إلهة النصر في ساموثراكا

(تمثال النصر «نيكا») (في ساموثراكا)

تمثال من المرمر يرجع تاريخه إلى سنة ١٩٠ قبل الميلاد.

نحته مثَّالون من جزيرة رودس، متحف اللوفر بباريس.

إلهة النصر في ساموثراكا تخاطب مشوَّهي الحرب العالمية

عرفتُ لعنة الجسد
ولعنة الإرادة …
ورأسي الذي قُطِع
طارت به الرياح …
جرَّبتُ ما جرَّبتُ من مرارة الحتوف
لكنما قد عجزَت
عن قتليَ السيوف!
ولم يزل لديَّ ما يؤمِّن النجاة
لي وللبشر،
هذا الجناح الحُر،
ساعة التحدي للخطر،
هذا الجناح الحُر
في وجه الظلام والقدر …

تمثال النصر في ساموتراكا

ربة النصر (نيكي/فيكتوريا) التي أرجع الشاعر هزيود نسبها إلى الإلهة أثينا ونهر ستيكس الذي يصب في العالم السفلي، والتي ساعدت كبير آلهة الإغريق زيوس في الانتصار على المردة العمالقة (التيتان)، وصورها الفنانون منذ العصر الكلاسي القديم حتى ذروة العصر الهلينستي بجناحٍ منتفض في مهب الريح، ورأسٍ مكللة بتاج النصر، وجسدٍ متوثِّب للتحدي والهجوم — وكأنه العاصفة العاتية أو الإعصار المجتاح — ربة النصر هذه التي ترى تمثالها المتأخر فتهتز روحك ويرتجف شعرك وجلدك، وتتحفز لمقاومة الظلم وانتزاع الحرية من أعدائها — قد هزَّ تمثالها المنحوت من المرمر، والمحفوظ في متحف اللوفر، عددًا كبيرًا من نحَّاتي الكلمة ونافخي الحياة والدفء في حروفها ومعانيها من بلادٍ مختلفة وعصورٍ أدبيةٍ متباينة …

لقد نظروا جميعًا في التمثال ووقفوا أمامه مدهوشين مبهورين، وكأنهم يعاينون تحوُّل الجسد إلى جناحٍ مرفرف في سماء الحرية والمجد، منهم من استوقفه ضوء الشمس المنتشر على الصدر اللاهث الأنفاس، وثنية الركبة التي تنفذ خلال الثوب الذي نفخَته الريح، والقدمان اللتان تزدريان الأرض وتطيران إلى ساحة المعركة بجناحٍ لا ندري من سواده البادي في الصورة إن كان قد انكسر أو احترق وتشوَّه وتفحَّم، كما لا ندري كيف يحلق منتفضًا كأنما جعل ليطير حتى ولو قطعَت رأس صاحبه في جحيم القتل والقتال …

مِن هؤلاء الشعراء من لمح خطوة «نيكا» الخفيفة التي تفوح بعطر الأرض وتتَّقد بنارٍ زرقاء، بينما تطير الإلهة المنتصرة في ثوب الريح، ومنهم من رآها وهي تستند بيمناها على الهواء، رائعةً كأمرٍ صارم، كما شاهد — بعين الشعر البصيرة — ذلك الشاب الوحيد الذي يتبع عربتها الحربية، ويقطع الطريق المقفر في الأرض المقفرة المليئة بصخور القهر والظلم والشقاء، يوشك الفتى أن يموت، والرغبة تشتغل فيها أن تقترب منه وتقبِّل جبينه، لكنها تخشى لو عرفها أن يهرب من المعركة كما هرب سواه، وأن يترك لها مهمة القتال والنصر … ولذلك تتردد وتقرر أن تبقى على وضعها الذي أراده لها المثالون؛ خجِلةً من لحظة التداني والعناق، مدركةً أنهم سيجدون الشاب في غبش الفجر مفتوح الصدر مغمض العينين وتحت لسانه المتشقق المضرج بالدم والتراب طعم الوطن الحُر، ومذاق النصر الحزين …

كتبَت القصيدة الشاعرة الهولندية إلين جلينز، بعد أن شاهدَت التمثال المسكون بروح الجسارة والتحدِّي مأسورًا على قاعدته الحجرية في متحف اللوفر، وظهرَت القصيدة ضمن مجموعةٍ من «قصائد الصور» سنة ١٩٦٥م في مدينة لوند …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤