مقدِّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

كل مسألة من المسائل التي أجملتها في هذه الأسطر القليلة يصحُّ أن تكون موضوعًا لكتاب على حدة، وقد تعمَّدت الاختصار فيها؛ حتى ترتبط تلك المسائل ببعضها كأنها حلقات سلسلة واحدة، وغاية ما أريد هو أن أستلفت الذهن إلى موضوع قلَّ عدد المفكرين فيه لا أن أضع كتابًا يوفِّي الكلام في شأن المرأة ومكانتها من الوجود الإنساني، وقد يُوضَعُ مثل هذا الكتاب بعد سنين متى نبتت هذه البذرة الصغيرة ونمى نباتها في أذهان أولادنا، وظهرت ثمراتها، وعملوا على اقتطافها والانتفاع بها.

ويرى المطَّلع على ما أكتبه أني لست ممن يطمع في تحقيق آماله في وقت قريب؛ لأن تحويل النفوس إلى وجهة الكمال في شئونها مما لا يسهل تحقيقه، وإنما يظهر أثر العاملين فيه ببطء شديد في أثناء حركته الخفيَّة. وكل تغيير يحدث في أمَّة من الأمم وتبدو ثمرته في أحوالها، فهو ليس بالأمر البسيط وإنما هو مركَّب من ضروب من التغيير كثيرة تحصل بالتدريج في نفس كلِّ واحد شيئًا فشيئًا ثمَّ تسري من الأفراد إلى مجموع الأمَّة؛ فيظهر التغيير في حال ذلك المجموع نشأة أخرى للأمَّة.

وما نحن فيه اليوم ليس في الطاقة البشرية تغييره في الحال، وليس من العار علينا أننا وُجِدنا في مثل هذه الحالة؛ لأن كل عصر لا يُسأَل إلَّا عن عمله، وإنما العار أن نظنَّ في أنفسنا الكمال، وننكر نقائصنا، وندَّعي أن عوائدنا هي أحسن العوائد في كل زمان ومكان، وأن نعاند الحق وهو واحد لا يحتاج في تقريره إلى تصديق منا به، وكل ما نقوله أو نفعله لإنكاره لا يؤثِّر فيه بشيء، وإنما يؤثِّر فينا أثر الباطل في أهله، ويقوم حجابًا بيننا وبين إصلاح نفسنا؛ إذ لا يمكن لأمَّة أن تقوم بإصلاح ما إلَّا إذا شعرت شعورًا حقيقيًّا بالحاجة إليه، ثمَّ بالوسائل الموصِّلة له.

لا أظنُّ أنه يوجد واحد من المصريين المتعلِّمين يشكُّ في أن أمته في احتياج شديد إلى إصلاح شأنها؛ فهؤلاء المتعلِّمون الذين أخاطبهم اليوم أقول إن عليهم تبعة ما نألم له في عصرنا هذا، ولا يليق بمعارفهم ولا بعزائمهم أن يسجِّلوا على أنفسهم وعلى أمتهم العجز واليأس والقنوط؛ فإن ذلك صورة من صور الكسل، أو مظهر من مظاهر الجبن، أو حال من أحوال مَن لا ثقة له بنفسه، ولا بأهله، ولا بملَّته، ولا بشرعه، ولا بآله، وأراهم بهذا يستسلمون إلى تيارات الحوادث تتصرَّف فيهم كما تتصرَّف في الجماد والنبات، وتقذف بهم إلى حيث يحبُّون أو لا يحبُّون.

قد طرقت بابًا من أبواب الإصلاح في أمتنا، والتمست وجهًا من وجوهه في قسم من أفراد الأمَّة له الأثر العظيم في مجموعها، وأتيت في ذلك بما أظنُّه صوابًا، فإن أخطأت فلي من حسن النية ما أرجو معه غفران سيئة أخطائي، وإن أصبت — كما أظن — وجب على أولئك المتعلِّمين أن يعملوا على نشر ما أودعته في هذه الوريقات، وتأييده بالقبول والعمل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤