لَيْلَةُ الْمِهْرَجانِ

(١) عِيدُ الرَّبِيعِ

دَعانِي بَعْض الْأَصْحابِ إِلَى أَنْ أَذْهَبَ مَعَهُمْ، إِلَى خارِجِ الْمَدِينَةِ، لِأُشاهِدَ الْمِهْرَجانَ الْعَظِيمَ الَّذِي يُقامُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَذَلِكَ بِمُناسَبَةِ الاِحْتِفالِ بِعِيدِ الرَّبِيعِ.

طاوَعْتُهُمْ، وَذَهَبْتُ مَعَهُمْ، لِأَتَسَلَّى بِما فِي الْمِهْرَجانِ مِنْ غِناءٍ وَإِنْشادٍ، وَمِنْ تَمْثِيلٍ وَاسْتِعْراضٍ، وَمِنْ فُكاهاتٍ مُؤْنِسَةٍ، وَنُكَتٍ مُضْحِكَةٍ، وَأَحادِيثَ مُسَلِّيَةٍ، فِي جَوٍّ بَهِيجٍ.

قَضَيْتُ فِي ساحَةِ الْمِهْرَجانِ ساعاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَالنَّاسُ فِي طَرَبٍ وَمَرَحٍ، هُنا وَهُناكَ، يَرُوحُونَ وَيَجِيئُونَ.

وَأَنا رَجُلٌ كَبِيرُ السِّنِّ، لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْهَرَ اللَّيْلَ الطَّوِيلَ، وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِي أَنْ أُتابِعَ الْمِهْرَجانَ إِلَى نِهايَتِهِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ.

أَحْسَسْتُ بِالتَّعَبِ، وَلا بُدَّ لِي أَنْ أَسْتَرِيحَ.

أَيْنَ أَجِدُ الرَّكوبَةَ الَّتِي تَعُودُ بِي إِلَى الْمَدِينَةِ الْآنَ؟

هَلْ أَنْتَظِرُ، وَأَنا مُتْعَبٌ، حَتَّى يَعُودَ أَصْحابُ الرَّكائِبِ؟

زُوَّارُ الْمِهْرَجانِ لَنْ يَعُودُوا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْتَهِيَ الاِحْتِفالُ، وَرَكائِبُهُمْ تَنْتَظِرُهُمْ فِي أَوَّلِ السَّاحَةِ الَّتِي يُقامُ فِيها الْمِهْرَجانُ.

لَمْ يَكُنْ لِي حِيلَةٌ إِلَّا أَنْ أَذْهَبَ إِلَى أَوَّلِ السَّاحَةِ، وَأَقْعُدَ هُناكَ لِأَسْتَرِيحَ، وَأَنْتَظِرَ عَوْدَةَ الْأَصْحابِ مِنَ الْمِهْرَجانِ، لِأَرْكَبَ مَعَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ عائِدِينَ إِلَى الْبُيُوتِ.

ذَهَبْتُ إِلَى أَوَّلِ السَّاحَةِ، وَانْتَحَيْتُ رُكْنًا بَعِيدًا، فَوَجَدْتُ سَلَّةً كَبِيرَةً تَرَكَها صاحِبُها، لِيَعُودَ إِلَيْها بَعْدَ التَّفَرُّجِ، وَفِي داخِلِ السَّلَّةِ مُلاءَةٌ كَبِيرَةٌ فارِغَةٌ، لَيْسَ فِيها أَيُّ شَيْءٍ.

شَعَرْتُ بِحاجَةٍ شَدِيدَةٍ إِلَى النَّوْمِ، فَدَخَلْتُ فِي السَّلَّةِ، وَكَوَّمْتُ جِسْمِي فِيها، وَبَدَأْتُ أَشْعُرُ بِالرَّاحَةِ.

كانَ الشَّهْرُ الْعَرَبيُّ يَقْتَرِبُ مِنْ نِهايَةِ أَيَّامِهِ، وَالْقَمَرُ يَظْهَرُ عادَةً عَلَى شَكْلِ هِلالٍ فِي أَوَائِلِ الشَّهْرِ الْعَرَبيِّ وَفِي أَواخِرِهِ.

عادَ الْقَمَرُ هِلالًا كَما بَدَأَ. أَصْبَحَ نُورُهُ قَلِيلًا هادِئًا.

لَمْ تَعُدِ الْأَصْواتُ الْمُخْتَلِطَةُ فِي الْمِهْرَجانِ تَصِلُ إِلَى سَمْعِي.

الْجَوُّ حَوْلِي جَمِيلٌ، مُرِيحٌ لِلْأَعْصابِ.

فِي هَذا السُّكُونِ الطَّيِّبِ، بَدَأَ النَّوْمُ يُداعِبُ عَيْنِي.

بَعْدَ قَلِيلٍ، وَجَدْتُنِي لَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَوْلِي.

لَقَدْ أَغْمَضْتُ جَفْنَيَّ، وَأَسْلَمْتُ نَفْسِي لِلْأَحْلامِ.

figure
«جُحا» يَجِدُ سَلَّةً كَبِيرَةً فِي رُكْنٍ بَعِيدٍ.

(٢) حَدِيثُ اللِّصَّيْنِ

ظَلِلْتُ عَلَى حالِي، نائِمًا، ساعَةً أَوْ بَعْضَ ساعَةٍ.

أَيْقَظَتْنِي مِنْ نَوْمِي هَمَساتٌ مِنْ حَوْلِي. ماذا أَسْمَعُ؟

هَلْ عادَ زُوَّارُ الْمِهْرَجانِ مِنِ احْتِفالِهِمْ بَعْدَ انْتِهائِهِ؟

فَتَحْتُ عَيْنِي قَلِيلًا، وَفِي النُّورِ الضَّئِيلِ، لَمْ أَرَ إِلَّا شَبَحَيْنِ اثْنَيْنِ، يَتَبادَلانِ الْكَلامَ، فِي صَوْتٍ خافِتٍ.

اِنْكَمَشْتُ فِي مَكانِي، لا أَتَحَرَّكُ، أَسْمَعُ وَأَرَى.

سَمِعْتُ أَحَدَهُما يَقُولُ لِرَفِيقِهِ، وَهُوَ يَتَلَفَّتُ فِي حَذَرٍ: «تَعالَ نَتَحَسَّسْ هَذِهِ السِّلالَ الَّتي تَرَكَها زُوَّارُ الْمِهْرَجانِ، فِي هَذا الْمَكانِ. إِنَّها سِلالٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَشْكالِ وَالْأَلْوانِ.»

فَأَجابَهُ رَفِيقُهُ، وَهُوَ يَهُزُّ كَتِفَهُ وَيَتَلَفَّتُ هُوَ الآخَرُ: «يَجِبُ أَنْ نُسْرِعَ فِي ذَلِكَ، قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الزُّوَّارُ، لِيَأْخُذُوا السِّلالَ الَّتِي تَرَكُوها، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّها فِي أَمانٍ.»

أَدْرَكْتُ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّهُما لِصَّانِ جاءَا يَسْرِقانِ، فِي هَذا الْمَكانِ.

وَعَرَفْتُ أَنَّهُما سَيَخْتارانِ مِنَ السِّلالِ الْمُخْتَلِفَةِ سَلَّةً كَبِيرَةَ الْحَجْمِ، ثَقِيلَةَ الْوَزْنِ، تُشْبِعُ أَطْماعَهُما الْكَثِيرَةَ.

figure
«جُحا» نائِمٌ فِي السَّلَّةِ الْكَبِيرَةِ!

لا شَكَّ أَنَّ الزُّوَّارَ حِينَ جاءُوا تَرَكُوا سِلالَهُمْ فارِغَةً، إِلَّا مِنْ أَشْياءَ خَفِيفَةٍ، لَيْسَتْ كَبِيرَةَ الْقِيمَةِ، أَوْ عَظِيمَةَ الْوَزْنِ.

إِنَّهُمْ أَخَذُوا مَعَهُمْ إِلَى الْمِهْرَجانِ ما فِي السِّلالِ مِنْ أَطْعِمَةٍ أَوْ أَمْتِعَةٍ.

مَعْنَى هَذا أَنَّ السَّلَّةَ الَّتِي أَنا مُنْكَمِشٌ فِيها أَضْخَمُ السِّلالِ وَأَثْقَلُها وَزْنًا، وَأَنَّها عامِرَةٌ بِالْخَيْراتِ.

لَنْ يَخْطُرَ بِبالِ اللِّصَّيْنِ أَنَّ السَّلَّةَ فِيها إِنْسانٌ.

أَنا إِذَنْ فِي انْتِظارِ اللِّصَّيْنِ، وَعَلَيَّ أَنْ أَزْدادَ انْكِماشًا فِي السَّلَّةِ، حَتَّى لا يَشْعُرَ أَحَدُ اللِّصَّيْنِ بِوُجُودِي فِيها.

فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِي أَنْ يَقَعَ الاِخْتِيارُ عَلَى السَّلَّةِ الَّتِي تَحْتَوِينِي.

سَيَحْمِلُها اللِّصَّانِ، وَكُلٌّ مِنْهُما سَيَفْرَحُ بِها أَشَدَّ الْفَرَحِ، يَحْسَبُ أَنَّهُ ظَفِرَ بِغَنِيمَةٍ عَظِيمَةٍ، لَيْسَ بَعْدَها غَنِيمَةٌ.

سَيَحْمِلُ اللِّصَّانِ السَّلَّةَ وَأَنا فِيها، إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَصِلُ إِلَيْها، وَأَنا مُرْتاحٌ، لَمْ أُتْعِبْ قَدَمِي فِي السَّيْرِ الطَّوِيلِ.

صَحَّ كُلُّ ما تَوَقَّعْتُهُ، فَقَدْ جاءَ اللِّصَّانِ إِلَى سَلَّتِي، وَتَحَسَّسَها كُلٌّ مِنْهُما، فَأَسْرَعا إِلَى حَمْلِها، وَلَمْ يَفْطُنْ أَحَدٌ مِنْهُما إِلَى أَنِّي مُنْكَمِشٌ فِيها، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِها شَيْءٌ غَيْرِي.

(٣) حِيلَةُ «جُحا»

أَخَذَ اللِّصَّانِ طَرِيقَهُما إِلَى الْمَدِينَةِ فِي خُفْيَةٍ وَحَذَرٍ، يَخافانَ أَنْ يَلْمَحَهُما أَحَدٌ مِنْ زُوَّارِ الْمِهْرَجانِ، فَيَشُكَّ فِي أَمْرِهِما، وَيَقْبِضَ عَلَيْهِما.

وَبَعْدَ أَنِ امْتَدَّ بِهِما الْمَشْيُ بَعْضَ الْوَقْتِ، جَعَلْتُ أُفَكِّرُ في شَأْنِ هَذَيْنِ اللِّصَّيْنِ اللَّئِيمَيْنِ، اللَّذَيْنِ حَضَرا لِيَسْرِقا السَّلَّةَ.

فَكَّرْتُ فِي الْأَمْرِ، وَفَكَّرْتُ طَوِيلًا.

وَبَعْدَ التَّفْكِيرِ الطَّوِيلِ، عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أُلْقِيَ عَلَى هَذَيْنِ اللِّصَّيْنِ السَّارِقَيْنِ دَرْسًا قاسِيًا، دَرْسًا لَنْ يَنْسَياهُ، مَدَى الْحَياةِ، جَزاءَ ما فَعَلاهُ.

صَبَرْتُ عَلَيْهِما، وَهُما يَسِيرانِ بِي، وَقَدْ جَهَدَهُما الْمَشْيُ، وَغَلَبَهُما التَّعَبُ، حَتَّى أَصْبَحْنا عَلَى مَسافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ.

بَدَأْتُ أُنَفِّذُ خُطَّتِي، وَأُلْقِي عَلَى اللِّصَّيْنِ الدَّرْسَ الْمُؤْلِمَ الَّذِي يَسْتَحِقَّانِهِ.

مَدَدْتُ يَدِي فِي خِفَّةٍ وَحَذَرٍ إِلَى رَأْسِ أَحَدِ اللِّصَّيْنِ، فَجَذَبْتُ خُصْلَةً مِنْ شَعْرِهِ جَذْبَةً شَدِيدَةً عَنِيفَةً، بِكُلِّ ما فِيَّ مِنْ قُوَّةٍ!

صاحَ اللِّصُّ غَضْبانَ، يَقُولُ لِصاحِبِهِ: «أَهَذا وَقْتُ الْعَبَثِ أَيُّها الْخَبِيثُ؟ أَلَا يَكْفِيكَ ما نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَشَقَّةِ السَّيْرِ الطَّوِيلِ؟ ما بالُكَ تَشُدُّ شَعْرِي؟!»

تَعَجَّبَ صاحِبُهُ، وَقالَ: «ماذا تَعْنِي؟ لَمْ أَفْهَم مِمَّا تَقُولُ شَيْئًا. كَيْفَ أَشُدُّ شَعْرَكَ وَيَدايَ مَشْغُولَتانِ بِحَمْلِ السَّلَّةِ؟ أَنْتَ تَحْلُمُ، بَلْ أَنْتَ مَخْبُولٌ! أَلا تَسْتَحِي مِمَّا تَقُولُ؟»

سُرِرْتُ بِما سَمِعْتُ مِنَ اللِّصَّيْنِ، وَعَزَمْتُ عَلَى أَنْ أُتابِعَ خُطَّتِي، لِأَرَى ما يَجْرِي بَيْنَهُما مِنْ مُناقَشَةٍ وَمُنازَعَةٍ.

بَعْد لَحَظاتٍ، مِلْتُ عَلَى رَأْسِ اللِّصِّ الْآخَرِ، فَجَذَبْتُ خُصْلَةً مِنْ شَعْرِهِ جَذْبَةً أَعْنَفَ مِمَّا فَعَلْتُهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى.

figure
«جُحا» يَجْذِبُ خُصْلَةً مِنْ شَعْرِ اللِّصِّ.

فَصاحَ فِي وَجْهِ صاحِبِهِ، يَقُولُ لَهُ فِي تَعَجُّبٍ: «لماذا تَشُدُّ شَعْرِي هَذا الشَّدَّ الْمُؤْلِمَ؟ أَتُرِيدُ بِذَلكَ أَنْ تَنْتَقِمَ مِنِّي؟ هَلْ أَنْتَ مَا زِلْتَ عَلَى ظَنِّكَ السَّيِّئِ: أَنِّي شَدَدْتُ شَعْرَكَ؟»

فَقالَ لَهُ الْآخَرُ، وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدَيْهِ: «أَنا غَفَرْتُ لَكَ إِساءَتَكَ إِلَيَّ، وَلَمْ تَمْتَدَّ يَدَايَ إِلَيْكَ، لِأَشُدَّ شَعْرَكَ. أَلا تَرَى يَدَيَّ الاِثْنَتَيْنِ تُمْسِكانِ بِالسَّلَّةِ؟ أَنْتَ تُسِيءُ إِلَيَّ، ثُمَّ تَكْذِبُ عَلَيَّ. لَيْسَ هَذا وَقْتَ مُعاكَسَةٍ، أَوْ وَقْتَ مُداعَبَةٍ. فَنَحْنُ نَحْمِلُ سَلَّةً ثَقِيلَةً فِيها خَيْرٌ لَكَ وَلِي. اِمْضِ بِنا، وَجانِبْ أَنْ تَهْزِلَ بِالْكَلامِ، حَتَّى نَصِلَ بِسَلامٍ.»

(٤) مُشاجَرَةُ اللصَّيْنِ

أَصْرَرْتُ عَلَى أَنْ أُثِيرَ الْخُصُومَةَ بَيْنَ اللِّصَّيْنِ اللَّئِيمَيْنِ، وَأَنْ أُوقِعَ بَيْنَهُما الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُما مُشاجَرَةٌ كَبِيرَةٌ.

لَمْ أَكْتَفِ بِما جَرَى بَيْنَ اللِّصَّيْنِ مِنْ خِلافٍ.

اِنْتَظَرْتُ بَعْضَ الْوَقْتِ، واللِّصَّانِ سائِرانِ، حَتَّى رَأَيْتُنِي قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَعُدْ بَيْنَنا وَبَيْنَها إِلَّا خُطُواتٌ قِصارٌ.

جَمَعْتُ قُوَّتِي كُلَّها، وَمَدَدْتُ يَدِي بِشِدَّةٍ إِلَى رَأْسِ أَحَدِ اللِّصَّيْنِ وَجَذَبْتُ خُصُلاتِ شَعْرِهِ جَذْبَةً كادَتْ تَخْلَعُ رَقَبَتَهُ.

صَرَخَ الرَّجُلُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، وَثارَ غَضَبُهُ ثَوْرَةً شَدِيدَةً.

وَجَدْتُهُ يُنْزِلُ السَّلَّةَ إِلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ يَقُولُ لِصاحِبِهِ: «يا لَكَ مِنْ وَحْشٍ مُفْتَرِسٍ! لا شَكَّ أَنَّكَ اخْتَلَّ عَقْلُكَ!»

فَأَجابَهُ صاحِبُهُ: «لَسْتُ أَدْرِي: أَيُّنا الْمَجْنُونُ؟ أَنا أَوْ أَنْتَ؟ ماذا أَصابَكَ حَتَّى تَتَّهِمَنِي ظُلْمًا وَعُدْوانًا؟»

فلَمْ يَمْلِكِ اللِّصُّ الْآخَرُ إِلَّا أَنْ يَصْفَعَ صاحِبَهُ عَلَى وَجْهِهِ صَفْعَةً أَطارَتْ صَوابَهُ، وَجَعَلا يَتَبادَلانِ الصَّفَعاتِ وَاللَّكَماتِ، حَتَّى أُصِيبَ الْأَوَّلُ بِضَرْبَةٍ زَلْزَلَتْهُ وَأَسْقَطَتْهُ بِلا حَرَكَةٍ.

figure
اللِّصَّانِ يَتَبادَلانِ الصَّفَعَاِت وَاللَّكَماتِ.

لَمَّا رَأَى اللِّصُّ الآخَرُ رفِيقَهُ يَسْقُطُ أَمامَهُ، خَشِيَ أَنْ يَمْكُثَ مَكانَهُ، فَيُسْأَلَ عَمَّا جَرَى لِصاحِبِهِ، وَيُحاسَبَ عَلَى ما فَعَلَ.

أَرادَ اللِّصُّ الضَّارِبُ أَنْ يَنْجُوَ بِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ فَرَّ هارِبًا.

تَحامَلَ اللِّصُّ الْمَضْرُوبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَ يَجْرِي خَلْفَ الضَّارِبِ، حَتَّى اخْتَفَى عَنْ ناظِرِي، وَلَمْ أَعُدْ أَرَى لَهُ شَبَحًا.

هَكَذا أَمِنْتُ شَرَّ اللِّصَّيْنِ، فَمَضَيْتُ فِي طَرِيقِي حَتَّى ذَهَبْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَرَأْسِي مَشْغُولٌ بِما مَرَّ بِي مِنْ أَحْداثٍ.

وَعَلِمْتُ مُصادَفَةً فِيما بَعْدُ أَنَّ صاحِبَ السَّلَّةِ عَثَرَ عَلَيْها فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَعْرِفَ سِرَّ انْتِقالِها مِنْ ساحَةِ الْمِهْرَجانِ، إِلَى هَذا الْمَكَانِ.

وَقَدْ دَعاهُ ذَلِكَ أَنْ يَسْأَلَ كُلَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ كانَ مِنَ الْحاضِرِينَ فِي عِيدِ الرَّبِيعِ، وَأَخِيرًا عَرَفْتُ مَنْ هُوَ صاحِبُ السَّلَّةِ، فَقَصَصْتُ الْحِكايَةَ عَلَيْهِ؛ فاشْتَدَّ عَجَبُهُ مِنْها، وَشَكَرَنِي عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي عامَلْتُ بِها اللِّصَّيْنِ اللَّئِيمَيْنِ، وَكانَ يَحْكِي الْقِصَّةَ لِكُلِّ مَنْ يَعْرِفُهُ، وَرُبَّما كانَ يَحْكِيها لِأَحَدِ اللِّصَّيْنِ أَوْ لَهُما مَعًا، دُونَ أَنْ يَدْرِيَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِما!!

figure
«جُحا» يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ فِي أَمانٍ.

(٥) جَزاءُ الْمُعْتَدِي

رُبَّما سَأَلَنِي الْقارِئُ الْكَرِيمُ: «لِماذا أَسَأْتَ — يا «جُحا» — إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَينِ اللَّذَيْنِ حَمَلاكَ مِنَ الْمِهْرَجانِ إِلَى الْمَدِينَةِ؟»

اَلْحَقُّ أَنَّهُما أَدَّيا لِي هَذِهِ الْخِدْمَةَ، وَلٰكِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَغْفِرَ لَهُما مَقْصِدَهُما السَّيِّئَ، وَهُوَ السَّرِقَةُ، فَهُما لا يَدْرِيانِ أَنَّهُما سَرَقا إِنْسانًا مِثْلَهُما، لا خَيْرَ لَهُما فِيهِ، وَلا نَفْعَ لَهُما مِنْهُ.

وَأَنا لا أَمْقُتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مِمَّا أَمْقُتُ اللُّصُوصَ الْأَشْرَارَ، الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا عَلَى السَّلْبِ وَالنَّهْبِ، وَيَسْتَوْلُوا عَلَى أَمْوالِ النَّاسِ.

لِماذا لا يَطْلُبُونَ الرِّزْقَ بِالطَّرِيقِ الشَّرِيفِ، طَرِيقِ الْعَمَلِ وَالْجَهْدِ؟

لِماذا يَفْجَعُونَ النَّاسَ فِي أَمْوالِهِمُ الَّتِي تَعِبُوا فِي الْحُصُولِ عَلَيْها؟

لِماذا لا يُحِسُّونَ بِآلامِ النَّاسِ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْ أَمْوالِهِمْ، فَيَجِدُونَ أَنَّها قَدْ ضاعَتْ مِنْهُمْ، عَلَى يَدِ لِصٍّ غادِرٍ لَئِيمٍ، خائِنٍ أَثِيمٍ؟

فَكَّرْتُ فِي هَذا، حِينَ كانَ اللِّصَّانِ سائِرَيْنِ فِي طَرِيقِهِما إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُما فَرْحانٌ بِما يَحْمِلُ مِنْ غَنِيمَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُما يَحْلُمُ بِنَصِيبِهِ فِيها.

لِذَلِكَ أَلْقَيْتُ عَلَيْهِما هَذا الدَّرْسَ الْأَلِيمَ …

وَجَعَلْتُ كُلًّا مِنْهُما يَنالُ جَزاءَ الْمُعْتَدِي الْأَثِيمِ!

يُجاب مِمَّا في هَذِهِ الحكاية عن الأسئلة الآتية:

(س١) لِماذا أُقِيمَ المِهْرَجانُ الذي ذهب إليه «جُحا»؟
(س٢) لماذا ابْتهج «جُحا» بِحُضورِ هَذا المِهرجان؟
(س٣) ماذا فعل «جُحا»، حِين أَحَسَّ بالتَّعَبِ في جوْفِ اللَّيْلِ؟
(س٤) ماذا سمِع «جُحا»، حين أيقظتْه أصواتٌ حوْله؟
(س٥) لماذا كانت سَلَّة «جُحا» أَثْقَلَ وَزْنًا؟
(س٦) لما فرِح «جُحا» باخْتِيارِ اللِّصَّيْنِ لِلسَّلَّةِ التي هو فيها؟
(س٧) ماذا فعل «جُحا» لِكَيْ يُلْقِيَ علَى اللِّصَّيْنِ درسًا لنْ يَنْسَياه؟
(س٨) ماذا قال اللِّصُّ الأوَّلُ، حين جذَب «جُحا» خُصْلةَ شعْرِه؟
(س٩) ماذا قال اللصُّ الآخَرُ، حين جذَب «جُحا» خُصْلةَ شَعْرِه؟
(س١٠) لماذا أنزل أحدُ اللِّصَّيْنِ السَّلَّةَ إلى الأرْض؟
(س١١) لماذا سقط اللِّصُّ الأول على الأرضِ، بلا حَراك؟
(س١٢) لماذا هرَبَ اللِّصُّ الآخرُ، حين رأى زميلَه يسقُط أمامَه؟
(س١٣) ماذا فعل «جُحا» حين أمِنَ شَرَّ اللصين؟
(س١٤) كيف توصَّل «جُحا» إِلى معرفةِ صاحِبِ السَّلَّةِ؟
(س١٥) ما الذي دعا «جُحا» إِلى تأْديبِ اللِّصَّيْنِ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤