الفصل السابع والستون

موت الإمام ومقتل ابن ملجم

وما أتم وصيته حتى تعب من الكلام وما عهدناه يتعب من أمثاله في الوعظ والخطب ساعات متوالية. ثم أمر بتلك الوصية فكتبت ودفعت إلى الحسن ولم ينطق الإمام بعد ذلك إلا بقوله «لا إله إلا الله» حتى مات١ فعلا الضجيج وزاد العويل والبكاء. ثم غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكفن بثلاثة أثواب ودفن.

أما سعيد فلما تحقق وقوع المصاب بموت علي تذكر قطاماً وخبثها وقال في نفسه والله لم يقتله إلا هي ولولاها لم يقتل أمير المؤمنين.

وفيما هو يفكر في ذلك ويبكي جاء قنبر فقبض على يده وجره فسار في أثره وهو لا يدري ما يريد منه. وسار بلال في أثرهما حتى دخلوا سجن ابن ملجم وكان مغلولاً هناك. فلما دخلوا عليه هم سعيد بالكلام فقال قنبر تمهل لنرى ما يقول هذا القاتل.

فلما رآهم ابن ملجم قادمين عليه ظل جالساً ولم يعبأ بهم ولكنه خاطب قنبر قائلاً «أظنك جئت تدعوني إلى القتل لأن صاحبكم مات».

قال «إلى ذلك جئت ولكني أسألك عن هذا الرجل هل تعرفه» (وأشار إلى سعيد).

فقال «كلا».

وكان قنبر قد أراد أن يتحقق براءة سعيد وقد شك في اشتراكه مع ابن ملجم في تلك المؤامرة. فقال له «ألم يكن لهذا الأموي شركة معك في القتل».

فتبسم ابن ملجم وقال «إنه أضعف من أن يقدم على ذلك. إني لا أعرفه».

فقال بلال «ولكنك ألا تعرف قطاماً بنت شحنة؟»

قال «أعرفها وهي خطيبتي ودم ابن أبي طالب مهر لها».

فلم يتمالك قنبر عن أن صاح فيه «اخسأ يا لئيم إنك ستلقى حتفك قريباً قم إلى الموت».

فوقف لساعته ومشى وهو لا يكترث بما يتهدده من الأجل العاجل.

أما سعيد فلما سمع قوله أن قطاماً خطيبته خفق قلبه غيظاً من تلك المرأة وقال في نفسه إني والله سآخذ بالثأر منها بيدي.

وكان الحسن هو الذي أمر بإحضار ابن ملجم ليقتله عملاً بوصية أبيه فلما حضر بين يديه نظر إلى ما حوله فرأى الناس ينظرون إليه بأعين تلتهب حنقاً وكلُ يود أن يقتله بيده فلم يعبأ ابن ملجم بما يراه ولم يصبر حتى يخاطبه أحد منهم فنظر إلى الحسن وقال «هل لك في خصلة إني والله قد أعطيت الله عهداً أن لا أعاهد عهداً إلا وفيت به وإني عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني وبينه. فلك عهد الله عليّ إن لم أقتله ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك».

فقال له الحسن «لا والله حتى تعاين النار».٢

وكان الناس قد جاءوا بالنفط والبواري والنار وقالوا «نحرقه».

فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية دعونا نشتف أنفسا منه. فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ثم كحل عينيه بمسمار محمي فلم يجزع وجعل يقول «إنك لتكحل عيني عمك بمكحول محمص». وجعل يقرأ «اقرأ بسم ربك الذي خلق» حتى أتى على آخر السورة وإن عينيه لتسيلان على خديه ثم أمر به فعولج على لسانه ليقطعه فجزع فقيل له «قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله فلم تجزع فلما صرنا إلى لسانك جزعت».

فقال «ما ذاك من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقاً لا أذكر الله». فقطعوا لسانه ثم جعلوه في قوصرة فأحرقوه بالنار.٣
١  هذا ما رواه ابن الأثير من أمر مقتله. وذكر صاحب تاريخ الخميس أنه توفي في صبيحة يوم ١٧ رمضان مثل صبيحة بدر. وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة منه سنة أربعين (عن أبي عمر وابن عبد البر) وفي الصفوة قال العلماء بالسير ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشر بقيت من رمضان وقيل ليلة إحدى وعشرين منه سنة أربعين فبقي الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد وقيل يوم الأحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن في السحر. وقالوا غير ذلك مما ليس هنا مكان تحقيقه وذكروا أنه دفن في مسجد الكوفة وقيل حمل إلى المدينة ودفن عند فاطمة وقيل غير ذلك (من تاريخ الخميس).
٢  ابن الاثير ج٣.
٣  تاريخ الخميس ج٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤