الفصل الثاني والعشرون

بدائل السكر: مذاق السكر الحلو ولكن بسعرات حرارية أقل

اكتُشِفت البدائل الثلاثة الأكثر شهرةً للسكر مصادفةً. فقد اكتُشِف السكارين، أول مُحلٍّ صناعي، منذ أكثر من مائة عام، وذلك قبل فترة طويلة من استخدامه كبديل لسكر المائدة العادي، السكروز. وحدث هذا في معمل أيرا ريمسن، أشهر كيميائي أمريكي في القرن التاسع عشر.

وُلِد ريمسن في نيويورك في عام ١٨٤٦، وانتقل إلى ألمانيا لعمل دراسات عليا في جامعات ميونخ وجوتينجن وتوبينجن، وعندما عاد إلى الولايات المتحدة، أصبح أستاذًا للكيمياء في كلية ويليامز، ثم في جامعة جون هوبكينز. وأنشأ أول قسم للكيمياء في الولايات المتحدة يضاهي مستواه مستوى أقسام الكيمياء في الجامعات الأوروبية، وكان من بين تلامذته هناك العديد ممَّنْ أصبحوا فيما بعدُ روَّادًا في مجال الكيمياء في الولايات المتحدة. ثم أصبح لاحقًا رئيسَ جامعة جون هوبكينز، ومن أشهر تلامذة ريمسن جدي الكبير العالِم إي بي كوهلر، ومن تلامذته جيمس بي كونانت الذي تتلمذ على يده لويس إف فيزر، الذي تتلمذ على يده تشارلز سي برايس، الذي تتلمذ على يده رويستن إم روبرتس. أحبُّ أحيانًا أن أوضِّح أنني أستطيع أن أرجع نسبي الكيميائي إلى فريدريش فولر، أبي الكيمياء العضوية (انظر الفصل التاسع) لأن ريمسن كان تلميذًا لرودولف فيتيج، الذي كان تلميذًا لفولر.

في عام ١٨٧٩، كان أحد زملاء ريمسن يقوم بمهمةٍ أُسنِدت إليه كجزء من برنامج بحثي نظري كان قائمًا في ذلك الوقت. وبينما هو يقوم بذلك، لاحَظَ هذا الشخص — ويُدعَى فهلبِرج — أن إحدى المواد التي حضَّرها وانسكبت دون قصدٍ على يده مذاقها حلو على نحو غير عادي. (لم يكن الكيميائيون يتوخون كثيرًا من الحذر تجاه تشمُّم المواد التي يعملون معها وتذوُّقها كما هم الآن.) ويبدو أن فهلبِرج استشعر الأهمية الممكنة للمادة الجديدة ذات المذاق الحلو حيث حضَّر شكلًا صناعيًّا تجاريًّا منها، وحصل على براءة اختراع عليها في عام ١٨٨٥. وكان الاسم الذي اختاره لها هو السكارين، من المقابل اللاتيني للسكر، وهو السكاروم.

في عام ١٩٣٧، كان طالب دراسات عليا متخصِّص في الكيمياء، يعمل مع البروفيسور إل إف أودريث في جامعة إلينوي، يحضِّر سلسلةً من المركبات تُسمَّى أملاح حمض السلفاميك؛ لأنه كان من المتوقَّع أن تكون لها بعض الخصائص الدوائية (وليست المُحلِّية) المهمة. لاحَظَ الطالب، ويُدعى مايكل سفيدا، مذاقًا حلوًا على نحو ملحوظ لسيجارة كان يدخِّنها في المعمل وأرجع المصدر إلى إحدى المواد التي كان يحضِّرها، وقد كانت ملح صوديوم حمض السايكلمك. كما وجد أن ملح الكالسيوم المقابل لنفس الحمض ذو مذاق حلو. واستُخدِم مِلحَا الصوديوم والكالسيوم من حمض السايكلمك كبديل للسكر، بينما تميَّز ملح الكالسيوم بأنه مفيد في النظم الغذائية القائمة على نسب منخفضة من الصوديوم. وقد استُخدِم هذان الملحان على نطاق واسع كبديل للسكر حتى عام ١٩٧٠، عندما حظرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية استخدامهما اعتمادًا على تجارب أُجرِيت على الحيوانات المعملية. وبعد الاكتشاف الأولي للمذاق الحلو لملح صوديوم حمض السايكلمك، تم تحضير مجموعة من أملاح حمض السلفاميك المرتبطة معه بشدة وفحصها، لكن لم يكن لأيٍّ منها مذاقٌ حلو مثل المادة التي اكتشفها سفيدا الدقيق الملاحظة. وقد تم مزج السايكلامات مع السكارين؛ لأن الاثنين معًا كان مذاقهما أحلى، وأقل مرارةً بعد تناولهما.

أما عن بديل السكر الثالث المهم، وهو الأسبراتام (الذي بِيعَ بالاسم التجاري نيوتراسويت)، فقد اكتُشِف بالمصادفة البحتة. إن الاسم الكيميائي الصحيح لتلك المادة هو إستر ميثيل فينيل الآلانين-حمض الأسبرتيك. حسبما يتضح من الاسم، فإن جزء «إستر الميثيل» يعني أنها مادة كيميائية قريبة جدًّا من ثنائي ببتيد فينيل الآلانين-حمض الأسبرتيك. وثنائي الببتيد هو مزيج من اثنين من الأحماض الأمينية التي تُعَدُّ العناصرَ المكوِّنة للبروتينات؛ فعندما نهضم أيَّ بروتين، فإنه يتحلَّل إلى مكوناته الأساسية من الأحماض الأمينية. وكان إستر ميثيل ثنائي الببتيد هذا مادةً وسيطةً حضَّرَها كيميائيو شركة سيرل أثناء تصنيع رباعي الببتيد (أيْ مزيج من أربعة أحماض أمينية). وكان من المفترض أن يكون رباعي الببتيد معيارًا حيويًّا في مشروع يهدف إلى تحضير دواءٍ مضاد للقرحة.

ذاق أحد الكيميائيين دون قصدٍ بعضًا من المادة الوسيطة واكتشفَ أنها ذات مذاق حلو على نحوٍ استثنائي. ولم يكن من الممكن توقُّع الطعم الحلو للأسبارتام مع معرفة خواصِّ الحمضين الأمينيين المكوِّنين له؛ فأحدهما لم يكن له طعم والآخَر كان طعمه مرًّا. وكان الطعمُ الحلو للغاية الناتج عن مزيج الحمضين وتحوُّلهما إلى إستر الميثيل شيئًا مفاجئًا تمامًا.

وصف الكيميائي جيمس إم شلاتر في كتابه «الأسبارتام: علم وظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية» (١٩٨٤)، قصة اكتشاف الأسبارتام قائلًا:

في ديسمبر ١٩٦٥ ، كنتُ أعمل مع الدكتور مايزر على تصنيع رباعي الببتيد ذي النهاية الكربونية للجاسترين. وكنَّا نصنع موادَّ وسيطةً ونحاول تنقيتها. وعلى وجه الخصوص، في وقتٍ ما في شهر ديسمبر من عام ١٩٦٥، كنت أُعِيد بلورة إستر ميثيل فينيل الآلانين-حمض الأسبرتيك (الأسبارتام) الذي تم تحضيره … وأعطاه لي الدكتور مايزر. كنتُ أسخِّن الأسبارتام في قارورة مع الميثانول عندما انسكب بعضٌ من المزيج خارج القارورة؛ ونتيجةً لذلك لامسَ بعض المسحوق أصابعي. وبعد فترة قصيرة، عندما لعقت إصبعي لأحضر قطعة من الورق، لاحظتُ مذاقًا حلوًا جدًّا. في البداية، ظننتُ أنه لا بد أنها بعض بقايا السكر التي ظلت على يدي من وقتٍ سابق خلال اليوم، لكنني سرعان ما أدركتُ أن هذا لا يمكن أن يكون قد حدث؛ حيث إنني غسلت يدي في غضون ذلك. لذا، أدركتُ أن المسحوق الموجود على يدي مصدره القارورة التي وضعتُ فيها إستر ميثيل فينيل الآلانين-حمض الأسبرتيك البلوري. وشعرت أن إستر ثنائي الببتيد هذا من غير المحتمل أن يكون سامًّا؛ وهذا ما جعلني أتذوَّق القليلَ منه ووجدتُ بالفعل أنه كان المادة التي تذوَّقْتُها من قبلُ وكانت على يدي.

بخلاف السكارين والسايكلامات، اللَّذين يتم إنتاجهما دون تغيير، يحدث استقلاب للأسبارتام إلى مكوناته الطبيعية من الأحماض الأمينية التي يحدث استقلاب لها أكثر من خلال مسارات الجسم المعتادة. ولأن شلاتر كان يعرف هذا عن استقلاب الببتيدات، كان لديه من الجرأة ما يكفي للإقدام على تذوُّق المادة التي انسكب بعضها خارج القارورة التي يعمل بها.

fig43
شكل ٢٢-١: الصيغ الجزيئية لبدائل السكر الثلاثة.

يوجد الكثير من الجدل حول مدى أمان السكارين والسايكلامات؛ فالسكارين استُخدِم لأكثر من ٨٠ عامًا دون ظهور آثار جانبية لتناوله، لكن أُثيرت علامات الاستفهام حوله في سبعينيات القرن العشرين؛ لأن الأبحاث أثبتَتْ وجودَ أورام في مثانة فئران التجارب التي غُذِّيت بكميات كبيرة من السكارين. وأُرجئ الحظر المقترح للسكارين من قِبَل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى حين إجراء المزيد من الاختبارات على الحيوانات المعملية وتقييمها. ومع أن الحظر على استخدام السايكلامات قد فُرِض في الولايات المتحدة في عام ١٩٧٠، فلا يزال بديل السكر هذا مُستخدَمًا في الكثير من الدول الأخرى.

من الصعب إعطاء نِسَب محدَّدة لمقدار حلاوة أي بديل من بدائل السكر المتاحة، لكن من المعروف علميًّا أن السكارين هو الأفضل بين كل بدائل السكر المعروفة حتى الآن؛ فهو أحلى مذاقًا بحوالي ٣٠٠ مرة من السكروز، والأسبارتام أحلى من السكروز بحوالي ٢٠٠ مرة، والسايكلامات أحلى منه بحوالي ٣٠ مرة.

تُستخدَم مواد تحلية غير غذائية أخرى، طبيعية وصناعية، عبر أنحاء العالم إلى جانب المواد الثلاث السابقة الإشارة إليها، لكن تلك المواد الثلاث هي الأكثر شيوعًا في الولايات المتحدة. وقد اكتُشِفت المواد الثلاث بالمصادفة، لكن ربما لا تثير تلك الأمثلة على الاكتشافات السرنديبية الدهشة على غرار ما كان في الأمثلة الأخرى؛ وذلك لأن مسألة التذوُّق غير موضوعية ولا يمكن توقُّعها. لكن التراكيب الجزيئية للسكارين والسايكلامات والأسبارتام مختلفة تمامًا، كما يتضح من الشكل ٢٢-١. فمع أن للسكارين والسايكلامات حلقةً مكوَّنة من ٦ ذرات كربون وكلتاهما ترتبط بذرة كبريت، فإن مادة الأسبارتام مختلفة تمامًا؛ فهي لا تحتوي في تركيبها الجزيئي على أي عناصر مشتركة مع المادتين الأخريين.

إن المواد الأخرى المعروفة كمُحلِّيات مختلفةٌ أيضًا في صيغتها الكيميائية وتركيبها الجزيئي. والعلماء المتخصِّصون في الجزيئات مُدرِكون تمامًا لتلك الاختلافات الواضحة بين التركيب الجزيئي والوظيفة الفسيولوجية، وقد بدءوا في إحراز بعض التقدُّم في فهم تلك الاختلافات. وربما سيشهد هذا المجال تقدُّمًا مهمًّا في المستقبل القريب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤