سندس

وأرقام الردهة المستديرة ذات البلاط المنقوش، والإفريز الحديدي المتداخل التكوينات؛ تتوسطها مائدةٌ من الخشب على هيئة الوردة، وتتدلَّى من السقف نجفةٌ شاحبة الضوء. وإلى اليمين، مكتبُ الاستقبال. تنشغل الموظَّفة بتلقِّي المكالمات التليفونية، وإرسال البرقيَّات، وملء الأوراق ببيانات. في الامتداد طُرقة ضيقة، تفضي إلى المطابخ ودورات المياه. وإلى اليسار بارفان استُبدل بالباب، يؤدِّي إلى المطعم. ثمَّة بابٌ على اليمين فُتحت إحدى ضلفتَيه الخشبيَّتَين، في داخله طاولات، صفَّت حولها كراسي. وإلى اليسار، بار وُضعت فوقه الكئُوس والأكواب. وعلى الأرفف، زجاجاتُ الخمر تقابلها شُرفة بامتداد المكان، تطلُّ على الطريق المزدحِم بالسيارات والمارَّة.

أمضى الساعات في القراءة وتأمُّل الفراغ ومشاهدة التليفزيون في قاعة البار، ربما دخَلَ في مناقشةٍ مع إيماءةِ ترحيب، تقطعها كلماتٌ معتذَّرة لموعدٍ، أو استقبال صديق. يُسند الكرسي إلى نافذةِ الشُّرفة المطلَّة على شارع باريس؛ يتابع حركة الطريق. يحلُّ الغروب؛ فيخفُت وقْعُ الأقدام حتى يتلاشى، ويتباعد تناثُر المحالِّ المفتوحة. حتى السيارات، تقلُّ حركتها. تزحف الظُّلمة الشفيفة والصمت. أبدى الملاحظة لموظفة الاستقبال. قالت: هذه تونس القديمة، الناس يغلقون عليهم أبواب البيوت، أو ينزلون إلى الشوارع والأماكن التي تعرف السَّهر. قال له الصوت الآمر في التليفون: لا تغادر تونس حتى أتصل بك. في اليوم الثالث، أظهر التململ. بدا الصوت حاسمًا: خذْ حريتك … وسأتصل بك في الفندق.

تسلَّل إلى داخله حزن. نما وكبر، وبدا أشدَّ من أن يحتمله. شعَرَ أنَّه وحيد كما لم يكُن من قبل، ويعاني قلقًا يغيب مصدره؛ فهو يرغب في التحدُّث إلى أيِّ إنسان بما لم يحدِّد طبيعته.

افتعَلَ صداقةً مع موظفة الاستقبال. في حوالي الخامسة والأربعين. تسلَّلت الشعيرات البيضاء وراء الحنَّة الداكنة التي صبغت بها شَعرها. أحاطت غُضون خفيفةٌ بعينَيها وزاويتَي فمها. إذا ضحكتْ بدتْ أسنانها المطعَّمة بقِشرة الذَّهب. ترتدي قفطانًا تبدَّل ألوانه، تضمُّه إلى خصرها بحزامٍ من المُزدان بخيوطٍ مذهَّبة، وتعلِّق في أذنَيها قرطًا كبيرًا من الذَّهب، يُصدر — لأقلِّ حركة — صوتًا كالوسوسة. يجاوز السؤال عن المكالمة التي ينتظرها، إلى الحديث عن أسعار العُملات، وبرامج التليفزيون، وأحوال الجوِّ، والمظاهرات الصغيرة التي تهتف لفِرَق الكرة. ابتسَمَ لرؤية شُبَّان دفعوا أمامهم عنزةً صغيرة لُفَّت بعَلَم عليه كلمة: الترجي. قال شابٌّ لملاحظته المتسائلة: مشجِّعوا النادي الأفريقي، يحتفلون بفوزه على نادي الترجي!

لم تعُد المرأة تنتظر أن يبدأ الكلام؛ فهي تسأل وتنصح، وتُبدي الملاحظات: لماذا لا تذهب إلى البوسعيد … ضاحيةٌ جميلة للغاية.

هرش قفاه وهو يرنو إليها بنظرةٍ متأمِّلة: هل أستقلُّ تاكسي إلى هناك؟

هزت كتفَيها: القطار أحسن … المسافة طويلة.

ثم وهي تُزيح خصلةَ شَعرٍ من جبهتها: ليس قطارًا بالمعنى المفهوم. إنه أقرب إلى الترام.

حين أشارت بأن يستقلَّ القطار من المحطة البحرية؛ تصوَّر أنها تقع في داخل الميناء أو في مدخله، لكنَّها بدتْ كالبناية الأثرية بأسقُفها ونوافذها المنزوعة المصاريع وبابها الذي يحدُّه عمودان مرتفعان، وباختلاط اللونَين الأبيض والأزرق، في المثلث المُفضي من جانبَيه إلى طريقَين تشقُّهما قُضبان القطار.

اختار طرَف كرسيٍّ بين ثلاثة ركَّاب؛ إلى جواره رجُلٌ في حوالي الخامسة والثلاثين، دسَّ رأسه في جريدةٍ انشغَلَ بقراءتها. وفي الكرسيِّ المقابِل، فتاةٌ في حوالي العشرين، وشيخٌ تقدَّمتْ به السنُّ؛ فيصعب تحديد عمره. لاحَظَ أنَّ الفتاة تُسند رأسها إلى جوار النافذة وتغمض عينَيها، كأنَّها تستدعي النوم. أمَّا العجوز فقد انصرف إلى كلماتٍ هامسة، كمَن يتلو آياتٍ من القرآن، أو أدعية.

عبَر القطار الكثيرَ من الكباري والأنفاق. وثمَّة الجبال البعيدة، وأشجار الزيتون، ومساحات الخضرة على الجانب المقابل، والبنايات الصغيرة المتناثرة، يتناسَقُ فيها اللونان: الأبيضُ والأزرق. والأُفُق الذي تغيب ملامحه. توقَّف القطار في أكثر من محطة. أعاد — بينه وبين نفسه — قراءة أسماء المحطات؛ يحاول النطق الصحيح. بناية صغيرة، لها بابٌ واسع يُفضي إلى الطريق، ونوافذ مغلَقة، فيما عدا نافذةً واحدة لقطْعِ التَّذاكِر.

تنبَّه إلى نقرات المطر على زجاج النافذة.

– بدأت الدنيا تشتي.

قال العجوز في صوتٍ أقرب إلى تهشُّم الزجاج: الجو شتاء بالفعل.

استراح إلى الطِّيبة في ملامحه. جسمه قصير مدكوك، شاربه الكثُّ المهوَّش يغطي شفته العليا وجانبَي فمه. يعاني ارتعاشةً خفيفة في يده اليسرى. أرخى على كتفَيه تلفيحةً ثقيلة.

– أقصد …

وحرَّك أصابعه دلالةَ سقوط المطر.

قال العجوز: أهلًا «أبو إسكندر».

واحتضنه بنظرةٍ متودِّدة: من الإسكندرية أنت؟ يقولون عن المطر: الشتا … أمضيتُ هناك أكثرَ من عشرين عامًا.

أدرك أنها تُتابع الحوار من الضحكة التي حاولتْ أن تُداريها براحتها. تناسُق تكوينها الجسدي؛ يقلِّل من الإحساس بضآلة حجمها. عيناها واسعتان يزيد من عُمقهما ظِلال أهدابها. ترتدي بنطلونًا أسود، وسُترةً بيضاء من الصُّوف، وحذاء كوتشي. عقصتْ شَعرها الطويل على شكلِ ذيل حصان، بشريطةٍ بيضاءَ رقيقة. تدلَّت على صدرها سلسلةٌ ذهبية تنتهي بساعة من الذهب، وضمَّت على فخذَيها حقيبةً من القماش.

انسحب الضوء من العربة، عندما دخلتْ نفقًا طويلًا. حلَّ صمتٌ مفاجئ، والْتفَّت الملامح بظُلمةٍ شاحبة، الْتقط وميضُ نظراتها تُحيط ارتباكه بعينَين مشفقتَين.

نزل العجوز والرجل إلى جواره في المحطة التالية. خمَّن اقتراب المحطة النهاية؛ من خلو العربة إلا من بضعة ركَّاب متناثرين.

تمنَّى لو أنَّها من البوسعيد. يسألها عن الضاحية؛ فتَدُلَّه. يُظهر جهلَه؛ فتَعرض مرافقته.

وضع في عينَيه تصنُّعًا بالمسكنة: هل البوسعيد بعيدة؟

دون أن تقابل نظرته: آخرُ محطَّة.

مدفوعًا بما لا قِبَل له على مغالبته: هل هي بعيدة؟

– سأنزل قبلها بمحطة.

لاحظَت ارتباكه، فزمَّت شفتَيها باسمةً: يسرُّني أن أكون دليلك في البوسعيد.

أحسَّ بالندم وهو يقول: قلتِ إنَّ محطتكِ تسبق البوسعيد.

استعاد الأمل في قولها: لا بأس! … أعود قبل أن يأتي المساء.

وهو يحمل الحقيبةَ عنها، ويتبعها في النزول: اسمي مدحت … مدحت الخياط.

– مصري؟

أومأ برأسه: أنتظر مكالمةً لأداء مهمَّة … أعود بعدها إلى القاهرة.

– أنا سُندس … من صفاقس … طالبةٌ في معهدٍ بالقُرب من سيدي البو…

أعاد نطق الاسم: البو؟

ابتسمتْ: البوسعيد.

البيوت مساحاتٌ من اللون الأبيض، ملامحها الأبوابُ والنوافذ الخضراء. الأبواب خشبيةٌ كبيرة مُزدانة برُءُوس المسامير في هيئة تكويناتٍ وتقاطعات، أو غُطيتْ واجهاتها بصفائح النحاس المنقوش. الأرض من البلاط الصغير، أو قِطَع البازلت. الشُّرفات من الحديد المنقوش، تحدُّها أُصُص النباتات من كلِّ الجوانب. السلالم الحجرية، تختلط في انحناءات وصعود وهبوط. المقاهي متناثرة في الطريق، وفي الطوابق الأُولى، في أسفل مياه البحر إلى الأفق. والقوارب لملمتْ أشرعتها، واصطفَّت أمام المرسى.

افترَّ فمها عن ابتسامة: اخترتُ أن تكون محطة القطار هي آخر تجوُّلنا؛ لأعود إلى بيت الطالبات قبل المساء.

أردفتْ لتقضي على محاولته في أن يُقنعها بالبقاء: إذا تأخرتُ عن موعدي؛ أبلَغَ البيتُ المعهدَ وأبلَغَ المعهدُ أبي.

قال في تأثُّر: سأعود إلى سجن الفندق.

وران على صوته تخاذُل: أشكركِ على الحُلم الجميل.

زمَّت شفتيها باسمةً وهي تُلاحظ ارتباكه: ربما أُمضي أيامًا عند خالتي في تونس.

ومَضَت في عينَيه بارقةُ أمَلٍ: هذه فرصةٌ لنُزهةٍ مماثلة.

استدرَكَ في نبرةٍ متوسِّلة: لو أردتِ.

وهي تُداري ابتسامتها بقبضة اليد: أين تُقيم؟

– فندق الماجستيك في شارع باريس.

أعطني رقم التليفون … إذا زُرت خالتي سأتصل بك.

•••

نزل قبل دقيقتَين من الموعد. أقبلَتْ في العاشرة تمامًا من الشارع الجانبي المواجِه للفندق. ترتدي بنطلونًا أسود، فوقه بلوزة حمراء. شدَّت خصرها بحزامٍ عريض من الجِلد، تتوسطه توكةٌ على هيئة وردة، ودسَّت قدمَيها في حذاءٍ ذي رقبةٍ قصيرة.

غالَبَ انفعاله: هل أطلُب تاكسيًا؟

في لهجةٍ مشفقة: وأين أقدامنا؟

ثم وهي تميل ناحيةَ الطريق: النُّزهة لا تصلُح بالسيارة.

سبقتْه بخطواتها الصغيرة السريعة، في امتداد الشارع. أبطأتْ خطوات التأمُّل في شارع الحبيب بورقيبة. نُزل تونس والكاتدرائية والمصارف ومحالُّ الملابس والأشجار العالية المتشابكة على الجزيرة المُزدحِمة بالأكشاك والواقفين.

قلب الميداليات والألعاب الصغيرة في الكشك على ناصية الشارع. قالت وهي تربت يده: هذه أشياءُ تافهة … وغالية.

مضيا إلى شارع في المُواجَهة أشبَهَ بالأسواق الضيِّقة المتشابكة، الموازية لشارع الميدان. مسقوفة، مزدحمة، تعبق بروائح البخور والعطور والبهارات والشواء. أصداء عبارات البيع والشراء تتردد في الأسقف العالية والجدران المتقاربة.

خمَّن أنها تُشفق على أحواله المادية حين رفضتْ دخولَ مطعم الشِّواء المطلِّ على جامع الزيتونة: السندوتشات تُتيح لنا مواصلةَ الجولة دون توقُّف.

– وإذا حلَّ علينا التعب.

– المقاهي كثيرة … والشاي التونسي باهٍ!

ألحَّ، فتنازلتْ عن إصرارها، اكتفتْ بطبق «كُسْكُس» في مطعمِ قرطاج. صعدا إليه في الشارع الموصِّل بين شارعَي باريس والحبيب بورقيبة.

البابان المفتوحان المتقابلان في مقهى الشواشية؛ يعلو أوسطَهما قبو. الضوء المنبعِث من فتحتَين أعلى السقف. الأرض من البلاط الملوَّن. والحوائط مزدانة بالموزاييك والفسيفساء. على الجدران صورٌ لمشاهد من تونس القديمة والحديثة، المقاعد من الأرابيسك، وثمَّة رائحةُ بخور تتضوَّع من مكانٍ قريب.

جلسا على الكنبة المستطيلة لصقَ الجدار. القبو يُفضي — من ناحية — إلى شارع الشواشية. ومن ناحية إلى نهج القصبة.

وهو يقلِّب كوبَ الشاي: بدلًا من بيت خالتك … لماذا لا تقيمين في الفندق؟

أدرك سخافة العرض في ارتجافة شفتَيها. تمنَّى لو أنَّ فمه ظلَّ مغلقًا. أردف ليقضي على سوءِ ظنِّها: كما أرى معظم حجرات الفندق خالية، وأسعاره مقبولة.

انتزعت ضحكة: عند خالتي … لا أمدُّ يدي في كيس النقود.

أعاد قراءةَ اللافتة الصغيرة على المبنى ذي الطِّراز الإسلامي: زاوية سيدي ابن عروس. ثم مضيا إلى ساحة القصبة، ومنها إلى باب البحر.

أشارتْ إلى التِّرام الذي أنزل سُلَّمه. جلَسَ إلى جوارها في العربة الخالية: إلى أين؟

– نحن نتنزَّه.

أبطأ السير في أسواق جامع الزيتونة والعطَّارين والشواشية؛ الأرض مرصوفةٌ بمستطيلاتِ البازلت الصغيرة. المحالُّ ملأى بالأدوات الكهربائية والساعات وعدسات التصوير وأطباق الصيني وأواني النحاس والذَّهب والفضَّة والحجارة الكريمة والأقمشة والأزياء التونسية والسجاجيد والعِطارة والحنَّاء والشمع والصندل والمكسَّرات. فاصلتْ بائع الملابس بدلًا منه في السوق المركزي، وتأمَّلا الصُّحف المنشورة في الكُشك المجاور للكاتدرائية. وقالت موظَّفة الاستقبال: وصلت مكالمةُ القاهرة بعد خروجك بنصف ساعة؛ طلب الصوت أن تبلِّغهم بتحرُّكاتك. ووقفتْ إلى جانب الحقائب البلاستيك لصقَ الجدار، حتى صلَّى الظُّهر في جامع الزيتونة، ولمَحَ ابتسامتها وهو يعدُّ القِباب السبع لزاويةِ سيدي محرز. وراقبتْ تقليبه في فهارس المكتبة الوطنية. وأهمل البائعُ في سوق الشواشية تأمُّلَها الضاحك له وهو يضع الشاشية الحمراء فوق رأسه. وفاجأهما الخروجُ المفاجئ لطلبة معهد بورقيبة بنهج سيف الدولة. لاذا بالباب المغلق لمكتبة ديجول على ناصية الطريق. حدَّثتْه عن حنينها — في بيت الطالبات — إلى أبوَيها وثلاثة أخْوَة يَكبُرونها. وحدَّثها عن توالي الأيام بلا عمل، منذ تخرُّجه حتى استقلَّ الطائرة ينتظر الأوامر في الماجستيك. قال الرجل ذو النظَّارة الطبيَّة في لهجةٍ محمَّلة بالهدوء والحسم: الأوامر هنا لتنفَّذ، لا لتُناقش! تلاحقَت الأوامر؛ لا يسأل، ولا يناقش. حتى تسلَّم جواز السَّفر مطويًّا على التأشيرة وتذكرة الطائرة. تلامستْ أيديهما فوق المنضدة المستطيلة، فسحبت يدَهَا. ثمَّة شيء لا يتبينه، يتولَّد داخل نفسه. تتشكَّل ملامحه وإن بدا غامضًا. لم يناقش الأمر. وما إنها وجدتْ في وحدته ما يدعوها إلى تجربةٍ بلا صدًى، أو أنها أشفقتْ على ظروفه المحيِّرة.

فضَّلَ أن تُوارِب البابَ بيدها، أو يظلَّ مغلقًا حتى لا يتكلَّم، أو يتصرَّف بما يُعيده إلى تواصُل انتظار الأوامر في الفندق.

•••

لحِقَه صوتُ موظفة الاستقبال وهو يهمُّ بركوب المصعد: نسيت المفتاح معك.

أومأ بلهجةٍ مُعتذِرة: هذا صحيح.

– لم تعُد تسأل عن مكالمة القاهرة.

فتَّش عن إجابة، ثم سكت.

هزَّ رأسه مُحيِّيًا، وهو يدخل المصعد.

•••

أشار بنظرةٍ إلى الحقيبة القماش المُدلَّاة على كتفها. كانت ترتدي البنطلون الأسود، والبلوزة البيضاء، والحذاء الكوتشي: هذا المساء … أعود إلى بيت الطالبات.

علا صوته في اصطدامه بزحام المارَّة: لماذا؟

في نبرةٍ مُحايدة: لا بدَّ أن أعود إلى المعهد.

وهو يُسلم عينَيه إلى شرود: لا بد أن أعود إلى القاهرة أنا أيضًا.

واجهته بنظرة متسائلة: هل تلقَّيتَ المكالمة التي تنتظرها؟

– لا.

– كيف تسافر إذَن؟

زفر في ضِيق: سئمتُ تلقِّي الأوامر.

ثم بصوتٍ هامس: ربما ظَلِلتُ في تونس لو أنَّكِ لم تعودي إلى المعهد.

– أعتزُّ بصداقتك … لكنَّ إجازتي انتهت.

وومضت على شفتَيها ابتسامةٌ مترفِّقة: أدرس في المعهد، وليس عند خالتي.

همَّ بأن يتكلَّم، يلحُّ؛ فتطيل إقامتها. لكنَّه أدرَكَ من نظرتها الصامتة أنَّ الكلمات لن تُعني شيئًا. مجرَّد ثرثرةٍ لن تغيِّر ما أزمعتْ فعله. لاك في فمه كلماتٍ لم ينطقها. تراجع بعفوية، ومدَّ يده. استبقى أصابعها — لحظات — في يده، ثم مال من نهج سيف الدولة في طريقه إلى الفندق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤