المقدمة

رخيصة هي الأفكار، إذا ما تشبَّعت بحرارة الطور المتدرج، وتقمصت روح المفكر وعقله، واندسَّت في أعطاف الحياة صارخة عن وجودها، الذي استصرخ العالمين من قبل، فشرعوا ينسجون على منوالها ألف منوال، يحقق البغية الشاردة عنهم، ويبعثهم في سرابيلها قائمين.

إن للفكرة وقع الانشطار كما للقنبلة العنقودية، على مسارح الفهم الباذخ منه ومعالم الفتور، تشرح الكتب، بومضةٍ كليلة، دون أن تقدِر على شرح ذاتها، وتبلل الواقع بفعلها الجواد النافع، كصيِّبٍ في طريق الغمام، يتسلَّل إلى فم استزله العطش حتى استحال إلى صحراءَ تستغيث، وإذا ببخار الرمال تتصعد هنيهةً تلو أخرى، فإذا بها تختمر كلها، كما يختمر المعطف بين يدي مغسله.

سطرٌ يستحث وهَج الحق، خيرٌ من قِمَطرٍ غثاث لا وهج وراءه، وقِمَطرٌ غالب في معركة الأدمغة، خيرٌ من صاروخ يتجاوز القارة، ذلك لمن فطن مآلات الكلمة المنشطرة من نواة الفكر، وقدَّر للإنشاء مبتداه، كفاعل رئيس للخبر الرئيس.

إنَّ أمةً تستعلي وعيها، باستعلائها المتهافت على الكلمة، هي أمة تستغني عن وعيِها، وتبيع وهم الحقيقة في مخلفات التِّبر، وعلى كُثب الرَّمل، تهيم بوجهها على المدى الأقصى، دون أداء لحقِّها المنقوص، وتغيم أعينها؛ حتى لا ترى الغيم الذي يسكنها.

فدونكم العواصف العقلية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤