هانز ماجنوس إنسنز برجر (١٩٢٩م–…)

نعاس

دعني أغفو الليلة في حضن القيثارة،
قيثارة هذا الليل المبهورة،
دعني ألتمس الراحة
في ألواح الخشب المكسورة،
دع كفيَّ تنامان على الأوتار،
دع كفيَّ المدهوشَين،
دع الخشب العذب
ينام،
ودع أوتاري،
ودع الليل
يرتاح قليلًا فوق مفاتيح العزف المنسيَّة،
دع كفيَّ المكسورَين،
ينامان
على الأوتار العذبة
في الخشب المندهش المبهور.

وُلِد الشاعر والكاتب النقدي الساخر وصاحب المقالات والدراسات الأدبية المتنوعة سنة ١٩٢٩م في كاوفبويرين (محافظة الألجوي) أُلحِق قبل نهاية الحرب العالمية الثانية (في سنتَي ١٩٤٤ و١٩٤٥م) بفرق العاصفة ولم يستطع أن يتمَّ دراسته الثانوية إلا بعد الحرب. درس علوم الأدب والفلسفة والأدب الألماني في جامعاتٍ مختلفة هي هامبورج وفرايبورج وباريس وإرلانجن التي حصل منها في سنة ١٩٥٥م على الدكتوراه برسالة عن فن الشعر عند الأديب والشاعر الرومانسي كليمينس برنتانو (١٧٧٨–١٨٤٢م)، ثم اشتغل فترة بالإشراف على القسم الأدبي بإذاعة الجنوب الألماني في مدينة شتوتجارت، والتدريس كأستاذٍ زائر في المدرسة العليا للفن التشكيلي في مدينة أولم، وعاش سنواتٍ طويلة من حياته — ولعله ما يزال يعيش — متنقِّلًا بين النرويج وألمانيا وإيطاليا؛ متفرغًا للكتابة الحرة والمساهمة في كثير من المجلات والصفحات الأدبية، شارك في سنتَي ١٩٦٠ و١٩٦١م في لجان القراءة بإحدى دور النشر الكبرى في مدينة فرانكفورت، كما شغل في هذه المدينة نفسها من سنة ١٩٦٤م إلى سنة ١٩٦٥م كرسي «فن الشعر» المشهور في جامعتها، وانتقل إلى برلين وأسس منذ سنة ١٩٦٥م مجلة «الكراسة: كورسبوخ» التي ظل يشرف على تحريرها حتى سنة ١٩٧٥م، ثم أسس كذلك المجلة الشهرية «عبر الأطلنطي: ترانس أتلانتيك» في سنة ١٩٨٠م. أقام في كوبا فترة من الوقت بين سنتَي ١٩٦٨ و١٩٦٩م، كما أقام في نيويورك من سنة ١٩٧٤م إلى سنة ١٩٧٥م، وكان قبل ذلك كله قد حصل في سنة ١٩٦٣م على إحدى الجوائز الأدبية المرموقة، وهي الجائزة التي تحمل اسم الكاتب المسرحي الرائع جورج بشنر (١٨١٣–١٨٣٧م) وقد زار القاهرة — إن لم تخني الذاكرة — حوالي سنة ١٩٦٦م، وقرأ في معهد جوته بعض قصائده المتفاوتة بين الاستفزاز الشديد والرقة المتناهية.

تميز إنسنز برجر بنزعته السياسية الحادة — إلى درجة العدوانية! — ونقده المرير للمجتمع الحديث والحياة الحديثة والمعاصرة (سواء على مستوى العالم أو على صعيد بلاده منذ عهد أديناور وفترة «المعجزة الاقتصادية» المزعومة التي قامت على أكتاف المدِّ الرأسمالي المتوحش والتبعية المهينة والمستمرة إلى اليوم للولايات المتحدة وسياساتها الاستعمارية والتسلطية المجرَّدة من أي إحساس بالعدل أو بتفهم نفسيات الشعوب في العالم الثالث) وهو يركِّز هجومه اللاذع على الطبقة الوسطى الخاملة المتبلدة، ويوحي معظم شعره بالتأثر بطرفَين متضادَّين إلى حدِّ التناقض؛ بفن الشاعر المجدِّد جوتفريد بِن (١٨٨٦–١٩٥٦م) الذي تغلب عليه العدمية والشعور الفياض بالألم والعذاب الكوني، وبجدلية الشاعر والكاتب المسرحي برتولت بريشت المتميزة بالسخرية والعدوانية تجاه الأوهام البرجوازية والتزييف الرأسمالي لوعي الرجل الصغير أو الإنسان العادي … وهكذا نجد «إنسنز برجر» يشكك في التقاليد الشائعة والأفكار السائدة والعواطف الحماسية السخيفة ويحمل عليها حملاتٍ موجعة على أمل أن يُقلق من يُسمَّون بأوساط الناس، وأن يُثير في نفوسهم التقزُّز من أنفسهم أولًا، ومن الحياة الغبية التي يحيَونها أو قل يقضونها في الأكل والنوم والتناسل والجبن والنفاق وتصديق أكاذيب «المسئولين» والأوهام التي يروجونها باستمرار … وقد مرَّ الشاعر حتى منتصف السبعينيات بأزمة شكٍّ قاسية في قدرة الأدب عمومًا على التأثير على الرأي العام أو تغييره تغييرًا ملموسًا، ولذلك اشتبك في معارك طويلة مع الواقع المريب في بلاده وفي العالم أجمع، ومع وسائل الإعلام والنزعات الرأسمالية والاستعمارية مستخدمًا لهذا الغرض كل السبل المتاحة في النشر والكتابة بما فيها الكتابة عن القضايا السياسية واللجوء إلى الوثائق والصور والإعلانات والإحصائيات … إلخ لفضح الزيف المستشري وتعرية أقنعته القبيحة … ولكنه لم يلبث أن رجع للكتابة الأدبية الخالصة في منتصف السبعينيات وراح يفضح ما يُسمَّى «بجدل التقدم والتنوير» (متأثرًا على الأرجح بمدرسة فرانكفورت النقدية وبالكتاب المشهور لأدورنو وهور كهيمر عن جدل التنوير …)

ولهذه الفترة من حياته تدِين بعض أعماله مثل: ضريح (سبع وثلاثون قصيدة قصصية من تاريخ التقدم) غرق — سفينة — التيتانيك (كوميديا) وجنون الاختفاء، ثم عاوَده طبعه النقدي الحاد الممتزج بالسخرية والدعابة الباردة، وإحساسه الجمالي المرهف بالشكل الفني — الذي يعتمد كثيرًا على أسلوب التضمين والمونتاج واللصق والتوثيق — وانعكس هذا كله على مجموعاته الشعرية المتأخرة التي يتناول فيها الواقع، كما يتناول نفسه أيضًا، من منظوراتٍ مختلفة ومستوياتٍ لغوية متنوعة في محاولةٍ دائبة للمعرفة ومعرفة الذات على وجه الخصوص …

من أهم مجموعاته الشعرية وأعماله المسرحية والأدبية «دفاع الذئاب» (١٩٥٧م) و«لغة البلد» (١٩٦٠م) و«قصائد» و«كيف تنشأ القصيدة» (١٩٦٢م) و«قصائد» (من ١٩٥٥م إلى ١٩٧١م) و«ثلاث وثلاثون قصيدة» (١٩٨١م) و«القصائد» (١٩٨٣م) و«صديق البشر» (ملهاةٌ مقتبَسة عن ديدرو ١٩٨٤م)، و«عدو البشر» (عن موليير ١٩٧٩م)، و«قصائد» (من ١٩٥٠ إلى ١٩٨٦م) و«آه يا أوروبا» مشاهدات من سبع بلاد، مع خاتمةٍ ترجع لعام ٢٠٠٦م (١٩٨٧م) و«الاعتدال والوهم» مجموعة قصص (١٩٨٨م) و«قداس جنائزي على امرأة» قصة أوجسته يوسمان مع كليمنس برنتانو (١٩٨٨م) و«روبرت الطائر» قصائد ومناظر ومقالات (١٩٨٩م) و«موسيقى المستقبل» (١٩٩١م) و«الابنة هواء» مسرحية عن الكاتب الإسباني كالديرون دي لا باركا (١٩٩٢م) و«ظل ديدرو» طرائف ومناظر ومقالات (١٩٩٤م) و«الكشك» قصائد جديدة (١٩٩٥م) و«ليسقط جوته!» اعتراف بالحب وقداس جنائزي لامرأة رومانسية، معركة حب في سبع عبارات (١٩٩٥م) و«ابن أخ فولتير» (مسرحية ١٩٩٦م) و«زكزاك» مقالات (١٩٩٧م) و«أخف من الهواء» (١٩٩٩م) و«دعوة لجهازٍ آلي للشعر» (أوتومات ٢٠٠٠م) والجدير بالذكر أن الشاعر قد نشر عددًا من المختارات الشعرية الهامة، لعل أروعها هي المجموعة التي نشرها في شبابه تحت عنوان «متحف الشعر الحديث» (١٩٦٠م) أضف إلى كل ما سبق مترجماته لعدد من الأعمال المسرحية لمؤلفين مختلفين مثل سيزار باييخو ووليم كارلوس وليامز ولارز جوستافسون وبابلونيرودا وغيرهم …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤