الفصل الثالث والعشرون

الْفُضُولُ يَسْتَبِدُّ بِالثَّعْلَبِ ريدي

جَلَسَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ فِي غَايَةِ السُّكُونِ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ دَاخِلَ عُلْبَةِ الطَّمَاطِمِ الْقَدِيمَةِ؛ حَيْثُ قَدْ وَجَدَ فِيهَا الْمَلَاذَ مِنَ الصَّقْرِ أحمر الذيل. وَلَمْ تُوَاتِهِ الْجَرْأَةُ الْكَافِيَةُ كَيْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ لِيَنْظُرَ حَوْلَهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَجِدَ الصَّقْرَ أحمر الذيل يَحُومُ مِنْ فَوْقِهِ وَمُسْتَعِدًّا كَيْ يَنْقَضَّ عَلَيْهِ.

وَفَكَّرَ داني: «إِذَا بَقِيتُ هُنَا لِمُدَّةٍ كَافِيَةٍ، فَسَوْفَ يَمَلُّ وَيَذْهَبُ بَعِيدًا، هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذَهَبَ بِالْفِعْلِ. كَانَ هَذَا الصَّبَاحُ مُثِيرًا لِلْغَايَةِ حَتَّى الْآنَ، وَأَشْعُرُ أَنِّي مُرْهَقٌ بَعْضَ الشَّيْءِ؛ فَرُبَّمَا كَذَلِكَ أَنْعَمُ بِقَيْلُولَةٍ أَثْنَاءَ انْتِظَارِي حَتَّى أَطْمَئِنَّ إِلَى خُلُوِّ الطَّرِيقِ.»

وَبِهَذَا انْكَمَشَ داني دَاخِلَ عُلْبَةِ الطَّمَاطِمِ الْقَدِيمَةِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ داني سَوْفَ يَنْعَمُ بِتِلْكَ الْقَيْلُولَةِ؛ فَهُوَ قَدْ أَغْلَقَ عَيْنَيْهِ، لَكِنَّ أُذُنَيْهِ لَمْ تَزَالَا مَفْتُوحَتَيْنِ، وَبَعْدَ قَلِيلٍ سَمِعَ داني وَقْعَ خُطُوَاتٍ خَافِتَةٍ وَهِيَ تَقْتَرِبُ. وَاتَّسَعَتْ عَيْنَاهُ عَنْ آخِرِهِمَا، وَنَسِيَ النَّوْمَ تَمَامًا — بِكُلِّ تَأْكِيدٍ — فَهَذِهِ الْخُطُوَاتُ تَبْدُو مَأْلُوفَةً. وَتَبْدُو لِداني شَبِيهَةً لِلْغَايَةِ بِخُطُوَاتِ … مَنْ فِي ظَنِّكَ؟ إِنَّهُ الثَّعْلَبُ ريدي! وَتَسَارَعَ خَفَقَانُ قَلْبِ داني وَهُوَ يَسْتَمِعُ. هَلْ هَذَا مُمْكِنٌ؟! وَلَمْ يَجْرُؤْ أَنْ يَخْتَلِسَ النَّظَرَ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ هَبَّتْ نَسْمَةٌ عَابِرَةٌ تَحْمِلُ رَائِحَةَ شَخْصٍ مَا إِلَى دَاخِلِ عُلْبَةِ الطَّمَاطِمِ الْقَدِيمَةِ. وَحِينَهَا عَلِمَ داني أَنَّهُ الثَّعْلَبُ ريدي.

وَجَالَ فِي خَاطِرِ داني: «يَا إِلَهِي! أَرْجُو أَلَّا يُدْرِكَ أَنَّنِي هُنَا! وَإِنِّي لَأَتَسَاءَلُ مَا الَّذِي أَتَى بِهِ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَى هُنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالتَّحْدِيدِ.»

إِذَا انْكَشَفَتِ الْحَقِيقَةُ؛ نَجِدُ أَنَّ الْفُضُولَ هُوَ مَا قَدْ أَحْضَرَ ريدي إِلَى هُنَا. حَيْثُ كَانَ ريدي يَبْحَثُ عَنْ فَطُورِهِ بَعِيدًا إِلَى حَدٍّ مَا فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الصَّقْرُ أحمر الذيل يُحَاوِلُ فِيهِ جَاهِدًا أَنْ يُمْسِكَ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ. وَرَأَى ريدي بِعَيْنَيْهِ الثَّاقِبَتَيْنِ الصَّقْرَ أحمر الذيل لَحْظَةَ مُغَادَرَتِهِ الشَّجَرَةَ كَيْ يُلَاحِقَ داني، وَقَدْ أَدْرَكَ مِنْ طَرِيقَةِ طَيَرَانِ أحمر الذيل أَنَّهُ رَأَى شَيْئًا مَا وَأَرَادَ أَنْ يُمْسِكَ بِهِ. وَقَدْ شَاهَدَ أحمر الذيل وَهُوَ يَنْقَضُّ، وَسَمِعَ صَرْخَةَ غَضَبِهِ حِينَ لَمْ يَسْتَطِعِ الْوُصُولَ إِلَى داني؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ داني رَاوَغَهُ حَتَّى دَخَلَ إِلَى عُلْبَةِ الطَّمَاطِمِ الْقَدِيمَةِ. وَرَأَى أحمر الذيل وَهُوَ يَضْرِبُ وَيَضْرِبُ ثَانِيَةً شَيْئًا مَا عَلَى الْأَرْضِ، وَأَخِيرًا طَارَ مُبْتَعِدًا بِاشْمِئْزَازٍ وَهُوَ خَالِي الْوِفَاضِ.

وَتَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِ ريدي: «وَالْآنَ أَنَا مُنْدَهِشٌ؛ فَمَا الَّذِي كَانَ الصَّقْرُ يُطَارِدُهُ؟ وَلِمَاذَا لَمْ يَحْصُلْ عَلَيْهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ تَصَرَّفَ بِانْزِعَاجٍ وَإِحْبَاطٍ شَدِيدَيْنِ؟ أَظُنُّ أَنَّنِي سَوْفَ أَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَأَعْرِفُ.»

وَبَدَأَ يَتَّجِهُ بِخُطًى سَرِيعَةٍ نَحْوَ رُقْعَةِ الْأَعْشَابِ الْقَصِيرَةِ؛ حَيْثُ رَأَى الصَّقْرَ يَضْرِبُ شَيْئًا مَا عَلَى الْأَرْضِ. وَمَعَ اقْتِرَابِهِ، تَسَلَّلَ بِنُعُومَةٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حَافَةِ الرُّقْعَةِ الْمَكْشُوفَةِ. وَتَوَقَّفَ هُنَاكَ وَنَظَرَ بِحِدَّةٍ يَتَفَحَّصُ كُلَّ مَا فِيهَا، وَلَمْ يَرَ أَيَّ شَيْءٍ سِوَى عُلْبَةِ طَمَاطِمَ قَدِيمَةٍ قَدْ رَآهَا ريدي مَرَّاتٍ كَثِيرَةً مِنْ قَبْلُ.

وَفَكَّرَ ريدي: «إِذَنْ؛ مَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ الصَّقْرُ أحمر الذيل هَا هُنَا بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ؟! فَالْعُشْبُ أَقْصَرُ مِنْ أَنْ تَخْتَبِئَ فِيهِ حَتَّى جَرَادَةٌ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَحْصُلِ الصَّقْرُ عَلَى مَا كَانَ يَسْعَى وَرَاءَهُ. هَذَا غَرِيبٌ لِلْغَايَةِ، لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ غَرِيبٌ لِلْغَايَةِ.»

وَأَخَذَ يَعْدُو وَيَجْرِي جِيئَةً وَذَهَابًا وَهُوَ يُمِيلُ أَنْفَهُ إِلَى الْأَرْضِ، آمِلًا أَنْ يُنَبِّئَهُ أَنْفُهُ بِمَا لَمْ تَرَهُ عَيْنَاهُ. وَجَرَى جِيئَةً وَذَهَابًا هُنَا وَهُنَاكَ، ثُمَّ تَوَقَّفَ فَجْأَةً.

وَصَاحَ ريدي: «يَا لَفَرْحَتِي!» فَهُوَ قَدْ عَثَرَ عَلَى أَثَرِ رَائِحَةِ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ حِينَ كَانَ يَجْرِي نَحْوَ عُلْبَةِ الطَّمَاطِمِ الْقَدِيمَةِ. وَاقْتَادَهُ أَنْفُهُ حَتَّى وَصَلَ ريدي إِلَى الْعُلْبَةِ الْقَدِيمَةِ. وَوَثَبَ مِنْ فَوْقِ الْعُلْبَةِ الْقَدِيمَةِ، وَلَكِنْ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْعُلْبَةِ لَمْ يَجِدْ ريدي أَيَّ رَائِحَةٍ لِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ. وَفَهِمَ عَلَى الْفَوْرِ، وَتَبَدَّى بَرِيقُ الرِّضَا فِي عَيْنَيْهِ الصَّفْرَاوَيْنِ وَهُوَ يَعُودُ إِلَى الْعُلْبَةِ الْقَدِيمَةِ. وَأَدْرَكَ أَنَّ داني حَتْمًا يَخْتَبِئُ هُنَاكَ.

وَزَمْجَرَ قَائِلًا: «لَقَدْ نِلْتُ مِنْكَ هَذِهِ الْمَرَّةَ!» قَالَهَا وَهُوَ يَشْتَمُّ عِنْدَ الْفَتْحَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي نِهَايَةِ الْعُلْبَةِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤