الفصل الثلاثون

السلام على الأرض، النوايا الحسنة تجاه البشر

الحجج المؤيدة للتنافس الديني

إن مجموعةً كبيرةً من الطوائف الدينية … قد تصبح في النهاية متحررة من أي مزيجٍ من السخف، أو التدليس، أو التعصب.

آدم سميث1

الاقتصادات المنغلقة أراضٍ خصبة للرجعية، والتعصب، والعنف.

جيرالد بي أودريسكول الابن،
«وول ستريت جورنال»

يزخر التاريخ بالحروب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك والمسلمين واليهود. والعداوات القائمة اليوم في الشرق الأوسط ذات أصلٍ ديني؛ فهل يمكن أن ننعم بالسلام على الأرض، والنوايا الحسنة تجاه البشر بين الدول والعقائد الدينية؟

إن الحرية الحقيقية وفقًا لليونارد ريد، مؤسس «مؤسسة التعليم الاقتصادي»، تعني ممارسة «القاعدة الذهبية» والحفاظ على الحقوق الممنوحة إلهيًّا للفرد كما هو معلن في «إعلان الاستقلال»: «لكل فردٍ الحرية الكاملة في التصرُّف بشكلٍ إبداعيٍّ حسبما تسمح له قدراته وطموحاته؛ فلا قيود في هذا الشأن، لا قيود أيَّا ما كانت.»2
ماذا يقول الاقتصاديون بشأن الصراع العسكري والديني؟ توضِّح أحدث طبعةٍ من «مؤشر الحرية الاقتصادية»، الذي تنشره مؤسسة «هيريتاج» وصحيفة «وول ستريت جورنال»، أن مناطقَ عديدةً بالعالم تصنَّف بأنها «الأكثر تقيدًا» أو «مكبوتة» بحسب التقييم على أساس مستوى الفساد، والضرائب المفروضة، والحماية الاقتصادية، والتضخم، والأسواق السوداء، والتدخل الحكومي. ومن بين اﻟ ١٥٧ دولةً الخاضعة للبحث والاستطلاع، يحصل أكثر من نصفها (٨١ دولة) على تقدير سالب. والأخطر أن المنطقة التي تحظى بأعلى تركيزٍ من الحريات «المكبوتة» في العالم هي منطقة الشرق الأوسط، خاصةً المملكة العربية السعودية، وإيران، والعراق، وليبيا، وأفغانستان.3 ومن واقع الأحداث الأخيرة، تؤكد منطقة الشرق الأوسط أطروحة ريد؛ فمعظم الدول العربية لا تزال تعاني من التفكك الاقتصادي، والاضطرابات السياسية، والصراع العسكري. «إذا تسلط الأشرار، يئن الشعب» (سفر الأمثال ٢٩: ٢). ويلخص الصحفي الاقتصادي هنري هازليت الأمر بشكلٍ جيدٍ بقوله: «لقد كانت الحكومات الاشتراكية، على الرغم من إداناتها للرأسمالية الإمبريالية، هي المصدرَ الأكبرَ للحروب الحديثة.»4

التجارة والتبادل التجاري يحطمان الحواجز

تُعرف منطقة الشرق الأوسط بالديكتاتوريات والتشدُّد الديني. ويبدو أن الكبت الاقتصادي يسير جنبًا إلى جنبٍ مع الكبت السياسي والديني، مثلما تؤدي الحرية الاقتصادية إلى حريةٍ سياسيةٍ ودينية.5 وقد أقام مونتسكيو، وآدم سميث، وغيرهما من المفكرين الليبراليين الحجة على أن التبادل التجاري المتحرر وروح الرأسمالية يحطمان مبدأ الوحدانية الثقافية والدينية والاجتماعية، فيما يدمران التعصُّب والتشدُّد. وقد رأى مونتسكيو العديد من الفضائل في «عالم التجارة المسالم»، قائلًا إن السعيَ وراء الربح يعمل بمنزلة أداة ردعٍ ضد انفعالات الحرب العنيفة والنفوذ السياسي التعسُّفي. وقد صرح مونتسكيو بأن «التجارة تداوي الانحيازات المدمرة. إنها تُهذِّب وتُخفِّف من حدة الأعراف والتقاليد البربرية … والأثر الطبيعي للتجارة هو أن تؤديَ إلى السلام.»6 وأيَّد آدم سميث مونتسكيو وعلمنا أن المجتمع التجاري يخفف الانفعالات ويمنع السقوط في غابة هوبزية.
يشجع العمل التجاري الناس على أن يصبحوا متعلمين ومكافحين ومنضبطين ذاتيًّا. وكما ينوِّه ألبرت هيرشمان: «إن روح التجارة تجلب معها روح التدبير، وروح الاقتصاد، وروح الاعتدال، وروح العمل، وروح الحكمة، وروح السكينة، وروح النظام، وروح التنظيم.»7 ورجال الأعمال عمليون؛ فهم بطبيعتهم يميلون إلى التسوية والتنازل، ومتسامحون مع وجهات النظر الأخرى. بل إن الهدف من العمل التجاري هو إشباع احتياجات الآخرين من خلال تطوير وإنتاج شيءٍ يحتاج إليه شخص آخر؛ بمقابلٍ بالطبع. وقد قال جون مينارد كينز ذات مرة: «خيرٌ للإنسان أن يعتديَ على حسابه البنكي من أن يعتديَ على أخيه المواطن.»8
يخلص الاقتصاديان جيرالد بي أودريسكول الابن، وسارة فيتزجيرالد إلى أن «الحقيقة هي أن الحلفاء والشركاء التجاريين أكثر ميلًا لحل الخلافات وتسويتها من اللجوء إلى النزاع المسلح.» ويستشهدان بدراسةٍ مبدعةٍ حلل فيها سولومون دبليو بالوتشيك ٣٠ زوجًا من الدول من عام ١٩٥٨ حتى ١٩٦٧، ووجد أن المستويات الأعلى من التبادل التجاري تُخمد نار الصراع: «إن الاتفاقيات التجارية تخمد الصراع؛ لأن مثل هذه العداوات تهدد المزايا الاقتصادية الأساسية التي تتوقع البلدان تحقيقها ويحققونها من خلال الاتفاقيات؛ فالتبادل الحر للسلع والبضائع يبني الثراء والرخاء لجميع الأطراف المعنية.»9

الحجج المؤيدة للتنافس الديني

ماذا عن الحرية الدينية؟ تُشتهر منطقة الشرق الأوسط أيضًا بافتقادها الحريةَ الدينيةَ والتنوعَ الديني. إن بعض المسيحيين البروتستانت يعيشون ويمارسون طقوسهم التعبدية هناك، ولكن تغيير العقيدة محظور، حتى في إسرائيل. والمصريون ينقسمون إلى طائفتين مسلمتين فقط؛ ولا يوجد يهود في البلاد تقريبًا، ولا تبشيريون مسيحيون. كما يُكنُّ الأصوليون الإسلاميون كراهيةً لفكرة الغرب (كما عبَّر عنها جون لوك) عن مجتمعٍ دينيٍّ حرٍّ تتنافس فيه الكنائس على ضم أعضاءٍ إليها. ووفقًا لأندرو سوليفان، فقد أصبحت أمريكا «واحدة من أكثر المجتمعات المدنية الدينية حيويةً على وجه الأرض»، كما أصبحت أمريكا بمنزلة «تقريع حي وملموس لكل شيءٍ يؤمنون به (أي طالبان وبن لادن).»10
ويزعم آدم سميث أن أي دينٍ رسميٍّ يولِّد التعصب، والتشدد، والاضطهاد. والأمثلة العديدة للحروب المقدسة التي خاضتها المسيحية، والإسلام، والأديان الأخرى المدعومة من الدولة تثبت أطروحة سميث. ولكن سميث ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ يدفع بأن خلق بيئةٍ تنافسيةٍ حرةٍ في الأديان أمر مفيد؛ فقد قال إن الحرية الطبيعية تحبذ «مجموعة كبيرة من الطوائف الدينية»، وهو الأمر الذي من شأنه أن يولِّد اهتمامًا بالدين ويشجِّع على زيادة نسبة الحضور في الكنيسة. «في قليلٍ من الطوائف الدينية، كانت أخلاقيات العامة تتَّسم بالنظام والانضباط إلى حدٍّ كبير، بشكلٍ يفوق كثيرًا ما تكون عليه الحال في الكنيسة الرسمية بوجهٍ عام.»11 ووفقًا لسميث، فإن من شأن المنافسة الدينية الحدَّ من التعصب والحمية وتعزيز التسامح والاعتدال والتدين العقلاني.

بإيجاز، يمكن أن تقطع جرعة جيدة من الأسواق المفتوحة ومن المنافسة في شتى مناحي الحياة شوطًا طويلًا نحو إحلال السلام، وجلب الرخاء، والنوايا الحسنة في هذا الجزء الخطير من العالم. وإلى أن يحدث ذلك، سوف يظلون يصرخون: «سلام، سلام، ولا سلام» (سفر إرميا ٨: ١١).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤