تآليف أخرى

إذا كُنَّا قد وصفنا بعض المؤلَّفات المطبوعة لتادرس وهبي، مما وقع بين أيدينا، فإن هناك تآليف أخرى تمثَّلت في كتابته لبعض المقالات، وإلقائه لبعض الخطب، ونشْره بعض القصائد. وهذه الأمور أشارت إليها بعض الدوريات والمراجع، فعلى سبيل المثال، نجد تادرس وهبي بدأ كتاباته الأدبية في الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية»، وفي مجلة «روضة المدارس المصرية»، عندما كان مترجمًا بنظارة المعارف،١ ويُقال: إنه تولى تحرير جريدة «الوظيفة المصرية التركية».٢
أمَّا في مجال الخطابة، فمن الواضح أن تادرس وهبي كان من خطباء عصره، حيث كانت أخبار خُطبه تتناقلها الدوريات في حينها. وقد أَوْرَدْنا نموذجًا لهذه الخطب، ومن خلال الحديث عن كُتَيِّبِه في رثاء الخديوي إسماعيل، ومن أخبار خطبه الأخرى ما ذَكَرَتْه مجلة «الحقوق» عام ١٨٨٦، قائلةً: وقفنا عَلَى خطبة بديعة لحضرة وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقائين، تُليت بجلسة امتحان مدرسة المنيا القبطية سنة ١٦٠٢، فإذا هي غرة في جبين الخطابة، وفريد في جيد البلاغة. تدلُّ بألفاظها ومعانيها عَلَى سعة فضلِ واطِّلاعِ جامِعِ مغازيها، ورافعِ مبانيها. وكنا نود أن تكون هي المترجمة عنها بها، لولا أنَّ ضيق المقام مَنَعَنَا عن ذلك.٣
ولم يَكْتَفِ تادرس وهبي بإلقاء الخطب في احتفالات المدارس، بل كان يلقي معها بعض القصائد. وفي هذا الأمر قالت مجلة «اللطائف» عام ١٨٨٩، تحت عنوان «احتفال المدرسة القبطية الأرثوذكسية بالمنيا»: جاءنا من وكيلنا المتجول في المنيا ما يأتي: في الخامس من شهر نوفمبر ١٨٨٩، احتفلت هذه المدرسة احتفالًا بامتحان تلامذتها السنوي في دار الأسقفية … وفي الليلة الثانية من الامتحان مَثَّلَ تلامذةُ المدرسة المذكورةِ رواية «الابن الشاطر» بحضور الأفاضل أصحاب العزة … وكان حضرة الفاضل وهبي بك قد افتتح مقام التمثيل بخطبة غرَّاء وقصيدة في مدح الحضرة الخديوية …٤
وفي مجال الشعر أيضًا، قالت مجلة «الأستاذ» عام ١٨٩٣: تأخَّر لدينا قصائد خديوية ورياضية، منها قصيدة الفاضل وهبي بك ناظر مدرسة حارة السقائين، وقد عُرِضت عَلَى الحضرة الخديوية وفازت بالقبول.٥ هذا بالإضافة إلى قيام تادرس وهبي بتأليف مجموعة من الأناشيد الدينية، التي كانت تُرتَّل في الكنائس، وأيضًا ألَّف أناشيد أخرى رتَّلها طلاب مدرسة الأقباط في الذكرى الأولى لمقتل بطرس غالي سنة ١٩١١، بالإضافة إلى قصيدة نَظَمَها في بطرس غالي أيضًا، عندما تولى رئاسة الوزارة عام ١٩٠٨.٦

(١) في مجال المسرح

أشرنا فيما سبق أن تادرس وهبي كتب فصلًا عن التمثيل في كتابه «الأثر النفيس في تاريخ بطرس الكبر ومحاكمة ألكسيس». وهذا الفصل كان الفصل الرابع من الباب الأول في الكتاب، وجاء بعنوان «في إجمال تفصيل يتعلق بفن التمثيل»، وفيه تحدَّث عن تاريخ التمثيل المسرحي منذ نشأته عند اليونان، مع التفريق بين القالب الهزلي والقالب التراجيدي. ووصل في تاريخه المختصر إلى الحديث عن كورنيل وراسين وشكسبير وفيكتور هوجو، ثمَّ تطرَّق إلى الحديث عن نشأة التمثيل المسرحي في مصر في عهد الخديوي إسماعيل، حتى وصل إلى دور الطائفة القبطية ومساهمتها في هذا الفن، فقال:
ولما كان أبناء الطائفة القبطية أحرص الناس عَلَى مثل هاته الكمالات، لا سيَّما بعد أن غُذُّوا بلبان المعارف في المدارس التي أنشأها المغفور له الأنبا كيرلص الرابع وجدَّد فيها ما شاء من ضروب الإصلاح، غبطةُ الباب المعظم «أنبا كيرلص الخامس»،٧ وهو البطريرك الحالي؛ عنَّ لي أن أجاري أرباب هذا الشأن، فأنشأت ومثَّلت بمرسح حديقة الأزبكية في يوم ١٥ فبراير سنة ١٨٨٤ رواية «يوسف الصدِّيق عليه السلام». وقد شهد تمثيلها الجناب العالي «عباس حلمي باشا الثاني» أيام كان وليًا للعهد، ومعه شقيقه الأمير محمد علي. وقد ضمَّنتها كتاب «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، وثنيتُ برواية «بطرس الأكبر»، وعززتُهُما بثالثة وهي «رواية تليماك». وقد مُثِّلَتا كذلك؛ إحداهما في يوم ١٥ مايو سنة ١٨٨٦، وثانيتهما في يوم ١٢ إبريل سنة ١٨٨٧، وانتفعَتْ بما جمع منهما جمعيةُ المساعي الخيرية القبطية.٨
إذن ألَّف تادرس وهبي ثلاث مسرحيات في غضون ثلاث سنوات. فالمسرحية الأولى «يوسف الصديق» — موضوع كتابنا هذا — تم تمثيلها بمسرح حديقة الأزبكية يوم ١٥ / ٢ / ١٨٨٤، بناءً عَلَى قول مؤلِّفها السابق، ولكن نشرها كان في إبريل ١٨٨٥، أي: إن تمثيلها سَبَقَ طباعتها بعام تقريبًا. وعندما طُبِعت كانت تُباع في دكان عبد الملك أفندي صليب بشارع كلوت بك، بجوار كتبخانة الوطن،٩ وقد قرظتها مجلة «الحقوق» عام ١٨٨٧، بكلمة تحت عنوان «عنوان التوفيق»، قالت فيها:
أتحفنا حضرة الفاضل العامل وهبي بك، ناظر مدرسة حارة السقائين القبطية، ومدرسة فن الإنشا والعلوم العربية والفرنجية، كتاب عنوان التوفيق، فإذا به قصة يوسف الصديق. وقد جُعِلتْ روايةً أدبية تاريخية، وجَمَعَتْ من المبادي العلمية والقصصية قدرًا ليس بقليل. فمثَّلتْ للقارئ عوائد الإسرائيليين البسيطة، ومناهج المصريين المنيفة في تلك الأعصار الخالية، وبيَّنت ما كانت عليه مصر في تلك الأزمان القديمة، من الصولة وعلو الكلمة في مجامع الأمم الدانية والعالية. فهي رواية تُكْسِب النفوسَ تنزُّهًا وارتياحًا، وتقضي للقراء بجوايز فكاهية وفوائد تاريخية، ما يبدِّل النواح أفراحًا والقنوط نجاحًا. جَمَعَتْ من كل جوهر فريدتين، وجَنَتْ من كل فاكهة قطفين، والخبر ليس كالخبر، فعلى من أراد نوال ما ذُكِرَ أن يُفضِّل العين عَلَى الأثر.١٠
أمَّا مسرحيته الثانية «بطرس الأكبر»، فقد مثَّلَتْها جمعية المساعي الخيرية القبطية يوم ١٥ / ٥ / ١٨٨٦، تبعًا لقول مؤلِّفها السابق. والحقيقة أن هذه المسرحية مثَّلَتْها الجمعية يوم الخامس من مايو بالأوبرا الخديوية. وعن هذا الأمر قالت جريدة «القاهرة»: «عَزَمَتْ جمعية المساعي الخيرية القبطية عَلَى تشخيص رواية «بطرس الأكبر قيصر الروس»، في قاعة الأوبرا الخديوية، وذلك يوم الأربعاء ٥ مايو ١٨٨٦، وهي رواية عربية غريبة في بابها، جَمَعَتْ إلى الفوائد التاريخية الفرائد الأدبية … وأن تشخيص هذه الرواية سيكون تحت إدارة عزتلو وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقائين. وهي ذات خمسة فصول جيِّدة الوضع مفيدة الصنع. وقد أعلن مجلس إدارة الجمعية أن أوراق الدخول تُباع بمحل الأوبرا في يومي الثلاثاء والأربعاء ٤ و٥ مايو ١٨٨٦.»١١
وقد مُثِّلت هذه المسرحية عدة مرات بعد ذلك، حيث مثَّلَتْها جمعية النشأة القبطية بالأوبرا الخديوية عام ١٨٩٩، وعندما طُبِعَت المسرحية عام ١٩٠٤ مثَّلَتْها جمعية المعارف الأدبية الخيرية بالتياترو المصري بشارع عبد العزيز.١٢
أمَّا مسرحية تادرس وهبي الثالثة والأخيرة، فهي مسرحية «تليماك»، التي قال عنها: إن جمعية المساعي الخيرية القبطية مثَّلَتْها يوم ١٢ / ٤ / ١٨٨٧. وبالبحث عن أخبار هذا اليوم وما قبله وما بعده، لم نجد أيَّ خبر عن مسرحية «تليماك» لتادرس وهبي! والغريب أننا وجدنا أخبارًا وإعلاناتٍ كثيرة عن تمثيل مسرحية «تليماك»، دون ذكر اسم مؤلِّفها، منذ يناير ١٨٨٧ حتى ديسمبر ١٩٢٥! فاكتشفنا أن هذه الإعلانات كانت تخصُّ مسرحية «تليماك» لسعد البستاني، الذي كتبها ونشرها عام ١٨٦٩، وأن هذه المسرحية مثَّلَتْها كافة الفرق المسرحية بلا استثناء! فأَعَدْنا البحث مرة أخرى، حتى وجدنا إعلانًا منشورًا في جريدة «القاهرة» بتاريخ ٥ / ٤ / ١٨٨٧، جاء فيه الآتي:

«رواية عجائب القدر» وهي الرواية التي سيجري تشخيصها مساء غد الأربعاء في تياترو الأوبرا الخديوي، عَلَى ذمة الجمعيتين الخيريتين لطائفتي الأقباط الأرثوذكس والروم الكثوليك. وستكون — بحوله تعالى — في غاية الإتقان، تمتاز عَلَى سواها بمزايا حسان. إذ لا يخفى أن لمنشئها — حضرة وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقائين — اليد الطولى في فن التشخيص. وهو صاحب روايتي «بطرس الأكبر» و«يوسف الصديق» وغيرهما. فنستنهض الهمم إلى الاشتراك في هذه الليلة، لِيَرَوْا من المناظر الجميلة والمحاسن الجليلة، ما لا يخرج عن الأصل، بل يوافق الذوق التاريخي في كلِّ فَصْل. والأوراق تُباع عَلَى باب التياترو بالأسعار الآتية: ١٠ فرنك كرسي فوتيل، ٦ فرنك كرسي أستال، ٢ فرنك أعلا التياترو. أمَّا اللوجات فقد صار توزيعها عن آخرها وتكرر طلبها فعزَّ وجودها.

وهذا الإعلان يوضِّح لنا عدة أمور مهمة، منها أن مسرحية «تليماك» لم تُمثَّل في التاريخ الذي ذكره مؤلِّفها، بل مُثِّلَتْ قبله بأسبوع تقريبًا. وعندما مُثِّلت تم تغيير اسمها من تليماك إلى «عجائب القدر»! وذلك لحث المشاهد عَلَى رؤية مسرحية جديدة بعنوان جديد، حتى لا يظنُّ أنه سيرى مسرحية «تليماك» الشهيرة، التي مثَّلَتْها كافة الفرق، وهذا أسلوب كان متَّبعًا في لك الوقت. والدليل عَلَى أن تليماك تادرس وهبي هي مسرحية عجائب القدر، أن الإعلان أشار إلى اسم مسرحيتيه السابقتين «يوسف الصديق وبطرس الأكبر»، والمعروف أن تادرس وهبي لم يكتب إلا ثلاث مسرحيات فقط. وأخيرًا نجد الإعلان يُثْبِت أن المسرحية مُثِّلت من قِبَل جمعيتين خيريتين، لا من قِبَل جمعية المساعي الخيرية وحدها.

١  انظر: الفيكونت فيليب دي طرازي، «تاريخ الصحافة العربية»، الجزء الثالث، المطبعة الأدبية ببيروت، ١٩١٤، ص٧٠. زكي محمد مجاهد، السابق، ص٨٧١.
٢  وهذا القول ذَكَرَهُ زكي محمد مجاهد، السابق، ص٨٧١، ولم يَذْكُرْه أي مرجع آخر! ونحن نشك في هذا القول؛ لأن تادرس وهبي لم يكتب إلا باللغة العربية أو الفرنسية أو القبطية، ولم نَجِدْ أو نسمع أنه كتب باللغة التركية، علمًا بأن الجريدة تركية!
٣  مجلة الحقوق، ٤ / ٩ / ١٨٨٦.
٤  مجلة اللطائف، السنة الثالثة، الجزء السابع، ١٥ / ١١ / ١٨٨٩.
٥  مجلة الأستاذ: عدد ٢٤، ٣١ / ١ / ١٨٩٣.
٦  محمد سيد كيلاني، السابق، ص٢٠٧–٢١٠.
٧  كيرلس الخامس: هو بطريرك الأرثوذكس الثاني عشر بعد المائة. وُلِد سنة ١٨٢٤ في بني سويف، واسمه يوحنا. وعندما بلغ العشرين من عمره ترهَّب بدير السيدة العذراء بالبراموس. وفي سنة ١٨٤٥ رُسِّمَ قسًّا عَلَى كنيسة حارة زويلة، ثمَّ عاد وتولى رئاسة الدير. وفي سنة ١٨٧٤ انتُخِبَ بطريركًا. وفي سنة ١٨٩٢ اختلف مع المجلس الملي مما أدى إلى نفيه في دير البراموس، ولكن زعماء الطائفة توسَّطوا في الأمر وأُطْلِقَ سراحُه سنة ١٨٩٣، وقام برحلتين زار الوجه القبلي سنة ١٩٠٤ والسودان سنة ١٩٠٩، وفي عهده أُنْشِئَتْ ثلاث عشرة كنيسة وتسع مدارس، منها المدرسة الإكليريكية. وكان يُحْسِنُ اللغات العربية والقبطية والسريانية والحبشية. وقد تُوُفِّي سنة ١٩٢٧ بمصر ودُفِن في الكنيسة المرقسية الصغرى. وللمزيد انظر: زكي محمد مجاهد، «الأعلام الشرقية في المائة الرابعة عشرة الهجرية»، الجزء الثاني، دار الغرب الإسلامي، ط٢، بيروت، ١٩٩٤، ص٦٢٨.
٨  ومن الجدير بالذكر أن هناك كثيرًا من المسرحيات التي مُثِّلَتْ أو طُبِعتْ تحمل عنوان «يوسف الصديق» دون معرفة مؤلِّفها. فعلى سبيل المثال، نجد في الملحق الثاني لقسم الروايات والقصص الواردة، في الجزء الرابع لفهرس آداب اللغة العربية بدار الكتب المصرية، المطبوع عام ١٩٣٨، ص٣٤٠، الآتي: يوسف الصديق؛ رواية تاريخية قصصية تمثيلية تحتوي عَلَى خمسة فصول، لم يُعْلَم مؤلفها. نسخة من مجلد (طبعة ثالثة) بالمطبعة الخديوية بالقاهرة في ٣٨ صفحة في حجم الثمن. أمَّا أمثلة إعلانات الصحف عن تمثيل مسرحية «يوسف الصديق»، دون ذكر مؤلفها، فهي كثيرة. ومن المحتمل أن بعضًا منها كانت تَخُصُّ مسرحية تادرس وهبي. انظر هذه الإعلانات في: جريدة «الأهرام»: ١١ / ١ / ١٨٨٦، ٩ / ٣ / ١٨٨٦، ٦ / ٤ / ١٨٨٨. جريدة «القاهرة»: ١٣ / ٣ / ١٨٨٦. جريدة «الوطن»: ٢١ / ٢ / ١٨٩١، ٨ / ٤ / ١٨٩١، ٢١ / ٧ / ١٩٠٤، ٢٣ / ١ / ١٩٠٦. جريدة «المقطم»: ٦ / ٢ / ١٨٩٣، ٢ / ٤ / ١٨٩٤. جريدة «السرور»: ٥ / ٥ / ١٨٩٤. جريدة «مصر»: ٢٢ / ١ / ١٨٩٦، ١١ / ٧ / ١٨٩٦، ١٧ / ٢ / ١٨٩٧، ١٥ / ٣ / ١٩٠٤، ١١ / ١ / ١٩١٣. جريدة «الأخبار»: ٢٢ / ٢ / ١٨٩٧. جريدة «المؤيد»: ٢١ / ٢ / ١٩١١.
٩  انظر: جريدة «القاهرة»، ٢٣ / ٨ / ١٨٨٦.
١٠  مجلة «الحقوق»، ١٥ / ١ / ١٨٨٧.
١١  جريدة «القاهرة»، ٢ / ٥ / ١٨٨٦.
١٢  انظر: جريدة «المؤيد»، ٩ / ٤ / ١٨٩٩. جريدة «مصر»، ٣٠ / ٥ / ١٩٠٤. جريدة «الوطن»، ١٦ / ١١ / ١٩٠٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤