الفصل الثاني والعشرون

مَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ؟

تَعَوَّدَ داني كَثِيرًا عَلَى النَّجَاةِ بِالْكَادِ حَتَّى أَصْبَحَ لَا يُضَيِّعُ أَيَّ وَقْتٍ فِي التَّفْكِيرِ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا لَمْ يُفَكِّرْ هَذِهِ الْمَرَّةَ؛ فَداني يَقُولُ: «مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يَنْظُرَ فِي اتِّجَاهَيْنِ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَيَّ شَيْءٍ.» وَكَانَ داني يُدْرِكُ أَنَّهُ إِذَا فَكَّرَ أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ بِالْفِعْلِ، فَلَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْبَقَاءِ مُتَيَقِّظًا لِلْأُمُورِ الَّتِي قَدْ تَحْدُثُ.

وَلَمْ يَحْدُثْ أَيُّ شَيْءٍ آخَرَ حِينَ كَانَ داني يُسْرِعُ فِي مَمَرِّهِ الصَّغِيرِ السِّرِّيِّ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حَافَةِ رُقْعَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْأَعْشَابِ الْقَصِيرَةِ لِلْغَايَةِ الَّتِي لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاخْتِبَاءِ تَحْتَهَا، فِي حِينِ كَانَ عَلَيْهِ عُبُورُهَا، وَطَوَالَ هَذَا الطَّرِيقِ سَوْفَ يَكُونُ وَاضِحًا لِلْعِيَانِ أَمَامَ أَيِّ شَخْصٍ يَتَصَادَفُ وَيَكُونُ فِي الْأَرْجَاءِ. وَبِحَذَرٍ شَدِيدٍ تَلَصَّصَ وَنَظَرَ هُنَا وَهُنَاكَ، وَلَمْ يَنْسَ أَنْ يَنْظُرَ عَالِيًا فِي السَّمَاءِ. وَلَمْ يَرَ أَيَّ شَخْصٍ فِي الْمَكَانِ، وَسَحَبَ نَفَسًا عَمِيقًا، وَانْطَلَقَ داني عَبْرَ الْمَنْطِقَةِ الْمَكْشُوفَةِ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ تَحْمِلُهُ بِهَا رِجْلَاهُ الْقَصِيرَتَانِ.

فِي هَذَا الْحِينِ ظَلَّ الصَّقْرُ أحمر الذيل طَوَالَ الْوَقْتِ قَابِعًا فِي شَجَرَةٍ عَلَى الْمَدَى، وَيَجْلِسُ فِي سُكُونٍ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنَّهُ يَبْدُو كَجُزْءٍ مِنَ الشَّجَرَةِ ذَاتِهَا. وَلِهَذَا السَّبَبِ لَمْ يَرَهُ داني، فِي حِينِ رَأَى أحمر الذيل داني فِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ الَّتِي انْطَلَقَ فِيهَا عَبْرَ الْمَنْطِقَةِ الْمَكْشُوفَةِ؛ لِأَنَّ عَيْنَيْ أحمر الذيل ثَاقِبَتَانِ جِدًّا، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَرَى عَلَى مَدًى بَعِيدٍ. وَضَحِكَ ضَحْكَةً خَافِتَةً مَلِيئَةً بِالرِّضَا، وَفَرَدَ جَنَاحَيْهِ الْعَرِيضَيْنِ وَانْطَلَقَ خَلْفَ داني.

وَعِنْدَ مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى الْأَمَانِ بَيْنَ الْأَعْشَابِ الطَّوِيلَةِ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، أَلْقَى داني نَظْرَةً سَرِيعَةً مِنْ خَلْفِهِ، وَبَدَا كَمَا لَوْ كَانَ قَلْبُهُ قَفَزَ وَبَلَغَ فَاهُ؛ فَكَانَ هُنَاكَ أحمر الذيل بِمَخَالِبِهِ الْمُدَبَّبَةِ مُتَأَهِّبًا كَيْ يُمْسِكَ بِهِ! أَطْلَقَ داني صَرْخَةَ رُعْبٍ؛ حَيْثُ لَمْ يُسَاوِرْهُ شَكٌّ فِي أَنَّهُ وَفِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ كَانَ سَيَقَعُ بَيْنَ بَرَاثِنِهِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْتَوِي أَنْ يَسْتَسْلِمَ دُونَ أَنْ يُحَاوِلَ الْهُرُوبَ. وَعَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثِ قَفَزَاتٍ أَمَامَهُ ظَهَرَ شَيْءٌ مَا غَرِيبُ الْمَنْظَرِ. وَلَمْ يَدْرِ مَا هُوَ، لَكِنْ إِذَا كَانَ بِهِ فَتْحَةٌ فَلَا تَزَالُ أَمَامَهُ فُرْصَةٌ لِكَيْ يَخْدَعَ أحمر الذيل.

قَفْزَةٌ وَاحِدَةٌ! هَلْ سَيَتَمَكَّنُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ؟ قَفْزَتَانِ! هُنَاكَ فَتْحَةٌ بِهِ! ثَلَاثُ قَفَزَاتٍ! وَمَعَ انْطِلَاقِ صَرْخَةِ رُعْبٍ أُخْرَى، اخْتَفَى داني دَاخِلَ الْفَتْحَةِ فِي اللَّحْظَةِ الْحَاسِمَةِ. مَا هَذَا الَّذِي تَظُنُّ أَنَّهُ كَانَ بِدَاخِلِهِ؟ إِنَّهَا عُلْبَةُ صَلْصَةِ طَمَاطِمَ قَدِيمَةٌ كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدِ اسْتَخْدَمَهَا مِنْ قَبْلُ كَيْ يَضَعَ بِهَا الطُّعْمَ حِينَ ذَهَبَ لِلصَّيْدِ عِنْدَ الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ، وَقَدْ أَلْقَى بِهَا هُنَاكَ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ لِلْمَنْزِلِ.

صَرَخَ أحمر الذيل فِي غَضَبٍ وَإِحْبَاطٍ وَهُوَ يَضْرِبُ الْعُلْبَةَ الْقَدِيمَةَ بِمَخَالِبِهِ الْهَائِلَةِ؛ فَقَدْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ بَلْ عَلَى يَقِينٍ تَامٍّ مِنْ حُصُولِهِ عَلَى داني فَأْرِ الْمُرُوجِ هَذِهِ الْمَرَّةَ! وَحَاوَلَ أَنْ يَلْتَقِطَ الْعُلْبَةَ عَالِيًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُحْكِمَ قَبْضَتَهُ عَلَيْهَا، وَكَانَتْ تَنْزَلِقُ بَعِيدًا عَنْهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَحَاوَلَ قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ. وَأَخِيرًا، اسْتَسْلَمَ فِي اشْمِئْزَازٍ وَطَارَ عَائِدًا إِلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ رَأَى داني فِي الْبِدَايَةِ.

وَبِالطَّبْعِ، كَانَ داني فِي غَايَةِ الذُّعْرِ حِينَ انْزَلَقَتِ الْعُلْبَةُ وَحِينَ صَدَرَتْ أَصْوَاتُ مَخَالِبِ أحمر الذيل وَهُوَ يَضْرِبُ مَخْبَأَ داني الْغَرِيبَ، لَكِنَّهُ قَرَّرَ بِحِكْمَةٍ أَنَّ أَفْضَلَ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ هُوَ الْبَقَاءُ حَيْثُ هُوَ لِبَعْضِ الْوَقْتِ. وَكَانَ مَحْظُوظًا لِلْغَايَةِ فِيمَا قَامَ بِهِ، كَمَا سَوْفَ يُعْرَفُ بَعْدَ قَلِيلٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤