المقدمة

بيان

المألوف في كتب السيرة أن يكتبها الكاتب، ساردًا باسطًا، محللًا معقبًا، مدافعًا مفنِّدًا!

غير أني يوم فكرتُ في وضع هذا الكتاب قبل نشره عام ١٩٢٦م ألقيتُ على نفسي هذا السؤال: «إلى أي مدًى تستطيع تلك الطريقة المألوفة أن تُبرز لنا صورةً بعيدة — إلى حدٍّ ما — عن تدخُّل الكاتب؟ … صورة ما حدث بالفعل، وما قيل بالفعل دون زيادة أو إضافة، توحي إلينا بما يقصده الكاتب أو بما يرمي إليه؟»

عندئذٍ خطر لي أن أضع السيرة على هذا النحو الغريب. فعكفتُ على الكتب المعتمدة والأحاديث الموثوق بها، واستخلصتُ منها ما حدث بالفعل وما قيل بالفعل. وحاولتُ — على قدر الطاقة — أن أضع كل ذلك في موضعه كما وقع في الأصل، وأن أجعل القارئ يتمثل كل ذلك؛ كأنه واقعٌ أمامه في الحاضر، غير مبيح لأي فاصل — حتى الفاصل الزمني — أن يقف حائلًا بين القارئ وبين الحوادث، وغير مجيز لنفسي التدخل بأي تعقيب أو تعليق، تاركًا الوقائع التاريخية والأقوال الحقيقية ترسم بنفسها الصورة.

كل ما صنعتُ هو الصب والصياغة في هذا الإطار الفنِّي البسيط؛ شأن الصائغ الحذر، الذي يريد أن يُبرز الجوهرة النفيسة في صفائها الخالص، فلا يخفيها بوشْي متكلف، ولا يغرقها بنقش مصنوع، ولا يتدخل إلا بما لا بد منه؛ لتثبيت أطرافها في إطارٍ رقيق لا يكاد يُرى.

هذا ما أردتُ أن أفعل.

فإذا اتَّضح للناس — بعد هذا العمل — أن الصورة عظيمة حقًّا؛ فإنما العظمة فيها منبعثة من ذات واقعها هي، لا من دفاع كاتبٍ متحمس، أو تفنيد مؤلِّفٍ متعصب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤