الباب الرابع

فيما اخترناه من شعر أبي عبادة البحتري

قال أبو عبادة:

يَمشون في زردٍ كأنَّ متونها
في كلِّ معركةٍ متون نِهاء

النهاء جمع نِهْي وهو مُستقرُّ الماء.

بِيضٌ تسيل على الكماة فضولُها
سيلَ السَّرابِ بقفرةٍ بيداءِ
فإذا الأسنَّة خالطَتْها خلتَها
فيها خيالَ كواكبٍ في ماءِ

وقال أيضًا:

ما النَّدى في سواكَ غير حديثٍ
من أناسٍ بادوا وفعلٍ ماضِ
قد تَلافى القريضُ جودك فار
تُثَّ لَقًى مُشفيًا على الإنقراضِ

ارتث: أي حُمِل من المعركة به رمق، وقد فُعِل ذلك بجماعة من الصحابة يوم أُحُد حُمِلوا إلى المدينة فماتوا بها فأمر رسول الله بردِّهم إلى أصحابهم في أُحُد، ولقًى أي حالة كونه لقًى، واللقى الشيء المنبوذ الملقى.

نِعمٌ أبدَتِ المصون المُغطَّى
منه تحت الخفوت والإغماضِ
كالغَوادي أظهرنَ كلَّ جنيٍّ
مستسرٍّ في زاهرات الرياضِ

وقال أيضًا:

ولقد جمعتَ فضائلًا ما استُجمعَت
يَفنى الزمان وذكرُها لم يَهرمِ
مِن صدق قولك تَبتدي وإلى فعا
لك تنتهي، وإليك أجمعُ تَنتمي
مثل الكلام تفرَّقت أنواعه
فِرقًا ويجمعها حروفُ المُعجَمِ

وقال أيضًا:

ولقد سكَنتُ إلى الصدود من النَّوى
والشَّريُ أريٌ عند أكلِ الحنظَلِ
وكذاك طَرفةُ حين أوجسَ ضربةً
في الرأس هانَ عليه فصدُ الأكحَلِ
وأغرَّ في الزمن البَهيمِ مُحجَّلٍ
قد رحتُ منه على أغرَّ محجَّلِ
كالهَيكَلِ المَبني إلا أنه
في الحسنِ جاءَ كصُورةٍ في هيكَلِ
وافي الضلوع يُشدُّ عقدُ حزامه
يوم اللقاء على مُعِمٍّ مُخوِلِ
أخواله للرُّستمَينِ بفارسٍ
وجدوده للتُّبَّعَينِ بموَكَلِ
يَهوي كما تَهوي العُقاب، وقد رأَت
صيدًا ويَنتصِب انتصاب الأجدَلِ
تتوهَّم الجوزاء في أرساغه
والبدر فوق جبينِه المُتهلِّل
متوجسٌ برقيقتَينِ كأنما
تُريان من ورقٍ عليه موصَّلِ
ذنَبٌ كما سُحِب الرداء يذبُّ عن
عُرْفٍ وعرفٍ كالقناع المُسبَلِ
جذلانُ يَنفض عذرةً في غُرةٍ
يَقَقٍ تَسيل حُجوله في جندَلِ
كالرائح النَّشوان أكثرُ مشيهِ
عرضًا على السُّنَن البعيد الأطوَلِ
صافي الأديم كأنَّما عُنِيَت به
لصفاء نُقْبتِه مَداوسُ صَيقلِ

النقبة اللون، والمداوس المصاقل.

وكأنما نفَضَت عليه صبغها
صهباءُ للبَردان أو قُطربُّلِ
لبسَ القُنوءَ مُزعفرًا ومُعصفَرًا
يَدمى فراح كأنَّه في خَيعَلِ

القنوء الحُمرة، والخَيعل ثوب أحمر.

وكأنَّما كُسِيَ الخدود نَواعمًا
مهما تُواصِلْها بلحظٍ تَخجَلِ
وتراهُ يَسطعُ في الغبار لهيبُه
لونًا وشدًّا كالحريق المُشعَلِ
وتظنُّ ريعانَ الشباب يَروعه
من جنةٍ أو نشوةٍ أو أفكَلِ
هَزِج الصَّهيل كأنَّ في نغماته
نبراتِ مَعبَدِ في الثقيل الأوَّلِ
مَلَكَ العُيون فإن بدا أعطَينَه
نظر المحب إلى الحبيب المُقبِلِ
نفسي فداؤك يا محمَّدُ من فتًى
يُوفي على ظُلَمِ الخُطوبِ فتَنجلي
قد جُدتَ بالطرف الجوادِ فثَنِّه
لأخيك من أُدَدٍ أبيكَ بمُنصُلِ
يَتناول الرُّوحَ البعيد منالُه
عفوًا ويَفتح في القضاء المُقفَلِ
بإنارةٍ في كلِّ حتفٍ مُظلمٍ
وهدايةٍ في كلِّ نفسٍ مَجهَلِ
ماضٍ وإن لم تُمضِه يدُ فارسٍ
بطلٍ، ومصقولٌ وإن لم يُصقَلِ
يَغشى الوغى فالتُّرسُ ليس بجُنةٍ
من حدِّه والدرعُ ليس بمَعقِلِ
مُصغٍ إلى حكم الرَّدى فإذا مضى
لم يَلتفِت وإذا قضى لم يَعدِلِ
متألقٌ يَفري بأول ضربةٍ
ما أدركَت ولو انَّها في يَذبُلِ
وإذا أصابَ فكلُّ شيءٍ مَقتَلٌ
وإذا أُصيب فما له مِن مَقتَلِ
وكأنما سودُ النِّمال وحمرها
دبَّت بأيدٍ في قراه وأرجل
وكأن شاهره إذا استعصى به
في الروع يُعصى بالسماك الأعزل
حملَت حمائله القديمة بَقلةً
من عهد عادٍ غضةً لم تَذبُلِ

وقال أيضًا:

يا خليليَّ نمتما عن مبيتٍ
بتُّه آنفًا ونومي مُطارُ
لسوارٍ من الغمام تُزجيها
جنوبٌ كما تُزجَّى العشارُ

تزجيها: أي تسوقها، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا الآية، والعشار النوق الحوامل، قال امرؤ القيس يصف رعدًا ومطرًا:

كأنَّ هَزيزه بوراءُ غيب
عشارٌ وُلَّهٌ لاقت عِشارا
مثقلاتٌ تحنُّ في زجل الرعـ
ـد بشجوٍ كما تحنُّ الظؤارُ

الظؤار اسم جمع لظئر، والظئر الناقة التي تَظأر على ولد أخرى.

باتَ برقٌ يُشَبُّ في حُجرتَيها
بعد وهنٍ كما تُشَبُّ النارُ

وقال أيضًا:

شهروا على الإسلام حدَّ مناصلٍ
لولا التهابِ حُسامه لم يُغمَدِ
حمرُ السيوف كأنَّما طبَعَت لهم
أيدي القُيون صفائحًا من عسجَدِ
وكأنَّ مشيَهَمُ، وقد حملوا الظُّبى
من تحت سقفٍ بالزُّجاج ممرَّدِ
مزَّقتَ أنفسهم بقلبٍ واحدٍ
جُمِعت قواصيه وسيفٍ أوحَدِ
في فتيةٍ طلبوا غبارَك إنه
رهجٌ ترفَّع من طريق السُّؤدَدِ

وقال بعضهم في غبار الحرب:

وعمَّ السماءَ النقعُ حتى كأنه
دخانٌ وأطرافُ الرماح شَرارُ
كالرُّمح فيه بضع عشرةَ فقرةً
منقادةً خلف السنان الأصيَدِ

يصف اتِّباع الرجال له في الحرب.

لم تَلقَهُم زحفًا ولكن حملةً
جاءت كضربةِ ثائرٍ لم يُنجَدِ

وقال أيضًا يصف إيوان كسرى:

صُنتُ نفسي عما يُدنِّس نفسي
وترفَّعتُ عن جَدا كل جبسِ

الجبس: الدنيء.

وتماسَكتُ حين زعزَعني الدهـ
ـر التماسًا منه لتَعسي ونَكسي

ونكسي: أي لتنكيسي.

بُلَغٌ من صُبابة العيش عندي
طفَّفتْها الأيام تطفيف بَخسِ

يقول لم يبقَ عنده من العيش إلا بقية ثم هي تُطففها الأيام أي تُنقصها.

وبعيدٌ ما بين وارد رِفْهٍ
عللٌ شربُه وواردِ خِمس
وكأنَّ الزمان أصبَحَ محمو
لًا هواه مع الأخسِّ الأخسِّ
واشترائي العراقَ خُطَّة غبنٍ
بعد بيعي الشآم بَيعة وَكسِ
لا تَرُزني مُزاولًا لاختباري
عند هذي البَلوى فتُنكِر مسِّي

الرَّوز التجربة والاختبار.

وقديمًا عهدتَني ذا هناتٍ
آبياتٍ على الدنيئاتِ شُمْسِ

هنات هنا أي أخلاق، وشمس أي نافرة.

ولقد رابَني نُبُوُّ ابنِ عمي
بعد لينٍ من جانبَيه وأُنسِ
وإذا ما جُفِيتُ كنتُ حريًّا
أن أرى غير مُصبحٍ حيث أُمسي
حضرَت رحليَ الهمومُ فوجهـ
ـتُ إلى أبيضِ المدائن عَنسي

الرَّحل هنا المنزل، وفي حديث المطر: صلُّوا في الرحال. وحضرَت رحلي: أي طرقَتني، والمدائن مدائن كسرى وهي إلى جنب الكوفة، والأبيض هو إيوان كسرى، والعنس الناقة الصلبة.

أتسلَّى عن الحُظوظِ وآسى
لمحلٍ من آلِ ساسان درسِ
ذكَّرتنيهم الخطوبُ التَّوالي
ولقد تُذكِّر الخطوبُ وتُنسي
وهم خافِضون في ظلِّ عالٍ
مشرفٍ يُحسر العيون ويُخسي
مغلقٍ بابَه على جبل القبـ
ـق إلى دارتي خلاطٍ ومَكسِ
حللٌ لم تكن كأَطلال سُعدى
في قفارٍ من البسابس مُلسِ
ومساعٍ لولا المُحاباة منِّي
لم تُطِقها مسعاة عنسٍ وعبسِ

عنس قبيلة من اليمن، والبُحتري طائي يمني، وعبس قبيلة من قيس عيلان.

نقَل الدهر عهدهنَّ عن الجدَّ
ةِ حتى غدَونَ أنضاءَ لُبسِ

غدَون أنضاء لُبس: أي غَدون باليات.

فكأنَّ الجرماز من عدم الأُنـ
ـس وإخلاقه بِنية رمسِ
لو تراه علمتَ أن الليالي
جعلتَ فيه مأتمًا بعد عُرسِ
وهو يُنبيكَ عن عجائب قومٍ
لا يُشاب البيان فيهِم بلَبسِ
وإذا ما رأيتَ صورةَ إنطا
كية ارتعتَ بين رُومٍ وفُرسِ
والمنايا مَواثلٌ، وأنوشروان
يُزجي الصفوف تحت الدرفسِ

الدرفس فارسي معرَّب وهو علَم الفرس.

وعِراكُ الرجال بين يديه
في خفوتٍ منهم وإغماض جرسِ

وإغماض جرس: أي سكوت، والجرس الصوت.

من مشيحٍ يَهوي بعامل رمحٍ
ومليحٍ من السِّنانِ بتُرسِ
تصفُ العين أنهم جِدُّ أحيا
ءٍ لهم بينهم إشارة خرسِ
يَغتلي فيهمُ ارتيابيَ حتَّى
تتقراهم يداي بلَمسِ
قد سقاني ولم يُصرِّد أبو الغو
ث على العسكرَين شربة خِلسِ

أبو الغوث هو ابن البحتري.

من مُدامٍ تقولها هي نجمٌ
أضوأ الليل أو مُحاجة شمسِ

أضوأ الليل: أي أضاءه.

وتراها إذا أجدتَ سرورًا
وارتياحًا للشارب المُتحسِّي
أُفرغَت في الزجاج من كل قلبٍ
فهي محبوبةٌ إلى كلِّ نفسِ
وتوهَّمتُ أن كسرى أبرويـ
ـزَ مُعاطيَّ والبَلَهْبَذَ أُنسي
حُلمٌ مطبقٌ على الشك عيني
أَم أمانٍ غيَّرن ظنِّي وحدسي
وكأنَّ الإيوان من عجب الصَّنـ
ـعة جوبٌ في جنبِ أرعنَ جَلسِ
يُتظنَّى من الكآبة إن يبـ
ـدو لعينَي مُصبحٍ أو مُمسِّ
مزعجًا بالفراق عن أُنس إلفٍ
عز أو مُرهَقًا بتطليق عُرسِ

يقول إنَّ هذا الإيوان يظنه القادم عليه شخصًا مُزعَجًا بفراق إلف عزيز أو مُرهَقًا بتطليق زوجته.

عكسَت حظَّه الليالي وبات الـ
ـمُشتري فيه وهو كوكبُ نَحسِ
فهو يُبدي تجلُّدًا وعليه
كَلكلٌ من كلاكلِ الدَّهرِ مُرسِ

الكلكل الصدر، يقال: وضع عليه كَلكلَه أي أناخ عليه.

لم يَعِبْه أن بُزَّ من بُسُط الديـ
ـباج واستُلَّ من ستور الدِّمَقسِ
مُشمخرٌّ تعلو له شرفاتٌ
رُفِعت في رءوس رضوى وقُدسِ

رضوى وقدس جبلان.

لابساتٌ من البَياض فما
تُبصرُ منها إلا غلائل برسِ

يقول إنَّ هذه الشرفات البيض كان عليها غلائل قطن.

ليس يُدرى أصُنع إنسٍ لجنٍّ
سكَنُوه أم صُنع جنٍّ لإنسِ
غير أني أراهُ يشهد أن لم
يكُ بانيه في المُلوك بنِكسِ

النكس الوضيع.

فكأنِّي أرى المَراتبِ والقو
م إذا ما بلغتُ آخرَ حسِّي
وكأنَّ الوفود ضاحين حَسرى
من وقوفٍ خلفَ الزِّحام وخُنسِ

وقوف جمع واقف، وخنس أي مستترون.

وكأنَّ القيان وسط المقا
صير يُرجِّعنَ بين حُوٍّ ولُعْسِ
وكأنَّ اللقاء أول من أمـ
ـسٍ ووشك الفراق أولُ أمسِ
عُمِرت للسرور دهرًا فصارَت
للتعزِّي رباعُهم والتأسِّي
فلها أنَّ أعيُنَها بدموعٍ
موقفاتٍ على الصَّبابة حُبْسِ
ذاك عندي وليسَت الدارُ داري
باقترابٍ منها ولا الجنسُ جنسي
غير نُعمى لأهلها عند أهلي
غرسوا من ذكائها خيرَ غرسٍ
أيدوا مُلْكنا وشدوا قُواه
بكُماةٍ تحت السنور حُمْسِ
وأعانوا على كتائب أرياط
بطعنٍ على النُّحورِ ودَعسِ

يُشير إلى قضية سيف بن ذي يزن واستعانته بكسرى في طرد أرياط ملك الحبشة من اليمن بعد أن ملَكها.

وأُراني من بعدُ أكلَفُ بالأشـ
ـراف طُرًّا من كلِّ سنخٍ وأُسِّ

وقال أيضًا:

وأطلس ملءِ العين يَحمل زَوره
وأضلاعه من جانبَيه شوًى نهدُ

الأطلس الذئب، والزور الصدر، وشوى نهد: أي قوائم مُرتفعة.

له ذنبٌ مثل الرِّشاء يَجرُّه
ومتنٌ كمتن القوس أعوجَ مُنْأَدُّ

الرشاء حبل الدلو.

طواه الطَّوى حتى استمرَّ مريرُه
فما فيه إلا العَظمُ والرُّوح والجلدُ

الطوى الجوع، واستمرَّ مريره: أي ضمر.

يُقضقِضُ عُصلًا في أسرَّتها الرَّدى
كقَضقضَةِ المَقرور أرعَدَه البردُ

العصل الأنياب، والمقرور الذي أصابَه القرُّ وهو البرد.

سما لي وبي من شدَّة الجوع ما به
ببيداء لم تُعرف بها عيشةٌ رغد
كلانا بها ذئبٌ يُحدِّث نفسه
بصاحبه والجد يُتعسُه الجدُّ
عوى ثمَّ أقعى فارتجَزتُ فهِجتُه
فأقبل مثل البرقِ يَتبعُه الرعدُ
فأوجرتُه خرقاء فأضللتُ نَصلها
بحيث يكون اللبُّ والرعبُ والحِقدُ

خرقاء يريد نشابه، وقوله: بحيث يكون اللبُّ والرعب والحقد، يريد القلب.

وقال أيضًا:

جئناك نَحمل ألفاظًا مدبجة
كأنما وشيُها من يَمنة اليمن

اليمنة نوع من ثياب اليمن.

من كل زهراء كالنُّوَّارِ مُشرقةٍ
أبقى على الزمن الباقي من الزمن
شُكر امرئٍ ظلَّ مشغولًا بشُكرِك عن
فرطِ البُكاء على الأطلال والدِّمَنِ
رضيتُ منك بأخلاقٍ قد امتزجَتْ
بالمَكرُمات امتزاجَ الرُّوحِ بالبدنِ
تُدني إلى الجود كفًّا منكَ قد أَنِسَت
بالبذل والعُرف أُنسَ العين بالوَسنِ

وقال أيضًا يصف الغيث:

ذاتُ ارتجازٍ بحنين الرعدِ
مجرورة الذَّيل صدوق الوعدِ
مسفوحةَ الدمع لغير وَجدِ
لها نسيمٌ كنَسيمِ الوَردِ
ورنةٌ مثل زئير الأُسدِ
ولمع برقٍ كسُيوفِ الهِندِ
جاءَت بها ريحُ الصَّبا من نجد
فانتثَرت مثل انتثار العِقدِ
فراحت الأرضُ بعيشٍ رغدِ
من وشي أنوار الرُّبى في بُردِ
كأنما غدرانها في الوَهدِ
يَلعبْنَ من حُبابها بالنرد

وقال أيضًا:

تلفتُّ مِن عُليا دمشقٍ ودونَنا
لِلبنان هضبٌ كالغمام المُعلَّقِ
إلى الحيرة البيضاء فالكرخِ بعدما
ذممتُ مقامي بين بُصرى وجلَّقِ
إلى معقلَي عزِّي ودارَي إقامتي
وقصد الْتفاتي بالهوى وتَشوُّقي
مقاصير ملكٍ أقبَلَت بوجوهها
على منظرٍ من عرض دجلة مُونَقِ
كأنَّ الرياض الحوَّ يُكسين حولها
أفانين من أفوافِ وشْيٍ مُلفَّق
إذا الريح هزَّت نورهنَّ تضوَّعَت
روائحه من فأر مِسكٍ مُفتَّقِ
كأن القِباب البيض والشمسَ طلقةٌ
تُضاحِكُها أنصافُ بيضٍ مُفلَّقِ
ومن شرفاتٍ في السماء كأنها
قوادِم غُرانِ الحمام المُحلِّقِ

وقال أيضًا:

ورأت لمةً ألمَّ بها الشيبُ
فريعت مِن ظلمةٍ في شروقِ
ولَعَمْري لولا الأقاحي لأ
بصرتَ أنيق الرياض غير أَنيقِ
وسواد العيون لو لم يُحجَّر
ببياض ما كان بالمَومُوقِ
ومزاج الصَّهباءِ بالماء أولى
بصبوحٍ مُستحسَنٍ وغبوقِ
أيُّ ليلٍ يَبهى بغير نجومٍ
أو سحابٍ تندى بغير بُروقِ
وقفةً في العقيق أطرَحُ ثقلًا
من دموعي بوقفةٍ في العَقيقِ

وقال أيضًا، وقد كتب إلى محمد بن القاسم البقمي يَستهديه نبيذًا فبعث إليه نبيذًا مع غلام له فجمشه البحتري فغضبَ الغلام وظنَّ البحتري أنه سيُخبِر مولاه بما جَرى فكتب إليه:

أبا جعفرٍ كان تَجميشنا
غلامك إحدى الهنات الدنيَّه
بعثتَ إلينا بشمس المُدام
تضيء لنا مع شمس البريَّه
فليت الهدية كان الرسول
وليت الرسول إلينا الهديَّه

وقال أيضًا في وصف النوق:

يَترقرقن بالسراب، وقد خُضـ
ـن غمارًا من السراب الجاري
كالقسيِّ المُعطفات بل
الأسهم مبريةً بل الأوتارِ

وما أحسن قول الآخر:

والبدر أنضَتْه الغياهب والسرى
فليرضَ إن يُنضَ الفنيق البازل

وقال بعضهم:

ولقد أثرتُ العيس ما لظهورها
مما أضرَّ بها السفارُ بطونُ
مشقَ السهوبُ لحومَهنَّ وعرَّقت
أشلاءهُنَّ فكلُّ حرف نونُ
يَرسفن في قيد الكلال كأنما
حركاتهن، وقد جهدنَ سكون

وقال أيضًا:

وأنت خليفةٌ منه تسود البنـ
ـين الأشرفين ولا تُسادُ
وبعضُهم يكون أبوهُ منه
مكان النار يَخلُفها الرمادُ

وقال بعضهم:

إن يَخترم خلفًا حِمام فابنه
منه لنا خلف وحظٌّ وافِرُ
نورٌ تساقَطَ حين أصبح مُثمِرًا
والنور يُسقِط نفسَه إذ يُثمِرُ

وقال أيضًا:

ولقد سرَيتُ مع الكَواكبِ راكبًا
أعجازُها بعزيمةٍ كالكَوكبِ
والليلُ في لون الغراب كأنه
هو في حلوكتِه وإن لم يَنعبِ
والعيس تنصل من دُجاه كما انجلى
صبغ الخضاب عن القذال الأشيَبِ
حتى تبدَّى الفجر من جنَباته
كالماء يَلمع من خلال الطُّحلبِ

وقال أيضًا:

إذا خطَرت تأرَّج جانباها
كما خطَرت على الرَّوض القَبولِ
ويَحسُن دلُّها والموت فيه
وقد يُستحسَن السيف الصَّقيل
يُقوِّم من تثنِّيها اعتدالٌ
يكاد يُقال من هيفٍ نُحولِ
أقول أزيد من سقمٍ فؤادي
وهل يَزداد من قتلٍ قتيل

وقال أيضًا:

وليتَنا والراحُ عجلى يحثُّها
فنون غناءٍ للزجاجة حادِ
على باب قِنَّسرين والليل لاطخٌ
جوانبه من ظلمةٍ بمدادِ
كأنَّ القصور البِيض في جنباتِهِ
خضبنَ مشيبًا نازلًا بسوادِ
كأنَّ انخراق الجو غيَّر لونَه
لبوسُ حديدٍ أو لباس حدادِ
كأنَّ النجوم المُستسراتِ في الدجى
سكاك دلاصٍ أو عيون جرادِ
ولا قمر إلا حُشاشة غائرٍ
كعين طماسٍ رنَّقت لرقادِ

سكاك دلاص: أي مسامير دروع، وطماس رجل أعور، وللبُحتري أهاجٍ كثيرة فيه، وقال بعضهم يصف النجوم:

كأنَّ نجوم الليل لما تنحَّلَت
تَوقُّدُ جمر في خلال رمادِ
حكى فوق مُمتد المجرة شكلها
فواقع تطفو فوق لُجَّة وادِ
وقد طلَعت فيه الثريا كأنَّها
بقية وشْي في قميص حدادِ
ولاحت بنو نعش كتنقيط كاتب
بيُسراه للتعليم هيئة صادِ

وقال آخر:

وليلٍ كأنَّ نجوم السماء به مقـ
ـل رنقَت للهجوع
ترى الغيم مِن دونها حاجبًا
كما احتجبَت مقلة بالدموع

وقال آخر:

نبَّهتُه وسنان الفجر مُعترض
والليل كالبحر يُخفي لجُّه دُرَره

وقال آخر:

كأنَّ اكتتام المشتري في سحابه
وديعة سرٍّ في ضمير مذيع

وقال آخر:

وكأنَّ السماء لجة بحر
وكأن النجوم فيها حبابُ

وقال آخر:

رعشت كواكب جوِّها فكأنها
ورق تُقلِّبها أكفُّ شحيحِ

وقال أيضًا:

رفيعُ الباع يَرفع منكباه
فضولَ الدرع عنه والشليل

الشليل لباس من لباس الحرب.

ويَحكُم في ذخائره نداه
كما حكَم العزيز على الذليل
خلائقُ كالغيوث تَفيض عنها
مواهبُ مثل جمَّات السيولِ
ووجهٌ رقَّ ماءُ الجود فيه
على العرنين والخدِّ الأسيلِ
يُريك تألُّقُ المعروف فيه
شعاع الشمس في السيف الصَّقيلِ

وقال أيضًا:

أبني الحُسينِ ولم تزَل أخلاقكم
من ديمةٍ سحٍّ وروضٍ زاهرِ
إنَّ المكارم قد بَدَونَ بأولٍ
من مجدكم وخُتمن بعدُ بآخر
تَقْفون طلحة بالفعال وإنما
تَسرون في قمر السماء الباهرِ

وقال أيضًا يصف قصر المعتز بالله:

لما كَملتَ رويةً وعزيمةً
أعملت رأيك في ابتناء الكامل
وغدوتَ من بين الملوك موفقًا
منه لأيمن حِلةٍ ومنازلِ
ذُعِر الحَمام، وقد ترنَّم فوقه
من منظرٍ خطر المزلة هائلِ
رُفِعت لمُنخرِق الرياح سموكُه
وزهت عجائب حُسنه المُتخايلِ
وكأنَّ حيطان الزجاج بجوِّه
لججٌ يَمُجنَ على جنوب سواحلِ
وكأنَّ تفويف الرخام إذا التقى
تأليفُه بالمنظر المُتقابِلِ
حبك الغَمامِ رصَفنَ بين مُنمرٍ
ومسيَّرٍ ومُقاربٍ ومُشاكِلِ
لَبسَتْ من الذهب الصقيل سقوفُه
نورًا يضيء على الظلام الحافل
فترى العيون يَجُلن في ذي رونقٍ
مُتلهِّب العالي أنيق السافِلِ
وكأنما نُشِرت على بُستانه
سَيراء وَشْي اليَمنة المُتواصِلِ
أغنَتْه دجلة إذ تَلاحَق فَيضُها
عن صوب منسجم الرباب الهاطل
وتنفست فيه الصَّبا فتعطَّفت
أشجاره من حُيَّلٍ وحوامل

حُيل: أي غير حوامل.

مَشْي العذارى الغيد رُحنَ عشيةً
من بين حالية اليدَينِ وعاطلِ

وقال أيضًا يرثي بني حميد:

أَقصرَ حُميدٍ لا عزاءَ لمُغرَمِ
ولا قصرَ عن دمعٍ وإن كان مِن دمِ
أفي كلِّ عامٍ لا تزال مُروَّعًا
بفذٍّ نعيٍّ تارةً أو بتوأَمِ
مَضى أهلُك الأخيار إلا أقلُّهم
وبادُوا كما بادَت أوائلُ جُرْهمِ
فصرتَ كعُشٍّ خلَّفتْه فراخُه
بعلياءِ فرعِ الأثلة المُتهشِّمِ
أحَبَّ بنوك المَكرُمات ففرَّقَت
جماعتَهم في كلِّ دهياءَ صَيلَمِ
تدانَتْ مُناياهم بهم وتباعَدت
مضاجعُهم عن تربكَ المُتنسِّم
فكلٌّ له قبرٌ غريبٌ ببلدةٍ
فمِن مُنجدٍ نائي الضَّريح ومتْهِم
قبورٌ بأطراف الثُّغورِ كأنما
مواقعها منها مَواقِعُ أَنجُمِ
بشاهِقة البذَّين قبرُ مُحمَّدٍ
بعيدٌ عن الباكين في كلِّ مأتَمِ
تشقُّ عليه الريحُ كلَّ عشيةٍ
جيوب الغَمام بين بِكرٍ وأيِّمِ
وبالمَوصِلِ الزهراءِ مَلحَدُ أحمدٍ
وبين رُبى القاطولِ مَضجَعُ أصرَمِ
وكم طلبتْهُم من سوابقِ عَبرةٍ
متى ما تُنَهنِه بالمَلامة تَسجُمِ
نوادبُ في أقصى خُراسان جاوبَتْ
نوائحَ في بغداد بُحَّ الترنُّمِ
لهنَّ عليهم أنةٌ بعد أنةٍ
ووجدٌ كدُفَّاعِ الحَريق المُضرَّمِ
بنَفسي نفوسٌ لم تكن حَملة العِدى
أشدُّ عليها من وقوف التكرُّمِ
دَعاها الرَّدى بعد الرَّدى فتتابَعَت
تتابُعَ مُنبتِّ الفَريد المُنظَّمِ
سلامٌ على تلكَ الخَلائق إنها
مسلَّمةٌ من كلِّ عارٍ ومأثَمِ

وقال أيضًا:

لتفنَّنتَ في الكتابة حتى
عطَّل الناس فنُّ عبدِ الحميدِ
في نظامٍ من البلاغَة ما شـ
ـك امرؤٌ أنه نظامُ فَريدِ
وبديعٍ كأنه الزَّهرُ الضَّا
حكُ في رَونق الربيعِ الجَديدِ
مُشرقٌ في جوانبِ السَّمعِ مـ
ـا يَخلقُه عُوده على المُستعيدِ
ما أُعيرَت منه بطونُ القراطيـ
ـس وما حُمِّلَت ظهورُ البَريدِ
مُستميلٌ سمعَ الطروبِ المُغنَّى
عن أغاني مَخارقٍ وعَقيدِ
حُججٌ تُخرس الألدَّ بألفاظٍ
فُرادى كالجَوهرِ المَعدودِ
ومعانٍ لو فصَّلَتْها القوافي
هجَّنَت شعرَ جَرْوَلٍ ولَبيدِ

جرول هو الحطيئة.

حُزْنَ مستعملَ الكلامِ اختيارًا
وتجنَّبنَ ظُلمةَ التعقيدِ
وركبْنَ اللفظَ القريبَ فأَدرَكْـ
ـنَ بهِ غايةَ المُرادِ البعيدِ
كالعذارى غَدَونَ في الحُلل البِيـ
ـض إذا رُحنَ في الخُطوط السُّودِ
قد تلقَّيتَ كلَّ يوم جديدٍ
يا أبا جعفرٍ بمَجدٍ جَديدِ
وذوو الفَضلِ مُجمِعون على فضـ
ـلك من بين سيِّدٍ ومَسُودِ
عرفَ العالِمُونَ فضلَكَ بالعـ
ـلم وقال الجُهَّالُ بالتقليدِ

وقال أيضًا:

جئناهُ إذ لا الترب في أفنائه
يبسٌ ولا بابُ العطاء بمُرتَجِ
والبيت لولا أنَّ فيه فضيلةً
يَعلو البيوت بفضلها لم يُحجَجِ

وقال أيضًا:

إنَّ للبين منةً لا تؤدى
ويدًا في تُماضرٍ بيضاء
حَجَبُوها حتى بدَت لفراقٍ
كان داءً لعاشقٍ ودواءَ
أضحَكَ البينُ يومَ ذاكَ وأبكى
كلَّ ذي صبوةٍ وسرَّ وساءَ
فجعلنا الوداع فيه سلامًا
وجعَلنا الفِراقَ فيه لقاءَ
ووشَتْ بي إلى الوُشاة دموعَ العَـ
ـين حتى حسبتَها أعداءَ
كيف نُثني على ابن يوسف لا
كيف سَما مجدُه ففاقَ الثناءَ
جادَ حتَّى أفنى السؤال فلمَّا
بادَ مِنا السؤال جادَ ابتداءَ
أحسن الله في ثوابِكَ عن ثَغـ
ـرٍ مضاعٍ أحسنتَ فيه البلاءَ
وأقمتَ الصَّلاة في مَعشرٍ لا
يَعرِفون الصَّلاة إلا مُكاءَ
في نواحي برجان إذ أنكَرُوا
التسبيحَ حتى توهَّموهُ غِناءَ
وجلبتَ الحسان حُوًّا وحورًا
آنساتٍ حتى أغرتَ النساءَ
عَلِمَ الرومُ أن غزوكَ ما كا
ن عقابًا لهم ولكن فناءَ
يوم فرَّقتَ مِن كتائبِ آرا
ئك جندًا لا يأخذُونَ عطاءَ
ويودُّ العدوُّ لو تُضعِف الجيـ
ـش عليهم وتَصرِف الآراءَ

وقال أيضًا:

غدوتَ على المَيمونِ صُبحًا وإنما
غدا المركبُ الميمونُ تحت المظفَّرِ
أطلَّ بعطفَيهِ ومرَّ كأنَّما
تشرَّف من هادي حصانٍ مُشهَّرِ
إذا زمجرَ النُّوتيُّ فوقَ عَلاته
رأيت خطيبًا في ذُؤابة مِنبَرِ
إذا عصفَتَ فيه الجنوبُ اعتَلى لها
جناحا عُقابٍ في السَّماءِ مُهجَّرِ
إذا ما انكَفا في هبوةِ الماء خلتَه
تلفَّع في أثناء بُردٍ محبر
وحولَكَ ركَّابُونَ للهَولِ عاقَرُوا
كئوسَ الرَّدى مِن دارعينَ وحُسَّرِ
إذا رشَقُوا بالنار لم يكُ رَشقُهم
ليُقلعَ إلا عن شواءٍ مُقتَّرِ
صَدمْتَ بهم صهب العثانين دونَهُم
ضرابٌ كإيقادِ اللَّظى المُتسعِّرِ

صهب العثانين: يريد الروم.

يَسُوقُونَ أسطولًا كأنَّ سفينَه
سحائبَ صيفٍ من جهامٍ ومُمطِرِ
كأنَّ ضجيجَ البَحرِ بين رِماحِهم
إذا اختلفَتْ ترجيع عودٍ مُجرجَرِ

ترجيع عود مجرجر: أي صوت جمل مُسن.

تُقارِبُ من زحْفَيْهِمُ فكأنَّما
تُؤلِّف من أعناق وحشٍ مُنفِّرِ
فما رمتَ حتى أجلَتِ الحربُ عن
طلًى مقطَّعةٍ فيهم وهامٍ مُطيَّرِ

فما رمت: أي ما زلت.

على حين لا نقعٌ تُطوِّحه الصَّبا
ولا أرضَ تُلفى للصَّريع المُقطَّرِ

وقال أيضًا:

أتُرى حبِّي لسُعدى قاتلي
وإذا ما أفرَطَ الحبُّ قتَل
خطرَت في النوم منها خطرةٌ
خطرةَ البرقِ بَدا ثمَّ اضمحَل
زمنٌ تلعب بي أحداثُه
لعب النكباءُ بالرمحِ الخَطِل

النكباء كلُّ رِيح بين ريحَين، والخطل الطويل.

نطلُبُ الأكثَرَ في الدنيا وقد
نبلغُ الحاجة فيها بالأقَل
أخلَقَ الناسُ الأَخيرونَ كأن
لم يُنبُّوا جدةَ الناس الأُوَل

يُنبُّوا: أي يُنبئوا.

ولقد يَكثُر من إعوازِه
رجلٌ تَرضاهُ من ألفِ رَجُل
كأبي جعفرٍ الطائي إذ
يَتمادى مُعطيًا حتَّى يُمَل
وادعٌ يَلعَب بالدَّهر إذا
جدَّ في أكرومةٍ قلتُ هَزَل
ذلَّلَ الحِلمُ لنا جانبَه
وإذا عزَّ كريم الناس ذَل
رابئٌ يَرتَقِبُ العُليا متى
أمكَنَتْه فرصة المجدِ اهتبَل
وأرى الجود نشاطًا يَعتري
سادة الأقوام والبُخل كَسَل

وقال أيضًا:

ملِكٌ عنده على كل حالٍ
كرمٌ زائدٌ على التقديرِ
وكأنا من وَعدِه وجَداه
أبدًا بين روضةٍ وغَديرِ
جامعُ الرأي ليس يَخفى عليه
أين وجه الصَّوابِ والتدبيرِ
وله كلَّما أتَتْه أمورٌ
مشكلاتٌ دلائلٌ من أمورِ
كِسرويٌّ عليه منه جلالٌ
يملأ البهوَ مِن بهاءٍ ونُور
وترى في رُوائه بهجة المُلكِ
إذا ما استَوفاه صدرُ السَّريرِ
وإذا ما أشارَ هبَّت صَبا المِـ
ـسك وخِلتَ الإيوان من كافورِ
يُطلِق الحكمة البليغة في عر
ضٍ حديثٍ كاللُّؤلؤ المَنثُورِ

وقال أيضًا:

تَمادى بها وجدي ومُلِّك وصلُها
خليُّ الحشا في وَصلِها جدُّ زاهِدِ
وما الناس إلا واجدٌ غير مالكٍ
لِما يَبتغي أو مالكٌ غير واجِدِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤