خطرات

١

لقد أراني ما طرأ على نظري من خلل أشياء لا عهد لي بجمالها، فتحقق لديَّ أن الجمال في نفس الناظر لا في نفس المنظور.

  • إن الاكتشافات الحديثة تغير النظريات المحاطة بهالة تقديس، ورُبَّ عظمة متحجرة هي أصدق من ملايين الكتب.

  • الباحث عن الجمال الفني في مختصر رائعة من روائع الأدباء المشهورين كالباحث عن الجمال الإنساني في الهيكل العظمي.

  • يسعد الإنسان بتخيلاته. فلولا خيال المشترعين لم تكن نار يخافها ابن آدم، ولا جنة يحلم أن يسعد بها، فيعمل الخير ويحيد عن الشر كما أُوصِيَ.

  • العلم يقتل التعزية والرجاء، فحين كان يظن الإنسان أن عمر الكون بضعة آلاف من السنين كان أسعد، ولكنه إذا صدق الرأي العلمي الحديث الذي يجعل عمر الكائنات مئات الملايين من السنين، يرى أنه أقل من شعرة من قطر برج ممرَّد. فأين عظمة الإنسان إذن؟

    إنها ولا شك في دماغه الذي جعله يخلق كل هذه المزاعم.

  • الأساطير أحلام لذيذة يعيش عليها الإنسان وينعم بها وهو يردد مع الشاعر:

    متى إن تكن حقًّا فتلك هي المنى
    وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدًا
  • إن محاولة اكتشاف أسرار الفضاء ستزيدنا شقاء وعماوة قلب؛ لأن السماء فاضية.

  • ترى ماذا يحل بالموسيقى الرخيمة لو زادت قوة سمعنا أضعافًا؟ قد أوحت إليَّ السماعة هذه الفكرة عندما استعنت بها على تقوية سمعي، فرميتها جانبًا وفضلت قلة السمع على كثرته.

  • لو كنت قسيسًا لقلت: «فلنضحك» بدلًا من «فلنصلِّ»؛ لأن الضحك لا يكون إلا في الفرح والفرج. أما الصلاة فتكون حامية حارة في الأزمات الشداد، وإذ ذاك تستبعد المرح وقد تعده مفسدًا للصلاة، كما قال الرشيد لمضحكه ابن مريم.

  • قال لي واحد: ليتني أعرف لغة أجنبية لأقرأ ما كتبه برغسون عن الضحك.

    فأجبته: عندك الجاحظ فاقرأ ما كتبه في مقدمة كتابه البخلاء.

  • أعجب كيف لم يقل الله في وصاياه العشر: «لا تغضب» بدلًا من «لا تقتل»؛ لأن الغضب أبو الجرائم كبيرة كانت أو صغيرة. فكيفما سرنا في طريق الحياة يقفز الغضب من أمامنا. فقد يغضبنا أحدهم؛ لأنه أخل بمراسم السلام والتحية، ونحن نريدها طبقًا للهندازة، أو بناء على مراسم القديم على قدمه. قد هدانا الشاعر القديم طريق الحياة المستقيم حين قال:

    إذا شئت أنْ تحيا سليمًا من الأذى
    وحظك موفور وعرضك صَيِّنُ
    لسانك لا تذكر به عوْرة امرئٍ
    فكلك عوراتٌ وللناس ألسن
    وعينك إن أبدت إليك مساوئًا
    فصنها وقل: يا عين للناس أعين
    وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى
    وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ

    وجاء في التوراة: «الغضب قساوة والسخط جراف.» ببطء الغضب تقنع الرئيس، واللسان اللين يكسر العظم.

    إن الله يغفر لنا خطايانا ولكن جهازنا العصبي لا يغفر قط. فاحذر الغضب تتجنب قرحة المعدة والضغط العالي والسكري ومرض القلب.

  • الحياة بطارية مشحونة يمكنك أن تفرغها في الثلاثين، ويمكنك ادخارها إلى المائة، فكن حذرًا واقتصد.

  • ربما أنهم قالوا: «العجلة من الشيطان»؛ لأن الشيطان من نار في عرفهم، وهو مغامر جسور دق قرونه بالخالق العظيم. فهل رأيت بليدًا متكاسلًا أكل سمكًا طازجًا من البحر؟ إنه يأكله ميتًا معروضًا على طبق في ساحة السمك.

٢

  • الابتذال يقتل الكلمة ويقبحها، فالأجل الأمجد ليس أفخم منها. ومع ذلك سمجت لما دارت على الأقلام، فأصبح الذوات يفضلون عليها السري الأمثل أو الوجيه الهمام.

  • شبهت الدنيا بقصر سميته قصر المسكونة. فالنوابغ والعباقرة يدخلون ويخرجون ثم لا يظفرون بمقابلة الأجل الأمجد. والظافر منهم هو الذي يكتب اسمه في سجل التشريفات ويمضي لسبيله.

  • لو لم يظهر السيد المسيح لامرأة أولًا، لما انتشر خبر قيامته بتلك السرعة، مع انعدام وسائل الإذاعة والنشر.

  • ليس في الدنيا عصي على النقد، شرط أن تحك رأسك لتخرج الشرر، من أسنان المشط. فإذا كانت أسنان المشط تفعل ذلك، فكيف بذرات دماغك حين تتفاعل؟

  • ليتني أُعطى عمرًا آخر مع بقاء المخ سالمًا، فقد رأيت آخر العمر أنضج وأشهى، وليت الإنسان يستطيع أن يورث الآخرين علمه، فيبدأ العلم من حيث ارتفع.

  • أشعر نحو الكتب شعوري نحو الكائنات الحية. أتخيل الحبر على الورق كدم فوق الجلد لا تحته. فما أجمل أن تهدي إلى صديقك كتابًا ينوره، لا زجاجة ويسكي تطيِّره.

  • لا أخاف العمى إلا لشيء واحد هو أني أصبح محتاجًا إلى معونة إنسان غير الإنسان الذي هو في قميصي.

  • شاهدت أول طائرة في سماء بلادي وتعجبت.

  • قبل أن يلفظ القرن التاسع عشر أنفاسه سمعت أول أسطوانة تغني، ثم توالت الاختراعات ولا تزال، حتى تمنيت لو كان أُجل مجيئي نصف قرن على الأقل.

  • عندما رأيت صورة الأقمار ترسل إلى الفضاء، تذكرت كيف كنا نطيِّر الطيارات والقواعد سطوح بيوتنا. فهل يأتي بعدنا من يشبِّهنا هذا التشبيه؟

  • إذا كانت الأرض لم تشبعنا، فهيهات أن يشبعنا ذاك الذي سمته التوراة: «توهو بوهو» وجعلت روح الله يرف على وجه المياه …

  • مساكن سكان الفضاء، فأكبر نكبة ستحل بهم هي ساعة نشرفهم بزيارة ومعنا عتادنا الجهنمي.

  • سيظل الدماغ البشري عظيمًا ما دام التفكير لا ينقطع، وما دام هناك طموح. وكم أضحكنا جنون المتنبي القائل:

    إذا غامرت في شرف مرومٍ
    فلا تقنع بما دون النجوم

    وكم أكبرت عبقرية ضرير المعرة حين قرأت وصفه اتساع رقعة الدهر بقوله:

    ولو طار جبريلٌ بقية عمره
    من الدهر ما اسطاع الخروج من الدهر

    فأين جدي الذي كان يقول بكل إيمان: «تؤلف ولا تؤلفان» أي: في نهاية ألفي سنة تمر على ميلاد ابن البشر تقوم القيامة وتذهب الكائنات إلى حيث …

    فها إن العلم يثبت أن الأرض التي خلقها رب موسى في ستة أيام عمرها ملايين، وإن زعم داروين وكفره في أعين الثائرين عليه أصبحا سكرًا وترياقًا:

    ومن تأمل في الدنيا ومهجته
    أقامه الفكر بين الضعف والتعب
  • ما أبطأ خطوات التطور، فكل سنة من أعمارنا تساوي مليون سنة في حساب التطور.

    وعلى هذا القياس لا تصل نفوسنا إلى حضرة ربها إلا بعد ملايين السنين. فلينعم الملاحدة بالًا؛ لأنهم يتطورون ويصيرون غيرهم قبل الوصول إلى حضرة من على العرش استوى، وسبحان الذي لا ينسى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤