المدارس في العالم العربي

إن الجرائد ليست وحدها هي المقياس الكافي لأجل إعطاء صورة صحيحة عن درجة الرقي، بل المقياس الأكبر هو المدارس، فمدينة بيروت مثلًا وعدد سكانها نحو من ٢٠٠ ألف نسمة فيها من المدارس والجامعات ما لو قرنته بجامعات أوروبا ومدارسها لم تكن قاصرة عنها، وربما كانت زائدة عليها إذا رُوعِيَت نسبة عدد السكان، وقد كنت منذ ٢٥ سنة في مدينة نابلس التي لم يكن أهلها يزيدون على ٢٥ ألف نسمة، فبحثت عن عدد المتعلمين في هذه البلدة فكانوا ٢٠٠٠ من الأحداث في المكاتب الأميرية، وأحصينا عدد طلاب المدارس العالية في الآستانة فبلغوا مائة شاب، فإذا نظرنا إلى عدد أهالي نابلس وجدنا عدد طلاب العلم من أهلها لا يقل عما يجب أن يكون في أية بلاد راقية، وليس هذا المثال وحيدًا في بابه، بل له أمثلة كثيرة في سوريا وإن كنت لا أزال أتأسف من بقاء الأمية في البلاد إلى هذا الوقت أكثر مما كنت أظن، وذلك بغلبة البوادي والقرى المفتقرة إلى التعليم.

ولم يكن هذا كله من تقصير الحكومة وفقد إرادة العمل، وإنما للميزانية المالية العمومية دخل في نزول درجة التعليم عما يجب أن تكون. ومن الغريب أن الأمية في مصر لا تزال أكثر منها في سوريا بالرغم من أن بين القطرين بونًا شاسعًا في درجة الثروة، أما تقدم التعليم في سائر البلاد العربية فأكثر ما برز منه للعيان بمدة قصيرة هو في المملكة العراقية لا سيما بعد أن حصلت على استقلالها، فإنه في وقت قصير أُنشِئت في العراق عدة مدارس عالية؛ كدار المعلمين في بغداد والموصل، ومدرسة الطب الثانوية المركزية، وعدة مدارس ثانوية متوسطة، وعدد لا يُحصَى من المدارس الابتدائية.

وفي العراق المدارس المسماة رياض الأطفال كثيرة وهي أرقى من أمثالها في سوريا، والفضل يرجع في إتقان هذه الرياض إلى المربي العربي الكبير الأستاذ ساطع الحُصري، ثم قد بلغني أن الكتبية من القاهرة وغيرها يصدرون كل سنة مقادير جسيمة من الكتب المدرسية وغيرها إلى العراق، وأن هذا يزداد عامًا فعامًا.

أما في سوريا فجامعتها العلمية تتألف من كلية الطب وكلية الحقوق والمدرسة التجهيزية الكبرى للبنين، ومن فروعها دار المعلمين الابتدائية والعالية، ومدرسة تجهيزية أخرى للبنات وفيها دار للمعلمات أيضًا، ومدارس ابتدائية كثيرة وفي حلب مدرسة تجهيزية، ومثلها في دير الزور، ومثلها في حماة وأخرى في حمص، ولو كانت الميزانية المالية كافية لقطعت سوريا في أقصر وقت أبعد مرحلة في طريق التعليم، وهذا ما نأمل الوصول إليه في غير بعيد من الزمن ولا سيما بعد أن نالت البلاد استقلالها فإنه لا يُرجَى نهضة علمية إلا بنهضة سياسية، فهاتان توأمان دائمًا. وقد بلغني من وزير المعارف الدكتور الكيالي أنه لما ضاقت مكاتب الحكومة في هذه السنة عن استيعاب جميع الأولاد الذين يريد أهلوهم إدخالهم فيها، أوصى الوزير مديري المدارس الابتدائية بتسجيل جميع من يريد الدخول فيها، كما أوصى مديري الكتاتيب الأهلية الحرة بأن يقبلوا كل من يأتيهم على أن تؤدي إليهم الحكومة النفقات اللازمة؛ فيقظة الأمة ولا سيما بعد استقلالها الحديث غير محتاجة إلى استدلال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤