء. فقد عمَّ شعور بالإرهاق، بعد أن انتهى اليوم المليء بالأحداث، وبدأ الجميع يتذكر الحادث الذي وقع في الصباح (الآن بعد أن أصبح لديهم الوقت للتفكير)، كان من شأن كل هذا أن يثبِّط معنويات الطالبات ويُسكت ألسنتَهن. وكانت عضوات هيئة التدريس أيضًا مرهقات بعد أحداث اليوم المليئة بالصدمات، والمجهودات، والتفاعل الاجتماعي، والقلق. رأت لوسي أن كأسًا من النبيذ الجيد ستكون رائعة، وشعرت بالندم عندما تذكَّرت أن لوكس كانت في هذه اللحظة تحتسي نبيذ جوهانسبرجر. وتسارعت نبضات قلبها عندما تذكَّرت أنه عليها في غضون دقائق أخْذ الوردة الصغيرة إلى المكتب وإخبار هنرييتا بالمكان الذي وجدتها فيه.

لم تكن قد أخرجت الوردة بعدُ من الدُّرج الذي وضعتها فيه، وبعد العشاء، وهي في طريقها إلى الطابق العلوي للبحث عن الوردة، قابلت بو التي ربطت ذراعها بذراع لوسي، وقالت لها:

«آنسة بيم، نحن جميعًا نُخمِّر الكاكاو في الغرفة المشتركة. من فضلك تعالي وأسعدينا. أنت لا تريدين الجلوس في تلك الغرفة الكئيبة في الطابق العلوي» — تقصد على الأرجح غرفةَ المعيشة — «أليس كذلك؟ تعالي وأسعدينا.»

قالت لوسي، وهي تفكر في كرهها الشديد للكاكاو: «أنا شخصيًّا لا أشعر بالسعادة، لكن إذا كان باستطاعتكن تحمُّل كآبتي، فسوف أتحمَّل كآبتكن.»

وبينما كانتا تسيران نحو الغرفة المشتركة، هبَّت رياح عاتية فجأة عبْر الطرقة من خلال جميع النوافذ المفتوحة على مصراعيها، مما تسبَّب في اصطدام الفروع الخضراء للأشجار بالخارج بعضها ببعض وقلبِ الأوراق إلى أعلى، والكشف عن جوانبها السفلية. قالت لوسي: «يبدو أن الطقس الجميل قد انتهى»، وتوقَّفت للاستماع. لقد كانت تكره دائمًا تلك الرياح المضطربة والمدمِّرة التي تشير إلى نهاية الأوقات الجيدة.

أجابت بو: «نعم، الجو بارد جدًّا. لقد أشعلنا نارًا بالحطب.»

كانت الغرفة المشتركة جزءًا من «المبنى القديم» واحتوت على مِدفأة تقليدية من الطوب؛ وبدت الأجواء في الغرفة مبهجةً مع وجود المدفأة، ومع صوت طقطقة النار التي أُشعلت منذ قليل، وصوت الأطباق المستخدمة، والفساتين المتألقة للطالبات المتعبات، المنتشرات في أنحاء الغرفة، ونِعال حجرة النوم الزاهية أكثر. لم تكن أودونيل هي الوحيدة التي اختارت لُبس حذاء غير تقليدي الليلة؛ فقد لبِست جميع الفتيات تقريبًا أحذية غير رسمية من نوعٍ ما. في الواقع، كانت ديكرز مستلقية على الأريكة وأصابع قدمها العارية المضمَّدة مرفوعة في مستوًى أعلى من رأسها. فلوَّحت في سعادة بيدها للآنسة بيم وأشارت إلى قدميها.

قالت: «إرقاء!» وتابعت: «لقد نزفت قدماي في أفضل حذاء للباليه لديَّ. أعتقد أن لا أحد سيشتري حذاءً للباليه ملطخًا بالدماء قليلًا؟ لا، للأسف، لا.»

قالت بو: «يوجد كرسي بجانب المدفأة يا آنسة بيم»، وذهبت لتجهيز الكاكاو. وإينيس، التي كانت تجلس ملتفَّة بجوار المدفأة، وتشرف على إحدى طالبات السنوات الأولى التي كانت تلعب بالمنفاخ، ربَّتت على الكرسي ورحَّبت بجلوس لوسي عليه بأسلوبها الجاد المعهود.

قالت هاسيلت، وهي تدخل الغرفةَ ومعها طبق كبير من بقايا الطعام المتنوِّعة: «تمكَّنت من الحصول على مقادير الشاي المتبقية من الآنسة جوليف.»

سألتها الفتيات: «وكيف تمكَّنت من فعل ذلك؟» وأردفن: «فالآنسة جوليف لا تتخلى عن أي شيء، حتى لو كان رائحة.»

«لقد وعدتُها أن أرسل إليها بعضَ مربَّى الخوخ عندما أعود إلى جنوب أفريقيا. ومع أنه قد يبدو وكأنه طبق ممتلئ، لم يتبقَّ منه الكثير في الواقع. فقد تناولَت الخادمات معظمه بعد الشاي. مرحبًا يا آنسة بيم. ما رأيك في أدائنا الليلة؟»

أجابت لوسي: «كنتن رائعات.»

قالت بو: «كنا مثل رجال شرطة لندن. مثلما قلتِ يا هاسيلت.»

اعتذرت لوسي عن استخدام كلام تقليدي يفتقر إلى الحماسة وحاولت نقل حماستها من خلال تقديم المزيد من التفاصيل.

قالت الفتيات: «لقد سرقت ديستيرو الأضواء، أليس كذلك؟» ونظرن بغبطة وود إلى الفتاة الهادئة التي ترتدي ثيابها الملوَّنة وتجلس منتصبةَ القامة في الزاوية المريحة بجوار المدفأة.

«أمَّا أنا فأركِّز على القيام بشيء واحد فقط. فمن الأسهل التركيز على إتقان مهارة واحدة.»

لم تتمكَّن لوسي، مثل بقية الحاضرات، من تحديدِ ما إذا كانت ديستيرو أرادت بهذه الملحوظة البسيطة أن تُبدي تواضعًا أم أن تبدي انتقادًا. بوجه عام، اعتقدت لوسي أنها تبدي تواضعًا.

قالت إينيس لطالبة السنوات الأولى: «هذه تكفي يا مارتش، عظيم جدًّا»، وتحرَّكت لتأخذ منها المنفاخ. وعندما أخرجت قدمها، رأت لوسي أنها تلبَس حذاء أسودَ خفيفًا.

والحلية التي كان من المفترض أنها موجودة على اليسار، لم تَعُد موجودة.

قالت لوسي في أعماقها، أوه، لا. لا. لا.

«هذا كوبك يا آنسة بيم، وهذا كوبك يا إينيس. تناولي حلوى المعكرون غير الطازجة إلى حدٍّ ما يا آنسة بيم.»

«لا، سوف تأخذ الآنسة بيم بعضًا من كعك أيرشاير الطازج المعبأ في علبة. لا حاجة إلى أي مأكولات بائتة.»

استمرَّت الثرثرة حولها. وتناولت شيئًا من طبق. وردَّت على ما يقال لها. حتى إنها أخذت رشفة من الكأس.

أوه، لا. لا.

والآن بعد أن أصبح الدليل واضحًا أمام ناظريها — بعد أن تحقَّق ما كانت تخشاه بشدة؛ لدرجةِ أنها لم ترغب حتى أن تفكر فيه — الآن بعد أن أصبح الدليل أمامها، انتابها شعور بالخوف الشديد. لقد تحوَّل كل شيء فجأةً إلى كابوس مروِّع: الغرفة الصاخبة المفعمة بالحيوية، والسماء المظلمة بالخارج؛ حيث كانت العاصفة تتهيأ، والشيء المفقود. كان كابوسًا صار فيه شيء صغير وغير مهم شيئًا ذا أهمية كبرى. كابوس يجب عليها فيه التحرُّك على الفور، لكنها لا تعرف ماذا تفعل ولماذا.

وسرعان ما سيتعيَّن عليها أن تقف، وتودِّع الفتيات بأدب، وتذهب إلى هنرييتا لتقص عليها القصة، وأن تنهي كلامها بقولها: «وأنا أعرف من أي حذاء وقع هذا الشيء. من حذاء ماري إينيس.»

كانت إينيس تجلس بجانبها، لا تأكل، ولكن تشرب الكاكاو بسرعة. وكانت قد وضعت قدميها تحتها مرةً أخرى، لكن لوسي لم تكن بحاجة إلى التحقق مجددًا. حتى إن أملها البسيط في أن فتاةً أخرى ترتدي حذاء خفيفًا قد اختفى. فكان هناك العديد من أنواع الأحذية المختلفة في الغرفة، لكن لم يكن هناك زوجان آخران من الأحذية الخفيفة.

وعلى أي حال، لم يكن لدى أي شخص آخر سببٌ للوجود في صالة الألعاب الرياضية في الساعة السادسة هذا الصباح.

وسرعان ما قالت إينيس للوسي، وقد التفتت كي تنظر إليها: «خذي المزيد من الكاكاو.» لكن الآنسة بيم لم تشرب من الكوب الذي معها سوى القليل جدًّا.

قالت إينيس: «إذن يجب أن أحصل على المزيد»، ثم بدأت في النهوض.

دخلت الغرفة طالبة طويلة جدًّا ونحيفة من طالبات السنوات الأولى تُدعى فارثينج، ولكنها معروفة، حتى لهيئة التدريس، باسم توبينس-هابيني.

قالت إحدى الفتيات: «لقد تأخرتِ يا توبينس. تعالي وتناولي كعكة.» لكن فارثينج ظلت في مكانها، في حيرة.

سألت الفتيات: «ما الأمر يا توبينس؟» وهن في حيرة من تعبيرها المصدوم.

قالت ببطء: «ذهبت لوضع الزهور في غرفة فروكن.»

قالت إحدى الفتيات: «لا تخبرينا أنكِ وجدت بعض الزهور هناك بالفعل»؛ فضحك الجميع.

«سمعتُ عضوات هيئة التدريس يتحدثن عن راوس.»

«حسنًا، وكيف حالها؟ هل تحسنت؟»

«لقد ماتت.»

سقطت الكأس التي كانت تحملها إينيس من يدها وتحطَّمت على المدفأة. فذهبت إليها بو لالتقاط القِطع المتناثرة.

قالت الفتيات: «أوه، هذا هراء. لم تسمعي جيدًا يا توبينس.»

«لا، لقد سمعت جيدًا. كن يتحدثن على بسطة الدَّرج. لقد ماتت منذ نصف ساعة.»

وأعقب ذلك صمتٌ مروِّع.

كسرَ جدار الصمت صوتُ أودونيل المرتفع وهي تقول: «قمت بتثبيت الجزء الذي ناحية الجدار.»

قالت ستيوارت وهي ذاهبة إليها: «هذا صحيح بكل تأكيد يا دون. نحن جميعًا نعلم ذلك.»

وضعت لوسي كوبَها على الطاولة ورأت أنَّ عليها أن تصعد إلى الطابق العلوي. فتركتها الفتيات تذهب وهن يعبِّرن بصوتٍ منخفض عن أسفهن، وقد عمَّت الكآبة أجواء حفلهن السعيد.

وفي الطابق العلوي، وجدت لوسي أن الآنسة هودج ذهبت إلى المستشفى لمقابلة عائلة راوس عند وصولها، وأنها هي مَن اتصلت هاتفيًا للإبلاغ بالخبر. جاءت عائلة راوس، وتلقَّت الأخبار دون أي مشاعر على ما يبدو.

قالت السيدة لوفِيفْر وهي مستلقية على الأريكة الصلبة: «لم أحبَّها قط، فليسامحني الرب.» وبدا طلبها للمغفرة من الرب خالصًا.

قالت راج: «أوه، كلما عرفتها أكثر، وجدتها طيبة ولطيفة للغاية. وكانت أمهر لاعبة خط وسط. هذا أمرٌ مروِّع، أليس كذلك! الآن سيتحول الأمر إلى قضية، وستأتي الشرطة وتُفتح تحقيقات ودعاية رهيبة وكل شيء.»

نعم، الشرطة وكل شيء.

لن تستطيع لوسي فعل أي شيء بخصوص الوردة الصغيرة الليلة. وعلى أي حال، كانت تريد أن تفكر في الأمر.

كانت بحاجة إلى الجلوس بعضَ الوقت بمفردها للتفكير في الأمر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤