الفصل الثاني

تصنيف السلالات

(١) التصنيف المورفولوجي والقياسي

رغم اختلاف العلماء على تحديد طبيعة السلالة، إلا أنهم يتفقون على أن الأنثروبولوجيا تدرس عددًا من الظاهرات تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين؛ هما:
  • (١)

    المظاهر المورفولوجية أو الوصفية.

  • (٢)

    المظاهر القياسية أو الأنثروبومترية.

والمظاهر المورفولوجية تُوصَف ولا تُقاس في معظم الحالات، أما المظاهر القياسية فكما يدل الاسم، عبارة عن قياسات يقل فيها تدخل العامل الشخصي على عكس الوصف الذي قد يتأثر بعدم دقة الشخص الذي يصف الشيء.

وعلى الرغم من أن هناك مظاهر وصفية بحتة ومظاهر قياسية بحتة، إلا أن هناك أيضًا مظاهر قابلة للوصف والقياس مثل العين واللون.

وبطبيعة الحال، لا نجد في دراستنا للحفريات مظاهر مورفولوجية؛ لأن الحفريات عبارة عن عظام؛ هيكل عظمي كامل أو أجزاء منه. فإذا وجدنا جمجمة فإننا لا نستطيع وصف عينها وإنما قياس محجرها، وبالتالي فإننا فيما يختص بالهياكل البشرية أو ما يشبه البشرية، لا يمكننا إلا تطبيق المنهج القياسي.

أما في الأحياء، فإننا نعتمد على المنهجين معًا، والمظاهر المورفولوجية هي أسبق بلا جدال من المظاهر القياسية في تفسير وتفصيل السلالات المختلفة، بل هي في الواقع التي أكدت للناس منذ القدم اختلافهم ليس فقط لسانًا، وإنما في الشكل أيضًا.

وأي أخطاء لتفسير اختلاف السمات في الماضي خطأ مقبول؛ لأنه غير مقرون بالدراسات القياسية. وليس معنى هذا أن الدراسات المورفولوجية لا تهم الأنثروبولوجيين، بل لا زالت تكون جزءًا مهمًّا من الدراسة إلى جانب كونها تحظى بدور هام في حياة الشعوب حتى اليوم، وهي الأساس الذي تدور حوله المعتقدات الشعبية عن اختلاف السلالات.

وقد كان اللون — وبخاصة لون البشرة — من أهم التعريفات، وما زالت كذلك في التفريق بين السلالات، وكذلك كان لون الشعر ولون العين وشكلها وشكل الأنف؛ ذلك أن من اسودَّ جلده يُعرَّف شعبيًّا بأنه زنجي، ولكننا نعرف أن هناك سُمر البشرة أو سُودها ممن ينتمون إلى المجموعة القوقازية أو البيضاء، وكل من له أنف ضخم محدب يُعرَّف شعبيًّا بأنه يهودي. والحقيقة أن هذا الأنف صفة من الصفات التي ميزت أجداد الأرمن، وما زالت تميزهم، وقد أدى اختلاط الأرمن وأجدادهم قديمًا مع شعوب الليفانت إلى أن تصبح هذه الشعوب، بما فيها الفينيقي والعبري والمجموعات التي تسكن هذه المنطقة في الوقت الحاضر ذات أنف ضخم.

وسوف نتناول الآن في هذه الدراسة الموجزة بعض المميزات السلالية القاسية والمورفولوجية.

(١-١) الشعر

ويُقسَّم إلى ثلاث مجموعات رئيسية حسب المقطع العرضي:
  • (١)
    الشعر الصوفي: ومقطعه العرضي مستطيل جدًّا إلى درجة التبطط، وفي الحالات القصوى يظهر الشعر المفلفل تلتف الشعرة حول نفسها كلما نمت، وتترك فراغات ظاهرة في جلد الرأس. وهذا النوع من الشعر يظهر بين السلالات الزنجية في بابوا وميلانيريا، ويظهر الشعر المفلفل عند أقزام المناطق الحارة في جنوب شرق آسيا وغابات الكنغو، وبين مجموعات البوشمن في جنوب غرب أفريقيا.
  • (٢)
    الشعر المستقيم أو المرسل: وهذا يتميز بمقطعه المستدير ويظهر في آسيا المغولية وعند الأمريند (الهنود الحمر في الأمريكتين).
  • (٣)
    الشعر المموج: ومقطعه بيضاوي يتراوح بين القطاع المبطط والمستدير — أي إنه يجمع بين كل الدرجات التي تجمع بين الاستدارة والاستطالة — ويظهر هذا النوع من الشعر عند سكان المنطقة الممتدة بين الهند وسكندنافيا، وبين موريتانيا وبريطانيا؛ أي مناطق السلالة القوقازية.

لون الشعر

لا يدل لون الشعر على شيء معين، فغالبية الشعر في بلاد العالم المختلفة تميل إلى السواد. أما الشقرة بدرجاتها المختلفة، فيتحدد توزيعها بمناطق مركزة بشمال أوروبا، كما يظهر الشعر الأحمر عند عدد من المجموعات السلالية داخل القوقازيين والمغوليين في فنلندا ومنطقة البلطيق، ويظهر أيضًا عند بعض اليهود وفي مناطق من غرب آسيا.

شعر الوجه

يرتبط ذلك في غالب الأحيان بنوع شعر الرأس. فأكثر أصحاب الشعر المموَّج هم أكثر السلالات غزارة في شعر الجسم والوجه، أما أصحاب الشعر الصوفي فهم أقل سلالات العالم من ناحية نمو شعر الوجه والجسد. وتُعَدُّ ظاهرة كثرة شعر الوجه والجسد من الصفات المتخلفة، بينما قلة هذا الشعر أو عدم وجوده صفة من صفات الترقي البيولوجي عن الأصول الأولى للإنسان، وبالتالي فإن الزنوج بيولوجيًّا — ومن هذه الناحية فقط — أكثر تقدمًا من القوقازيين، والواضح أن القوقازيين قد احتفظوا بهذه الصفة؛ لكثرة سكناهم المناطق الباردة، ولو أن مثل هذه الحجة لا تصمد أمام مقارنتهم بعدد من العناصر المغولية التي سكنت مناطق أكثر برودة من أوطان القوقازيين. كذلك لُوحِظَ أن الصلع يتناسب عمومًا تناسبًا طرديًّا مع غزارة شعر الوجه أو الجسم؛ ولهذا يقل أو يندر الصلع لدى الزنوج، كما أنه يندر أيضًا بين النساء.

(١-٢) القامة

على الرغم مما نسمعه دائمًا في أوساط الناس عن قصر أو طول القامة؛ إلا أن اختلاف معظم سكان العالم لا يتجاوز بضعة سنتيمترات، إذا استثنينا التطرف في الطول أو القصر، فمعظم سكان العالم بين المقياسين ١٦٥ و١٧٥سم، والأقلية الضئيلة تقع أعلى أو دون هذين المقياسين. والواقع أن معدلات القامة بين السلالات المختلفة تتركز حول ١٦٥سم مع زيادة أو نقصان ٥سم دون أو أعلى هذا المقياس. وقد اتفق العلماء على أن المقاييس التالية تساوي المصطلحات المقابلة:
أقل من ١٤٨سم = قزم
١٤٨–١٥٨سم = قصير القامة
١٥٨–١٦٨سم = متوسط القامة
١٦٨–١٧٢سم = طويل القامة
١٧٢سم فما أكثر = طويل جدًّا

ويقول كثير من العلماء: إن هناك ترابطًا بين القامة ومستوى المعيشة، وبالذات الحالة الغذائية. وبناء على هذا القول، فقد كانت طائفة النبلاء والأغنياء أطول قامة من الفقراء، وكذلك قيل إن سكان غربي أوروبا أطول من سكان شرق أوروبا. كما يُقال أيضًا إن القامة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان زاد من ٢ إلى ٥سم في ثلاثة أجيال لتحسن حالة المعيشة والغذاء، وقيل أيضًا إن المناطق المكشوفة التي تقل فيها الأشجار والغابات تؤدي إلى طول قامة سكانها، وقيل أيضًا إن تأخر سن البلوغ يعطي فرصة لكي تنمو القامة الطويلة.

ولا شك أن هذه الأقوال محاولات لربط عدة ظواهر محلية بعضها بالبعض الآخر قد لا تكون هناك بينها من الروابط سوى الصدفة. مثال ذلك أن الإسكيمو يعيشون في بيئة مكشوفة لا ينمو فيها الشجر، ومع ذلك فالإسكيمو قصار القامة. والساميون في المناطق الصحراوية يعيشون أيضًا في بيئة مكشوفة جدًّا أكثر من بيئة النورديين سكان الغابات النفضية، ومع ذلك فمعدل طول القامة عند النورديين أطول، وقبائل البانتو تعيش داخل نطاق الغابات المدارية في أفريقيا، وهم أطول قامة من الألبيين سكان سهول أوكرانيا وروسيا. أما من ناحية الغذاء، فيكفي الدلالة على خطأ القول السابق ذكره أن الأتراك في الشرق الأوسط ظلوا قرونًا حكامًا منعمين، ومع ذلك فهم عادةً أقصر قامة من الشعوب التي خضعت لهم مثل اللبنانيين أو المصريين. كذلك نجد أن أطول سكان العالم جماعات من أنصاف الحاميين، مثل التركانا والمازاي، وهي قبائل تعيش في شمال غرب وغرب كينيا، وكذلك قبائل نيلية، مثل الباري واللوتوكا والدنكا والنوير والشلك في السودان الجنوبي، وسكان باتاجونينا في جنوب الأرجنتين، وكثير من سكان النرويج والسويد. ومع ذلك فهؤلاء السكان أقل رفاهية في الغذاء من سكان البحر المتوسط وغرب أوروبا وأمريكا الشمالية.

(١-٣) النسبة الرأسية

وهذه تساوي نسبة العرض إلى الطول وتُؤخَذ على نقاط معينة. فطول الرأس يُقاس من نقطة أعلى جذر الأنف إلى نقطة القزال (نقطة مؤخر الرأس).

ويُقاس عرض الرأس بين أقصى نقطتين تطرفًا في الخارج فوق الأذنين. ولا تعبر النسبة الرأسية عن رأس طويل أو قصير الطول، وإنما تُعبِّر عن نسبة الطول للعرض. وقد اتفق العلماء على النسب التالية:

نسبة الجمجمة الوصف النسبة الرأسية
أقل من ٦٥ متطرف في طول الرأس
٦٥ إلى ٧٠ طويل الرأس جدًّا
٧٠ إلى ٧٥ طويل الرأس أقل من ٧٥
٧٥ إلى ٨٠ متوسط الرأس ٧٥–٨٠
٨٠ إلى ٨٥ عريض الرأس أكثر من ٨٠
٨٥ إلى ٩٠ عريض الرأس جدًّا
٩٠ وأكثر متطرف في عرض الرأس

يُلاحَظ أن نسبة الجمجمة تُؤخَذ على جماجم الأموات فقط، أما الأحياء فتُؤخَذ عليهم النسبة الرأسية. وهذه النسبة الرأسية هي من أهم القياسات التي تُؤخَذ على الإنسان؛ لأنها تساعد مساعدة فعالة على التمييز بين السلالات الثانوية التي تُوجَد داخل السلالات الرئيسية. إلى جانب هذا، فإن لها أهمية عظمى بالنسبة للأموات؛ لأن الجمجمة في الغالب الجزء العظمي الوحيد الذي نعثر عليه دائمًا في صورة شبه متكاملة. وعلى الرغم من أن الرأس لا يتأثر بالعوامل الطبيعية؛ فإننا نلاحظ أن هناك تشويهات متعمدة عند بعض المجموعات، مثل الاستطالة الاصطناعية التي يقوم بها أفراد قبيلة المونوموتابا في جنوب غرب أوغندا وغيرها.

ونلاحظ أيضًا أن هناك اتجاهًا عامًّا غير معروف سببه، وهذا الاتجاه هو تغلب الرأس العريض على الرأس الطويل في مناطق مختلفة ومتباعدة من العالم. ويوضح الجدول التالي هذه الحقيقة:١
اسم المنطقة قديمًا حديثًا
السويد ٣ إلى ٧٪ عراض الرءوس ١٣٪ عراض الرءوس
بافاريا ٥٠٪ عراض الرءوس ٨٣٪ عراض الرءوس
الإغريق ١٠٪ عراض الرءوس ٥٤٪ عراض الرءوس
الدانمارك ٢٪ عراض الرءوس ٢٣٪ عراض الرءوس
السلافيون ٩٪ عراض الرءوس ٨٥٪ عراض الرءوس
كريت ٩٪ عراض الرءوس ٣٨٪ عراض الرءوس

ويُلاحَظ ارتباط بين ازدياد استدارة الرأس وبين البنية الثقيلة؛ أي ذات العظام العريضة. وقد لاحظ الدكتور البطراوي ميلًا إلى عرض الرأس في الدلتا مرتبطًا ببنية أثقل من بنية الصعيدي الأكثر طولًا والأكثر نحولة.

ويتصل بالنسبة الرأسية دراسة قبو الجمجمة وحجم المخ، ومتوسط حجم المخ عند الذكور ١٤٥٠ سنتيمترًا مكعبًا، وعند النساء ١٣٠٠سم٣. لكن هناك اختلافات بين المجموعات السلالية تصل بحجم المخ إلى ما بين ١١٠٠ و١٥٠٠سم٣. كما يختلف الأفراد فيما بينهم داخل السلالة الواحدة بالارتباط بقامتهم وحجم الجسد.

وكذلك يرتبط بالرأس شكل الجبهة، هل هي متراجعة إلى الخلف أم رأسية أم ممتدة للأمام.

الوجه

هناك نسبتان: الوجه الأعلى (الطول من جذر الأنف إلى نهاية الذقن، والعرض بين عظمتي الوجنتين). وتؤدي هذه النسب إلى وجه عريض (أقل من ٨٥)، ومتوسط (٨٥–٨٨)، وضيق (أعلى من ٨٨). وترتبط أيضًا بالوجه دراسة تراجع عظمة الذقن أو بروزها وعرضها أو انتهائها بصورة مدببة، وكذلك دراسة ظاهرة بروز الفك الأعلى.

الأنف

من الدراسات الهامة شكل الأنف ونسبته. النسب الأنفية تُقاس بطول الأنف من نقطة الجذر إلى نهاية أرنبة الأنف، والعرض يُقاس بين جانبي أرنبة الأنف. والأنف الضيق هو ما تقل نسبته عن ٧٠، والمتوسط ٧٠–٨٤، والعريض أعلى من ٨٤. ويرتبط بالأنف شكله: بارز أم أفطس ضخم أم دقيق. كما أن لعظمة الأنف ثلاثة أشكال: المستقيمة، والمحدبة والمقعرة، وقد يحدث امتزاج بين شكلين من هذه الأشكال الثلاثة.

العين

ليست لها قياسات، إنما القياسات تُؤخَذ فقط على محجر العين. وشكل العين علامة سلالية مهمة، فهي لوزية أو شبه مستديرة أو منحرفة. والانحراف المغولي هو أشهر أشكال الانحراف، ويرجع إلى وجود طيتين سميكتين للجفن الأعلى من المنطقة القريبة من الأنف؛ مما يؤدي إلى بقاء الجفن الأعلى هابطًا في هذا الجزء من العين، فيعطي للعين الشكل المنحرف.

وهناك إلى جانب ذلك مظاهر أخرى للدراسة، مثل الشفتين والأذن، وتكوين الجسد والقامة الجالسة، وطول الأطراف وشكل الجزع ومجموعات الدم وغير ذلك.

(١-٤) فصائل الدم Serology-Blood groups

تمثل فصائل الدم أهمية خاصة في عالم تعين السلالات والأجناس. لكن هذه الأهمية ليست راجعة إلى أن نتائج البحث قد أثبتت شيئًا مفيدًا في تصنيف السلالات، كما سيتضح ذلك بعد قليل. إنما أهمية مجموعات الدم ترجع إلى شيوع استخدام الدم في المصطلحات اليومية لكل الشعوب دلالة على أصل ذي عراقة أو وضاعة. فمثلًا كان هناك اعتقاد بأن النبلاء والملوك تجري في عروقهم الدماء الزرقاء Sangre azul-Blue blood، وأصل هذا الاعتقاد الخاطئ جاء نتيجة التزاوج الداخلي المستمر لبعض عائلات إقليم كاستيليا في إسبانيا. فقد كانت هذه الأسر ذات بشرة بيضاء وعروقها واضحة الزرقة؛ مما ميزها عن بقية سكان الإقليم سمر البشرة. لكن المعروف الآن أن العروق التي تجري فيها الدماء بيضاء، وأن الدماء حمراء. أما اللون الأزرق الذي يبدو، فيرجع إلى انكسار الضوء على أنسجة الجلد.

والدم عبارة عن تكوين مركب من الكرات الحمراء والبيضاء والبلازما، وهو يكون عادةً ٨٪ من وزن الجسم، وأهمية الدم معروفة بالنسبة للحياة. لكن الجماعات القديمة والبدائية قد ربطت بين الدم والحياة معًا. وتحرم بعض الجماعات ومعظم الديانات والقوانين الأخلاقية شربَ الدماء، بينما نجد بعض الجماعات تسمح بذلك كرمز لامتصاص صفات إنسان آخر، أو حيوان معين.

ونتيجة للأهمية الواضحة للدم والحياة، فإنه قد صار مرتبطًا بالثأر أو توثيق اتفاق أو أخوة. كما أنه مسبقًا هو رمز العلاقة البيولوجية بين الفرد وأقاربه، ويرمز أحيانًا إلى حل المنازعات بين مجموعة الأقارب بالقول: «الدم لا يتحوَّل إلى ماء.» وهناك عشرات المعتقدات التي ترتبط بالدماء.

وكثيرًا ما يُرمَز إلى الأشخاص المهجنين نتيجة زواج من سلالتين أو مجموعتين مختلفتين على أنهم «نصف دم … قوقازي» على سبيل المثال. هذه المعتقدات وغيرها تُستخدَم أيضًا — شعبيًّا — في التأكيد على نقاء مجموعات معينة أو انتماءات سلالية إلى جماعات معينة — برغم أن مثل هذه الجماعات لا تكوِّن في الواقع أي نقاء سلالي كما سبق أن أوضحنا.

fig29
شكل ٢-١: توزيع النسب المئوية لفصيلة الدم B قبل هجرة الأوروبيين إلى العوالم الجديدة نقلًا عن: Mourant, A, E., “The Distribution of Human Blood groups” Oxford 1954.

وقد أدى شيوع هذه المعتقدات إلى دراسة علمية لفصائل الدماء عند المجموعات البشرية المختلفة.

وأول ما يجب التنبيه له أن الدماء وفصائلها وصفاتها الوراثية، ليست من بين قائمة المميزات الفيسيولوجية التي يمكن استخدامها في تصنيف الناس، لكنها دراسة لمميزات تركيب الكرات البيضاء في الدماء، وهي بذلك صفات وراثية تمامًا.

وقد انتهت دراسات الدم إلى المجموعات التي تُعرَف باسم ABO، وهي أربع مجموعات AB – O – B – A، وكلها ترمز إلى ثلاثة جينات معينة متفاعلة يُرمَز إليها على النحو التالي: A. à. a أو في أحيان p. q. r. وقد أدت الدراسة لنظام ABO إلى ما يلي:
  • (أ)
    فصيلة الدم A: أعلى نسبة للمجموعات التي تحمل هذه الفصيلة تُوجَد في أستراليا بين الأستراليين الأصليين في ناحية، وبين قبائل الأمريند في الساحل الشمالي الغربي من أمريكا الشمالية. وتقل فصيلة الدم A بسرعة في شرق أمريكا الشمالية والجنوبية التي تنخفض فيها نسبة هذه الفصيلة إلى أقل نسبة موجودة في العالم. وفي أوروبا ترتفع نسبة A إلى أعلاها في لابلاند في شمال سكندنافيا، وتنخفض إلى أقصاها بين الباسك في جنوب غرب فرنسا وشمال إسبانيا، كما تنخفض بشدة أيضًا في أيسلندا وأيرلندا واسكتلندا، وبعض مناطق البحر المتوسط (صقلية وسردينيا واليونان).
  • (ب)
    فصيلة الدم B: تظهر هذه الفصيلة في آسيا بكثرة. فهي عالية النسبة في شرق ووسط القارة، وفي شمال الهند والهند الصينية وجزيرة بورينو ومدغشقر. وتنخفض نسبة حاملي فصيلة الدم B في شمال وغرب آسيا بسرعة، كما تنخفض بشدة في أستراليا وأوروبا الغربية. وأقل نسبة في أوروبا هي منطقة الباسك وجبال البرانس، وبين اللاب في شمال سكندنافيا. أما في أفريقيا فنسبة هذه الفصيلة من الدماء متوسطة، باستثناء شمال القارة وشرقها. ويتشابه الأمريند في الأمريكتين مع الأستراليين الأصليين في الانخفاض الشديد في ظهور هذه الفصيلة من الدماء بين السكان (راجع شكل ٢-١).
  • (جـ)
    مجموعة الدم O: ترتفع هذه الفصيلة بين الأمريند في الأمريكتين، وفي أوروبا يرتفع وجود هذه الفصيلة في الشمال الغربي (اسكتلندا وإيرلندا وأيسلندا)، وفي منطقة الباسك ومناطق البحر المتوسط التي يقل فيها ظهور مجموعة الدم A. وقد دلت دراسات المومياءات الفرعونية على ارتفاع كبير في وجود هذه الفصيلة (٧٥٪).

    وبالرغم من ظهور هذه الفصائل المختلفة في أماكن جغرافية متمايزة، إلا أن النتيجة النهائية، وحسب معلوماتنا الراهنة؛ هي أن هذه الفصائل لا تميز مجموعات سلالية معينة، إنما تشترك السلالات في وجودها بنسب مختلفة؛ مما لا يعطي فصائل الدم صفة التمييز السلالي.

ويوضح الجدول الآتي هذا الاشتراك بين مجموعات البشر في هذه الفصائل:

توزيع فصائل الدم على شعوب العالم* (نسب مئوية).
المكان عدد الأشخاص فصيلة O فصيلة A فصيلة B فصيلة AB
الشعوب الأوروبية
بريطانيا ١٠٠٠ ٤٣٫٢ ٤٧٫٧ ٨٫٣ ١٫٤
كوبنهاجن (الدانمرك) ١٢٦١ ٤٠٫٧ ٤٥٫٣ ١٠٫٥ ٣٫٥
دترويت (الولايات المتحدة) ٥٠٠٠ ٤٤٫٥ ٣٦٫١ ١٤٫٣ ٥٫٢
برلين (ألمانيا) ١٢٢٧ ٤٠٫٠ ٣٩٫٥ ١٥٫١ ٥٫٤
لننجراد(الاتحاد السوفيتي) ١١٧٦ ٤٣٫١ ٣٣٫١ ١٩٫٨ ٤٫٦
الشعوب الآسيوية
بوريات اركتسك (سيبريا) ١٣٢٠ ٣٢٫٤ ٢٠٫٢ ٣٩٫٢ ٨٫٢
كانتون (الصين) ٩٩٢ ٤٥٫٩ ٢٢٫٨ ٢٥٫٢ ٦٫١
المحافظات المتحدة (الهند) ٢٣٥٧ ٣٠٫٢ ٢٤٫٥ ٣٧٫٢ ٨٫١
الأينو (سخالين) ١١٤١ ٢٥٫٧ ٢٨٫٠ ٣٤٫٨ ١١٫٥
طوكيو (اليابان) ٢٩٧٩٩ ٣٠٫١ ٣٨٫٤ ٢١٫٩ ٩٫٧
شعوب جنوب شرق آسيا وأستراليا
جزر سوندا (إندونيسيا) ٦٨٢ ٣٨٫٧ ٢٣٫٢ ٣١٫٠ ٧٫٣
موروس (الفلبين) ٤٤٢ ٤١٫٦ ٢٣٫١ ٣٠٫٣ ٥٫٠
الأستراليون الأصليون ٣٧٧ ٦٠٫٣ ٣١٫٧ ٦٫٤ ١٫٦
الشعوب الأفريقية والزنجية
أقزام حوض الكنغو ١٠٣٢ ٣٠٫٦ ٣٠٫٣ ٢٩٫١ ١٠٫٠
زنوج حوض الكنغو ٥٠٧ ٤٨٫٥ ٣٠٫٨ ١٦٫٤ ٤٫٣
زولو جنوب أفريقيا ٥٠٠ ٥١٫٨ ٢٤٫٦ ٢١٫٦ ٢٫٠
البشمن (جنوب أفريقيا) ٢٦٨ ٦٠٫٤ ٢٨٫٠ ٧٫٨ ٣٫٨
الهوتنتوت (جنوب أفريقيا) ٥٠٦ ٣٤٫٨ ٣٠٫٦ ٢٩٫٢ ٥٫٣
زنوج ميلانيزيا (الباسفيك) ١٤٧١ ٥٥٫٩ ٢٠٫٩ ٢٠٫٩ ٢٫٣
زنوج نيويورك ٧٣٠ ٤٤٫٢ ٣٠٫٣ ٢١٫٨ ٣٫٧
شعوب أوشينيا
جزيرة بالاو (ميكرونيزيا) ٥٤٥ ٥٨٫٩ ٢٦٫٤ ١٢٫٣ ٢٫٤
جزيرة ياب (ميكرونيزيا) ٢١٣ ٥٧٫٧ ٢٠٫٣ ١٧٫٨ ٤٫٢
هاواي ٤١٣ ٣٦٫٥ ٦٠٫٨ ٢٫٢ ٠٫٥
الأمريند (الهنود الحمر)
إسكيمو جرينلاند ٦٠٧ ٥٤٫٢ ٣٨٫٥ ٤٫٨ ٢٫٠
نافاهو (أمريكا الشمالية) ٦٢٢ ٦٩٫١ ٣٠٫٦ ٠٫٢ ٠٫٠
بلاك فيت (أمريكا الشمالية) ٢٣٥ ٤٥٫٥ ٥٠٫٦ ٢٫١ ١٫٨
مايا (أمريكا الوسطى) ٧٣٨ ٧٦٫٥ ١٦٫٧ ٥٫٤ ١٫٤
مابوتشو (أمريكا الجنوبية) ٣٨٢ ٧٥٫٦ ١٧٫٢ ٦٫٢ ٠٫٦
Beals, R. & H. Hoijer, “An Introduction To Anthropology”, New York 1967, P. 198.
وخلاصة القول إن قيمة فصائل الدم في تصنيف السلالات محدودة جدًّا، ولكن قيمة هذه الدراسة في النواحي البيولوجية وتحسين النسل أصبحت على جانب كبير من الأهمية. وقد أمكن لعلماء الوراثة أن يجدوا أنواعًا عديدة من الجينات التي تعطي فصائل A1 A2 A3 A4، وإن لم يغير هذا من الصورة الأصلية لنظام فصائل الدم ABD.
وقد وجد الباحثون مجموعات دم أخرى، نذكر منها MN (التي أصبحت بفضل الكشوف الجديدة MNSS)، ومجموعة أخرى شديدة التعقيد هي RH “Rhesus group”، ومجموعة Le “Lewis” وP وKell وغيرها كثير. وإلى الآن أمكن فصل ٤٣٢٠٠ نوع من أنواع الدم، والمجموعات الدموية تتزايد بصفة مستمرة وسريعة، وكلها — كما قلنا — أصبحت حيوية من أجل احتمالات تخليص الذكر من بعض العيوب التي تنجم عنها حالات شاذة في الأطفال، ويُقال إنه سوف يمكن في المستقبل أن يتعرف على الشخص من نوع دمه، تمامًا نفعل في تشخيص بصمات الأصابع.
١  نقلًا عن: Krocber, A. L., “Anthropology” New York. 1948.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤