الفصل الثاني عشر

سَاكِنٌ جَدِيدٌ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ

فَتَحَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ عَيْنَيْهِ بِبُطْءٍ ثُمَّ أَغْلَقَهُمَا ثَانِيَةً بِسُرْعَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ خَائِفًا مِنَ النَّظَرِ حَوْلَهُ. وَاسْتَطَاعَ سَمَاعَ شَخْصٍ مَا يَتَكَلَّمُ، وَكَانَ الصَّوْتُ مُحَبَّبًا إِلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَصَوْتِ الْبُومَةِ هوتي الْمُرِيعِ؛ فَصَوْتُهَا كَانَ آخِرَ مَا اسْتَطَاعَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ تَذَكُّرَهُ، وَرَقَدَ داني بِلَا حِرَاكٍ لِوَهْلَةٍ وَأَرْهَفَ السَّمْعَ.

سَأَلَ الصَّوْتُ: «يَا لَلْهَوْلِ يَا داني! مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ بِحَقِّ السَّمَاءِ؟!» وَكَانَتْ عِبَارَةُ «يَا لَلْهَوْلِ» مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي يَسْتَخْدِمُهَا الْأَرْنَبُ بيتر كَثِيرًا. فَتَحَ داني عَيْنَيْهِ ثَانِيَةً. وَكَانَ هُوَ بِالْفِعْلِ الْأَرْنَبَ بيتر.

سَأَلَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ بِصَوْتٍ شَدِيدِ الضَّعْفِ وَالضَّآلَةِ: «أَيْنَ … أَيْنَ أَنَا؟»

فَأَجَابَ الْأَرْنَبُ بيتر: «مَعِي فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، لَكِنْ كَيْفَ وَصَلْتَ إِلَى هُنَا؟ بَدَا وَكَأَنَّكَ سَقَطْتَ مِنَ السَّمَاءِ.»

كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَرْتَجِفُ. وَفَجْأَةً تَذَكَّرَ كُلَّ شَيْءٍ: كَيْفَ أَمْسَكَتْ بِهِ الْبُومَةُ هوتي بِمَخَالِبِهَا الْمُدَبَّبَةِ الضَّخْمَةِ وَحَمَلَتْهُ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الْمَكْسُوَّةِ بِالْجَلِيدِ، وَكَيْفَ شَعَرَ بِمَخَالِبِ هوتي وَهِيَ تَنْزَلِقُ ثُمَّ تَمَلَّصَ وَرَفَسَ وَانْثَنَى وَتَقَلَّبَ حَتَّى تَمَزَّقَ مِعْطَفُهُ، ثُمَّ رَاحَ داني يَسْقُطُ وَيَسْقُطُ حَتَّى هَبَطَ فَوْقَ الثَّلْجِ النَّاعِمِ وَتَوَقَّفَ جَسَدُهُ الصَّغِيرُ عَنِ التَّنَفُّسِ. وَآخِرُ مَا اسْتَطَاعَ تَذَكُّرَهُ هُوَ صِيَاحُ هوتي الشَّرِسُ الْمَلِيءُ بِالْغَضَبِ وَالْإِحْبَاطِ؛ فَارْتَجَفَ داني مِنْ جَدِيدٍ.

ثُمَّ خَطَرَ لَهُ شَيْءٌ، عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَارَى عَنِ الْأَنْظَارِ! فَرُبَّمَا تُمْسِكُ بِهِ هوتي مِنْ جَدِيدٍ! فَحَاوَلَ داني أَنْ يَهُبَّ عَلَى قَدَمَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ تَأَوَّهَ: «أَوَّاهُ! آهٍ!» وَرَقَدَ ثَانِيَةً بِلَا حِرَاكٍ.

قَالَ الْأَرْنَبُ بيتر بِرِقَّةٍ: «اهْدَأْ، اهْدَأْ وَلَا تَتَحَرَّكْ يَا داني؛ فَلَا يُوجَدُ مَا تَخْشَاهُ هَا هُنَا.» وَكَانَتْ عَيْنَا بيتر الْكَبِيرَتَانِ تَفِيضَانِ بِالدُّمُوعِ حِينَ نَظَرَ إِلَى داني فَأْرِ الْمُرُوجِ؛ فَداني كَانَ كُلُّهُ إِصَابَاتٍ وَجُرُوحًا بِسَبَبِ مَخَالِبِ الْبُومَةِ هوتي الْمُدَبَّبَةِ، وَكَمَا تَعْرِفُ فَإِنَّ بيتر لَدَيْهِ قَلْبٌ رَقِيقٌ لِلْغَايَةِ.

لِذَا رَقَدَ داني بِلَا حِرَاكٍ، فِي حِينِ حَاوَلَ الْأَرْنَبُ بيتر تَوْفِيرَ الرَّاحَةِ لِداني وَتَضْمِيدَ جِرَاحِهِ، وَحَكَى لَهُ داني كُلَّ شَيْءٍ: كَيْفَ أَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يُرَاقِبَ السَّمَاءَ؛ وَلِذَا أَمْسَكَتْ بِهِ هوتي، وَكَذَا حَكَى لَهُ عَنْ رِحْلَتِهِ الْمُرِيعَةِ فِي قَبْضَةِ هوتي بِمَخَالِبِهَا الْمُدَبَّبَةِ.

وَأَنْهَى داني كَلَامَهُ قَائِلًا: «يَا إِلَهِي! مَاذَا أَفْعَلُ الْآنَ؟! كَيْفَ لِي أَنْ أَعُودَ إِلَى بَيْتِيَ الْعُشْبِيِّ الدَّافِئِ، وَأَنْفَاقِيَ الصَّغِيرَةِ الْآمِنَةِ تَحْتَ الْجَلِيدِ، وَمَخْزَنِ حُبُوبِيَ الصَّغِيرِ فِي التَّجْوِيفِ الْآمِنِ فِي عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ؟!»

بَدَا الْأَرْنَبُ بيتر مُسْتَغْرِقًا فِي التَّفْكِيرِ، ثُمَّ قَالَ: «لَا يُمْكِنُكَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ، لَا يُمْكِنُكَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَالطَّرِيقُ طَوِيلٌ أَمَامَ مَخْلُوقٍ صَغِيرٍ مِثْلِكَ، وَلَنْ يَكُونَ مِنَ الْآمِنِ لَكَ أَنْ تُحَاوِلَ؛ فَإِذَا ذَهَبْتَ فِي اللَّيْلِ فَقَدْ تُمْسِكُ بِكَ هوتي مِنْ جَدِيدٍ، وَإِذَا حَاوَلْتَ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ؛ فَبِالتَّأْكِيدِ سَوْفَ يَرَاكَ الصَّقْرُ الْعَجُوزُ مريش الساقين، وَفِي اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ قَدْ تَأْتِي الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ أَوِ الثَّعْلَبُ ريدي مُتَلَصِّصَيْنِ، وَإِنْ أَتَيَا … فَسَوْفَ يَحْرِصَانِ عَلَى الْإِمْسَاكِ بِكَ. دَعْنِي أَقْتَرِحْ عَلَيْكَ أَمْرًا؛ ابْقَ هَا هُنَا فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ فَهُوَ آمَنُ مَكَانٍ فِي الْعَالَمِ. فَقَطْ فَكِّرْ أَنَّهُ هُنَا يُمْكِنُكَ الْخُرُوجُ فِي وَضَحِ النَّهَارِ بَلْ وَالسُّخْرِيَةُ مِنَ الْجَدَّةِ ثعلبة وَالثَّعْلَبِ ريدي وَالصَّقْرِ الْعَجُوزِ مريش الساقين؛ لِأَنَّ شَجَرَ الْعُلَّيْقِ الْقَدِيمَ سَيَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ إِذَا حَاوَلُوا الْوُصُولَ إِلَيْكَ. وَيُمْكِنُكَ صُنْعُ مَا تَشَاءُ مِنَ الْأَنْفَاقِ تَحْتَ الْجَلِيدِ هُنَا بِالضَّبْطِ مِثْلَمَا صَنَعْتَ هُنَاكَ، وَهُنَا يُوجَدُ الْكَثِيرُ وَالْكَثِيرُ مِنَ الْحُبُوبِ فِي الْأَرْضِ لِتَأْكُلَهُ. أَتَدْرِي أَنَّنِي لَا أَهْتَمُّ بِأَمْرِهِمْ، وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَكُونُ مُنْعَزِلًا تَمَامًا أَعِيشُ هُنَا وَحْدِي؟ ابْقَ هُنَا وَسَوْفَ يَكُونُ الدَّغَلُ الْعَزِيزُ بَيْتًا لَنَا نَحْنُ الِاثْنَيْنِ.»

نَظَرَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ إِلَى بيتر بِامْتِنَانٍ، وَقَالَ: «سَوْفَ أَبْقَى، وَأَنَا شَاكِرٌ لَكَ إِلَى الْأَبَدِ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر.»

وَهَكَذَا حَظِيَ الدَّغَلُ الْعَزِيزُ بِسَاكِنٍ آخَرَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤