آلهة السماء على جبل أوليمبوس
هناك سلسلة جبال في الجزء الشمالي من بلاد الإغريق تفصِل بين منطقتي مقدونيا وتساليا. وعلى الطرف الشرقي من سلسلة الجبال هذه يقع جبل أوليمبوس البالغ ارتفاعه عشرة آلاف قدم، وتكسو الثلوج قمته باستمرار. ويعتقد قُدامى الإغريق أن جوبيتر حارب قوة كرونوس على هذا الجبل. ولما استقر الحكم لجوبيتر صار يعقد اجتماع بلاطه على هذا الجبل. وكان يرأس مجالس الآلهة، ويسكن قصرًا فخمًا بقربه قصور الآلهة الهامة الآخرين، كانوا يأتون إلى جوبيتر كل يوم، ويجلسون حوله في اجتماعٍ يتصف بالجدية، وأحيانًا يرقص الآلهة الصغار أمامه، ويسلُّونه بأغانيهم. كان طعامهم الأمبروسيا وشرابهم النكتار (الرحيق). وكان يفصلهم عن نظر البشر من السحب تحرس بابه الساعات.
يُعتقد أن بعض الآلهة الآخرين يقيمون في ذلك البيت السماوي، كما كان المعتقَد أن بعض الآلهة كانوا آلهة الطبيعة أو الأرض نفسها، والبعض الآخر آلهة العالم السفلي. وسنتكلم عن كل مجموعة من مجموعات الآلهة الثلاث هذه، كلٌّ بدورها.
جوبيتر وجونو وفيستا
أقام أولاد كرونوس دائمًا على جبل أوليمبوس، ولو أن رسائلهم جعلتهم يزدرون البشر.
فجوبيتر المسمى «أبو الآلهة والبشر» هو مؤسس سلالة ملكية، وحامي الحكام ومشرِّع القوانين والنظام والعدل، فخصص لكل إنسان نصيبه الأرضي من الأحزان والرخاء. كان مسلحًا بالرعد والبرق، وإذا هز درعه قامت العواصف. وكان جوبيتر إله الطقس وخصوصًا المطر، ويقبع أمامه نسر ضخم انتظارًا لأن يكون رسوله. وكرست له شجرة البلوط التي هي ملكة الأشجار. وكان البعض يعتقدون أنهم إذا أصغَوْا إلى حفيف أوراق شجرة البلُّوط استطاعوا التكهن بنوايا جوف.
كانت تجلس إلى جانب جوبيتر زوجته ورفيقته جونو. فإذا ما تكلمت بما يجول بخاطرها، أصغى إليها جوبيتر بكل احترام، وكانت تعلم كل أسراره. ومع ذلك كانت أقل منه قوة، وعليها أن تطيعه. كانت ربة الزواج وكان منظرها منظر امرأة فائقة الجمال بالغة العظمة، متوسطة العمر، ذات جبهة عريضة وعينين واسعتَيْن ساحرتَيْن، وملامح تنمُّ عن الجد والرزانة، وتدعو إلى التوقير، وتزين رأسها بتاج وخمار تسدله خلف رأسها، وكرس لها الطاووس بريشه الجميل، والكوكو بشير الربيع. وتلازمها باستمرار إيريس ربة قوس قزح. لم تكن جونو محبوبة كثيرًا، وتميل إلى الغيرة على جوبيتر، فاضطهدت معشوقاته وعاقبتهنَّ.
أما فيستا شقيقة جوبيتر فكانت ربة البيت والوطيس، وحارسة حياة الأسرة. وقد غازلها الكثيرون من الآلهة، ولكن جوبيتر قرر أنها يجب أن تظل طول حياتها بغير زواج. وكانت نارها المقدسة تتأجج فوق كل وطيس. ولما كانت كل مدينة وكل قرية عبارة عن أسرة واحدة عظيمة، كان في كل مجتمعٍ قديمٍ من المجتمعات الرومانية الإغريقية وطيسٌ عام تتراقص فيه ألسنة اللهب، لهب فيستا المقدس، وترعاه كاهناتها العذارى الفيستاويات. وإذا خرج المهاجرون لتأسيس مستوطَن جديد، أخذوا معهم جزءًا من تلك النار، واستعملوه في إشعال لهب الوطيس في بيوتهم الجديدة.
أولاد جوبيتر وجونر
كان إله الحرب مارس (أريس الإغريقي) من أهم الآلهة، وهو ابن جوبيتر وجونر. كان يفرح بالمعارك والمجازر، فيظهر في كامل عُدَّته الحربية تتأرجح فوق خوذته قُبَّرة، ويركب غالبًا جوادًا عاليًا، أو في عربته الحربية التي تجرُّها أربعة جياد تنفث النار، وترافقه الكلاب المفترسة والطيور الجارحة. وشعاره الرمح ومشعل متَّقد، ويُعرف أولاده بهذه الأسماء: الفزع والرجفة والذعر والخوف.
ومن أبناء الآلهة الملكية: فولكان السابق ذكره كإله كير الحداد، وكان يشرف على النار في شتى مظاهرها، من نار الحداد إلى البركان، وعلى الأخص النار في استعمالاتها العملية. وكان هو نفسه صانعًا ماهرًا، وحامي الصناع. وكانت جميع قصور جبل أوليمبوس من صنع يده. وكان مصنعه يقع عادةً على جزيرة بركانية، كجزيرة إثنا مثلًا، فإذا ما ثار بركان إثنا، قال السكان المجاورون: إن فولكان يعمل. وتقول أسطورة إنه حاول ذات مرة أن يتدخل في عراكٍ بين جونو وجوبيتر، فاشتد غضب جوبيتر، وأمسك به وقذفه من السماء، فظل يسقط طول النهار، وعند غروب الشمس، سقط فوق جزيرة لمنوس، فصار أعرج من ذلك الحين. وصُوِّر كرجلٍ قويٍّ ذي لحية، يمسك في يده مطرقة أو آلة أخرى. وكان يلبس قبعة بيضاوية الشكل، بينما كتفه اليمنى وذراعه اليمنى عاريتان.
ومن بنات جوبيتر وجونو: هيبي ربة الشباب، وحاملة الكأس لدى الآلهة. وفي عصورٍ لاحقة تزوجت البطل العظيم هرقل، وحل محلها في وظيفتها كحامل كأس عند الآلهة، الشاب جانيميدي، الذي خطفه نسر جوف من سهول طروادة.
أولاد جوبيتر الآخرون
كان لجوبيتر أولاد آخرون كثيرون، منح بعضهم وظائف هامة يقومون بها.
ولدت لاتونا (ليتو الإغريقية) لجوبيتر توءمين، عهد إليهما أبوهما بمهمة الشمس والقمر.
فويبوس أبولو إله الشمس، الذي صُوِّر يقود العربة الملتهبة لنور النهار خلال السماء، كما كان إله الغناء والموسيقى والتنبؤ، وكان يقود كوروس الموزيات، وهن العذارى التسع، بنات جوبيتر والتيتانة نيموزيني المشرفة على الذاكرة. وينسب إلى أبولو اختراع الناي والقيثارة. ومن القوس النارية التي يحملها، تخرج السهام الملتهبة للطاعون والوباء، ومع ذلك؛ فقد كان أيضًا رب الشفاء، ووالد إسكولابيوس أول الأطباء.
وأخته ديانا (أرتيميس الإغريقية) ربة القمر، التي تقود عربتها الفِضية عبر السماء ليلًا. وكانت كأبولو تتسلح بقوسٍ وجعبة سهام، ويُنسب موت البشر الفجائي إلى سهامها. كما كانت ربة الشفاء والصيد، وتصور غالبًا كصيادة ترافقها كلاب الصيد، وإلى جانبها رأس خنزير بري. كما تصور أحيانًا في عربتها التي تجرُّها أربعة خيول ذوات قرون ذهبية. وكانت حامية العفة لدى النساء، وكربة للقمر، كانت تظهر مرتدية ثوبًا يصل إلى قدميها، وخمارًا أبيض على رأسها، ويرتفع فوق جبينها هلال.
كانت ديوني ابنة أوقيانوس وتيثيس، وهما من التيتان الذين سبقوا نبتيون في حكم المحيط. ولدت لزوس ربة الجمال فينوس (أفروديتي الإغريقية). وتقول بعض الأساطير إن فينوس ولدت زبد البحر، وأن الأمواج حملتها أولًا إلى جزيرة كينيرا؛ ولذا تسمى أحيانًا «المولودة من الزبد»، وأحيانًا أخرى «الكيثيرية» تفوَّقت في جمالها على كافة الآلهة والبشر، وزيادةً على ذلك كانت لها القدرة على أن تمنح غيرها الجمال. وكانت تملك زنارًا سحريًّا إذا منحته واحدة من الربات أو من النسوة البشريات، صارت تلك الربة أو المرأة في الحال موضوع حب ورغبة. أما زوجها فهو فولكان الأعرج، وكرس لها الريحان البري والورد، وتجر اليمام عربتها، وصورت غالبًا مع ابنها كيوبيد (إيروس الإغريقي) الذي كان يحمل سهامًا من نوعَيْن؛ سهامًا أسنتها من الرصاص، وهذه تجلب البغضاء، وسهامًا أسنتها من الذهب، وهذه تثير عاطفة الحب.
مينيرفا (بالاس أثينا الإغريقية) قال الأغارقة: إنها خرجت من رأس جوبيتر كاملة التسلُّح وكاملة النمو. وربما كانت هذه الأسطورة كناية عن المملكة التي حكمتها مينيرفا؛ لأنها كانت ربة الحكمة، كما كانت المحافظة على الولايات والحكومات، التي ترعى من يُظهر الحكمة من الحكام. وكذلك كانت حامية الفنون الجميلة. تجد متعة خاصة في النسج، وتُصوَّر عادة تحمل عصا، وتلبس درعًا تسمى أيجيس، وقد علقت على هذه الدرع رأس وحش يسمى الجورجونة. وهذه الجورجونة امرأة شعرها من الثعابين، ولها القوة على تجميد من ينظر إليها، وتحوله إلى حجر، ومثل ديانا، تشرف مينيرفا على الفتيات العذارى.
أطلس، التيتان الذي يحمل على كتفيه ثقل السماء، وله سبع بنات يسمين بلياديس، اللواتي تبعًا للأسطورة الإغريقية، نُقلن إلى السماء كنجوم تسمى كُبْراهن مايا، التي وُلد لها ولجوبيتر ابن يُسمى ميركوري (هرميس الإغريقي) الذي يتصف بخليطٍ بالغ الغرابة من الصفات، فأهم وظيفة له هي أنه رسول الآلهة. وكانوا يسمونه «ميركوري الطائر القدمين»، وحتى عندما كان طفلًا، كان له ميل إلى اللصوصية، وكان حامي اللصوص وغيرهم من الأنذال. وكرسول للآلهة صار حارس المسافرين، وكحاجب للآلهة صار رب الخطابة. وهو الذي يقود أشباح الموتى إلى العالم السفلي، وكانت جميع الملاعب تحت إدارته. وأقيمت أعمدة على طول الطرق وعند الأبواب والبوابات تحمل على قمتها رءوسَ آلهة تسمى هرميس، وصُوِّر كشاب رشيق. ومن شاراته قبعة ذات جناحين صغيرين تساعده على التخفِّي عن الأنظار، فلا يراه أحد، وعصا مجدولة بالثعابين تسمى كادوكيوس، هي شعار قوته، وصندل مجنَّح.
صغار آلهة أوليمبوس
تسيطر كل واحدة من الموزيات السابق ذكرهنَّ على ناحيةٍ معينة. فتسيطر خيو على التاريخ، وتسيطر يوتربي على الشعر الغنائي، وثاليا على الكوميديا، وميلبوميني على التراجيديا، وتربسيخوري على الرقص، وإيراتو على الشعر الغرامي، وبوليهمنيا على الشعر الديني، وأورانيا على الفلك، وكاليوبي على شعر البطولة. وأطلق الشاعر بندار عليهن اسم «التسع ذوات الشعر الفاحم»، وإليهن يصلِّي الشعراء وغيرهم؛ طلبًا للإيحاء.
خضع جوبيتر نفسه للأقدار الثلاث؛ لأن قرارهن يحكم كلًّا من الآلهة والبشر. صُوِّرن يغزلن منسوجًا ضخمًا، ويمسكن مقصَّات يقطعن بها خيط حياة الإنسان حسبما يحلو لهن. كانت كلوثو تقوم بالغزل، وتحدد لاخيسيس لكل إنسان مصيره، ويتحرك المقص القاتل في يد أتروبوس.
وكذلك أقام على جبل أوليمبوس: ديكي ربة العدل، والجراكيات الثلاث، والفصول الأربعة. كما كان أيضًا مسكن تيميسيس روح الغضب والعقاب الحقَّيْن، وفيكتوريا (نيكي الإغريقية) ربة النصر.
اعتقد الإغريق أن الآلهة كانوا يعلنون مشيئتهم للبشر في أماكن معينة، وبوسائل خاصة عن طريق الوُحِيِّ (جمع وَحْي). وأشهر هذه الوُحِي: وحي دلفي القائم على جانب جبل بارناسوس، حيث يقوم معبد لأبولو في وسطه الوحي. وبهذا المعبد شِقٌّ في الأرض تتصاعد منه أبخرة بركانية، تجلس كاهنة أو السيبول على ركيزة ثلاثية الأرجل فوق ذلك الشق. وبعد أن تستنشق الأبخرة تتكلم، فيعتبر كلامها وحيَ أبولو. كان بهذا المعبد كنوز ضخمة عبارة عن الهدايا التي قدمها من استشاروا الوحي. وهناك وحي آخر لجوبيتر في غابة أشجار البلوط في دودونا، حيث يتقدم الناس بأسئلتهم، فيجيب عليها حاكم الآلهة والبشر بحفيفِ أوراق تلك الأشجار، ويفسر الكهنة ذلك الحفيف.