غَزَالَةُ الْوَادِي

(١) أَرْضُ الْغِزْلَانِ

أَحْكِي لكُمْ يا إِخْوانِ، حِكَايَةَ الْغِزْلَانِ، وَما جَرَى مِنْ زَمانٍ.

هُناكَ أَرْضٌ واسِعَةٌ خَضْرَاءُ، عامِرَةٌ بالْأَشْجَارِ، كَأنَّها بُسْتانٌ.

كانَتْ تَمْرَحُ فِيها جَماعَةٌ مِنَ الْغِزْلَانِ، فِي سَلامٍ وَأَمانٍ.

بَقِيَتِ الْغِزْلانُ فِي هذِهِ الْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ، وَهِيَ هانِئَةٌ سَعِيدَةٌ.

جَماعَةُ الْغِزْلانِ نَعِمَتْ بِعِيشَةٍ كَريمَةٍ عَظِيمَةٍ، فِي هُدُوءٍ وَاسْتِقْرَارٍ.

لا هِيَ خائفَةٌ منْ أَحَدٍ، وَلا هِيَ مُحْتاجَةٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَحَدٍ.

كانَتِ الْأَرْضُ مَدِيدَةً عَرِيضَةً، تَغْدُو فِيها الْغِزْلَانُ فِي انْطِلاقٍ.

الْمَسافَةُ الَّتي بَيْنَها وَبَيْنَ بِلادِ النَّاسِ مَسافَةٌ لَيْسَتْ بِالْقَصِيرَةِ.

الْحَيَواناتُ الَّتي تَعْتَدِي عَلَى غَيْرِها لَمْ تَعْرِفْ هذِهِ الْأَرْضَ.

لَمْ تَصِلْ إِلَيْها أَقْدامُ تِلْكَ الْحَيَواناتِ، مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ.

كانَ وادِي الْغِزْلانِ مَحُوطًا بِأَشْجارٍ كَبِيرَةٍ، أَغْصَانُها كَثِيرَةٌ.

خَفِيَ الْوَادِي عَنِ الْعُيُونِ، بِهذِهِ الْأَشْجَارِ الْعَالِيَةِ، كأنَّها حِيطَانُ.

عَلَى مَرِّ الزَّمانِ ظَلَّ وادِي الْغِزْلانِ فِي أَمْنٍ وَاطْمِئْنَانٍ.

فِيهِ أَقامَ الْغِزْلانُ السُّكَّانُ، وَهُمْ لا يَخْشَوْنَ الْأَذَى وَالْعُدْوَانَ.

الْغِزْلَانُ كانَتْ تَجِدُ فِي هَذا الْوَادِي الْخَصِيبِ كُلَّ ما تَحْتاجُ إِلَيْهِ.

تَأْكُل مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، وَما تُثْمِرُهُ الْأَشْجَارُ إِذا جاعَتْ.

تَشْرَبُ مِنَ الْمِياهِ الصَّافِيَةِ الْجارِيَةِ فِي الْجَدَاوِلِ، كُلَّما عَطِشَتْ.

الْأَرْضُ أَمامَ أَنْظارِ الْغِزْلانِ رَحِيبَةٌ، تَلْهو فِيها وَتَلْعَبُ، مَتَى شَاءَتْ.

(٢) الْوَطَنُ الْوَحِيدُ

اَلْحَقِيقَةُ أَنَّ الْغِزْلَانَ كانَتْ تَحْيَا فِي أَرْضِها الْخِصْبَةِ الطَّيِّبَةِ، كَأَنَّها تُقِيمُ فِي أَرْجاءِ بُسْتانٍ كَبِيرٍ، تَغْمُرُهُ الْأَشْجَارُ، وَتَشُقُّهُ الْجَداوِلُ.

فِيهِ: الطَّعامُ الْمُشْبِعُ، وَالْماءُ الْعَذْبُ، وَالْخُضْرَةُ الْجَمِيلَةُ، وَالْهَواءُ الْمُنْعِشُ.

كُلُّنا نَعْرِفُ أَنَّ الْغَزالَ لَا يُحِبُّ السُّكُونَ، وَلا يَكادُ يَسْتَقِرُّ.

إِنَّهُ دَائِمًا نَشِيطٌ، سَرِيعُ الْحَرَكَةِ، قَادِرٌ عَلَى الْجَرْي وَالنَّطِّ.

لا يَكادُ يُجَارِيهِ إِنْسَانٌ، أَوَ يُسابِقُهُ حَيَوانٌ، فِي أَيِّ مَكانٍ!

كانَتْ غِزْلانُ الْوادِي الْبَهِيجِ فَرْحانَةً، مَبْسُوطَةً كُلَّ الِانْبِسَاطِ.

تَتَسابَقُ: تَطْلُعُ إِلَى الْأَمَاكِنِ الْعالِيَةِ، وَتَنْزِلُ إِلَى الْأَماكِنِ الْوَاطِيَةِ.

عاشَتِ الْغِزْلانُ فِي وادِيها الرَّحِيبِ الْأَمِينِ، فِي حُبٍّ وَصَفاءٍ وَهَناءٍ.

كُلُّ غَزالٍ مِنَ الْغِزْلانِ يَوَدُّ إِخْوانَهُ، وَكُلُّ ظَبْيَةٍ تُصَافِي أَخَواتِها.

اَلْغِزْلانُ والظِّباءُ يَتَعاوَنُ بَعْضُها مَعَ بَعْضٍ، فِي جِدٍّ وَإِخْلاصٍ.

لا شَيْءَ — فِي وَطَنِها الْعزِيزِ الْغالِي — يُعَكِّرُ عَلَيْها صَفْوَ حَياتِها.

اَلْغِزْلانُ تَمْرَحُ فِي وَطَنِها طُولًا وَعَرْضًا، تَحْسَبُ أَنَّهُ هُوَ: كُلُّ الدُّنْيا.

تَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ هُناكَ مَخْلُوقاتٌ سِواها، وَلا أَرْضٌ غَيْرَ أَرْضِها.

مَرَّتْ سَنَواتٌ عَلَى الْغِزْلانِ، ثُمَّ حَصَلَ ما لَمْ يكُنْ فِي الْحِسْبَانِ.

لَمْ تُقَدِّرْ جَماعَةُ الْغِزْلانِ أَنَّ ذلِكَ يَحْدُثُ فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمانِ.

اَلَّذي حَدَثَ: طارِئٌ غَرِيبٌ طَرَأَ عَلَى هذا الْوادِي الْخَصِيبِ.

هذا الطَّارِئُ جَعَلَ الْغِزْلانَ مُتَحَيِّرةً، لا تَعْرِفُ: ماذا تَفْعَلُ؟!

(٣) الصَّوْتُ الْغَرِيبُ

هذا الطَّارِئُ الَّذِي فاجَأَ أَرْضَ الْغِزْلانِ وَحَيَّرَها صَوْتٌ غَرِيبٌ.

إنَّهُ صَوْتٌ شَدِيدٌ، كَصَوْتِ الرُّعُودِ، مَلَأَ الْأَجْوَاءَ، وَعَلَا إِلَى السَّماءِ.

صَوْتٌ مُخِيفٌ، يَصُكُّ الْآذانَ، لا يَطْمَئِنُّ مَعَهُ إِنْسانٌ وَلا حَيَوانٌ.

فِيما بَيْنَ وَقْتٍ وَوَقْتٍ كانَ ذَلِك الصَّوْتُ الْمُزْعِجُ يَرْتَفِعُ؛ فَتَفْزَعُ الْغِزْلَانُ، وَيَدُورُ بَعْضُها ناحِيَةَ الْيَمِينِ، وَبَعْضُهَا ناحِيَةَ الشِّمالِ.

إنَّها فِي أَشَدِّ الْحَيْرَةِ وَالِاضْطِرابِ، أَنْظارُهَا تَبِصُّ هُنا وَهُنَالِكَ!

كانَ يُخَيَّلُ لِلْغِزْلانِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّماءِ، يُرْسِلُ هذا الصَّوْتَ الْمُخِيفَ حَتَّى غُصُونُ الْأَشْجَارِ، وَمِياهُ الْأَنْهَارِ!

إنَّهُ صَوْتٌ عَجِيبٌ يَنْطَلِقُ فِي أَرْجاءِ الْفَضاءِ، فَيَهُزُّ كُلَّ الْأَشْياءِ.

أَصْواتُ الْغِزْلانِ رَفِيقَةٌ هَيِّنَةٌ، لا تَأْلَفُ الْفَرْقَعَةَ الصَّاخِبَةَ الْعَنِيفَةَ.

كانَ لا بُدَّ لِجَماعَةِ الْغِزْلانِ، أَنْ تَهْتَمَّ بِهذا الْأَمْرِ فَلا تَسْكُتَ، وَلا تَكْتَفِيَ بِأَنْ تَخْتَفِيَ بَيْنَ الْأَشْجارِ، أَوْ تَخْتَبِئَ وَراءَ الْأَحْجارِ، وَكَأَنَّها لا تَسْمَعُ ذلِكَ الصَّوْتَ الطَّارِئَ الَّذِي لا تَعْرِفُ مَصْدَرَهُ.

وَأَخِيرًا اجْتَمَعَ بَعْضُ الْغِزْلَانِ إلَى بَعْضٍ، مَهْمُومَةً غايَةَ الْهَمِّ؛ غَزالٌ يَنْظُرُ هُناكَ، وَظَبْيَةٌ مُطَأْطِئَةُ الرَّأْسِ، وَأُخْرَى تُحَدِّثُ أُخْتَها. الْجَماعَةُ كُلُّها قَلِقَةٌ مُضْطَرِبَةٌ، مَشْغُولَةٌ بالتَّفْكِيرِ فِي ذلِكَ الْحادِثِ.

اشْتَدَّ تَساؤُلُ الْغِزْلَانِ، دُونَ أنْ تَعْرِفَ لِتَسَاؤُلِها مِنْ جَوَابٍ: لِمَنِ الصَّوْتُ يا تُرَى؟ ماذا يُرِيدُ؟ هَلْ هُوَ صَوْتٌ لِخَيْرٍ أوْ لِشَرٍّ؟

(٤) مَطْلَبُ الْأَسَدِ

فَجْأَةً ارْتَفَعَ صِياحُ غَزالٍ كَبِيرِ السِّنِّ، يَقُولُ لِجَماعَةِ الْغِزْلانِ: «لَقَدْ كَشَفْتُ السِّرَّ. هذا صَوْتُ الْأَسَدِ: مَلِكِ وُحُوشِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. سَمِعْتُ مِنَ الْجُدُودِ: أَلَّا نَجاةَ مِنْهُ، إِلَّا بِالْخُضُوعِ لَهُ، وَإِنْفَاذِ مَطْلَبِهِ.»

سَأَلَتْ جَماعَةُ الْغِزْلانِ الْغَزَالَ المُسِنَّ: «ماذا يَطْلُبُ هذا الْأَسَدُ مِنَّا؟»

أَجابَ الْغَزَالُ الْمُسِنُّ: «حَضَرَ الْأَسَدُ وَزأَرَ، لِأَنَّهُ جائِعٌ يَطْلُبُ الطَّعامَ.»

سَأَلَتِ الْغِزْلانُ: «ما حَقُّهُ فِي إِلْزامِنَا بِأَنْ نُقَدِّم لَهُ مَطْلَبَهُ الْعَزيزَ؟»

أَجابَ الْغَزَالُ الْمُسِنُّ: «لا خِيارَ لَنا. الْقَوِيُّ يَفْرِضُ إِرَادَتَهُ عَلَى الضَّعِيفِ؛ فَإِمِّا أَجَبْنَا الْأَسَدَ فِي طاعَةٍ، وَإمَّا هَجَمَ عَلَيْنا يَفْتَرِسُنَا بِلا رَحْمَةٍ.»

سَألَتِ الْغِزْلَانُ: «ما تَدْبِيرُكَ، وَأَنْتَ أنْضَجُنَا عَقْلًا، وَأَكْثَرُنا خِبْرَةً؟»

أجابَ الْغَزالُ الْمُسِنُّ: «نُقَدِّمُ لِلْأَسَدِ أَحَدَنا فِدْيَةً لِكَيْ يُشِبعَ جُوعَهُ. وَكُلَّما عادَ إِلَيْنا جائِعًا يَزْأرُ قَدَّمْنا إِلَيْه مِنَّا فِدْيَةً أُخْرَى. إذا لَمْ نَفْعَلْ ذَلك لَمْ نَسْلَمْ مِنْ بَطْشِ الْأَسَدِ وَعُدْوَانِهِ.»

بَعْدَ طُولِ تَفْكيرٍ رَضِيَتِ الْجَماعَةُ بِما نَصَحَ بِهِ الْغَزالُ الْمُسِنُّ.

تَمَّ الِاتِّفاقُ عَلَى إِجْراءِ قُرْعَةٍ بَيْنَ الْغِزْلانِ وَالظِّبَاءِ لِتَقْدِيمِ الْفِدْيَةِ.

مَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ النَّوْبَةُ يَبْذُلُ نَفْسَهُ — طَوْعًا — دُونَ مُعارَضَةٍ.

ذَهَبَ الْغَزالُ الْمُسِنُّ إِلَى الْأَسَدِ، فَلَمَّا رَآهُ الْأَسَدُ زَأَرَ غَاضِبًا: «لِماذا أَرْسَلُوكَ؟ أنْتَ هَزِيلٌ، لا تُسْمِنُ وَلا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ!»

أَخْبَرَهُ الْغَزالُ الْمُسِنُّ بِالِاتِّفاقِ، فَرَضِيَ بِه، وَانْتَظَرَ التَّنْفِيذَ.

(٥) الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْغِزْلانِ

حَرَصَتِ الْغِزْلَانُ عَلَى إِجْراءِ الْقُرْعَةِ بَيْنَها كُلَّما زَأَرَ الْأَسَدُ.

مَن تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ فِداءً لِجَماعَةِ الْغِزْلانِ.

الْغَزالُ الْمُسِنُّ يَذْهَبُ بِهِ، وَيُقَدِّمُهُ إِلَى الْأَسَدِ، حَسَبَ الِاتِّفاقِ.

الْأَسَدُ كانَ يُرَحِّبُ بِقُدُومِ الْغَزالِ الْمُسِنِّ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ الْفِدْيَةُ.

كانَ يَقُولُ: «أَنا راضٍ عَنْكُمْ أَيُّها الْغِزْلانُ، ما دُمْتُمْ عِنْدَ الْوَعْدِ. أَنْتُمْ تَكْفُلُونَ لِي أَنْ أَجِدَ طَعامِي كُلَّمَا جُعْتُ، دُونَ عُدْوانٍ. أَرْضُكُمْ سَتَظَلُّ فِي حِمَايَتي، لا أَسْمَحُ بِمُهاجَمَتِها لِكائِنٍ كانَ.»

الْغَزَالُ الْمُسِنُّ يَقُولُ: «الْغِزْلانُ تَأْمُلُ الْعَيْشَ فِي سَلامٍ وَأَمَانٍ. لا تَسْتَطِيعُ جَماعَةُ الْغِزْلانِ، إلَّا أَنْ تُقَابِلَ طَلَبَكَ بِالِاسْتِسْلَامِ وَالْإِذْعانِ. غايةُ ما تَمْلِكُهُ: هُوَ أَنْ تُجْرِيَ الْقُرْعَةَ بَيْنَهَا، لِتُوَافِيَكَ بِمَطْلَبِكَ.»

قالَ الْأَسَدُ مُتَعَجِّبًا: «هَلْ يَعْتَرِضُ غَزالٌ حِينَ تَقَعُ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ؟»

أَجابَ الْغَزالُ: «الْقُرْعَةُ نَصِيبٌ مَفْرُوضٌ، لا يَظْلِمُ، وَلا يُحَابِي.»

قال الْأَسَدُ: «لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِداءً لِغَيْرِهِ! الْحَياةُ عَزِيزَةٌ غالِيَةٌ، لا يُفَرِّطُ فِيها أَحَدٌ أَبَدًا، إلَّا بِالْإِكْرَاهِ.»

أَجابَ الْغَزالُ: «الْجَماعَةُ أَعْمَلَتْ عَقْلَها وَفِكْرَها لِتُوَاجِهَ ما طَلَبْتَ.»

كانَتِ الْغِزْلانُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: الرِّضا بِالنَّصِيبِ، أَوِ التَّعَرُّضِ لِلْهَلاكِ.

قالَ الْأَسَدُ: «الْغِزْلانُ جَماعَةٌ طَيِّبَةٌ مُتَعاوِنَةٌ، يَفْدِي بَعْضها بَعْضًا. ما كُنْتُ أُحِبُّ النَّيْلَ مِنْها، وَلكِنْ ماذا أصْنَعُ، وَهِيَ طَعامِي الْمَيسُورُ؟»

(٦) بَعْدَ الصَّبْرِ

اسْتَمَرَّتِ الْغِزْلانُ بَعْضَ الْوَقْتِ، وَهِيَ تُنَفِّذُ وَعْدَها لِذلِكَ الْأَسَدِ.

كانَتْ تَشْعُرُ بِأَشَدِّ الْحُزْنِ كُلَّما وَقَفَتْ كَيْ تُوَدِّعَ وَاحِدًا مِنْها.

نَفِدَ صَبْرُها عَلَى الظُّلْمِ الْواقِعِ عَلَيْها كُلَّما جاعَ الْأَسَدُ وَزَأَرَ.

لَمْ تَكُنِ الْغِزْلانُ الَّتِي لَمْ تُصِبْها الْقُرْعَةُ تَشْعُرُ بِالسُّرُورِ لِنَجَاتِها.

كانَ بَعْضُها يَتَحَدَّثُ إِلَى بَعْضٍ وَيَسْألُ: «ماذا نَحْنُ نَنْتَظِرُ؟! ألَسْنا نَفْقِدُ — فِي كُلِّ مَرَّةٍ — أَخًا عَزِيزًا، أَوْ أُخْتًا عَزِيزَةً عَلَيْنا؟!»

دَبَّرَ أَحَدُ الْغِزْلانِ الْفِتْيانِ أَنْ تَجْتَمِعَ فِرْقَةٌ لِمُهاجَمَةِ الْأَسَدِ؛ الْفِرْقَةُ تُهاجِمُهُ وَهُوَ يَتَقَبَّلُ الْفِدْيَةَ، فَتَنْهَشُهُ وَتَطْعَنُهُ بِقُرُونِها وَأَظْلافِها.

لَمْ تَلْقَ الْفِكْرَةُ قَبُولًا لَدَى الْجَماعَةِ، لِأنَّها يَئِسَتْ مِنْ نَجاحِها.

خَشِيَتْ أَنْ يَسْتَدِيرَ الْأَسَدُ لَها، فَيَعْتَدِيَ عَلَيْها، وَيَقْضِي عَلَى حَياتِها.

بِذلِك تَفْقِدُ الْغِزْلانُ فِرْقَةً كامِلَةً، وَتُثِيرُ غَضَبَ الْأَسَدِ عَلَيْها جَمِيعًا.

قالَتْ غَزَالَةُ الْوادِي: «ضَمِنَ لَنا الْغَزَالُ الْمُسِنُّ: ألَّا يُهاجِمَنا الْأَسَدُ، لَكِنَّنا بِهذا نَجَوْنا مِنْ هَلاكٍ بِهَلاكٍ، وَهَرَبْنا مِنْ مَوْتٍ إلَى مَوْتٍ. خَطَرَتْ لِي فِكْرَةٌ خاصَّةٌ بِي، وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى إِنْفَاذِها وَحْدِي. لَقَدِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبِي لِقاءَ الْأَسَدِ، وَلَمْ يَتَيَسَّرْ ذِلكَ لِي. لا داعِيَ لِإجْراءِ الْقُرْعَةِ الْمُقْبِلَةِ. سأَذْهَبُ إِلَى الْأَسَدِ وَحْدِي مُتَطَوِّعَةً.»

قالَتْ لَها الْغِزْلانُ: «ماذا نَجْنِي مِنْ فِكْرَتِكِ الَّتي خَطَرَتْ بِبَالِكِ؟»

أجابَتْ: «لا قُوَّةَ لَنا عَلَى الْأَسَدِ، وَلكِنْ لَنا فِكْرٌ وَتَدْبِيرٌ. انْتَظِرُونِي.»

(٧) اَلْحِيلَةُ الْعَجِيبَةُ

ما سَمِعَتْ غَزالَةُ الْوادِي زَئِيرَ الْأَسَدِ الْجائِعِ حَتَّى مَضَتْ إِلَيْهِ.

كانَتْ فِي طَريقِها، تَتَلَكَّأُ مُتَعَمِّدَةً؛ تُبْطِئُ حِينًا، وَتَتَوَقَّفُ حِينًا.

لَمْ يَكُنْ إِبْطاؤُها أَوْ تَوَقُّفُها، إِلَّا لِتَنْفِيذِ الْحِيلَةِ الَّتِي دَبَّرَتْها.

قَصَدَتْ أَنْ يَتَأَخَّرَ وُصُولُهَا إِلَى مَكانِ الْأَسَدِ وَقْتًا غَيْرَ قَصِيرٍ.

تَوَقَّعَتْ غَزَالَةُ الْوادِي أَنْ يَغْضَبَ الْأَسَدُ لِشِدَّةِ جُوعِهِ وَطُولِ انْتِظَارِهِ.

وَصَلتْ أخِيرًا إِلَى الْأَسَدِ، وَأَظْهَرَتْ أَنَّها خائِفَةٌ، تَلْتَمِسُ حِمايَتَهُ.

قالَ الْأَسَدُ: «لِماذا حَضَرْتِ وَحْدَكِ؟ وَلِماذا تَأَخَّرْتِ عَنِ الْمَوْعِدِ؟»

أَجابَتْهُ: «كُنْتُ بِصُحْبَةِ الْغَزالِ الْمُسِنِّ؛ نَمْضِي إِلَيْكَ بِحَسَبِ الْمَوْعِدِ. فَجْأَةً، حَدَثَ مِنَ الْأَمْرِ ما جَعَلَ الْغَزالَ يَهْرُبُ راجِعًا إِلَى أَرْضِ الْغِزْلانِ. لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُدْرِكَهُ، فَدُرْت هُنا وَهُنالِكَ، حَتَّى حَضَرْتُ إِلَيْكَ.»

سَأَلَها الْأَسَدُ: «ما الَّذِي جَعَلَكُما تَهْرُبَانِ أيَّتُها الْغَزالَةُ اللَّطِيفَةُ؟!»

أَجابَتْهُ: «ما حَسِبْتُ أَنَّ أَسَدًا يَحُلُّ بِأَرْضِكَ يا سَيِّدَ الْأُسُودِ! الْعَجِيبُ: أَنَّ هُناكَ — عِنْدَ عَيْنِ الْماءِ — أَسَدًا حاوَلَ مُهاجَمَتَنَا! كادَ الْأَسَدُ الغَرِيبُ يَلْحَقُ بِي. وَلَوْ أَدْرَكَنِي لَحَرَمَنِي الْوُصُولَ إِلَيْكَ. كيفَ تَطَاوَلَ هذا الْأَسَدُ عَلَيْكَ، فَاسْتَهانَ بِوُجُودِكَ فِي أَرْضِكَ؟!»

غَضِبَ الْأَسَدُ أَشَدَّ الْغَضَبِ، فَزَأَرَ زَأْرَةً اهْتَزَّتْ لَها أَرْجاءُ الْوادِي.

قالَ لَها: «أَيُّ أَسَدٍ يَسْمَحُ لِنَفْسِهِ بِمُشَارَكَتِي فِي أَرْضِي؟! أَنا وَحْدِي صاحِبُ الْحَقِّ فِي الِاسْتِيلاءِ عَلَى وادِي الْغِزْلانِ.»

(٨) آخِرَةُ الظُّلْمِ

قالَتْ غَزَالَةُ الْوادِي: «أَتَتْرُكُ الْأَسَدَ يَطَأُ مَيْدانَكَ، وَيُنازِعُكَ سُلْطانَكَ؟»

أَجابَها: «لَنْ أَتْرُكَهُ، إِنِّي ذَاهِبٌ لِأَلْقاهُ، وَسَأُرِيهِ كَيْفَ يَجْتَرِئُ عَلَيَّ؟»

قالَتْ: «خُذْنِي مَعَكَ إِلَيْهِ، فَإِنِّي أَخافُ أَنْ أَبْقَى هُنا وَحْدِي.»

مَشَى الْأَسَدُ، وَمَشَتِ الْغَزَالَةُ بِجانِبِهِ، حتَّى اقْتَرَبا مِنْ عَيْنِ الْماءِ.

الْأَسَدُ صاحَ: «لا أَرَى أَمامِي شَبَحَ أَسَدٍ، وَلا أَسْمَعُ حِسَّ أَسَدٍ. ما بالُكِ — أيَّتُها الْغَزالَةُ — تُخْبِرِينَنِي بِما لَيْسَ لَهُ مِنْ وُجودٍ؟! إِيَّاكِ أَنْ تَكُونِي — بِما حَدَّثْتِنِي بِهِ — أَرَدْتِ أَنْ تَخْدَعِينِي!»

قالَتْ لَهُ الْغَزالَةُ الذَّكِيَّةُ: «كَيْفَ أَسْتَبِيحُ لِنَفْسِي أَنْ أَخْدَعَ مِثْلَكَ؟! تَقَدَّمْ بِخُطاكَ إِلَى حَرْفِ عَيْنِ الْماءِ، وَأَطِلْ نَظَراتِكَ مُدَقِّقًا فِيهِ. لا شَكَّ أَنَّ الْأَسَدَ عَرَفَ وُجُودَكَ، وَلِذلِكَ تَوارَى عَنْ عَيْنَيْكَ. ما أَظُنُّ إِلَّا أَنَّهُ حِينَ أَحَسَّ بِقُدُومِكَ غَطِسَ فِي عَيْنِ الْماءِ. أَتَكْتَفِي — يا سَيِّدِ الْأُسُودِ — بِأَنَّهُ قَدْ خافَ مِنْكَ، وَاسْتَتَرَ عَنْكَ؟ لَوْ تَرَكْتَهُ يُفْلِتْ مِنْ قَبْضَتِكَ لَسَقَطَتْ مَكانَتُكَ، وَضاعَتْ هَيْبَتُكَ.»

تَحَمَّسَ الْأَسَدُ حِينَ سَمِعَ هذا الْكَلامَ، وَمَدَّ عُنُقَهُ إِلَى عَيْنِ الْماءِ.

حَدَّقَ بِنَظَرِهِ فِي عَيْنِ الْماءِ، فَأَبْصَرَ أَسَدًا يُحَدِّقُ بِنَظَرِهِ فِيهِ.

رَأَى الْأَسَدُ خَيالَهُ مَرْسُومًا فِي الْماءِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ، فَغَرِقَ فِي الْحالِ.

نَجَحَتْ حِيلَةُ الْغَزالَةِ، فَرَجَعَتْ تُخْبِرُ الْغِزْلانَ بِالنَّجاةِ مِنَ الْأَسَدِ.

جَعَلَتِ الْغِزْلانُ تَتَغَنَّى بِقَوْلِهَا: «تِلْكَ هِيَ آخِرَةُ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ.»

يُجابُ مِمَّا في هذِهِ الحَكاية عن الأسئلة الآتية

(س١) أين كانت تُقيمُ جماعةُ الغِزلان؟
(س٢) ماذا كان يُسعِدُ الغِزلانَ في هذا المكان؟
(س٣) كيف كانت الغزلانُ تمضي يوْمَها في وطنِها؟
(س٤) ماذا كانت تظُنُّ جماعةُ الغِزلان في هذا الوطنِ؟
(س٥) لماذا انْزعجت جماعةُ الغِزلان؟
(س٦) كيف كانت حالُها؟ وماذا دار بيْنها من أفْكار؟
(س٧) ماذا دار بيْن الغزالِ المُسِنِّ وجماعةِ الغِزلان؟
(س٨) على أيِّ شيءٍ تمَّ الاتِّفاقُ بين الغِزلان؟
(س٩) ماذا دار بيْن الغزالِ المُسِنِّ والأسد، وهو يُقَدِّم له الفِدْيَة؟
(س١٠) بماذا اعْتذَر الأسدُ عن النَّيْل من الغِزلان؟
(س١١) فيم فكَّرَ أحدُ الغِزلان الفِتيان؟ ولماذا لم تَلْقَ فِكْرَتُه قَبولًا؟
(س١٢) على ماذا اعتزمتْ غزالةُ الوادي؟
(س١٣) لماذا تأخَّرت غزالةُ الوادِي في الوصول إلى الأسد؟
(س١٤) ما الذي أَغْضبَ الأسدَ؟ وماذا كان قوْلُه؟
(س١٥) ماذا صنع الأسدُ لمَّا علِم بوجودِ أسدٍ غيرِه؟
(س١٦) ماذا توهَّم الأسدُ؟ وكيف غرِق؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤