الفصل الثالث

الكواكب العملاقة

الكواكب العملاقة هي الأجرام المهيمنة على المجموعة الشمسية؛ شريطة اعتبار الحجم هو الشيء المهم، والاستعداد للتغاضي عن الشمس نفسها. ويَعْرض النصفُ السفلي من الشكل رقم ٢-١ الكواكبَ العملاقة الأربعة بنفس مقياس الرسم، وهو يبين إلى أي مدًى يُعد حجمها كبيرًا مقارنة بالكواكب الأرضية. وقد الْتُقط منظر كوكب أورانوس بواسطة تليسكوب هابل الفضائي الموجود في مدار حول كوكب الأرض، في حين تظهر الكواكب العملاقة الأخرى كما رُصدت بواسطة مركبات فضائية اقتربت منها. وليست كتلة هذه الكواكب سببًا في تميُّزها لأنها أقل كثافة من الكواكب الأرضية؛ فلا تزيد كثافة كوكب المشتري على ٢٤٪ من كثافة كوكب الأرض، بل إن كوكب زحل أقل كثافة، وربما يطفو إذا سقط في مسطح مائي افتراضيٍّ كبيرٍ بما يكفي. وجميع هذه الكواكب لها حلقات في مستواها الاستوائي، بالرغم من أن حلقات كلٍّ من زحل وأورانوس هي فقط البارزة بما يكفي بحيث تكون مرئية في الشكل رقم ٢-١. وبالرغم من أن الحلقات تبدو صلبة، فإنها تتشكل من كم هائل من الجسيمات الدوارة، وهي ضعيفة للغاية. والفصل الرابع يسلط الضوء على هذه الحلقات، إضافة إلى الأقمار التابعة للكواكب العملاقة.

ومن المتعارف عليه أن حجم أي كوكب عملاق يقاس بدءًا من قمة سُحُبه، وتوجد هذه السحب في طبقة التروبوسفير الخاصة بالكوكب، والتي يعلوها طبقات شفافة ذات كثافة تتناقص باستمرار، وهي قابلة للتصنيف بنفس الطريقة التي يتم بها التعامل مع الغلاف الجوي لكوكب الأرض. وقاعدة طبقة التروبوسفير في الكوكب العملاق يصعب تحديدها، ولم يتم استكشافها قط حتى في حالة كوكب المشتري؛ إذ إنه في عام ١٩٩٥ وصل مسبار أطلقته مركبة الفضاء «جاليليو» إلى عمق ١٦٠ كيلومترًا أسفل قمم السحب قبل أن يحطمه الضغط (ضغط ٢٢ غلافًا جويًّا معًا)، ودرجة الحرارة (١٥٣ درجة مئوية). الأرجح أن طبقة التروبوسفير في الكوكب العملاق تندمج بإحكام مع الجزء الداخلي المائع في درجات حرارة وضغوط مرتفعة جدًّا، لدرجة لا يمكن التمييز عندها بين الغاز والمائع. وبالتأكيد ليس هناك سطح صلب استطاع أن يقف عليه إنسان قط.

الجدول رقم ٣-١ يعرض البيانات الأساسية الخاصة بالكواكب العملاقة. والأقطار القطبية المذكورة أقل من الأقطار الاستوائية؛ لأن معدل الدوران السريع (انظر جدول رقم ١-٢) يؤدي إلى تسطُّح أشكالها. والقطر القطبي لكوكب المشتري أقل بنسبة ٦٫٥٪ من قطره الاستوائي، والقطر القطبي لكوكب زحل أقل بنسبة ١٠٪ من قطره الاستوائي. ولا يزيد الفارق على نحو ٢٪ في حالة كوكبَي أورانوس ونبتون الأقل غازية، والأكثر بطئًا في الدوران (وأقل من ١٪ بالنسبة لكل كوكب أرضي).

(١) باطن الكواكب العملاقة

جدول ٣-١: البيانات الأساسية الخاصة بالكواكب العملاقة. لاحِظ أن وحدات الكتلة أكبر ألف مرة منها في حالة الكواكب الأرضية الموضحة في الجدول رقم ٢-١.
الكتلة (١٠٢٧كجم) القطر القطبي (كم) الكثافة (١٠٣كجم م−٣) الجاذبية عند قمم السحب (م.ث−٢) درجة الحرارة عند قمم السحب (درجة مئوية)
المشتري ١٫٩٠ ١٣٣٫٧٠٠ ١٫٣٣ ٢٣٫١ −١٥٠
زحل ٠٫٥٦٩ ١٠٨٫٧٢٠ ٠٫٦٩ ٩ −١٨٠
أورانوس ٠٫٠٨٦٨ ٤٩٫٩٤٠ ١٫٣٢ ٨٫٧ −٢١٤
نبتون ٠٫١٠٢ ٤٨٫٦٨٠ ١٫٦٤ ١١٫١ −٢١٤
ليست هناك طريقة بسيطة تتم بها دراسة باطن الكواكب العملاقة، لكن يمكننا استخدام تركيب الغلاف الجوي (٩٩٪ هيدروجين وهليوم)، ومعرفتنا العامة بتركيب المجموعة الشمسية ككلٍّ، من أجل بناء نموذج يتوافق مع الكثافة المقاسة لتلك الكواكب، ومع الضغوط الداخلية التي يمكن أن نستنتجها بناءً على هذا. لا بد أن كل كوكب عملاق يمتلك أسفل غلافه الجوي منطقة تتكون في الأساس من جزيئات هيدروجين H2 وذرات هليوم He، في حالة يكون من الأفضل أن نطلق عليها «مائعة» بدلًا من «سائلة» أو «غازية». وفي المركز، يوجد على الأرجح لب داخلي صخري تبلغ كتلته نحو ثلاثة أضعاف كتلة كوكب الأرض في حالة كوكبَي المشتري وزحل، وتُعادل كتلة كوكب الأرض في حالة أورانوس ونبتون. ولا بد أنه يحيط باللب الداخلي لبٌّ خارجي من «الجليد» مكوَّن من نسب غير معلومة من الماء والأمونيا والميثان، يعادل نحو ضعفَي كتلة كوكب الأرض في حالة كوكب المشتري، وربما يعادل ستة أضعاف كتلة كوكب الأرض في حالة كوكب زحل، واثني عشر ضعفًا في حالة كوكب أورانوس، وخمسة عشر ضعفًا في حالة كوكب نبتون. ولا ندري ما إذا كانت هذه الألباب الخارجية والداخلية منصهرة أم جامدة؛ لأنه بالرغم من قدرتنا على تقدير الضغط (٥٠ مليون ضغط جوي في مركز كوكب المشتري)، فنحن لا نعلم تركيبها، وليست لدينا سوى فكرة غامضة عن درجة الحرارة المحتملة (التي تتراوح بين ما يزيد على ١٥ ألف درجة مئوية في مركز كوكب المشتري، ونحو ٢٢٠٠ درجة مئوية في الحافة الخارجية من لب كوكب نبتون). وفهْمنا لسلوك المواد في ظل ظروف متطرفة كهذه فَهمٌ قاصر؛ فنحن لا نعرف ما إذا كان الحديد المعدني يمكن أن يختلف عن الصخر ويغوص نحو المركز لتكوين لب داخلي. وربما يكون حتى لب كلٍّ من أورانوس ونبتون عبارة عن كتل ممتزجة غير متمايزة من الجليد والصخر.
وتزيد كتلة الأجزاء الخارجية من كوكبَي أورانوس ونبتون المُكوَّنة من الهيدروجين والهليوم على كتلة كوكب الأرض بقدر يسير، وهذه الأجزاء تشمل هياكل يبلغ سمكها ٦ آلاف كيلومتر. ومع ذلك، يوجد لدى كلٍّ من «العملاقين الغازيين» — المشتري وزحل — غطاءٌ أكثر عمقًا بكثير؛ يتكون من الهيدروجين والهليوم، ويحيط باللب الخاص به، وتزيد كتلته على كتلة كوكب الأرض ﺑ ٣٠٠ و٨٠ ضعفًا، على التوالي. وتطويع الهيدروجين أسهل من تطويع الجليد أو الصخر. والعلماء على يقين من أنه في ظل ضغوط تزيد على نحو مليونَي ضغط غلاف جوي، تنضغط ذرات الهيدروجين بإحكام شديد معًا، لدرجة أن الإلكترونات تتحرر من الارتباط بذرات بعينها. وعوضًا من ذلك، تستطيع الإلكترونات التجول في بحر من الهيدروجين يسلك سلوك المعادن المنصهرة. وحرية حركة الإلكترونات هذه تجعل «الهيدروجين المعدني» موصلًا ممتازًا للكهرباء. والأرجح أن هيكلًا من الهيدروجين المعدني (مع بعض الهليوم المذاب فيه) الذي يحيط بلب كوكب المشتري تعادل كتلته نحو ٢٦٠ ضعفًا من كتلة كوكب الأرض (أي ٨٠٪ من الكتلة الإجمالية لكوكب المشتري)، في حين يُعتقد أن كتلة الهيكل المحيط بلُبِّ كوكب زحل لا تُعادل سوى ٤١ ضعفًا من كتلة كوكب الأرض (أي أكثر من ٤٠٪ من الكتلة الإجمالية لكوكب زحل). ويسلط الشكل رقم ٣-١ الضوء على التركيب الداخلي الكامل لكوكب المشتري.
fig17
شكل ٣-١: رسم تخطيطي يبين الطبقات الداخلية المفترضة داخل كوكب المشتري. موضح بالرسم أسماء المناطق (ذات اللون الفاتح) والأحزمة (ذات اللون الداكن) الرئيسية الخاصة بقمم السحب في طبقة التروبوسفير.

وربما لا يزال التركيب الداخلي للكواكب العملاقة في حالة من التطور؛ لأنها — ربما باستثناء كوكب أورانوس — تطلق جميعًا حرارة إلى الفضاء أكثر من الحرارة التي تستقبلها من الشمس. وكوكب المشتري ضخم جدًّا للدرجة التي يمكن أن تجعله قادرًا إلى الآن على أن يطلق كمًّا كبيرًا من الحرارة البدائية المحتجزة منذ نشأته. أما بالنسبة لزحل ونبتون، فإن فائض الحرارة هذا يبين أن الحرارة تتولد فعليًّا بداخلهما. والتباين كبير جدًّا لدرجة لا تجعلها حرارة إشعاعية المنشأ؛ لذا التمايز الداخلي قد لا يزال قائمًا. وغوص المادة الأكثر كثافة عن المتوسط نحو الداخل (ما يسمح بنشوء هيكل داخلي في حين يصبح الهيكل المحيط أرق وأنقى) يمكن أن يحوِّل طاقة وضع الجاذبية إلى حرارة. ويمكن أن تصدر هذه الحرارة من النمو المستمر للُّب (أو اللُّب الداخلي)، أو — في حالة كوكب زحل فقط — من غوص قطيرات الهليوم إلى داخل طبقة الهيدروجين المعدني للكوكب.

(٢) الأغلفة الجوية

(٢-١) التركيب

على النقيض من فهمنا القائم على أساس التكهُّن المعقول بشأن الأجزاء الداخلية للكواكب العملاقة، يمكن أن يعتمد فهمنا للأغلفة الجوية أكثر على الملاحظة والقياس. ويمكن قياس تركيب السحب والطبقات التي تعلوها عن طريق التحليل الطيفي، وهو دراسة الكيفية التي يُمتص بها الضوء الشمسي ذو الأطوال الموجية المختلفة عند أعماق مختلفة داخل الغلاف الجوي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحديد متوسط الكتلة الجزيئية عند كل عمق من خلال مقدار الانكسار الذي يحدث للإشارات اللاسلكية التي ترسلها مركبة فضاء بينما تختفي عن الأنظار خلف الكوكب. كذلك أجرى مسبار «جاليليو» العديد من القياسات داخل الغلاف الجوي لكوكب المشتري خلال هبوطه عليه. ويعقد الجدول رقم ٣-٢ مقارنة بين الأغلفة الجوية للكواكب العملاقة الأربعة من حيث تركيبها الكيميائي. وإضافة إلى الأنواع المذكورة بالجدول، يحتوي كل غلاف جوي على كميات أصغر من الأسيتيلين C2H2، ويحتوي الغلاف الجوي لكوكب المشتري على الإيثيلين C2H4، ويحتوي الغلاف الجوي لكلٍّ من المشتري وزحل على الفوسفين PH3، وأول أكسيد الكربون CO، والجيرمان GeH4.
جدول ٣-٢: الغازات المكتشفة في الأغلفة الجوية للكواكب العملاقة، مع توضيح النسبة المقاسة التي يشكلها كلٌّ منها.
المشتري زحل أورانوس نبتون
الهيدروجين H2 ٠٫٩٠ ٠٫٩٦ ٠٫٨٣ ٠٫٨٠
الهليوم He ٠٫١٠ ٠٫٠٣ ٠٫١٥ ٠٫١٩
الميثان CH4 ٣ × ١٠−٣ ٤٫٥ × ١٠−٣ ٠٫٠٢٣ ٠٫٠١٥
الأمونيا NH3 ٣ × ١٠−٤ ١ × ١٠−٤
الماء H2O ٤ × ١٠−٦ أقل من ٢ × ١٠−٩
كبريتيد الهيدروجين H2S أقل من ١ × ١٠−٧ أقل من ٢ × ١٠−٧
الإيثان C2H6 ٦ × ١٠−٦ ٢ × ١٠−٧ ١٫٥ × ١٠−٦
السحب المرئية الأمونيا الأمونيا الميثان الميثان
والطبقة العليا من السحب المتصلة على كوكبَي أورانوس ونبتون تتكون من جسيمات ثلج الميثان. وهذه الطبقة تكون دافئة جدًّا بحيث تمنع تكاثف الميثان على كوكبَي المشتري وزحل، في حين تتكاثف جسيمات ثلج الأمونيا لتشكيل السحب العليا. ويبلغ سمك طبقات السحب العليا هذه نحو ١٠ كيلومترات، والتي يصبح «الهواء» أسفل منها صافيًا من جديد على الأرجح. وتشير الحسابات إلى أنه في حالة كوكب المشتري، لا بد أن تكون هناك طبقة ثانية من السحب المكونة من بيكبريتيد الأمونيوم NH4HS أسفل الطبقة الأولى بنحو ٣٠ كيلومترًا، وطبقة سحابية ثالثة مكونة هذه المرة من الماء (جليد في أعلاها وقطيرات ماء سائل في أسفلها) تقع أسفل الطبقة الثانية بنحو ٢٠ كيلومترًا. وقد اكتشف مسبار «جاليليو» سحبًا من بيكبريتيد الأمونيوم — على الأرجح — في العمق المناسب تقريبًا، لكنه لم يعثر على أي سحب من ثلج الماء. يقول البعض إن تلك النماذج خاطئة، في حين يقول البعض الآخر إن المسبار اخترق فجوة تفصل بين سحب متقطعة من ثلج الماء. ويُتوقع أن تكون هناك نفس طبقات السحب في كوكب زحل، لكن المسافة بين كل طبقة وأخرى تكون أكبر بنحو ثلاثة أضعاف؛ لأن جاذبية كوكب زحل أقل من جاذبية كوكب المشتري. والسحب الحاملة للأمونيا يُتوقع أن توجد أسفل سحب الميثان في كلٍّ من كوكبَي أورانوس ونبتون.

الضغط الجوي عند قمة سحب الأمونيا في كوكب المشتري أقل بمعامل قدرُه مرتان أو ثلاث مرات عن الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر على كوكب الأرض، في حين يقترب الضغط عند قمم السحب على الكواكب العملاقة الأخرى من الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر على كوكب الأرض.

(٢-٢) دوران الغلاف الجوي

يمكن رصد نمط عام من الأشرطة السحابية التي تتحرك بموازاة خط الاستواء على كوكب المشتري حتى عند استخدام تليسكوب صغير. ويتكرر نمط مشابه على نحو أقل وضوحًا في الكواكب العملاقة الأخرى. ولا بد أن يكون للتسخين الشمسي دورٌ ما في دوران هذا الجزء المرئي من أغلفتها الجوية، لكن يبدو أن هذا الدوران يحدث — في الأغلب — بفعل الحرارة الداخلية، ويخضع لمعدل دوران الأغلفة الجوية السريع حول محور الكواكب.

عادة ما يُطلق على الأشرطة الداكنة من السحب اسم «الأحزمة»، وعلى الأشرطة الفاتحة التي تتخللها اسم «المناطق». عَرَضَ الشكل رقم ٣-١ لأسماء الأحزمة والمناطق الرئيسية على كوكب المشتري. ولأنه ليس هناك سطح صلب يقوم مقام الإطار المرجعي، تقاس سرعات الرياح على الكواكب العملاقة استنادًا إلى متوسط معدل دوران الكوكب حول محوره. وعلى كوكب المشتري، تهب الرياح التي تعلو قمم السحب صوب الشرق بسرعة تصل إلى ١٣٠ مترًا في الثانية عبر أغلب المنطقة الاستوائية. وحواف الأحزمة الشمالية والجنوبية المتاخمة لها نفس هذه الحركة، لكن سرعة الريح تتناقص وتعكس اتجاهها في نهاية الأمر، مع الابتعاد عن خط الاستواء عبر كل حزام إلى أن تصل إلى المناطق الاستوائية؛ حيث ينعكس اتجاه الرياح مرة أخرى، وهكذا تتكرر عملية تغيير الاتجاهات عبر كل حزام وكل منطقة إلى أن يتم الوصول إلى المناطق القطبية.
في مناطق كوكب المشتري، يرتفع الغلاف الجوي في الغالب؛ ما يؤدي إلى تكاثف سحب الأمونيا لأعلى حيث تبدو بطبيعة الحال لامعة. وعلى العكس، ينخفض الغلاف الجوي في الغالب في الأحزمة؛ حيث تنسحب قمم السحب إلى أسفل وصولًا إلى مستوى عمق تظهر عنده أكثر قتامة. وقد تم التعرف على استثناءات لهذا النمط على كوكب المشتري. ويبدو أن هذه القاعدة العامة للمناطق الصاعدة والأحزمة الهابطة قلما تنطبق على الكواكب العملاقة الأخرى، التي يكون من الأصعب فيها فهْم دوران الأغلفة الجوية. ثمة عامل يزيد الأمرَ تعقيدًا، ويؤثر على القدرة على رصد المناطق والأحزمة، وهو القصور في فهم طبيعة وكم المركبات التي تضيف لونًا للسحب، والتي يُتوقع أن تكون ناتجة عن التفاعلات الكيميائية الضوئية؛ فمن الممكن أن يُعزَى اللونان الأحمر والأصفر لسحب كوكب المشتري إلى الكبريت (الذي ينطلق بفعل النشاط الكيميائي الضوئي إما من كبريتيد الهيدروجين وإما من هيدروكبريتيد الأمونيا)، أو الفوسفور (من الفوسفين)، أو الهيدرازين (N2H4، الذي ينتج بفعل النشاط الكيميائي الضوئي من الأمونيا).

والتنويعات اللونية أقل وضوحًا في الغلاف الجوي لكوكب زحل، كما أن نمط المناطق والأحزمة أقل بروزًا، لكن سرعات الرياح تكون أعلى؛ حيث تزيد سرعة الرياح التي تهب صوب الشرق على ٤٠٠ متر في الثانية، وتتوغل حتى ١٠ درجات على أيٍّ من جانبَي خط الاستواء.

وأنظمة العواصف الدوارة شائعة جدًّا في كلٍّ من كوكبَي المشتري وزحل. وأشهر تلك الأنظمة نظام «البقعة الحمراء العظيمة» في كوكب المشتري، والذي يمكن ملاحظته في الشكل رقم ٢-١ على هيئة بقعة بيضاوية تمتد في الحاجز بين الحزام الاستوائي الجنوبي والمنطقة الاستوائية الجنوبية. وتغطي هذه البقعة ٢٦ ألف كيلومتر من الشرق إلى الغرب، ويكون شكلها حلزونيًّا، وتستغرق نحو ستة أيام للدوران في عكس اتجاه عقارب الساعة. وتظهر تلك البقعة في المشاهدات التليسكوبية — على الأقل — منذ عام ١٨٣٠. ويمكن أن تتشكل عواصف أصغر حجمًا بنطاقات مختلفة على كلٍّ من كوكبي المشتري (انظر طول الحزام المعتدل الشمالي في الشكل رقم ٣-١) وزحل. وغالبًا ما يتشوه شكل كوكب زحل — مرة كل ٣٠ عامًا، تقريبًا، خلال الصيف في نصفه الشمالي — بفعل نظام عواصف عملاق يبدأ على هيئة بقعة بيضاء بالقرب من خط الاستواء، لكنه يمكن أن ينتشر خلال شهر ليحيط بالكوكب قبل أن يختفي عن الأنظار تدريجيًّا.

وفي حين يبدو كلٌّ من كوكبَي المشتري وزحل مائلين للصفرة، يبدو كوكبا أورانوس ونبتون أخضرين مائلين للزرقة؛ وذلك يرجع إلى أننا نرى قمم سحبهما من خلال طبقة توجد تحتهما من غاز الميثان الذي يمتص الضوء (الأحمر) ذا الأطوال الموجية الأطول.

وميل محور كوكب أورانوس بمقدار ٨٢٫١ درجة يؤدي إلى تباين جامح في الظروف المناخية الموسمية؛ فعلى سبيل المثال، عندما مرت مركبة الفضاء «فويدجر ٢» — وهي مركبة الفضاء الوحيدة التي زارت كوكب أورانوس إلى الآن — بالكوكب في عام ١٩٨٦، كان القطب الجنوبي مغمورًا تمامًا بضوء الشمس، وكان يعاني أغلب النصف الشمالي من الكوكب عقودًا من الظلام. وفي الصور التي التقطتها «فويدجر»، بدا النصف الجنوبي من الكوكب بلا ملامح واضحة؛ ما أثار حالة من الإحباط، لكن بمرور الوقت خلال العام، ومع بدء الشمس في الشروق والغروب على نطاق أوسع من دوائر العرض، أضحى الكوكب أكثر شبهًا بالكواكب العملاقة الأخرى (انظر الشكل رقم ٣-٢). وفي عام ٢٠٠٧، مر كوكب أورانوس باعتداله (أي تَساوِي ليله ونهاره)، وبدأ القطب الجنوبي الذي تبعه تدريجيًّا بقية النصف الجنوبي في الدخول في ظلام طويل الأمد سيبلغ ذروته في منتصف الشتاء الجنوبي عام ٢٠٢٨.
fig18
شكل ٣-٢: المنظر العلوي: كوكب أورانوس كما تم رصده بواسطة تليسكوب هابل الفضائي في أغسطس ١٩٩٨ (الصورة اليسرى)، ويوليو ٢٠٠٦ (الصورة اليمنى). ويتضح التغير الحادث في اتجاه محور الكوكب بالنسبة إلى الشمس من نمط أشرطة الغلاف الجوي. والمنطقة المحيطة بالقطب الجنوبي كانت لا تزال في ضوء الشمس في عام ١٩٩٨، لكن المحور أصبح مواجهًا للشمس بزاوية، وذلك بحلول عام ٢٠٠٦. وتظهر السحب اللامعة العالية في أقصى شمال الصورة التي الْتُقطت عام ١٩٩٨، التي تُظهر أيضًا الحلقات والعديد من الأقمار الداخلية. وكانت الحلقات غير مرئية في عام ٢٠٠٦، لكننا عوضًا عن ذلك يمكننا أن نرى أحد الأقمار الأساسية (أرييل) وظله. المنظر السفلي: صورتان لكوكب نبتون التقطتهما مركبة الفضاء «فويدجر ٢» خلال اقترابها منه عام ١٩٨٩. وتبرز البقعة المظلمة العظيمة وما يرتبط بها من حزم السحب النيتروجينية الرقيقة المرتفعة واللامعة. لاحظ أيضًا التركيب الشريطي العام، ووجود بقعة مظلمة أصغر حجمًا مع التوغل جنوبًا.
وعندما اتضحت تفاصيل كوكب نبتون خلال رحلة «فويدجر ٢» عام ١٩٨٩ التي مرَّت بجانبه، كان الكوكب أشبه بنسخة زرقاء من كوكب المشتري، بل إنه كان يوجد به نظام عواصف عملاق في صورة بقعة مظلمة تقع جنوب خط الاستواء، حملت اسم «البقعة المظلمة العظيمة»، وذلك على غرار «البقعة الحمراء العظيمة» الخاصة بكوكب المشتري، لكن هذه البقعة ثبت أنها قصيرة الأمد، وقد تلاشت بالفعل بحلول عام ١٩٩٤. وعلى العكس من كلٍّ من كوكبَي المشتري وزحل، تهب الرياح الاستوائية على كوكب نبتون باتجاه الغرب (على عكس دوران الكوكب حول محوره)، كما يُرى من خلال الانحراف جهة الغرب للبقعة المظلمة العظيمة مقارنةً بالبقعة الأصغر حجمًا، والأكثر قربًا من الجنوب البادية في الشكل رقم ٣-٢.

(٣) الأغلفة المغناطيسية

لكل كوكب عملاق مجال مغناطيسي قوي. و«العزم المغناطيسي الثنائي القطب» لكوكب نبتون، وهو المقياس التقليدي لمجال الكواكب المغناطيسي، أكبر ٢٥ ضعفًا من العزم المغناطيسي الثنائي القطب لكوكب الأرض. وبالنسبة لكلٍّ من أورانوس وزحل والمشتري، يعادل هذا العزم المغناطيسي على الترتيب ٣٨ و٥٨٢ و١٩٤٩ ضعفًا من العزم المغناطيسي الثنائي القطب لكوكب الأرض. ولتوليد هذه المجالات المغناطيسية، من المفترض أن يحتوي كل كوكب على نطاق به مائع موصل للكهرباء، يخضع لنوعٍ ما من الحركة عن طريق الحمل الحراري. ويرجع المجال المغناطيسي في كوكبَي عطارد والأرض إلى الهيكل المائع المحيط باللب الحديدي لكلٍّ منهما. أما المجالان المغناطيسيان الخاصان بالمشتري وزحل، فيتولدان — على الأرجح — في طبقة الهيدروجين المعدني، ويتحركان بفعل الدوران السريع نسبيًّا للكوكبين. وتكون الضغوط منخفضة جدًّا بالنسبة للهيدروجين المعدني في كوكبَي أورانوس ونبتون؛ ومن ثم يكون من الصعوبة تقدير مجاليهما المغناطيسيين، لكن يتولد هذان المجالان المغناطيسيان — على الأرجح — بفعل الحركة داخل «الجليد» الموصل للكهرباء الموجود في اللب الخارجي لكلا الكوكبين.

ومن النتائج المترتبة على امتلاك الكوكب مجالًا مغناطيسيًّا (وهو الأمر الذي ينطبق على كوكبَي عطارد والأرض) أنه يحصر الكوكب داخل نطاق لا تستطيع خطوط المجال المغناطيسي من الشمس أن تخترقه في الغالب. وهذا النطاق يُطلق عليه «الغلاف المغناطيسي» للكوكب. ومسارات الجسيمات المشحونة في الرياح الشمسية (التي هي في الأساس البروتونات والإلكترونات) تخضع للمجال المغناطيسي للشمس إلى أن تصطدم الجسيمات ﺑ «الانحناء الصدمي» للغلاف المغناطيسي للكوكب، الذي يحوِّل مسارها بعيدًا عن الكوكب.

ويمكن أن تَعْبر الجسيماتُ المشحونة الكوكبَ في بعض الأحيان، لا سيما عن طريق التسرب من الكوكب عبر الذيل المغناطيسي الطويل في الاتجاه المغاير للشمس. وبالقرب من القطبين، يمكن أن تتفرع هذه الجسيمات على طول خطوط المجال باتجاه قمة الغلاف الجوي؛ حيث يتسبب وصولها إلى هذه المنطقة في حدوث توهُّج في السماء يُطلق عليه الشفق، وهو ظاهرة معروفة جيدًا في كوكب الأرض، وقد تم رصده أيضًا في كلٍّ من المشتري وزحل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤