الفصل السابع

الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تُجَرِّبُ خُطَّةً جَدِيدَةً

ظَلَّتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تُفَكِّرُ فِي داني فَأْرِ الْمُرُوجِ. وَكَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّهُ سَمِينٌ؛ وَكَانَ ذَلِكَ يُسِيلُ لُعَابَهَا كُلَّمَا فَكَّرَتْ فِيهِ. وَحَسَمَتْ أَمْرَهَا أَنَّ عَلَيْهَا الْحُصُولَ عَلَيْهِ وَسَوْفَ تَحْصُلُ عَلَيْهِ. وَعَلِمَتْ أَنَّ داني كَانَ فِي غَايَةِ الذُّعْرِ حِينَ كَانَتْ هِيَ وَريدي يُحَاوِلَانِ جَاهِدَيْنِ الْإِمْسَاكَ بِهِ عَنْ طَرِيقِ اخْتِرَاقِ الثُّلُوجِ وُصُولًا إِلَى أَنْفَاقِهِ الصَّغِيرَةِ كَيْ يَلْحَقَا بِهِ، وَأَحَسَّتْ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لِلشَّكِّ أَنَّ داني لَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ؛ فَفِي هَذَا التَّجْوِيفِ يَبْقَى داني قَابِعًا وَآمِنًا.

كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مُتَّقِدَةَ الذَّكَاءِ. وَلِذَا قَالَتْ لِنَفْسِهَا: «إِنَّ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ لَنْ يُخْرِجَ أَنْفَهُ مِنْ عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ ذَاكَ عَلَى مَدَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. وَبَعْدَهَا سَيُصِيبُهُ السَّأَمُ مِنَ الْمُكُوثِ بِالدَّاخِلِ طَوَالَ الْوَقْتِ، وَسَوْفَ يَتَلَصَّصُ مِنْ إِحْدَى الْفَتَحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي صَنَعَهَا كَيْ يَرَى إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا. وَإِذَا لَمْ يَرَ أَيَّ خَطَرٍ، فَسَوْفَ يَخْرُجُ وَيَلْعَبُ بِطَيْشٍ فَوْقَ الْجَلِيدِ كَيْ يَحْصُلَ عَلَى بَعْضِ الْبُذُورِ مِنْ قِمَمِ الْأَعْشَابِ الْعَالِيَةِ الَّتِي تَبْرُزُ مِنْ بَيْنِ الثُّلُوجِ. وَإِذَا لَمْ يُخِفْهُ شَيْءٌ، فَسَيَسْتَمِرُّ فِي الذَّهَابِ لِمَسَافَةٍ أَبْعَدَ وَأَبْعَدَ عَنْ عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ ذَاكَ. وَلِذَا يَجِبُ أَنْ أَحْرِصَ عَلَى أَلَّا يَخَافَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ لِبِضْعَةِ أَيَّامٍ.» قَالَتْ ذَلِكَ بَيْنَمَا كَانَتْ تَرْقُدُ أَسْفَلَ شَجَرَةِ الشُّوكَرَانِ، وَهِيَ تَدْرُسُ أَفْضَلَ الطُّرُقِ لِكَيْفِيَّةِ حُصُولِهَا عَلَى الْوَجْبَةِ التَّالِيَةِ.

ثُمَّ نَادَتْ عَلَى الثَّعْلَبِ ريدي وَمَنَعَتْهُ مِنَ النُّزُولِ إِلَى الْمُرُوجِ إِلَى أَنْ تَأْذَنَ لَهُ بِالذَّهَابِ. وَتَذَمَّرَ ريدي وَأَخَذَ يُتَمْتِمُ وَلَمْ يَدْرِ لِمَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ عَدَمُ الذَّهَابِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجْرُؤْ عَلَى الْعِصْيَانِ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ ريدي لَدَيْهِ قَدَمٌ جَرِيحَةٌ، أَصَابَتْهَا أَسْنَانُ السِّلْكِ حِينَ كَانَ يَقْفِزُ فِي الْجَلِيدِ كَيْ يَلْحَقَ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ، وَالْآنَ لَمْ يَعُدْ بِوُسْعِهِ سِوَى أَنْ يَعْدُوَ عَلَى ثَلَاثِ أَرْجُلٍ؛ مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ مُضْطَرٌّ إِلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى الْجَدَّةِ ثعلبة فِي مُسَاعَدَتِهِ لِلْحُصُولِ عَلَى مَا يَكْفِيهِ لِيَأْكُلَهُ. وَلِذَا لَمْ يَجْرُؤْ ريدي عَلَى الْعِصْيَانِ.

حَدَثَ كُلُّ شَيْءٍ بِالضَّبْطِ كَمَا ظَنَّتِ الْجَدَّةُ ثعلبة أَنَّهُ سَيَحْدُثُ: بِالْفِعْلِ شَعَرَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ بِالسَّأَمِ مِنَ الْمُكُوثِ دَاخِلَ عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ، وَبِالْفِعْلِ تَلَصَّصَ فِي الْبِدَايَةِ، وَبَعْدَهَا جَرَى بِالْفِعْلِ لِمَسَافَةٍ صَغِيرَةٍ عَلَى الْجَلِيدِ، ثُمَّ لِمَسَافَةٍ أَبْعَدَ وَأَبْعَدَ. غَيْرَ أَنَّهُ ظَلَّ طَوَالَ الْوَقْتِ يَقِظًا لِلْغَايَةِ فَلَا يَبْتَعِدُ لِأَكْثَرَ مِنْ قَفْزَةٍ أَوْ قَفْزَتَيْنِ عَنْ إِحْدَى الْفَتَحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى أَنْفَاقِهِ بِالْأَسْفَلِ تَحْتَ الْجَلِيدِ.

عَلَى أَطْرَافِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ اخْتَبَأَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة وَرَاقَبَتْهُ. وَنَظَرَتْ عَالِيًا فِي السَّمَاءِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ الثَّلْجَ سَوْفَ يَتَسَاقَطُ ثَانِيَةً. وَقَالَتِ الْجَدَّةُ: «هَذَا جَيِّدٌ، فِي صَبَاحِ الْغَدِ سَوْفَ أَتَنَاوَلُ فَأْرَ الْمُرُوجِ السَّمِينَ عَلَى الْإِفْطَارِ» وَابْتَسَمَتِ ابْتِسَامَةً مُتَعَطِّشَةً.

وَفِي الصَّبَاحِ التَّالِي، وَقَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ وَيُغَادِرَ فِرَاشَهُ، كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَهْبِطُ مُسْرِعَةً إِلَى دَاخِلِ الْمُرُوجِ وَتَتَّجِهُ مُبَاشَرَةً إِلَى مَكَانِ عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ أَسْفَلَ الْجَلِيدِ. وَكَانَ الثَّلْجُ قَدْ تَسَاقَطَ مِنْ جَدِيدٍ، وَكَانَتْ جَمِيعُ الْفَتَحَاتِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي صَنَعَهَا داني مُغَطَّاةً بِأَكْمَلِهَا بِطَبَقَةِ ثَلْجٍ رَقِيقَةٍ وَنَاعِمَةٍ. وَمِنْ خَلْفِ الْجَدَّةِ ثعلبة أَتَى ريدي الثَّعْلَبُ وَهُوَ يَعْرُجُ، وَيَتَذَمَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.

وَحِينَ وَصَلَا إِلَى الْمَكَانِ حَيْثُ يُوجَدُ عَمُودُ السِّيَاجِ الْقَدِيمُ الْمَدْفُونُ تَحْتَ الثُّلُوجِ، انْبَطَحَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ عَلَى الْأَرْضِ قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهَا. ثُمَّ طَلَبَتْ مِنْ ريدي تَغْطِيَتَهَا كُلِّهَا بِالثَّلْجِ الرَّقِيقِ الَّذِي تَسَاقَطَ مُؤَخَّرًا. وَفَعَلَ ريدي مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ ظَلَّ يَتَذَمَّرُ طَوَالَ الْوَقْتِ. وَقَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة: «وَالْآنَ اذْهَبْ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَابْقَ مُتَوَارِيًا عَنِ الْأَنْظَارِ، وَقَرِيبًا سَوْفَ أُحْضِرُ لَكَ جُزْءًا مِنْ فَأْرِ الْمُرُوجِ لِتُفْطِرَ بِهِ» وَضَحِكَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة ضِحْكَةً خَافِتَةً عِنْدَ تَفْكِيرِهَا فِي مَدَى بَرَاعَتِهَا وَكَيْفَ أَنَّهَا سَوْفَ تُمْسِكُ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤