الباب الرابع

عثر عليه

مرَّ الوقت ولم يظهر ستيفن بلاكبول. فأين يوجد ذلك الرجل؟ ولماذا لم يرجع؟

أخذت سيسي تزور راشيل كلَّ يوم لتعرف ما إذا كانت هناك أخبار.

وذات يوم، كانت سيسي وراشيل تسيران في الشارع الذي به منزل المستر باوندرباي. فإذا بعربة تأتي وتقف أمام الباب، فنزلت منها مسز سبارسيت تجر خلفها امرأة عجوزًا.

صاحت مسز سبارسيت تقول: «اتركوها، لا أحد يلمسها. إنها تختص بي.»

سحبت مسز سبارسيت، هذه المرأة العجوز إلى بيت المستر باوندرباي. وبدافع الفضول، تبعتهما راشيل وسيسي، وعدد من الناس كانوا في الشارع .. فدخلوا جميعًا إلى حجرة مائدة المستر باوندرباي الكبيرة، ظنًّا منهم أنه لا بد لهذه السيدة علاقة بسرقة المصرف.

figure
عندئذٍ ظهر المستر باوندرباي ودهش لرؤية هذا الجمع في غرفة مائدته.

فقالت مسز سبارسيت: «نادوا المستر باوندرباي.» ثم تكلمت مع راشيل وقالت لها: «يا سيدتي الصغيرة، أنتِ تعرفين مَن تكون هذه المرأة العجوز؟»

فقالت راشيل: «سبق أن رأيتها، إنها مسز بجلر.»

غطَّت مسز بجلر وجهها، وتوسلت إلى مسز سبارسيت أن تدعها تنصرف.

عندئذٍ ظهر المستر باوندرباي بصحبة المستر جرادجرايند، وتوم الصغير، الذي كان يتحدث معه في الطابق العلوي، فدهش المستر باوندرباي لرؤية هذا الجمع في غرفة مائدته.

نظر المستر باوندرباي إلى مسز سبارسيت، وقال: «ما الخطب الآن؟ لماذا كل هؤلاء يا مسز سبارسيت، يا مدام؟»

قالت: «يا سيدي! وجدت شخصًا، أردتَ أنت بلهفة أن تراه!»

ما إن وقعت عينا المستر باوندرباي على مسز بجلر، حتى احمرَّ وجهه بشدة.

صاح المستر باوندرباي، يقول: «يا مسز سبارسيت .. كيف تتجاسرين على التدخل في شئوني العائلية؟»

ارتعدت مسز بجلر، وقالت: «يا عزيزي جوزياه!»

يا ولدي المحبوب، هذا خطئي أنا. قلت لهذه السيدة إنك تتوق إلى رؤيتي. كنت أعيش دائمًا في هدوء، وفي سرية. يا ابني العزيز جوزياه، لم أقل أبدًا إنني أمك، بل كنت أعجب بك من بعيد، وأجيء إلى هذه البلدة بين آونة وأخرى كي أحظى بنظرة سريعة إليك دون أن يراني، أو يعرفني أي إنسان.»

أخذ المستر باوندرباي يذرع أرض الحجرة جيئة وذهابًا، وقد وضع يديه في جيوبه، والغيظ يكاد يقتله، فقال المستر جرادجرايند لتلك السيدة العجوز: «يدهشني يا مدام، أن تقولي إن المستر باوندرباي ابنك، لقد عاملتِه بقسوة وهو صغير، وهجرتِه.»

فصاحت مسز بجلر تقول: «هجرت ابني جوزياه؟ كلا، كلا، لم أهجره، وإنما أعطيته تعليمًا طيبًا. مات أبوه المحبوب، وابني هذا في الثامنة من عمره، فاعتنيت به حتى صار رئيسًا طيبًا، وتاجرًا طيبًا.»

فلمَّا سمع الناس الذين جاءوا من الشارع كلامها هذا، أصدروا أصوات العطف على العجوز مسز بجلر. لقد ظلَّ المستر باوندرباي يخدع كل إنسان بالقصص التي رواها عن طفولته الصعبة، وبأنه أُهمل في حداثة سنه وكوَّن نفسه بنفسه.

بقي المستر باوندرباي يسير في أرض الحجرة ذهابًا وإيابًا، واشتدت حمرة وجهه أكثر فأكثر، ثم توقف، وقال: «لا أعرف بالضبط كيف جاءني السرور لهذه الصحبة الحاضرة، ولكن تدخل شخص ما في شئوني الخاصة، فأزعجني؛ إذ أمقت هذا التدخل. مساء الخير!» ثم فتح الباب على مصراعيه ليُخرج الناس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤