الفصل الثالث

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَلْعَبُ الْغُمَّيْضَةَ

الْحَيَاةُ دَائِمًا لُعْبَةُ غُمَّيْضَةٍ فِي عَيْنَيْ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ، وَكَمَا تَعْلَمُونَ فَهُوَ فَأْرٌ قَصِيرٌ وَسَمِينٌ، وَهُنَاكَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْأُخْرَى الْمَكْسُوَّةِ بِالْفِرَاءِ وَالرِّيشِ مِمَّا هُمْ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِالْتِهَامِ داني عَلَى الْإِفْطَارِ أَوِ الْغَدَاءِ إِذَا تَمَكَّنُوا مِنْهُ، وَمَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُمْ أَصْدِقَاؤُهُ، لَكِنَّ داني دَائِمًا يُبْقِي عَيْنَيْهِ مَفْتُوحَتَيْنِ عِنْدَ وُجُودِهِمْ فِي الْمَكَانِ وَيَبْدَأُ دَوْمًا فِي لَعِبِ الْغُمَّيْضَةِ، أَمَّا الْأَرْنَبُ بيتر وَالظَّرِبَانُ جيمي وَالسِّنْجَابُ الْمُخَطَّطُ وَالسِّنْجَابُ جاك السَّعِيدُ؛ فَهُمْ كُلُّهُمْ أَصْدِقَاؤُهُ وَيُمْكِنُهُ الْوُثُوقُ بِهِمْ، لَكِنْ تَظَلُّ عَيْنُهُ الْبَرَّاقَةُ اللَّامِعَةُ مَفْتُوحَةً حَذَرًا مِنَ الثَّعْلَبِ ريدي وَالْمِنْكِ بيلي وَابْنِ الْعِرْسِ شادو وَالْعَجُوزِ أبيض الذيل صَقْرِ الْمُسْتَنْقَعَاتِ، وَغَيْرُهُمُ الْكَثِيرُ، وَبِالْأَخَصِّ الْبُومَةُ هوتي أَثْنَاءَ اللَّيْلِ.

إِنَّ فَأْرَ الْمُرُوجِ داني حَيَوَانٌ صَغِيرٌ وَشُجَاعٌ؛ فَعِنْدَمَا تَهُبُّ الرِّيَاحُ الشَّمَالِيَّةُ الْعَنِيفَةُ بِصَفِيرِهَا عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَتُمَزِّقُ السُّحُبَ الثَّلْجِيَّةَ، فَتَتَنَاثَرُ رَقَائِقُ الْجَلِيدِ حَتَّى تُغَطِّيَ الْمُرُوجَ الْخَضْرَاءَ عَنْ آخِرِهَا، لَا يَسَعُ داني سِوَى الِاحْتِمَاءِ فِي فِرَائِهِ الدَّافِئِ فِي بَيْتِهِ الْعُشْبِيِّ الصَّغِيرِ الْمُرِيحِ وَالِانْتِظَارِ هُنَاكَ. أَحَبَّ داني الثُّلُوجَ، بِالْفِعْلِ أَحَبَّ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ الثُّلُوجَ؛ فَقَدْ كَانَ بِبَسَاطَةٍ يَعْشَقُ الْحُفَرَ فِي الثَّلْجِ وَمَدَّ الْأَنْفَاقِ، وَمِنْ خِلَالِ تِلْكَ الْأَنْفَاقِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي جَمِيعِ الِاتِّجَاهَاتِ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ حَيْثُمَا يَشَاءُ وَوَقْتَمَا يَشَاءُ دُونَ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ. كَانَ ذَلِكَ مَصْدَرَ مُتْعَةٍ عَظِيمَةٍ لَهُ.

وَعِنْدَ كُلِّ مَسَافَةٍ صَغِيرَةٍ كَانَ يَشُقُّهَا يَحْفُرُ فَتْحَةً دَائِرِيَّةً صَغِيرَةً نَحْوَ السَّطْحِ بِجِوَارِ سَاقِ عُشْبٍ يَابِسَةٍ. وَمِنْ خِلَالِ تِلْكَ الْفَتَحَاتِ، يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْتَلِسَ النَّظَرَ إِلَى السَّطْحِ الْمُغَطَّى بِالثُّلُوجِ، وَيَنْعَمَ بِالْهَوَاءِ الْبَارِدِ الْمُنْعِشِ. وَأَحْيَانًا عِنْدَمَا يَتَأَكَّدُ تَمَامًا أَنْ لَا أَحَدَ فِي الْأَنْحَاءِ، يَتَقَافَزُ فَوْقَ قِمَمِ الْجَلِيدِ مِنْ مَنْفَذٍ إِلَى آخَرَ، وَعِنْدَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، يَتْرُكُ خَلْفَهُ أَجْمَلَ آثَارِ أَقْدَامٍ صَغِيرَةٍ.

عَلِمَ الثَّعْلَبُ ريدي بِأَمْرِ تِلْكَ الْفَتَحَاتِ وَمَنْ صَنَعَهَا. وَكَانَ ريدي يُوَاجِهُ مَشَقَّةً فِي الْحُصُولِ عَلَى مَا يَكْفِي لِيَأْكُلَهُ فِي هَذَا الطَّقْسِ الْبَارِدِ، فَكَانَ جَائِعًا مُعْظَمَ الْوَقْتِ. وَذَاتَ صَبَاحٍ، بَيْنَمَا كَانَ يَمْشِي عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ بِصَوْتٍ خَافِتٍ عَبْرَ الْمُرُوجِ، وَإِذْ بِهِ يَرَى أَمَامَهُ مُبَاشَرَةً رَأْسَ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ بَارِزًا مِنْ إِحْدَى تِلْكَ الْفَتَحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ! سَالَ لُعَابُ ريدي، وَتَسَلَّلَ فِي خِفَّةٍ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ، وَحِينَ أَصْبَحَ عَلَى بُعْدِ قَفْزَةٍ وَاحِدَةٍ سَحَبَ سَاقَيْهِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ الْقَوِيَّتَيْنِ مِنْ تَحْتِهِ، وَاسْتَعَدَّ لِلِانْقِضَاضِ. وَفِي الْحَالِ اخْتَفَى داني فَأْرُ الْمُرُوجِ! وَمَعَ هَذَا قَفَزَ ريدي وَبَدَأَ يَحْفُرُ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ تَقْدِرُ عَلَيْهَا مَخَالِبُهُ. وَاسْتَطَاعَ ريدي أَنْ يَشْتَمَّ رَائِحَةَ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ مِمَّا كَادَ أَنْ يُفْقِدَهُ صَوَابَهُ.

طَوَالَ الْوَقْتِ ظَلَّ داني يَرْكُضُ بِطُولِ أَحَدِ أَنْفَاقِهِ الصَّغِيرَةِ، وَأَخِيرًا حِينَ تَوَقَّفَ الثَّعْلَبُ ريدي عَنِ الْحَفْرِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ أَنْفَاسِهِ، أَخْرَجَ داني رَأْسَهُ مِنْ فَتْحَةٍ صَغِيرَةٍ أُخْرَى وَسَخِرَ مِنْ ريدي. وَبِالْفِعْلِ رَآهُ ريدي وَحَاوَلَ الْإِمْسَاكَ بِهِ هُنَاكَ، وَأَخَذَ يَحْفُرُ بِجُنُونٍ تَمَامًا كَالْمَرَّةِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ بِلَا شَكٍّ لَمْ يَكُنْ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ هُنَاكَ.

وَبَعْدَ فَتْرَةٍ شَعَرَ الثَّعْلَبُ ريدي بِالْمَلَلِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ اللَّعِبِ وَجَرَّبَ خُطَّةً أُخْرَى، فَفِي الْمَرَّةِ التَّالِيَةِ الَّتِي رَأَى فِيهَا داني فَأْرَ الْمُرُوجِ يُبْرِزُ رَأْسَهُ لِلْخَارِجِ، تَظَاهَرَ بِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ. وَأَرْخَى ريدي جَسَدَهُ بِالْكَامِلِ عَلَى الْأَرْضِ لِيُقْنِعَهُ بِأَنَّهُ مُنْهَكٌ لِلْغَايَةِ وَنَاعِسٌ، وَأَغْمَضَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ فَتَحَهُمَا عَلَى نَحْوٍ طَفِيفٍ لِلْغَايَةِ؛ كَيْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رُؤْيَةِ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ بَيْنَمَا يَبْدُو كَمَا لَوْ كَانَ نَائِمًا. وَرَاقَبَهُ داني لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، ثُمَّ ضَحِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَغَابَ بَعِيدًا عَنِ النَّظَرِ.

وَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ ابْتَعَدَ حَتَّى تَسَلَّلَ الثَّعْلَبُ ريدي إِلَى جِوَارِ الْفَتْحَةِ الصَّغِيرَةِ وَانْتَظَرَ. قَالَ ريدي مُحَدِّثًا نَفْسَهُ: «بِالتَّأْكِيدِ سَوْفَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ ثَانِيَةً؛ كَيْ يَرَى إِذَا كُنْتُ نَائِمًا، وَحِينَهَا سَأُمْسِكُ بِهِ.» فَانْتَظَرَ وَانْتَظَرَ، وَفِي النِّهَايَةِ الْتَفَتَ بِرَأْسِهِ، وَهُنَاكَ عِنْدَ فَتْحَةٍ صَغِيرَةٍ أُخْرَى كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَسْخَرُ مِنْهُ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤