الفصل الخامس

في الساعة العاشرة والنصف من صبيحة اليوم التالي لوقوع الجريمة، صعد روبرت ويست السلَّم المركزي لوزارة الداخلية بخطًى هادئة، ولكن من داخله كان يطوي ثلاث درجات في المرة، إذ نفد صبره كي يسمع أي أخبار جديدة إن وجدت. يبدو أن هناك احتمالات لقضاء وقت مثير للغاية. اختلطت كل النظريات في عقله حينما التقى مصادفةً رجلًا كان يقف على الدرجة العلوية من السلم.

«أستميحك عذرًا … أوه، أهذا أنت يا كينيرد! آسف بشدة، فأنا لم أرَك. انشغل عقلي بما حدث البارحة.»

«لا عجب في ذلك. ما كان لي أن أعترض طريقك هكذا، ولكني حرَصتُ على أن أتحدث معك قليلًا قبل أن تذهب إلى مكتبك.»

«بالطبع.» أمال ويست على الدرابزين الحجري. «هل أنت على علم بهذا اللغز الكبير، أم ناديت كي تطمئننا أنه لا مجال لكسب منفعة لصالح الحزب من تلك القضية؟»

ابتسم كينيرد: «هل تراني في وضعٍ يؤهلني لذلك؟ ولكن ما المنفعة التي يمكن أن تُجنى لصالح الحزب من تلك القضية؟ بالطبع إنها مسألة مؤسفة، ولكن سيتعاطف الجميع مع وزير الداخلية تعاطفًا كبيرًا.»

«أنت متفائل أكثر من كونك سياسيًّا إذا كنت تعتقد أن هذا كل ما في المسألة يا كينيرد. هل من شيء تريدني أن أفعله من أجلك؟»

«حسنًا، أرجو أن تسامحني. فقد توجهت بسيدة إلى مكتبك.»

«يا ربي، لا أريد مزيدًا من الألغاز يا كينيرد! إذا كنت تريد تنظيم عرض عن جريمة قتل أو انتحار، فعندك وزارة الصحة. فوزارة الداخلية العجوز البائسة لديها ما يكفي من المسئوليات لمدة أسبوع.»

«لكن السيدة هي حفيدة جورج أويسيل الكبرى.»

«يا ربي يا كينيرد، كيف لي أن أتحمل امرأة منتحبة بالإضافة إلى كل ما حدث! بالإضافة إلى ذلك، اللعنة، لماذا أنا؟ أنا لم أقتل الرجل ولا أعرف الجاني.»

نظر إليه كينيرد بسرعة: «قتل؟ لكن كل الصحف تقول إنه انتحار. ألم يكن انتحارًا؟»

وبَّخ ويست نفسه على تلك الزلة. «بالطبع كان انتحارًا. ولا شيء غير ذلك. ولكن عندما تنتهي الشرطة من استجواب شخص، بات شبه مقتنع أنه من ارتكب الجريمة بنفسه. لماذا تريد السيدة رؤيتي؟»

«كي أكون صريحًا معك، لم تطلب السيدة رؤيتك. بل أرادت مقابلة وزير الداخلية. وإنها صديقة عزيزة لديَّ وقد وعدتها أن أساعدها قدر الإمكان. ستعرف السبب حينما تقابلها. لكنها ليست العذراء الباكية. لو كانت هي، لوجدت التعامل معها أسهل.»

بهذا الوصف غير المليء بالأمل، تنحى كينيرد جانبًا وفتح ويست باب مكتبه ثم قال بنبرة لطيفة: «أنيت، أعرفك على السيد روبرت ويست.»

طرفت عينا ويست وكأن شخصًا أشعل مصباحًا قوسيًّا في غرفته الصغيرة الرثة. لم يكن ضمن قائمة معارفه النساء اللائي ينفقن ٢٠٠٠ جنيه إسترليني في السنة على الملابس ويدفعن راتبًا ٣٠٠ جنيه إسترليني من أجل وصيفة خبيرة. على الرغم من أن أنيت أويسيل ترتدي ملابس سوداء، فإن أناقتها تعطي انطباعًا أنها ترتدي ملابس زاهية اللون. لم تقم عند التعارف ولكنها مدت يدها. انحنى عليها بوب، لكنه استهل حديثه منفعلًا: «أتقدم إليك بخالص التعازي يا آنسة أويسيل. يعجز لساني عن وصف ما نمر به جميعنا.»

«شكرًا لك يا سيد ويست. أنا متأكدة من ذلك.» تحدثت الآنسة أويسيل بلكنة فرنسية ونبرة أمريكية خفيفة. «وصلتني برقية لطيفة من مكتب وزير الداخلية هذا الصباح.»

قال ويست في نفسه: «جيد. سعدت أن الفتى الكبير قد فعل ذلك»، لكنه انزعج بينه وبين نفسه من أنه لم يسعد بتذكير رئيسه بذلك الواجب. قال بصوتٍ عالٍ: «إذا كان هناك ما يمكنني فعله من أجلك، فأخبريني من فضلك.»

«شكرًا جزيلًا لك. أريد مقابلة وزير الداخلية بمفرده إذا أمكن. هل يمكنك فعل ذلك من أجلي؟ يقول السيد كينيرد إنه يصعب مقابلة الوزير في الوقت الحالي.»

«إنني على يقينٍ أن الوزير سيُسر بمقابلتك.» أخذ روبرت سماعة الهاتف وهو يدرك أن أفضل خدمة يمكن أن يقدمها لرئيسه هي أن يعفيه من تلك المقابلة بشكل أو بآخر، ولكنه لا يعرف كيف يكون ذلك. ذهب إلى السكرتير الشخصي للوزير، وريثما ينتظرون الرد، انتهز الفرصة كي يدرس زائرته على مهل. كلا، لم تكن جميلة كما صورتها النظرة الأولى. وجهها نحيف للغاية وعظام وجنتيها بارزة. لكن ما أبهى أناقتها! لم يعرف ويست الكثير عن ملابس النساء، لكنه لم يكد يدرك جمال وروعة الفستان الأسود ذي التفصيل المثالي الذي ترتديه أنيت أويسيل. إنها ترتدي عقدًا من معادن مقطوعة بأشكال مكعبة، وبتصميم مكرر في مشبك حقيبة يدها وأبازيم حذائها. أناقتها الممشوقة بداية من إمالة قبعتها الأنيقة وحتى طرف حذائها غير العادي جعلت روبرت يسأل نفسه ما الذي يمكن أن يقال لامرأة كهذه.

ناداه الصوت على الهاتف. جرت محادثة سريعة ثم وضع روبرت سماعة الهاتف والتفت إلى السيدة. «وزير الداخلية في مؤتمر الآن، ولكنه سيقابلك بمجرد أن يخرج لبضع دقائق. أنا متأكد من أنك ستتفهمين الصعوبة يا آنسة أويسيل.»

«بالطبع. أنا ممتنة لك. لا أريد أكثرَ من بضع دقائق.» جلست صامتة وأخذت تنظر إلى حقيبة يدها.

استجمع ويست نفسه. إذا كان ينوي أن يفيد بلاكيت، فحري به أن يبدأ الآن وينتهز الفرصة كي يحصل على بعض المعلومات المستقاة من صاحب الشأن حيث إنه يجلس أمامه الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعطيَه تلك المعلومات. تمنَّى لو أتت بمفردها. قد يَصعُب الحصول على قدر كبير من المعلومات في حين أن كينيرد يجلس في المكان. إنه يحرص على أن تبقى هادئة. كيف أثَّر موت أويسيل فيها؟ على الأرجح أنها وريثة الرجل العجوز. هل انزعجت بخبر موته؟ لماذا لم تسأله، إنه أول من رأى جَدها ميتًا؟ بالطبع لا بدَّ أنها تعرف ذلك. الخبر منتشر في كل الصحف وتوجد صور له أيضًا. لا بدَّ أن يكسر هذا الصمت.

استهلَّ حديثه منفعلًا بعض الشيء: «إذا سمحت لي يا آنسة أويسيل، ألم تعيشي مع جدك؟»

«أوه، كلا، أنا أعيش في شقتي بشارع كلارجس.»

«آنسة أويسيل، لا أريد أن أبدوَ وكأني أتدخل في شئونك مع وزير الداخلية، أعني … ولكن بصفتي سكرتيرًا برلمانيًّا وواحدًا من الشهود الأساسيين، فإن لديَّ اهتمامًا خاصًّا.»

قاطعه كينيرد: «بالطبع يا ويست، نحن ندرك ذلك.»

انتبه ويست إلى الضمير «نحن». لم تتفوه أنيت بشيء؛ ظلَّ انتباهها مركزًا على مشبك حقيبة يدها.

«حسنًا، إمممم، ما قصدته هو … أنتِ تدركين يا آنسة أويسيل وأعلم أنك تدرك يا كينيرد أن موت السيد أويسيل في ظلِّ تلك الظروف قد يسبب الفوضى في كل مكان.»

تمتم كينيرد بعباراتِ تعاطف، ولكن ظلَّت أنيت صامتة.

فكر روبرت: «تحيرت المرأة، ربما تساعد في إخراج الرجل.» قرَّر أن يوجه إليها السؤال مباشرة. «هل ستساعديننا في معرفة الحقيقة؟»

أخيرًا تحدثت أنيت على الرغم من أنها لم ترفع عينيها: «عن أي شيء تريد أن تعرف الحقيقة؟»

تريث ويست: «إممم، حسنًا، لنبدأ بعملية السطو على الشقة.»

«سطو على شقة جدي؟ كيف لي أن أعلم أي شيء عن ذلك؟ هل تشك أن الشرطة ستعثر على اللصوص؟»

«بالطبع ستفعل الشرطة ما بوسعها، ولكننا جميعًا لا نعلم شيئًا عما يمكن أن نسميه المعلومات الأساسية عن المسألة ككل. هذا أهم شيء في الوقت الحالي. هل لديك أي معلومات عن أي سبب قد يدفع جدك إلى الانتحار البارحة؟»

عندئذٍ، رفعت أنيت عينيها، وأدرك روبرت لماذا رآها جميلة. عيناها واسعتان بلون أزرق داكن وصافٍ، توحيان بتباين رائع مع القالَب الحاد لوجهها البيضاوي. إنهما أبرز ملامحها الإنسانية، وتجعلانها رقيقة حتى. «جدي لم ينتحر يا سيد ويست.»

اندهش روبرت من التأكيد الهادئ في نبرة صوتها. لو أن بلاكيت لم يكن قد أجرى مقابلته مع وزير الداخلية، فإنه لم يكن ليعرف بعد أن الشرطة تشك في أن السيد أويسيل قتل نفسه. والآن، تتفوه أنيت بنبرة هادئة كأنها حقيقة تعرفها ولا جدال في تلك الحقيقة.

«إذن، كيف مات يا آنسة أويسيل؟ أؤكد لكِ أنه لم يكن أحد في الغرفة عندما دخلت أنا والسيد شاو.»

قالت أنيت: «لا أعرف كيف مات. لكني أريد أن أرى وزير الداخلية كي أقول له إن الحادثة ليست انتحارًا، بغض النظر عما تقوله الصحافة، ولا بدَّ أن يعثر على القاتل.»

عندئذٍ، نظرت إليه أنيت مرة أخرى وفي عينيها الزرقاوين الداكنتين قوة غريبة. «اصدقني القول، هل تصدق أنه انتحر يا سيد ويست؟»

بناءً على معرفته بما فعل، لم يجد بدًّا من أن يقول نعم. إن قال «لا»، فسيعرقل الشرطة وسيضايق بلاكيت بالتأكيد. التردد سيعطيها على الأقل فرصة للتشكك. أُسقط في يده: «في الحقيقة، لا أرى حلًّا آخر يا آنسة أويسيل، ولكن يجب أن تعثر الشرطة على ما يمكنها من معلومات وأنت ستساعدينها، أليس كذلك؟»

«بلى سأساعدها بالتأكيد إن كان بيدي شيء، ولكن كيف؟»

«حسنًا، لماذا أنت متأكدة من أنه لم ينتحر؟»

«لأنه كان يحب الحياة إلى حد الهوس يا سيد ويست. سبق أن هاجمته عصابات وأصيب بجرح سيئ في ديترويت وكاد أن يموت. وعندما تحسَّنت حالته، أصبح عاجزًا طَوال حياته. إنه ينفق الآلاف كل عام كي يحافظ على جسمه الرياضي قدر الإمكان. لقد أوقف مالًا لمؤسسة بحثية كي تعيد إليه شبابه ونوى أن يبدأ العلاج في شهر أغسطس. نويت أن أذهب معه. كان يطير من السعادة بذلك. وأنا أعلم أنه ما كان لينهيَ حياته الآن.»

«لكن ربما هناك أسباب لا تعرفينها يا آنسة أويسيل. انهيار الأسواق كسر رجالًا يكادون يكونون بثقله …»

«لكن التدهور لم يكسره. كانت نفسه سوية. أعلم أنه كان سببًا في إحدى مرات الانهيار، ولكنه كسب ملايين من ذلك. أعرف معلومات عن شئونه أكثر من أي أحد. أقول إنه لا يمكن تصوُّر أنه أنهى حياته بنفسه. مستحيل تمامًا.»

لم ترفع الفتاة صوتها ولم تُسرع وتيرة كلامها انفعالًا. تحدثت بنبرة هادئة وحازمة ما جعَل ويست يدرك أن كينيرد كان على حق حين قال إنهم لن يتحدثوا إلى العذراء الباكية. إنها امرأة قوية ومتمرسة في عالم الأعمال التجارية وواثقة من نفسها ثقة كبيرة. وإذا ورثت ثروة أويسيل بكاملها، فستُضطر الحكومة البريطانية إلى التعامل مع خَصمٍ صعب إذا لم ترُق لهم.

وصل السكرتير كي يرافق أنيت إلى مكتب وزير الداخلية. عندما أُغلق الباب خلفها، التفت كينيرد إلى ويست وقال: «هل هذا جيد؟»

صفَّر روبرت: «أقول يا كينيرد، يا لصعوبة التعامل معها إن خرجت من أجل إثارة المتاعب …» وعاد إلى الصفير. بعدها توقف فجأة وقال: «لكني نسيت … أنت صديق خاص لها، أليس كذلك؟»

ابتسم كينيرد: «أرجو أن أكون أكثر من مجرد صديق مقرب.»

«حقًّا! يا للهول! أنت محظوظ. يا لحظك بوريثة أويسيل … وبأموالها! لن تُضطر إلى الوقوف في طابور الخبز حتى لو نزل سعر الجنيه وخُسف به الأرض.»

«لكني كنت سأحب أنيت حتى لو لم يكن معها فلس واحد.»

قال ويست بعدما استشاط: «أنا آسف. ما أوقحني! لم أقصد …»

«بالطبع لا، لن أنكر أن الأموال ربما تفيد في بريطانيا لبعض الوقت. هل تريد سيجارة؟»

كانت العلبة ذات تصميم ذهبي مكعب جميل مطلي بطبقة من المينا.

«يشبه الآنسة أويسيل نوعًا ما.»

رد كينيرد: «لقد أعطته لي.»

لما كان ويست يدخن، وجد نفسه يتساءل ماذا لو أحب أن يكون هو محبوب أنيت أويسيل. إنها تبدو حادة الطباع نوعًا ما، بحليها المكعب وقوامها الممشوق وأناقتها. لكن عينيها شديدتي الزرقة جعلتاها … جعلتاها تبدو إنسانة، امرأة يمكن أن تحَب. ولكن تحت هذه الرموش الطويلة، لا يرى المرء قدرًا كبيرًا من عينَي أنيت.

قال فجأة: «سامحني على سؤالي يا كينيرد، لكن هل كان أويسيل العجوز يعلم أنك تريد الزواج بها؟ أعني، هل كان موافقًا على ذلك؟»

نفض كينيرد الرماد من سيجارته. «بالطبع كان يعلم. سبق أن طلبت منه رسميًّا، لكنه أرادها أن تتزوج رجلًا ذا نسب، نبيلًا فرنسيًّا … من عائلة لها تاريخ. حرَص كل الحرص على أن تتزوج من تلك العائلة لأن والده كان مزارعًا في أراضيها، ولك أن تتخيل رغبته في الحصول على ذلك المجد.»

«ألم تنزل هي على خُططه؟»

«بكل تأكيد لم تفعل. قابلت النبيل مرة وكانت كافية. منحط صغير مقرف، ولا عمل له.»

«أظن أن أويسيل غضب، أليس كذلك؟»

«غضب ولم يغضب. أخذ جانب أنيت ولا سيما حينما تحدَّته. كانت تعرف كيف تأخذه إلى جانبها بالطريقة التي يحبها. أظن أنه بدأ يعتاد على فكرة أن أكون صهره.»

«هل تعتقد أن الآنسة أويسيل محقة في مسألة الانتحار؟»

هزَّ كينيرد كتفيه. «لم تعرف أنيت معلوماتٍ بالقدر المفترض أن تعرفه عن الرجل العجوز. أخافه أن تعرف عن بعض أعماله الإضافية الأقل أمانة. كان أويسيل عميلًا فظًّا يا ويست.»

«هذا ما علمتُه. هل أقول إن له أعداءً كُثرًا أيضًا؟»

قال كينيرد متجهمًا: «ربما زاد العدد قليلًا لو لم يمت العديد منهم أولًا.»

تذكر ويست ملاحظات شاو بشأن أسهم شركة «رجال العراق» وأصدر صفيرًا مميزًا.

فُتح الباب. إنها أنيت. نهض الرجلان. تساءل ويست عما حدث في المقابلة مع الوزير. لكن الفتاة كانت في غاية الهدوء. شعر روبرت بالانزعاج. ما ينبغي لامرأة لها عينان مثل عينَي أنيت أن تتظاهر بأنها مثل تمثال العذراء الرخامي. اجتاح جوانحه شعور بأنه يريد أن يهزَّها كي يكسر حواجزها الدفاعية بغية التأكيد على تفوقه الذكوري المطلق. غضب من نفسه، ولكنه وجد نفسه يفكر سريعًا في طريقة يثير بها إعجابها كي يكسر تلك اللامبالاة الباردة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب ألَّا يفقد التواصل معها. بإمكان الفتاة أن تقدم معلومات عن أويسيل ليست عند غيرها. لا بد أن يتخذها حليفة له.

«يجب ألَّا أعوقك عن عملك يا سيد ويست. شكرًا جزيلًا على مساعدتك.»

أمسك روبرت يدها الممدودة لدقيقة. «أريد أن أقدم عونًا أكبر في تلك القضية يا آنسة أويسيل. صدقيني إننا حريصون على اكتشاف الحقيقة مثلك تمامًا. لكن إذا واجهتنا صعوبات في معرفة بعض التفاصيل، فهل تمانعين لو هاتفتُك، ربما في وقت لاحق اليوم؟»

«كلا، على الإطلاق. يمكنك الاتصال في أي وقت.»

أردفت بعد ذلك: «ما دمت تفهم أن جدي لم ينتحر بغض النظر عما تقوله الشرطة.»

لما كان روبرت يوصل زائرَيه إلى خارج الغرفة، جال في خاطره: «إذن، لم يلتقِ بلاكيت الوزير بعد.»

رجع إلى مكتبه وحاول أن يبحث الأمر من جميع الجوانب. لماذا أنيت متأكدة من أن جدها لم ينتحر؟ لماذا حرَصت على أن تؤكد تلك الملاحظة في وزارة الداخلية. يبدو أنها لم تأتِ إلى تلك الزيارة وفي بالها موضوع آخر. هل تلمح إلى القتلة المحتملين، وهل تخشى أن يفلتوا من العقاب إذا قبلت الشرطة نظرية الانتحار المتداولة؟ فجأة، عنَّف روبرت نفسه على حماقته. لقد ذكر عملية السطو على شقة السيد أويسيل، ولكنه لم يطرح سؤالًا واحدًا عنها. اللعنة على هاتين العينين الزرقاوين الجميلتين، لقد ارتبك منهما تمامًا. لكن من الواضح أنه يجب أن يراها مرة أخرى وبسرعة. ينبغي أن يحصل على معلومات منها عن طبيعة الأعمال والزوار في تشارلتون كورت ممن لن ترغب في ذكر أسمائهم للشرطة. نعم، لا بدَّ أن يرى أنيت في أقرب وقت ممكن.

رنَّ جرس الهاتف. «هلا يأتي السيد ويست إلى مكتب وزير الداخلية ويصحبه إلى مجلس العموم؟»

قال روبرت لنفسه وهو يلتقط قبعته اللبادية رمادية اللون: «ما الذي تحمله الريح الآن؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤