الفصل الثاني والثلاثون

التنبؤ بالانتخابات

الاقتصاديون يجيدونه أكثر!

المنافسة بين روَّاد الأعمال الساعين للربح هي التي لا تتهاون مع الإبقاء على الأسعار الزائفة …

لودفيج فون ميزس1

في ربيع عام ١٩٨٨، كان ثلاثة من أساتذة الاقتصاد بجامعة أيوا — فوريست نيلسون، وروبرت فورسيث، وجورج نيومان — يتناولون الغداء معًا حين طُرح موضوع انتخابات ولاية ميشيجان للحزب الديمقراطي. كانت الاستطلاعات قد أظهرت تصدُّر مايكل دوكاكيس في الانتخابات الأولية، ولكن كانت المفاجأة أن تبيَّن في الليلة السابقة أن جيسي جاكسون هو الفائز. تساءل أحد الاقتصاديين الثلاثة: «كيف يمكن للمستطلعين أن يخطئوا بهذا الشكل؟» وقال آخر: «لو أن المضاربين في كوميكس في شيكاجو يحددون أسعار الذرة لشهر نوفمبر بهذا السوء، لصاروا بلا عمل!» وكان التعليق الأخير هو ما دفع الاقتصاديين الثلاثة للتفكير. هل يمكن أن يكون هناك سوق للعقود الآجلة في السباقات السياسية حيث يمكن للمضاربين أداء مهمةٍ أفضل في التنبؤ بالانتخابات بشكلٍ أفضل من القائمين على الاستطلاعات؟

وهكذا انطلق برنامج أيوا للأسواق الإلكترونية. ومنذ عام ١٩٨٨، قامت هيئة التدريس بقسم الاقتصاد بكلية هنري بي تيبي للأعمال بجامعة أيوا، التي انخرطت بقوةٍ في الإحصائيات والتحليل الاقتصادي أكثر من العلوم السياسية، بتقديم نسختها الخاصة من التنبؤ بالانتخابات. يقدم برنامج أيوا للأسواق الإلكترونية عقودًا آجلة عن نتيجة الانتخابات الرئاسية والنيابية، وأحيانًا سباقات انتخابات مجلس الشيوخ المهمة. فيقوم المضاربون بالمراهنة بالنقود (حتى ٥٠٠ دولارٍ للشخص الواحد) على مَن سيفوز بالسباق الرئاسي وإن كان الجمهوريون أم الديمقراطيون هم من سوف يسيطرون على الكابيتول هيل.

من يتنبأ أفضل: جالوب أم أيوا للأسواق الإلكترونية؟

ماذا كانت النتائج؟ الأدلة واضحة حتى الآن على أن مضاربي أيوا للأسواق الإلكترونية ككلٍّ يُبلون بلاءً أفضل من المستطلعين المحترفين في التنبؤ بنتائج الانتخابات، وبتكلفةٍ أقل بكثير؛ ففي تلخيصٍ للأدلة من ٤٩ سوقًا انتخابية تابعة لبرنامج أيوا للأسواق الإلكترونية بين عامَي ١٩٨٨ و٢٠٠٠، خلص اقتصاديون ماليون من أيوا إلى أن: (أ) أخطاء مضاربي أيوا للأسواق الإلكترونية في التنبؤ عشية يوم الانتخابات كانت، في المتوسط، أقل من ٢ بالمائة، (ب) استطلاع الرأي ثبت أنه يكون أكثر تقلبًا أثناء الحملة الانتخابية، (ﺟ) لنحو ٧٠ بالمائة من الوقت تفوَّق مضاربو أيوا للأسواق الإلكترونية على المستطلعين في التنبؤ بالنسب المئوية لنتيجة الانتخابات أثناء فترة عمل الحملة. وعن ذلك يقولون: «يبدو أن السوق [أسواق أيوا الإلكترونية] تتنبأ بنتائج الانتخابات بشكلٍ أدق من استطلاعات الرأي قبلها بشهور.»2 وهذا على الرغم من حقيقة أن مضاربي أسواق أيوا الإلكترونية يختلفون اختلافًا كبيرًا عن عينةٍ تمثيليةٍ من الناخبين.
قام أساتذة أيوا الثلاثة مؤخرًا بتحديث الإحصائيات ووجدوا أن برنامج أسواق أيوا الإلكترونية قد حسَّن قدرته على التنبؤ بالانتخابات مقارنة بالمستطلعين المحترفين. ويخلصون إلى ما يلي: «لقد قارنَّا توقعات السوق بتوقعات ٩٦٤ استطلاعًا للرأي على مدار خمسة انتخاباتٍ رئاسيةٍ منذ عام ١٩٨٨. إن السوق أقرب إلى النتيجة النهائية بنسبة ٧٤ بالمائة من الحالات. علاوةً على ذلك، تتفوق السوق بشكلٍ كبيرٍ في أدائها على أداء استطلاعات الرأي في كل انتخاباتٍ عند التنبؤ بها سلفًا بأكثر من ١٠٠ يوم.»3

مَن الفائز في عام ٢٠٠٠: بوش أم جور؟

أدار برنامج أيوا للأسواق الإلكترونية أسواقًا في خمسة انتخاباتٍ رئاسيةٍ أمريكية؛ فقد تنبأت الأسواق الآجلة السياسية بدقةٍ هائلةٍ بانتخاب جورج إتش دبليو بوش في عام ١٩٨٨، وبيل كلينتون في عام ١٩٩٢، وإعادة انتخاب جورج دبليو بوش في عام ٢٠٠٤. ماذا عن عام ٢٠٠٠؟ هنا تنبأت أسواق أيوا الآجلة بسباقٍ شديد التقارب؛ فوفقًا للسوق الآجلة، كان جورج دبليو بوش وآل جور شبه متعادلين من شهر مايو حتى سبتمبر، حين حقق جور تقدمًا ضئيلًا. ومن خلال المناظرات تبخَّر تقدُّم جور، ليتقدم بوش بشكلٍ طفيف. ولكن قبل يومين من الانتخابات، تحولت دفة التقدم إلى جور. وأخيرًا، في عشية يوم الانتخابات، تحولت الدفة مرة أخرى بالكاد إلى بوش. في المقابل، أظهرت استطلاعات الرأي تقدُّم بوش بشكلٍ كبيرٍ من أبريل حتى منتصف أغسطس، ثم طفرة كبيرة نسبيًّا لجور (تلك الطفرة التقليدية التي تلي المؤتمرات الانتخابية للحزب) حتى منتصف سبتمبر، وانتعاشًا كبيرًا نسبيًّا لبوش في ليلة الانتخابات. «هكذا، وخلال الانتخابات، أظهر برنامج أسواق أيوا الإلكترونية سباقًا متقاربًا بشكلٍ مطلق، أكثر تقاربًا مما أظهرته استطلاعات الرأي.»4

غير أن مضاربي أسواق أيوا الإلكترونية كانوا لا يزالون يتنبئون بانتصارٍ محدودٍ في التصويت الشعبي لصالح بوش في ليلة الانتخابات، بينما في الحقيقة فاز جور بنسبة ٠٫٢ بالمائة بينما خسر تصويت الهيئة الانتخابية بصوتٍ واحد. وهكذا، كان من المثير أن المضاربين الذين دفعوا نحو ٥١٠ دولارات عشية الانتخابات مراهنين على فوز بوش قد خسروا استثمارهم بأكمله، بينما هؤلاء الذين دفعوا نحو ٤٨٠ دولارًا مراهنين على فوز جور قد ربحوا عائدًا قيمته ١٠٠٠ دولار. لقد كانت السوق القائمة على مبدأ «الفائز يحصل على كل شيء»، فيما يتعلق بالرؤساء، قائمةً على إجماع الأصوات، وليس على أصوات الهيئة الانتخابية. لقد كانت الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٠٠ تجربةً ممتعةً ممزوجةً بالمرارة لكلٍّ من المضاربين الجمهوريين والديمقراطيين على حدٍّ سواء.

ومثل الأسواق الآجلة في شيكاجو ونيويورك، قد لا يزال مضاربو أسواق أيوا الإلكترونية على الجانب الخطأ من المضاربة، وقد لا يزال إجماع السوق الكلية يرتكب أخطاءً شأنه شأن المستطلعين؛ فقد حدث خطأ آخر في التنبؤ في انتخابات الكونجرس لعام ٢٠٠٦؛ إذ تنبَّأ مضاربو أسواق أيوا الإلكترونية بفوز الديمقراطيين بالمجلس (وكان تنبُّؤًا دقيقًا) واحتفاظ الجمهوريين بمجلس الشيوخ (ولم يكن تنبؤًا دقيقًا). وأفضل ما يمكن أن نقوله هو أن الأسواق الآجلة في السياسة تميل بالفعل إلى تقليل الأخطاء لأقصى حدٍّ؛ فهم على صوابٍ معظم الوقت. ولكن الأمر كذلك أيضًا بالنسبة إلى استطلاعات الرأي.

لماذا يتفوَّق المضاربون على المستطلعين

السؤال الأكثر إثارةً هو: لماذا يُجيد مضاربو الأسواق الآجلة التكهُّن بنتائج الانتخابات أكثر من المستطلعين المحترفين؟ هل هو الحظ، أم أن لديهم بعضَ المزايا الاقتصادية؟ يقدِّم الاقتصاديون سببين أساسيين لذلك؛ الأول: أن المضاربين يبدو أن لديهم دافعًا ربحيًّا أقوى في التنبؤ بنتيجة أي انتخابات؛ فنظرًا لأنهم يضعون أموالهم رهن المخاطرة، يميلون إلى الوثوق أكثر بالتنبؤات، وهم على استعدادٍ لبذل الوقت والجهد لاستطلاع مَواطن الضعف والقوة لدى المرشحين بمزيدٍ من التعمُّق. وما لا يمكن إنكاره أن جالوب والمستطلعين المحترفين الآخرين لهم أيضًا مصلحة مادية في إجراء تنبؤاتٍ دقيقةٍ بالانتخابات، ولكنهم يواجهون عقبة حتمية؛ فالإعلام الرسمي يستطلع آراء الناخبين بسؤال: «لو أُجريت الانتخابات اليوم، لمن ستصوت؟» ولكي يكونوا أكثر دقةً، ينبغي أن يسألوا الناخبين: «مَن ستراهن على فوزه بالانتخابات في نوفمبر؟» ومن ثَمَّ لا يكون للعامة مصلحة مكتسبة من أخذ السؤال على محمل الجِد. فيمكن أن تكون إجاباتهم متقلبة، وقد يكذبون في بعض الأحيان؛ ونتيجةً لذلك تتباين الاستطلاعات المنشورة بشكلٍ كبيرٍ بمرور الوقت. وأحيانًا ما تكون الاستطلاعات خاطئة تمامًا، ولعل أشهر الأمثلة على ذلك ما حدث في الانتخابات الرئاسية بين ترومان وديوي عام ١٩٤٨.

أما السبب الثاني، فيتمثل في أن السوق تقوم بتجميع معلومات المضاربين المتنوعة بأسلوبٍ أكثر فعاليةً وديناميكية. وقد أشار الاقتصادي النمساوي إف إيه هايك إلى هذه النقطة منذ سنواتٍ حين نوَّه بأن الأسواق لها دور مزدوج؛ فهي تخصص الموارد لتحقيق أقصى استخدامٍ مثمرٍ لها، وخلال عملية الاكتشاف تسارع إلى توفير المعلومات عن قيمة هذه الموارد.5

تواجه الأساليب التقليدية للتنبؤ بالانتخابات، مثل استطلاع الرأي، بعضَ الصعوبة في تقدير القوى الديناميكية العاملة أثناء عمليةٍ انتخابيةٍ ما، بينما يقوم مضاربو برنامج أسواق أيوا الإلكترونية بدمج استطلاعات الرأي، ودراسات التسويق، وأبحاث السوق، والبيانات الاقتصادية، والقَبول الكاريزمي، ومعلوماتٍ أخرى لتحسين قدرتها التنبُّئِية. فالناخبون الفرديون لديهم حافز محدود يدفعهم لأن يصبحوا خبراء في نتائج أي انتخابات — فهم يميلون إلى الاحتكام إلى ضمائرهم أو مصلحتهم المكتسبة — بينما يحتاج المضاربون إلى أن يأخذوا في الاعتبار أكبر قدرٍ ممكنٍ من المعلومات ذات الصلة لتحقيق النجاح في السوق.

مَن مِن المرجح أن يتولى زمام الكونجرس ومجلس الشيوخ أو الرئاسة في نوفمبر؟ زُرْ موقع www.biz.uiowa.edu/iem. يمكنك مشاهدة النتائج سواءٌ أراهنت أم لا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤