الفصل الرابع

بيمارستانات الشام

(١) بيمارستان الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي

قال الشيخ أبو العباس أحمد القلقشندي:١ إن أول من اتخذ البيمارستان بالشام للمرضى الوليد بن عبد الملك وهو سادس خلفاء بني أمية، تولى الخلافة سنة ٨٦ﻫ/٧٠٥م، وقال رشيد الدين ابن الوطواط:٢ أول من عمل البيمارستان وأجرى الصدقات على الزمنى والمجذومين والعميان والمساكين واستخدم لهم الخدام الوليد بن عبد الملك. وقال تقي الدين المقريزي:٣ أول من بنى البيمارستان في الإسلام ودار المرضى الوليد بن عبد الملك. وهو أيضًا أول من عمل دار الضيافة وذلك سنة ٨٨ﻫ ٧٦ م، وجعل في البيمارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق، وأمر بحبس المجذمين لئلا يخرجوا، وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق، ولم يصل إلينا أي علم أو إشارة عن المكان الذي أنشأ فيه الوليد البيمارستان.

(٢) بيمارستان انطاكية

جاء في كتاب كنوز الذهب في تاريخ حلب٤ عن المختار بن الحسن بن بطلان: أنه هو الذي بنى البيمارستان بأنطاكية وقال: وقفت على مقالة ابن بطلان في علة نقل الأطباء تدبير الأمراض التي كانت تعالج قديمًا بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة، ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء، صنفها سنة ٤٥٥ﻫ ١٠٦٣م بأنطاكية قال في آخرها: قال المختار بن الحسن: صنفت هذه المقالة لصديق لي وأنا يومئذ مكدود الجسم منقسم الفكر في جميع الآلات لبناء بيمارستان أنطاكية.
وقال جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي٥ في سياق كلامه عن أنطاكية ودخول ابن بطلان إليها نقلًا عن ابن بطلان نفسه: وفي البلد بيمارستان يراعي البطريرك المرضى فيه بنفسه. وكذلك قال ابن أبي أصيبعة٦ عن مقالة ابن بطلان في علة نقل الأطباء: وصنف ابن بطلان هذه المقالة أيضًا بأنطاكية سنة ٤٥٥ﻫ، وكان في ذلك الوقت قد أهل لبناء بيمارستان بأنطاكية.

ابن بطلان

هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان نصراني من أهل بغداد.

خرج من بغداد إلى مصر قصدًا منه إلى مشاهدة علي بن رضوان الطبيب، وكان دخوله إلى الفسطاط في مستهل جمادى الآخرة سنة ٤٤١ﻫ/ ١٠٤٩م وأقام بها ثلاث سنين وذلك في دولة المستنصر بالله الفاطمي، وجرت بينهما مناظرة ومنافرة، وألف ابن بطلان كتابًا تضمن كثيرًا مما وقع بينه وبين ابن رضوان، وسافر ابن بطلان إلى قسطنطينية وأقام بها سنة ثم ورد أنطاكية، وبنى بها البيمارستان، إلى أن توفي سنة ٤٥٥ﻫ وقيل ٤٥٨ﻫ.

(٣) المارستان الصغير بدمشق

ذكر ابن العماد في شذرات الذهب:٧ المارستان الصغير بدمشق أقدم من المارستان النوري وكان مكانه في قبلة مطهرة الجامع الأموي، وأول من عمره بيتًا وخرب رسوم المارستان منه أبو الفضل الأخناوي، ثم ملكه بعد أخوه البرهان الأخناوي، وهو تحت المئذنة الغربية بالجامع الأموي من جهة الغرب، وينسب إلى أنه عمارة معاوية أو ابنه.

(٤) البيمارستان الكبير النوري

ملك السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي دمشق سنة ٥٤٩ﻫ ١١٥٤م، وكان قد أسر بنفسه٨ في بعض الغزوات بعض ملوك الفرنج، فاستشار الأمراء فيه: هل يقتله أو يأخذ منه ما يبذله من المال في الفداء؛ فاختلفوا عليه ثم حسن له رأيه إطلاقه وأخذ الفداء. فحين جهز بعث الفداء مات ببلده فأعجب ذلك نور الدين وأصحابه، وابتنى نور الدين من ذلك المال البيمارستان الذي بني بدمشق، وهو أحسن ما بني من البيمارستانات بالبلاد، ومن شرطه: أنه على الفقراء والمساكين وإذا لم يوجد بعض الأدوية التي يعز وجودها إلا فيه فلا يمنع منه الأغنياء، ومن جاء إليه مستوصفًا فلا يمنع من شرابه. ولهذا جاء إليه نور الدين وشرب من شرابه رحمه الله. ويقول بعض الناس: إنه لم تخمد منه النار منذ بني إلى زماننا (أي زمان ابن كثير الذي ننقل عنه هذا الكلام وقد توفي سنة ٧٧٤ﻫ).
fig8
شكل ٤-١: باب بيمارستان نور الدين منقولًا عن كارل ولزنجر وكار وتزنجر.
وقال ابن جبير،٩ وقد دخل دمشق سنة ٥٨٠: وبها مارستان قديم وحديث والحديث أحفلهما وأكبرهما، وجرايته في اليوم نحو الخمسة عشر دينارًا، وله قومة وبأيديهم الأزمة المحتوية على أسماء المرضى وعلى النفقات التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية وغير ذلك حسبما يليق بكل إنسان منهم، والأطباء يبكرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية. والمارستان الآخر على هذا الرسم، لكن الاحتفال في الجديد أكثر، وهذا المارستان القديم هو غربي الجامع المكرم. وللمجانين المعتقلين أيضًا ضرب من العلاج وهم في سلاسل موثوقون. وهذه المارستانات مفخر عظيم من مفاخر الإسلام. وقال ابن أبي أصيبعة١٠ لما أنشأ الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي١١ البيمارستان الكبير، جعل أمر الطب فيه إلى أبي المجدين بن أبي الحكم بن عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي، وأطلق له جامكية وجراية، وكان يتردد إليه ويعالج المرضى فيه، وكان أبو المجد بن أبي الحكم يدور عليهم ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى، فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك. ثم قال: وبعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي ويجلس في الإيوان الكبير الذي بالبيمارستان، وجميعه مفروش، ويحضر كتب الاشتغال. وكان نور الدين رحمه الله قد وقف على هذا البيمارستان جملة كتب من الكتب الطبية، وكانت في الخرستانين اللذين في صدر الإيوان، فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون إليه ويقعدون بين يديه، ثم تجرى مباحث طبية ويقرئ التلاميذ، ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب مقدار ثلاث ساعات. قال جمال الدين بن تغري بردي١٢ في سنة ٥٩٧ جاءت في شعبان زلزلة من مصر امتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق وأكثر الكلاسة والبيمارستان النوري.
وقال خليل بن شاهين الظاهري١٣ بعد أن زار دمشق: وبها مارستان لم ير مثله في الدنيا قط، واتفقت نكتة أحببت أن أذكرها: وهي أني دخلت دمشق في سنة ٨٣١ﻫ/١٤٢٧م وكان بصحببتي رجل عجمي من أهل الفضل والذوق واللطافة، وكان قصد الحج في تلك السنة، فلما دخل البيمارستان المذكور ونظر ما فيه من المآكل والتحف واللطائف التي لا تحصى، قصد اختبار رجال البيمارستان المذكور فتضاعف [تمارض] وأقام به ثلاثة أيام، ورئيس الطب يتردد إليه ليختبر ضعفه، فلما جس نبضه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة والدجاج المسمنة والحلوى والأشربة والفواكه المتنوعة. ثم بعد ثلاثة أيام كتب له ورقة من معناها: أن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام. وهذا في غاية الحذاقة والظرافة. وقيل إن البيمارستان المذكور منذ عمر لم تنطفئ فيه النار. ولما أتى بدر الدين ابن قاضي بعلبك إلى دمشق ولاه الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود بن الملك العادل بعد أن تملك دمشق في سنة ٦٣٥ الرياسة على جميع الأطباء والكحالين والجراحين، فلم يزل مجتهدًا حتى اشترى دورًا كثيرة ملاصقة للبيمارستان الكبير النوري، وتعب في ذلك تعبًا كثيرًا واجتهد بنفسه وماله حتى أضاف هذه الدور المشتراة إليه، وجعلها من جملته، وكبر بها قاعات كانت صغيرة وبناها أحسن البناء وشيدها وجعل الماء فيها جاريًا، فتكمل بها البيمارستان.١٤ وذكر ابن الوردي:١٥ أنه في سنة ٧٢٨ﻫ جاء سيل عظيم على عجلون (دمشق) خرب سوق التجار والمارستان والدباغة وبعض الجامع. وذكر ابن تغري بردي١٦ أن شيخ الإسلام شهاب الدين الغزي المتوفى سنة ٨٢٢ تولى نظر البيمارستان النوري.
وذكر السخاوي:١٧ أن الشيخ المؤرخ تقي الدين المقريزي كاتب التوقيع في ديوان الإنشاء بمصر والمتوفي سنة ٨٤٥ﻫ، كان قد دخل دمشق مرارًا وتولى بها نظر وقف القلانسي والبيمارستان الكبير النوري مع كون شرط نظره لقاضيها الشافعي، وهذا يشبه بالتمام نظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة فإنه لقاضيها الشافعي. وقد كان للبيمارستان الكبير النوري من المكانة بحيث كان النظر عليه لنائب السلطنة بدمشق.١٨ قال القلقشندي: ومن الوظائف الديوانية الكبيرة بدمشق نظر البيمارستان الكبير النوري، وقد صار معدوقًا بالنائب (أي نائب السلطان) يفوض التحدث فيه إلى من يختاره من أرباب الأقلام وكذلك يكون معه نظر الجامع الأموي بدمشق.
ولبيان حال هذا المارستان في العصور المتأخرة وما كان عليه من الأهمية والمكانة ننقل هنا ما ذكره المحبي١٩ بصدده قال: «إن حسن باشا بن عبد الله الأمين المعروف بشوريزه حسن، أحد صدور دمشق وأعيانها، المتوفى سنة ١٠٢٧ﻫ، ولي وقف البيمارستان الكبير النوري فأقام شعائره بعد أن كانت اضمحلت وعمر أوقافه، وأتى فيه من حسن التنمية بما لا مزيد عليه.
وأخبرني العالم الجليل الأستاذ محمد كرد علي بك من أعلام دمشق حالًا: أن البيمارستان الكبير النوري ظل عامرًا يعالج فيه المرضى إلى سنة ١٢١٧ﻫ/١٨٩٩م، وكان أطباؤه وصيادلته لا يقلون عن العشرين حتى قامت بلدية دمشق في عهد ولاية حسين ناظم باشا والي سوريا سابقًا بإنشاء مستشفى للغرباء في الجانب الغربي من تكية السلطان سليمان، المطلة على المرج الأخضر، وجمعت له الإعانات بأساليب مختلفة، من واردات البلدية وأوقاف البيمارستان النوري لتنفق عليه، وسمي المستشفى الحميدي نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الذي بني المستشفى الجديد في عهده، وهكذا خلف المستشفى الحميدي البيمارستان النوري نفسه، فقد جعل مدرسة للبنات٢٠ ولا تزال واجهته على حالها وبها بعض الحجرات والنوافذ من البناء القديم وسطت الأيام على بقية البيمارستان فعفا أثرها.
في رأس مصراعي باب البيمارستان النوري الكبير شكل ٤-٢ سطر دقيق محفور على النحاس يمتد طولًا كشف حديثًا هذا نصه:

عز لمولانا الملك العادل العالم الزاهد المجاهد المرابط المؤيد المعظم المنصور نور الدين، ركن الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، (ناصر) الحق بالبراهين، منصف المظلومين من الظالمين، قاتل الكفرة والمشركين، أبي القاسم محمود ابن زنكي بن آقسنقر ناصر أمير المؤمنين أدام الله أيامه.

وهذه صورة ما هو مكتوب على الباب الداخلي تحت القبة الظاهرة في الشكل (٤-٢) وفيه إشارة إلى من جدد بناءه:

بسم الله الرحمن الرحيم: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ، وقال رسول الله : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينفع أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية.» والمولى الشهيد السلطان الغازي في سبيل الله نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي قدس الله روحه من جمع الله سبحانه وتعالى لذاته وصف العالمين. ومن شرط وقفه الذي أشهد به على نفسه أنه وقف على البيمارستان المعروف (باسمه) وجعله مقرًّا لتداوي الفقراء والمنقطعين من ضعفة المسلمين الذين يرجى برؤهم، وهو يستعدي إلى الله تعالى على من يساعد في تغيير مصارف وقفه وإخراجها عما شرط حاكمه وتخاصمه بين يديه يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وجدد ما كان تهدم من بنائه وبناء أوقافه في الأيام السلطانية العادلة المنصورية الصالحة خلد الله سلطانها، بنظر الفقير إلى الله تعالى عمر بن أبي الطيب غفر الله له ولمن أعانه من البنائين على عمارة هذا الوقف المبارك، وكان الفراغ منه في العشر الأوسط من شهر ربيع الآخر.

fig9
شكل ٤-٢: وجه البيمارستان النوري بدمشق ويرى أعلاه قبة المدخل رممت حديثًا على الشكل الذي كانت عليه في القديم.

الأطباء الذين عملوا في البيمارستان الكبير النوري

  • (١)
    مهذب الدين ابن النقاش: هو الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أبي عبد الله عيسى بن هبة الله النقاش مولده ومنشؤه ببغداد، عالم بعلم العربية والأدب واشتغل بصناعة الطب، وكان له مجلس علم للمشتغلين عليه. وتوجه إلى مصر وأقام بالقاهرة مدة ثم رجع إلى دمشق وخدم بصناعة الطب الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، وكان يعاني كتابة الإنشاء وخدم في البيمارستان الكبير النوري، وكانت وفاته يوم السبت ١٢ محرم سنة ٥٧٤ﻫ/١١٧٨م.
  • (٢)
    موفق الدين بن المطران: هو الحكيم العالم موفق الدين أبو نصر أسعد بن أبي الفتح إلياس بن جرجس المطران: كان مولده ومنشؤه بدمشق وكان أبوه أيضًا طبيبًا. وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأسلم ابن المطران في أيامه. وكانت له همة عالية في تحصيل الكتب، ومات وفي خزانة كتبه ما يناهز عشرة آلاف من الكتب الطبية. وكان ابن المطران بالبيمارستان الكبير النوري يعالج المرضى المقيمين به، توفي في شهر ربيع الأول سنة ٥٨٧ﻫ/١١٩١م بدمشق.
  • (٣)
    ابن حمدان الجرائحي: كان من جملة أطباء البيمارستان الكبير النوري ومعاصرًا لموفق الدين بن المطران.
  • (٤)
    أبو الفضل بن عبد الكريم المهندس: هو مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن الرحمن الحارثي: مولده ومنشؤه بدمشق، وكان يعرف بالمهندس لجودة معرفته بالهندسة قبل أن يتحلى بمعرفة صناعة الطب، واشتغل أيضًا بصناعة النجوم وعمل الزيج، وكانت له جامكية لطبه في البيمارستان الكبير النوري، ويقي فيه إلى أن توفي سنة ٥٩٩ﻫ/١٢٠٢م بدمشق وعاش نحو السبعين.
  • (٥)
    موفق الدين عبد العزيز: هو الشيخ الإمام موفق الدين عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي: كان كثير الخير شديد الشفقة على المرضى، وكان في أول الأمر فقيهًا ثم اشتغل بعد ذلك بصناعة الطب، وخدم في البيمارستان الكبير النوري، خدم الملك العادل أبا بكر بن أيوب وتوفي بدمشق في يوم الجمعة ٢٠ ذي القعدة سنة ٦٠٤ﻫ/١٢٠٧م وعمر نحو الستين سنة.
  • (٦)
    كمال الدين الحمصي: هو أبو منصور المفظر علي بن ناصر القرشي، اشتغل بصناعة الطب والأدب وكان محبًّا للتجارة وأكثر معيشته منها، ويكره التكسب بصناعة الطب، وبقي سنين يتردد إلى البيمارستان الكبير النوري ويعالج المرضى فيه احتسابًا، إلى أن توفي في يوم الثلاثاء ٩ من شعبان سنة ٦١٢ﻫ/١٢١٥م.
  • (٧)
    رشيد الدين علي بن خليفة: هو أبو الحسن علي بن خليفة بن يونس بن أبي القاسم بن خليفة بن الخزرج مولده بحلب سنة ٥٧٩ﻫ/١١٨٣م، ثم توجه إلى مصر واشتغل بصناعة الطب، ولازم جمال الدين بن أبي الحوافر رئيس الأطباء بمصر، وملكها العزيز عثمان بن الملك الناصر صلاح الدين ولازم مشاهدة المرضى بالبيمارستان. وفي سنة ٥٩٣ انتقل إلى الشام وباشر المرضى في البيمارستان الكبير النوري، وجعل له مجلسًا لتدريس صناعة الطب، توفي يوم الاثنين في ١٧ شعبان سنة ٦١٦ﻫ.
  • (٨)
    مهذب الدين عبد الرحيم بن علي: هو الشيخ الإمام العالم مهذب الدين أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد ويعرف بالدخوار، مولده ومنشؤه دمشق، وكان أبوه كحالًا مشهورًا. وخدم مهذب الدين كحالًا بالبيمارستان الكبير النوري ثم اشتغل بصناعة الطب ثم توجه إلى الديار المصرية، وخدم الملك العادل أبا بكر ابن أيوب وولاه رياسة الطب بمصر والشام. ثم أقام بدمشق وتولى العلاج بالبيمارستان الكبير النوري، ثم شرع في تدريس صناعة الطب واجتمع إليه كثير من أعيان الأطباء، ووقف داره وجعلها مدرسة للطب ووقف لها ضياعًا وعدة أماكن، وتوفي ليلة الاثنين ١٥ شهر صفر ٦٢٨ﻫ/١٢٣٠م.
  • (٩)
    مهذب الدين أحمد بن الحاجب: كان طبيبًا مشهورًا في الصناعة الطبية متقنًا للعلوم الرياضية معتنيًا بالأدب، مولده بدمشق ونشأ بها، وخدم بصناعة الطب البيمارستان الكبير النوري.
  • (١٠)
    ابن اللبودي: هو العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبدان بن عبد الواحد بن اللبودي: أتقن الحكمة وصناعة الطب وكان له مجلس لتدريس هذه الصناعة، وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر. وأقام عنده بحلب، ثم أتى إلى دمشق وأقام بها يدرس الطب ويطب في البيمارستان الكبير النوري، وتوفي بدمشق في ٤ ذي القعدة سنة ٦٢٢ﻫ وله من العمر ٥١ سنة.
  • (١١)
    عمران الإسرائيلي: هو الحكيم أوحد الدين عمران بن صدقة، مولده بدمشق في سنة ٥٦١ﻫ، وكان أبوه طبيبًا مشهورًا، وكان الملك المعظم قد أطلق له جامكية ويتردد إلى البيمارستان الكبير النوري، وتوفي في حمص في شهر جمادى الأولى سنة ٦٣٧ﻫ/١٢٣٩م.
  • (١٢)
    سديد الدين بن رقيقة: هو أبو الثناء محمود بن عمر بن محمد بن إبراهيم بن شجاع الشيباني الحانوي ويعرف بابن رقيقة، كان مولده سنة ٥٦٤ﻫ بمدينة حيني ونشأ بها، وكانت له معرفة بصناعة الكحل والجراحة، وحاول كثيرًا من أعمال الحديد٢١ في مداواة أمراض العين وقدح الماء النازل في العين لجماعة وأنجب قدحه وأبصروا. وكان المقدح الذي يعانيه مجوفًا وله عطفة ليتمكن في وقت القدح من امتصاص الماء، ويكون العلاج أبلغ، وفي سنة ٦٣٢ﻫ وصل إلى دمشق إلى السلطان الأشرف، وأمر بأن يواظب على معالجة المرضى بالبيمارستان الكبير النوري، وتوفي في سنة ٦٣٥ﻫ وكان شاعرًا مجيدًا.
  • (١٣)
    الجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي ٢٢ اشتغل بالفقه وبرع فيه، وكان فاضلًا في الطب، وقد ولي الدخوارية وعاد المرضى بالمارستان على قاعدة الأطباء، وكان مدرسًا للشافعية بالفرخشاهية ومعيدًا بعدة مدارس، وكان جيد الذهن مشاركًا في فنون كثيرة، توفي سنة ٦٤٩ﻫ.
  • (١٤)
    سعد الدين بن عبد العزيز: هو الحكيم العالي سعد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي، ولد بدمشق سنة ٥٩٣ﻫ/١١٨٧م وخدم بصناعة الطب البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي في سنة ٦٤٤ﻫ /١٢٤٦م بدمشق.
  • (١٥)
    رضي الدين الرحبي: انظر ترجمته في البيمارستان الناصري ص٧٩.
  • (١٦)
    جمال الدين بن الرحبي: هو جمال الدين عثمان بن يوسف بن حيدرة الرحبي أخو السابق، اشتغل بصناعة الطب على والده بدمشق، وخدم بالبيمارستان الكبير النوري وبقي به سنين، ولما وصل التتار إلى الشام سنة ٦٥٧ﻫ/١٢٥٨م توجه إلى مصر وأقام بها، وتوفي بالقاهرة سنة ٦٥٨ﻫ/١٢٥٩م.
  • (١٧)
    شرف الدين بن الرحبي: هو شرف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي. ولد بدمشق سنة ٥٨٣ﻫ/١١٨٧م واشتغل بصناعة الطب وخدم مدة في البيمارستان الكبير النوري ودرس بالمدرسة الدخوارية وتوفي سنة ٦٦٧ﻫ/١٢٦٨م.
  • (١٨)
    شمس الدين محمد الكلي: هو الحكيم العالم أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي المحاسن، كان أبوه أندلسيًّا، وأتى إلى دمشق ونشأ شمس الدين بدمشق وقرأ صناعة الطب، وحفظ كليات القانون حفظًا جيدًا، ولذلك قيل له الكلي. وخدم بصناعة الطب الملك الأشرف موسى بدمشق ثم في البيمارستان الكبير النوري.
  • (١٩)
    عز الدين بن السويدي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد، كان أبوه تاجرًا من السويداء بحوران، ولد بدمشق سنة ٦٠٠ﻫ/١٢٠٣م ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب، وقرأ علم الأدب وأتقن العربية وأجاد الشعر، وخدم في البيمارستان الكبير النوري وفي بيمارستان باب البريد، وكان مدرسًا بالدخوارية.
  • (٢٠)
    عماد الدين الدنيسري: هو عماد الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي الخطيب تقي الدين عباس بن أحمد بن عبيد الربيعي، مولده بدنيسر في سنة ٦٠٥ﻫ ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب وتميز في الأدب والفقه، خدم في البيمارستان الكبير النوري.
  • (٢١)
    بدر الدين بن قاضي بعلبك: هو الحكيم العالي بدر الدين المظفر ابن القاضي الإمام مجد الدين عبد الرحمن بن إبراهيم، نشأ بدمشق واشتغل بصناعة الطب وخدم في البيمارستان الذي بالرقة. وصنف مقالة في مزاج الرقة وأحوال أهويتها. ثم أتى إلى دمشق وخدم الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود وذلك في سنة ٦٣٥ﻫ. وولي رياسة جميع الأطباء والكحالين والجراحين والبيمارستان الكبير النوري وقرأ الفقه والتفسير.
  • (٢٢)
    جمال الدين بن عبد الله بن عبد السيد ٢٣ أسلم مع والده الذبان، وكان من أطباء المارستان النوري بدمشق، توفي سنة ٧٣٥ﻫ ودفن في قبر أعده لنفسه.
  • (٢٣)
    عبد الله بن عبد الحق: ٢٤ بن إبراهيم بن محمد بن عبد الحق رئيس الجراحين جمال الدين ابن رئيس الأطباء شمس الدين القاهري ويعرف بابن عبد الحق: ولد قبل القرن ودخل في سفره مع أبيه الشام في خدمة الناصر فرج، وتميز في صناعة الطب وباشر رياسة الجراحين وقتًا، وتقدم في أيام الأشرف إينال ولم ينفك عن ملازمة البيمارستان كل يوم، مات في ربيع الأول سنة ٨٩١ﻫ ودفن بتربة ابن جماعة بالقرب من الصوفية.

(٥) البيمارستان النوري أو العتيق بحلب

ذكر ابن القفطي٢٥ أن المختار بن الحسن بن عبدون المعروف بابن بطلان خرج من بغداد في مستهل شهر رمضان سنة ٤٤٠ﻫ مصعدًا، فوصل إلى حلب فوجد فيها جامعًا وست بيع وبيمارستانًا صغيرًا. وروى صاحب كنوز الذهب في تاريخ حلب أن المختار بن الحسن بن عبدون المعروف بابن بطلان هو الذي وضع البيمارستان بحلب وجدد نور الدين محمود بن زنكي عمارته. وقال في الدر المنتخب:٢٦ إن البيمارستان النوري بناه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب داخل باب أنطاكية بالقرب من سوق الهواء في محلة الجلوم الكبرى في الزقاق المعروف الآن بزقاق البهرمة. ويقال: إن الملك العادل نور الدين تقدم إلى الأطباء أن يختاروا في حلب أصح بقعة صحيحة الهواء لبناء البيمارستان بها، فذبحوا خروفًا وقطعوه أربعة أرباع، وعلقوها بأرباع المدينة ليلًا، فلما أصبحوا وجدوا أحسنها رائحة الربع الذي كان في هذا القطر، فبنوا المارستان فيه. ووقفت عليه قرية معراتا، ونصف مزرعة وادي العسل من جبل سمعان، وخمسة أفدنة من مزرعة كفر تابا، وثلث مزرعة الخالدي، وطاحونًا من المطخ، وثمن طاحون ظاهر باب الجنان، وثمانية أفدنة من مزرعة أبو مرايا من غراز، وخمسة أفدنة من مزرعة الحميرة من المطخ، واثني عشر فدانًا من مزرعة الغرزل من المعرة، وثلث قرية بيت راعيل من العزبيات، وعشرة دكاكين بسوق الهواء، وهو الآن معروف بسوق الجمرك، منها ثلاثمائة تمام، والباقي شركة الجامع الكبير، وأحكار ظاهر باب أنطاكية، وباب الفرج وباب الجنان. ومكتوب على البيمارستان٢٧ عند باب البهرمة: بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله الملك العالم العامل المجاهد المرابط الأعز الكامل صلاح الدنيا والدين قسيم الدولة رضي الخلافة تابع الملوك والسلاطين، ناصر الحق بالبراهين، محيي العدل في العالمين، قامع الملحدين، قاتل الكفرة والمشركين، أبو القاسم محمود بن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين أدام الله دولته، بتولي العبد الفقير إلى رحمة مولاه، عقبة بن أسعد الموصلي وعلى بابه مكتوب٢٨ عمره السلطان نور الدين بتولي ابن أبي الصعاليك.

وفي هذا المارستان قاعة للنساء مكتوب عليها: عمر هذا المكان في دولة صلاح الدين يوسف بن أيوب، بتولي أبي المعالي محمود بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي الشافعي في شهر رمضان سنة ٦٥٥ﻫ/١٢٥٧م، وعلى إيوانه أنه عمر في أيام الأشرف شعبان، وأن هذا الإيوان وقاعة النساء الصيفية أنشأها صالح سبط ابن السفاح، وعلى الشباك الذي على بابه: أنه أحدث في سنة ٨٤٠ﻫ/١٤٣٦م على يد الحاج محمد البيمارستاني، وقاعة المنسلهين كانت سماوية فأسقفها القاضي شهاب الدين ابن الزهري. وهو بيمارستان مبارك يستشفى به، وهو نير شرح ومفروش من الرخام وبه بركتا ماء يأتي إليهما الماء الحلو من قناة حبلان.

وقال القلشندي٢٩ عن حلب: وبها بيمارستان حسن لعلاج المرضى. وقال:٣٠ من الوظائف الديوانية نظر البيمارستان، وقد تقدم الكلام على مدينة حلب أن بها بيمارستانين أحدهما يعرف بالعتيق والآخر بالجديد، ولكل منهما ناظر يخصه، وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم. ولعل العتيق منهما هو الذي أنشاه نور الدين محمود بن زنكي وهو هذا، والثاني منهما وهو الجديد هو الذي أنشأه الأمير أرغون الكاملي بحلب وسيأتي ذكره بعد.
قال صاحب أعلام النبلاء٣١ وهو الآن خراب ولم يبق منه سوى بابه وجدران أطرافه تأوي إليه الفقراء من الغرباء. ومن الغريب أن معتمد إيطاليا أدولف صولا عمر فوق باب البيمارستان المذكور قنطرة وجعل طرفًا تحت أطراف قصر داره التي تجاه البيمارستان المذكور حفظًا للقصر، وذلك منذ خمسة عشر عامًا، وكان ذلك في ليلة واحدة ولم ينتطح لذلك عنزان، غايته أن المتولي على البيمارستان رفع الأمر إلى الحكومة وإلى المجلس البلدي فلم يلتفت إليه وكأن الحادثة لم تكن. وجاء في مجلة الدراسات الإسلامية٣٢ التي تصدر بالفرنسية عن سنة ١٩٣١م عن حال البيمارستان الحاضرة أنه: أسسه نور الدين في أواسط القرن الثاني عشر الميلادي وأجري فيه إصلاح في القرن الخامس عشر. وقد تغيرت معالمه بسبب تحويله إلى مساكن، ومع ذلك فإنه يجب المحافظة عليه مثالًا من الآثار التي يقل مثلها في العالم الإسلامي.
وباب الدخول إليه (انظر الصورة ٤-٣) لا يزال حافظًا لمصراعيه الأصليين وهو مزين بقطع مربعة من صفائح الخشب المنقوش، وداخل البيمارستان في حالة من الإهمال لا يمكن وصفها، والبوابة منفصلة عن مكانها، والواجهة مائلة إلى جهة الشارع، وأول شيء يجب عمله فيه هو أن يخلى من ساكنيه ثم يشرع في تنظيفه.
fig10
شكل ٤-٣: باب البيمارستان النوري بحلب.
وممن عرف من الأطباء الذين خدموا بالبيمارستان النوري بحلب عدا ابن بطلان:
  • هاشم بن محمود٣٣: ابن السيد ناصر الدين السروجي الحسيني رئيس الأطباء بالمارستان النوري بحلب توفي سنة ٩٦٤ﻫ.

(٦) بيمارستان باب البريد

جاء ذكر هذا البيمارستان عرضًا في ترجمة عز الدين السويدي فإنه كان طبيبًا به وبالبيمارستان الكبير النوري، وباب البريد هذا اسم لأحد أبواب جامع دمشق وهو الغربي، وتجد ترجمة عز الدين السويدي ضمن أطباء البيمارستان الكبير النوري.

(٧) بيمارستان حماة

دخل ابن جبير في رحلة إلى المشرق مدينة حماة٣٤ في الضحى الأعلى من يوم السبت في ١٩ ربيع الأول سنة ٥٨٠ﻫ، وبعد أن أسهب في وصفها قال: ولها جامع أكبر من الجامع الأسفل، ولها ثلاث مدارس ومارستان على شط النهر بإزاء الجامع الصغير.

(٨) بيمارستان آخر بحلب

قال صاحب أعلام النبلاء:٣٥ على باب الجامع الكبير الشمالي بحلب بيمارستان وله بوابة عظيمة ينسب لابن خرخار والآن قد أغلق بابه، ثم قال: وقد رأيته.

(٩) بيمارستان القدس

رحل السلطان صلاح الدين إلى القدس في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان سنة ٥٨٣ﻫ، وأمر بتشييد أسواره وزاد في وقف المدرسة التي عملها بالقدس، وهذه المدرسة كانت قبل الإسلام تعرف بصند حنه (Sainte anne) يذكرون أن بها قبر حنة أم مريم عليها السلام، ثم صارت في الإسلام دار علم قبل أن يملك الإفرنج القدس. ثم لما ملك الإفرنج القدس سنة ٤٩٢م أعادوها كنيسة كما كانت قبل الإسلام، ولما فتح السلطان صلاح الدين القدس أعادها مدرسة، وفوض تدريسها إلى القاضي بهاء الدين بن شداد، وأمر بأن تجعل الكنيسة المجاورة لدار الاشبيتار بقرب حمامه مارستانًا للمرضى. ووقف عليها٣٦ مواضع وشهر أدوية وعقاقير غزيرة، وفوض القضاء والنظر في هذه الوقوف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع أبي تميم. وقال النويري:٣٧ قد عزم السلطان صلاح الدين على الحج ثم عاد إلى القدس ورتب أحواله وعين الكنيسة التي في شارع قمامة البيمارستان ونقل إليه العقاقير والأدوية.
وأشار ابن القفطي٣٨ إلى بيمارستان القدس بقوله: إن يعقوب ابن صقلاب النصراني أقام على حالته بالقدس في مباشرة البيمارستان إلى أن ملكه المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب سنة ٦١٥ﻫ.

وقد كتب إلي الأستاذ العالم عادل جبر بك مدير المتحف الإسلامي ودار الكتب بالقدس الشريف، عن هذا المارستان فقال: إن بالقدس حارة تسمى الدباغة، والمشهور المتداول على ألسنة الناس أن البيمارستان الصلاحي كان في هذه الجهة ثم أدركه الخراب كما أدرك غيره من الآثار، ثم حدثت زلزلة في سنة ٨٦٢ﻫ/١٤٥٨م فجعلته أثرًا بعد عين، فعفيت آثاره واختلست أرضه وتصرف فيه الحكام وغيرهم من الناس بالبيع والهبة، فوهب السلطان عبد الحميد قسمًا من خراباته إلى الدولة الألمانية لمناسبة زيارة ولي عهدها للقدس الشريف سنة ١٨٩٦، فبنى فيه الألمان كنيسة افتتحها الإمبراطور غليوم الثاني سنة ١٨٩٨ وقال: إنهم عثروا في خراباته على حجارة مكتوبة ناطقة باسم صلاح الدين وخلفائه من بعده.

الأطباء الذين خدموا بصناعة الطب في مارستان القدس

  • (١)
    يعقوب ابن صقلاب النصراني المقدسي المشرقي الملكي مولده بالقدس الشريف، قرأ الحكمة والطب وأقام بالقدس في مباشرة البيمارستان، إلى أن ملكه الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل فنقله إلى دمشق، فاختص به وارتفعت عنده حاله وأدركه نقرس ووجع مفاصل فأقعده عن الحركة، حتى قيل إن الملك المعظم إذا احتاج إليه في أمر مرضه استدعاه في محفة تحمل بين الرجال، وتوفي يعقوب في حدود سنة ٦٢٦ﻫ.
  • (٢)
    رشيد الدين الصوري: هو أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري، كان أوحد زمانه في معرفة الأدوية المفردة وماهياتها واختلاف أسمائها وصفاتها وتحقيق خواصها، مولده في سنة ٥٧٣ﻫ بمدينة صور ونشأ بها ثم انتقل عنها، واشتغل بصناعة الطب على الشيخ عبد اللطيف البغدادي، وأقام بالقدس وكان يطب في البيمارستان الذي كان فيه، وخدم الملك العادل ثم الملك المعظم عيسى ثم ولده الملك الناصر داوود، وكان له بدمشق مجلس للطب والجماعة يترددون إليه ويشتغلون بالصناعة عليه، وتوفي يوم الأحد أول شهر رجب سنة ٦٣٩ﻫ (١٢٤٢م).

(١٠) بيمارستان عكا

في سنة ٥٨٣ﻫ بعد أن فتح السلطان صلاح الدين بيت المقدس٣٩ واستنقذه من أيدي الصليبيين، انصرف إلى دمشق واجتاز في طريقه إلى عكا، ولما وصل إليها نزل بقلعتها ووكل بعمارتها وتجديد محاسنها بهاء الدين قراقوش، ووقف دار الإشبتار نصفين على الفقراء والفقهاء، وجعل دار الأسقف مارستانًا ووقف على ذلك كله أوقافًا دارة، وولى نظر ذلك لقاضيها جمال الدين ابن الشيخ أبي النجيب وعاد إلى دمشق مؤيدًا منصورًا.

(١١) بيمارستان صفد

ذكر ابن حجر٤٠ أن في صفد بيمارستانًا عمره الأمير تنكز نائب الشام في زمن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون. وقال محمد بن شاكر الكتبي:٤١ إن الأمير الكبير سيف الدين تنكز٤٢ نائب السلطنة بالشام عمر بصفد البيمارستان المعروف باسمه.

(١٢) بيمارستان الصالحية أو القيمري

البيمارستان القيمري أو مارستان الصالحية أنشأه وأوقفه الأمير الكبير سيف الدين أبو الحسن٤٣ علي بن يوسف بن أبي الفوارس ابن موسك القيمري الكندي: أكبر أمراء القيامرة ومن أبطالهم المذكورين وصلحائهم المشهورين، وهو ابن أخت صاحب قيمر٤٤ كانوا يقفون بين يديه كما تعامل الملوك. ومن أكبر حسناته وقفه المارستان الذي بسفح قاسيون بالصالحية، وكانت وفاته سنة ٦٥٣ﻫ ودفن بالسفح في قبته التي تجاه المارستان، وكان ذا مال وثروة. وفي سنة ٦٩٦ﻫ في يوم السبت٤٥ النصف من ربيع الآخر شرعت التتار في نهب الصالحية وأخربوا أماكن كثيرة ومنها المارستان بالصالحية، وقال ابن العماد:٤٦ إنه في سنة ٨٥٦ﻫ توفي الشيخ زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن داوود الحنبلي، وكان المتكلم على البيمارستان القيمري، فحصل به النفع من عمارة جهاته وعمل مصالحه ورغب الناس في نفع الفقراء بكل ممكن.
fig11
شكل ٤-٤: وجه البيمارستان القيمري وتظهر فيه حجة الوقف والعمل جار في إصلاحه وإعادته كما كان من قبل مصلحة الآثار السورية.
fig12
شكل ٤-٥: البيمارستان القيمري بالصالحية منقولا عن كارل ولزنجر وكارل وتزنجر.
وذكر المحبي:٤٧ أن حسن باشا بن عبد الله الأمين المعروف بشوريزه أحد صدور دمشق وأعيانها المتوفى سنة ١٠٢٧ كان قد ولي وقف البيمارستان الكبير النوري، فأقام شعائره وعمر أوقافه وأتى فيه من حسن التنمية بما لا مزيد عليه، فاستدعاه المولى مصطفى كوجك قاضي القضاة بدمشق لولاية البيمارستان القيمري فأبى، حتى أبرم عليه هو ورئيس الأطباء بدمشق الشيخ شرف الدين لاضمحلال حاله، ثم قبله على شريطة أن لا يتناول فيه رئيس الأطباء بعض أشياء عينها، ولا يخالط أموره بسوى القدر الفلاني من علوفته؛ فإنه بسبب تجاوزه وتجاوز أمثاله خرب الوقف، فقبل القاضي والرئيس شرطه وعمره ونمّى وقفه.
وهذه صورة ما هو منحوت على وجه المستشىفى القيمري في الصالحية بدمشق:

السطر الأول

«هذا ما أوقفه وحبسه وأبده الأمير سيف الدين القيمري رحمه الله تعالى على هذا البيمارستان: فمن المرج نصف قرية (البحدلية)، وكذلك قرية (المسعودية) بكمالها، وأيضًا قرية (المعضادية)، وأيضًا من قرية (بالا) تسعة قراريط ونصف الحصص من الأصقاع الجولانية، ودير أيوب عليه السلام بكمالها.»

fig13
شكل ٤-٦: تخطيط أساسات البيمارستان القيمري عن كارل ولزنجر وكارل وتزنجر.

السطر الثاني

«ودير الهرير وطواحينها بكمالها ودير السوج بطواحينها.. والربع منها، ومن قرية عترا الربع، ومن قرية (فادا) النصف والثمن، [ومن تل] سرية ثلاث قراريط ونصف من المسقف من حصة بن مخشي بقيسارية قيراطين، وحانوت بالفسقار مضمون برسم الشوي و[في] صفة نوح سبعة عشر حانوت … والحصة من الدار؟ ربع قيراط.»

سطر علوي مفرق

«وخان التوتة بحد السماق بكماله وحصة بطاحونة باب توما أربع قراريط، وخان شمالي المارستان يشتمل على بيوت جملة وقاعة بشرقي المارستان حوانيت ومصاغ باب المارستان سبعة عشر حانوت قاعة وحجرة وإصطبل تحتها وقف أمين الدين بدال بالقصاعين. ا.ﻫ.» وتحت ذلك:

السطر الأول

«بسم الله الرحمن الرحيم. أمر ببناء هذا المارستان المبارك العبد الفقير الراجي رحمة ربه الكريم الأمير الأجل الكبير» والغازي المجاهد المؤيد المظفر المنصور سيف الدين ملك الأمراء نصرة الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين نصير أمير المؤمنين أبو الحسن الإمام عز الدين يوسف ابن المظفر ضياء الدين أبي الفوارس القيمري.

fig14
شكل ٤-٧: البيمارستان القيمري من الداخل عن كارل ولزنجر وكارل وتزنجر.

السطر الثاني

«طلب ثواب الله تعالى وابتغاء مرضاته يوم يجزي الله المصدقين ولا يضيع أجر المحسنين في أيام مولانا السلطان الملك الناصر صلاح الدين ابن مولانا السلطان الملك العزيز خلد الله ملكه وسلطانه، من نعمة مولانا السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد قدس الله روحهما وجعل النظر ….»٤٨

السطر الثالث

«جميع الأماكن الموقوفة على هذا المكان المبارك إلى الأمير الكبير ناصر الدين ملك الأمراء والمقدمين مشد دار الملوك والسلاطين ظهير أمير المؤمنين، لينظر فيه ناظرًا وحاكمًا بموجب الشرع العزيز ومقتضاه على ما هو مذكور في كتاب الوقف …٤٩ الله منشئه وأثاب الناظر فيه، وبعد ذلك جعل له النظر (على) المدرسة وأناب٥٠فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. ا.ﻫ.
fig15
شكل ٤-٨: البيمارستان القيمري من الداخل عن كارل ولزنجر وكارل وتزنجر.
وجاء في خطط الشام ج٦ ص١٦٣ ما يأتي:

قرأت في كتاب الجوامع والمدارس صورة وقف البيمارستان القيمري فإذا فيه: هذا وقف أبي الحسن بن أبي الفوارس القيمري على بيمارستانه في الصالحية على معالجة المرضى والمعاجين والأشربة، وأجرة الطبيب يصرف إلى الطبيب في كل شهر: لواحد سبعون درهمًا ونصف غرارة من قمح، والأدنى ستون درهمًا ونصف غرارة قمح، وللمشارف في كل شهر أربعون درهمًا ونصف غرارة قمح، وللكحال في كل شهر خمسة وأربعون درهمًا ونصف غرارة قمح، وللحوائج في كل شهر ثلاثة عشر درهمًا وربع غرارة قمح، وإلى ثلاثة رجال يقدم لكل من الرجال في كل شهر ثلاثة عشر درهمًا وسدس غرارة قمح، ولمن يقوم بمريضات النساء والمجنونات في كل شهر لكل واحدة عشرة دراهم وسدس غرارة قمح، وإلى الشراب وبائعه لعمل الأشربة والمعاجين في كل شهر ستة وعشرون درهمًا وثلث غرارة قمح، ولأمين المشارفين والمتولين في الوقف إلى كل واحد في كل شهر ستون درهمًا وغرارة قمح وغرارة شعير، وللإمام في كل شهر أربعون درهمًا وثلث غرارة قمح، وللمعمار المرتب لعمارته في كل شهر ثلاثة عشر درهمًا وسدس غرارة قمح، ويكون بوابًا، وللحوائج في كل شهر ثمانية دراهم وسدس غرارة، وللناظر العشر عن المغل وريع الوقف، ويصرف إلى رجلين اثنين بخدمة البيمارستان عن ثمن قدور ونحاس وفرش ولحف ومخدة، وفي كل شهر إلى قيمه والمؤذن بالمسجد بقرب البيمارستان خمسة وعشرون درهمًا، فإن فضل يصرف إلى فكاك الأسارى من الكفار، وبعد ذلك عاد وقفًا على الفقراء، وتاريخ الوقفية سنة ٦٥٢، وتاريخ المسجد سنة ٨٨٠، ثم ذكر القرى والبساتين والحوانيت والطواحين التي وقفها على بيمارستانه.

وممن ولي النظر على البيمارستان القيمري محمد بن قباد المعروف بالسكوني الدمشقي الحنفي مفتي الشام، وكانت وفاته سنة ١٠٥٣ﻫ، وممن خدم من الأطباء في البيمارستان القيمري بالصالحية:
  • (١)
    إبراهيم٥١ بن إسماعيل بن القاسم بن هبة الله بن المقداد القيسي، كان طبيبًا بالبيمارستان بالصالحية وتوفي في جمادى الأولى سنة ٧٤١ﻫ.

(١٣) بيمارستان الجبل

كان بقرية نيرب وهي قرية على نصف فرسخ من دمشق بيمارستان يسمى بيمارستان الجبل ولم يعرف شيء عن هذا البيمارستان، ولا عمن أنشأه والزمن الذي أنشئ فيه، غير أن ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات، والذهبي في تاريخ الإسلام قد ذكرا بعض الذين خدموا في هذا البيمارستان من الأطباء وعينا زمنهم، فعلمنا بذلك عصره بوجه التقريب، وذكر الذهبي في تاريخه أيضًا أن التتار لما دخلوا دمشق في سنة ٦٦٩ﻫ في ١٨ جمادى الأولى أحرقوا ومعهم الكرج والأرمن مارستان الجبل وعدة مدارس وأماكن في غاية الحسن والكثرة.

ومن الأطباء الذين خدموا في هذا البيمارستان:
  • (١)
    عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحكيم الخطيب الطبيب البارع مجد الدين خطيب النيرب، له شعر وأدب وفضائل، وكان من فضلاء الحنفية، درس بالدماغية وعاش خمسًا وسبعين سنة، وكان طبيب مارستان النيرب، وفي تاريخ الإسلام للذهبي طبيب مارستان الجبل.
  • (٢)
    أحمد بن أبي بكر محمد بن حمزة بن منصور الطبيب نجم الدين أبو العباس الهمداني ثم الدمشقي المعروف بالجيلي: طبيب مارستان الجيل ولد سنة خمس أو ست وستمائة ومات في رمضان بدوير أحمد، ولي مشارفة الجامع في هذه السنة بعد أخيه لأم الشمس الجيلي توفي سنة ٦٩٥ﻫ.

(١٤) بيمارستان غزة

لما توفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وتولى الملك الصالح إسماعيل، رسم للأمير علم الدين سنجر الجاولي الفقيه الشافعي بنيابة غزة، فحضر إليها وأقام بها مدة شرع في أثنائها في عمارة الجامع بغزة، وعمر حمامًا هائلًا ومدرسة للشافعية، وعمر خانًا للسبيل، وبنى بغزة مارستانًا ووقف عليه عن الملك الناصر أوقافًا جليلة، وجعل النظر فيها لنواب غزة، وتوفي في ٩ رمضان سنة ٧٤٥ ودفن الأمير سنجر في تربته التي على جبل الكبش ظاهر القاهرة.٥٢

(١٥) بيمارستان الكرك

هذا البيمارستان أنشأه الأمير علم الدين سنجر الجاولي أبو سعيد المتقدم ذكره والذي أنشأ أيضًا مارستان غزة. ولد الأمير سنجر٥٣ سنة ٦٥٣ بآمد ثم صار لأمير يقال له جاول في سلطنة الظاهر بيبرس فنسب إليه، ثم انتقل بعده إلى بيت السلطان، وأخرج في أيام الأشرف خليل إلى الكرك، ثم عمل إستادار صحبة الناصر محمد نيابة عن بيبرس الجاشنكير، واستنابه الناصر محمد بعد مجيئه من الكرك سنة ٧١١، فعمر بها قصرًا للنيابة وهو أول من مدنها، فبنى فيها القصر والجامع والحمام والمدرسة للشافعية وخان السبيل والمارستان والميدان، ثم قدم إلى مصر ليكون نائبًا للحوائج خاناه، ثم ولي نيابة غزة وصار من أكبر أمراء مصر، وتوفي في تاسع شهر رمضان سنة ٧٤٥.

(١٦) مارستان حصن الأكراد

fig16
شكل ٤-٩: ما هو مكتوب على باب بيمارستان حصن الأكراد منقولة عن فان برشم.
أنشأ هذا المارستان أحد المماليك بهذا الحصن ووجد مكتوبًا على عتبة هذا المكان ما يأتي:٥٤

بسم الله الرحمن الرحيم، أنشأ هذا البيمارستان المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى بكتمر بن عبد الله الأشرفي، نائب السلطنة المعظمة بحصن الأكراد، أثابه الله تعالى وأوقفه على مرضى المسلمين المقيمين والواردين وذلك في شهور سنة ٧١٩ﻫ/١٣١٩م.

fig17
شكل ٤-١٠: صورة وقف بيمارستان حصن الأكراد منقولة عن فان برشم.
وهذا المارستان لم يبق من آثاره إلا هذه الكتابة وبعض الأحجار المستعملة الآن في بناء بعض المنازل الصغيرة المجاورة للبيمارستان، وقد أرصد بكتمر بعض الأوقاف للصرف على هذا المارستان. قال ناقل هذه الكتابة: وقد وجدت في بعض البيوت المتخربة قطعة من نص وقفية بكتمر على البيمارستان وهذا نصها:

… وبسوق البز وجميع الدار المجاورة للبيمارستان من جهة الشمال والربع والثمن من الحانوت بسوق السمانين، ومن شروطه أن يبدأ من ريع ذلك بعمارة المارستان وما هو موقوف عليه، أثابه الله تعالى.

ووجدت وقفية أخرى مكتوبة فوق حجر في جدار أحد المنازل الصغيرة مقابلة للكتابة السابقة وهذه صورتها ونصها:

«أوقفت الحاجة مريم زوجة ابن المسروري أثابها الله تعالى على هذا الوقف المبارك أربعة عشر سهمًا من البستان بقرية السحارة (الآن خراب وتبعد بمقدار ساعة ونصف عن حصن الأكراد).»

وحصن الأكراد في السهل المسمى البقاعية يحده من الجنوب جبل عكار وجبل لبنان ومن الشمال جبال النصيرية. وسبب تسميته بحصن الأكراد أن أحد أمراء المرداسيين، وهو شبل الدولة نصر بن مرداس صاحب حمص، أسكن فيه جماعة من الأكراد الذين أقاموا به وأولادهم لحماية الطريق، وذلك سنة ٤٢٢ﻫ فنسب إليهم، وكان من قبل يسمى حصن الصفح، وقد استولى عليه الصليبيون وبقي في أيديهم إلى سنة ٦٦٩ﻫ/١٢٧١م ثم استرده منهم الملك بيبرس قسيم أمير المؤمنين.

(١٧) البيمارستان الجديد بحلب

أو بيمارستان أرغون الكاملي
أنشأ الأمير سيف الدين أرغون٥٥ الكاملي في سنة ٧٥٥ عمارة البيمارستان المنسوب إليه بحلب داخل باب قنسرين، واجتهد في أمره ورفل في أثواب ثوابه وأجره، وشيد بنيانه، ومهد مجالسه وإيوانه، ورفع قواعده، وهيأ بيوته ومراقده، وأعد له الآلات والخدم. ورتب لحفظ الصحة فيه أرباب الحكم وأباحه للضعيف والسقيم، وفتح بابه للراحل والمقيم، ورواه بالمياه الكثيرة وأنفق عليه أموالًا غزيرة، وأجرى عيون معلومه وجرايته، ووقف للقيام بمصالحه ما يزيد على كفايته. وقال في ذلك ابن كثير:
قولا لأرغون الذي معروفه
بالعرف قد أحيا النفوس والأَرَج
أنزلك الرحمن خير منزلٍ
رحبٍ ورقاك إلى أعلى الدرج
بنيت دارًا للنجاة وللشفا
ليس بها على المريض من حرج

وتوفي الأمير أرغون الكاملي بالقدس الشريف يوم الخميس السادس والعشرين من شوال سنة ٧٥٨ﻫ، ودفن بتربة أنشأها غربي المسجد بشمال. وكان قد ناب بدمشق مدة ثم صار إلى نيابة حلب ثم سجن بالإسكندرية مدة، ثم أفرج عنه، فقام في القدس الشريف إلى أن كانت وفاته، وكان سلطان مصر إذ ذاك الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون.

وهذا البيمارستان٥٦ هو من البيمارستانات الإسلامية الموجودة إلى اليوم في سوريا ومصر التي حفظت آثارها، فجميع نظامه بتفاصيله لا يزال سليمًا وله بوابة عظيمة ذات نخاريب، ودهليز ذو أعمدة وإيوانات، وبهو يشتمل على خلوات للمرضى. وبوجهته شقوق وحالة القبة من الداخل رديئة. وأول شيء يجب إجراؤه إخلاؤه من ساكنيه الذين أزالوا من أخشابه القديمة الشيء الكثير، ثم إصلاحه وترميمه وإصلاح بابه وتكميل ما نقص من قطعه. ومكتوب على باب البيمارستان عند باب قنسرين:٥٧

بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذا البيمارستان الملك الناصر مولانا السلطان الملك الصالح ابن السلطان الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون خلد ملكه الله، والفقير إلى ربه أرغون الكاملي نائب السلطنة المعظمة بحلب المحروسة، غفر الله له وأثابه الجنة في شهور سنة ٧٥٥ﻫ/١٣٥٤م.

fig18
شكل ٤-١١: باب بيمارستان قيسارية نقلًا عن الأستاذ أحمد سهيل.

وفي أعلام النبلاء: أن محلة هذا البيمارستان كانت بيتًا لأمير فتوصل إليه بطريق شرعي، ولم يغير بوابة تلك الدار عن حالها، وإنما كتب عليها وهي معمورة، وهذا المارستان له أوقاف مبرورة، منها قرية بنش من عمل سرمين وغيرها، وكتاب وقفه موجود وقد رتب فيه القراء يقرءون القرآن طرفي النهار، وخبزًا يتصدق به، ورتب له جميع ما يحتاج إليه من أشربة وكحل ومراهم ودجاج وجميع الملطفات، وكان هذا المارستان بكفالة تفري برمس على أتم الوجوه، وشرط واقفه أن يكون النظر فيه لمن يكون كافل حلب، ولما تولى جانم الأشرفي كفالة حلب جعل إمامه متكلمًا على هذا البيمارستان، فصنع له سحابة على إيوانه القبلي على قاعدة بيمارستان القاهرة، إذ في هذه السحابة منفعة للضعفاء تقيهم الحر والبرد.

ولما كان بتاريخ ربيع الأول سنة ٨٢٥ﻫ اطلع مولانا المقر الأشرف السيفي المالكي الصالحي٥٨ مولانا الملك الآمر عز نصره، وهو الناظر الشرعي على البيمارستان السيفي أرغون الكاملي بحلب المحروسة على ما شرط الواقف أثابه الله في كتاب وقفه، فمنع من هو بغير شرط الواقف.
ونأتي هنا على وصف مسهب لهذا البيمارستان كما ذكره صاحب أعلام النبلاء قال:

تدخل إلى البيمارستان فتجد عن يمينك حجرة هي الآن خربة ثم تدخل الباب الثاني فتجد عن يمينك حجرة أخرى، كانت هاتان الحجرتان لقعود الأطباء ووضع ما يحتاجون إليه من الأدوية والأشربة، ثم تجد صحنًا واسعًا يحيط بطرفيه الجنوبي والشمالي رواقان ضيقان مرفوعان على أعمدة عظيمة، وراءهما حجرة صغيرة هي محل حبس المجانين فيها. ثم تدخل من الجهة الشمالية في دهليز وبعد خطوات تجد دهليزين: الذي على اليمين يأخذ إلى باب آخر للمارستان تخرج منه إلى بوابة صغيرة وهو معلق الآن، والدهليز الذي على اليسار يأخذك إلى صحنين حولهما حجرة صغيرة وهي معدة أيضًا لحبس المجانين. وهناك يأخذك الهول ويدخل قلبك الروع للظلمة المخيمة على هذه الأمكنة ولا منافذ لها، وروائح العفونة والأقذار منتشرة فيها.

fig19
شكل ٤-١٢: بيمارستان أرغون الكاملي بحلب.
ثم قال:

وقد بلغنا أنه كان في أطراف الصحن الخارجي وعلى أطراف الحوض الذي في وسطه أنواع الرياحين ليناظرها المجانين، وكانوا يأتون بآلات الطرب وبالمغنين فيداوون المجانين بها أيضًا. وكان أمره جاريًا على الانتظام إلى أواخر القرن العاشر، ومن ذلك الحين أهمل أمره وزالت تلك الأوضاع منه. وكان بلاط الصحن متوهنًا جدًّا فاهتم جميل باشا سنة ١٣٠٢ﻫ بتبليطه وتجديد حوضه وترميمه. وكان يسكن في إيوانه الغربي رجل يقال له أبو حيدرة هو وأسرته، فكانوا يحافظون على هؤلاء المجانين ويطعمونهم ويرفعون الأقذار من عندهم. ومنذ نحو عشر سنوات أو أزيد بقليل أخذ من كان فيه من المجانين، وكانوا نحو عشرين شخصًا، إلى الأستانة، وهو آخر العهد بهم. والآن يسكنه بعض الفقراء، وقد كان لبابه حلقتان كبيرتان جميلتا الشكل من النحاس الأصفر، قلعتا منه منذ خمس عشرة سنة وأخذتا إلى متحف الأستانة، ولا ندري أوصلتا إليه أم لا، ويعد هذا البيمارستان من جملة الآثار القديمة الباقية في حلب، غير أنه إذا بقي مهملًا على حالته الحاضرة أدى ذلك إلى تداعيه وخرابه. وأما واردات البيمارستان من قرية بنش فإنها حولت سنة ١٢٨٤ﻫ/١٨٦٧م إلى أوقاف الجامع الكبير.

(١٨) البيمارستان الدقاني

منسوب إلى دقان بن تتش السلجوقي أحد حكام دمشق في عصر السلاجقة قال ابن كثير:٥٩ في ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر سنة ٧٦٤ عملت خيمة حافلة بالبيمارستان الدقاني جوار الجامع بدمشق بسبب تكامل تجديده قريب السقف مبنيًا باللبن حتى قناطره الأربع بالحجارة البلق، وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة وفتق في قبلته إيوانًا حسنًا زاد في أعماقه أضعاف ما كان، وبيضه بالجص الحسن المليح، وجددت فيه خزائن ومصالح وفرش ولحف جدد وأشياء حسنة، فأثابه الله وأحسن جزاءه، وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخواص والعوام، ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارة، وأخبره عما كان حاله قبل هذه العمارة، فاستجاد ذلك من صنيع الناظر وهو الصاحب تقي الدين٦٠ بن مراجل وذلك في سنة ٧٦٤ﻫ والسلطان بالديار المصرية والشامية والحجازية الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ومدبر الممالك بين يديه وأتابك العساكر الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي، ودخله السلطان يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفًا من المطر.

(١٩) بيمارستان الرملة

(٢٠) بيمارستان نابلس

ذكر ابن حجر العسقلاني٦١ أن محمد بن فضل الله القبطي فخر الدين ناظر الجيش كان قد أسلم وتسمى محمدًا وحج عشر مرات وزار القدس، وأحرم مرة من القدس إلى مكة، وكانت صدقته في كل يوم ألف درهم، وبنى عدة مساجد وعدة أحواض لسقي الماء في الطرقات، وله مارستان بالرملة وآخر بنابلس من أعمال فلسطين، اتصل بخدمة الناصر محمد ومات في رجب سنة ٧٣٢.
١  صبع الأعشى ج١ ص٤٣١.
٢  غرر النقائض وغرر الخصائص الواضحة ص٢٤٨ طبع بولاق.
٣  الخطط والآثار ج٢ ص٤٠٥ طبع بولاق.
٤  كتاب كنوز الذهب لموفق الدين أبي ذر أحمد بن إبراهيم الشهير بسبط ابن العجمي الحلبي المتوفى سنة ٨٨٤ﻫ/١٤٣٩م، وهو ذيل لتاريخ حلب لابن العديم المتوفى سنة ٦٦٠ مخطوط.
٥  تاريخ الحكماء ص٢٩٧ طبع ليبسيك.
٦  عيون الأدباء ج١ ص٢٤٣.
٧  شذرات الذهب ج٣ ص٤٠٧.
٨  البداية والنهاية لابن كثير حوادث سنة ٥٦٩ مخطوط.
٩  الرحلة ص٢٨٣ طبع ليدن.
١٠  عيون الأنباء ج٢ ص١٥٥.
١١  هو أبو القاسم محمود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر الملقب بالملك العادل نور الدين، ولد يوم الأحد ١٧ شوال سنة ٥١١ﻫ ملك الشام وديار الجزيرة ومصر، وكان ملكًا عادلًا زاهدًا عابدًا ورعًا مائلًا إلى أهل الخير، كثير الصدقات. قال ابن الأثير: قد طالعت سير الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحريًا منه للعدل، وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف في الذي يخصه إلا من ملك كان له قد اشتراه من سهمه في الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين. وكان عارفًا بالفقه وسمع الحديث وأسمعه طلبًا للأجر. وأما عدله فإنه لم يترك في بلاده على سعتها مكسًا ولا عشرًا، وكان يعظم الشريعة ويقف عند أحكامها، وقد حصن البلاد وبنى المدارس الكثيرة والجوامع والبيمارستانات والخانات في الطرق، والخانكاهات في جميع البلاد، وأوقف على الجميع الوقوف الكثيرة، وكان يكرم العلماء وأهل الدين ويعظمهم ولا يرد إليهم قولًا، وكان وقورًا مهيبًا مع تواضعه، وبالجملة فقد كان له من المفاخر والمآثر ما يستغرق الوصف، توفي يوم الأربعاء شوال سنة ٥٦٩ﻫ بقلعة دمشق ودفن بها في تربته بمدرسته التي أنشأها عند باب سوق الخواصين.
١٢  النجوم الزاهرة ج٦ ص١٧٤.
١٣  زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك لغرس الدين خليل بن شاهين الظاهري طبع باريس سنة ١٨٩٤م.
١٤  طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ج٢ ص٢٦٠.
١٥  تاريخ ابن الوردي ص٢٩٠.
١٦  المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي مخطوط.
١٧  التبر المسبوك في ذيل السلوك ص٢٢.
١٨  صبح الأعشى ج٤ ص١٨٤.
١٩  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي ج٢ ص٢٥.
٢٠  ثم اتخذ سنة ١٩٣٧ دارًا لمدرسة التجارة الرسمية. وهمة دار الآثار الآن مبذولة في إعادة معالمه كما كانت في القديم.
٢١  أعمال الحديد تطابق في الاصطلاح الطبي العصري إجراء العمليات الجراحية.
٢٢  عن البداية والنهاية لابن كثير وشذرات الذهب لابن العماد وتاريخ الإسلام للذهبي.
٢٣  تاريخ الإسلام لابن الوردي ج٢ ص٣١٠.
٢٤  الضوء اللامع للسخاوي.
٢٥  تاريخ الحكماء ص٣٩٥ طبع ليبسيك.
٢٦  انظر كتاب أعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء.
٢٧  كتاب تحفة الأنباء في تاريخ حلب الشهباء تأليف بشوف الجرماني طبع بيروت سنة ١٨٨٠ ص ١٤٠.
٢٨  أعلام النبلاء.
٢٩  صبح الأعشى ج٤ ص١١٧.
٣٠  صبح الأعشى ج٤ ص٢٢٠.
٣١  أعلام النبلاء ج٢ ص٧٧ طبع بيروت سنة ١٨٨٠.
٣٢  Revue des etudes islamiques annee 1931. cahier 1: Inventaire des monuments musulmans de la ville d’Alep.
٣٣  الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة للغزي.
٣٤  الرحلة ص٢٥٥ طبع ليبسيك.
٣٥  طبع بيروت سنة ١٨٨٠.
٣٦  عقد الجمان للعيني في دخول صلاح الدين للقدس.
٣٧  نهاية الأرب في فنون الأدب حوادث سنة ٥٨٨.
٣٨  اطلب ترجمة يعقوب بن صقلاب.
٣٩  عقد الجمان للعيني حوادث سنة ٥٨٤ والبداية والنهاية لابن كثير حوادث سنة ٥٨٣ﻫ.
٤٠  الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
٤١  فوات الوفيات ج١ ص٩٢ طبع بولاق.
٤٢  هو الأمير سيف الدين تنكز بن عبد الله الحسامي التامري نائب الشام، جلبه إلى مصر الخواجه علاء الدين السيواسي واشتراه الأمير لاشين، فلما قتل لاشين صار من خاصية السلطان. سمع تنكز الحديث وحدث وقرأ عليه المقريزي، وأمره الملك الناصر محمد بن قلاوون وولاه نيابة دمشق سنة ٧١٢ﻫ فأقام بها ٢٨ سنة، وهو الذي عمر دمشق وأقام شعائر المساجد بعد التتار وبنى بها جامعًا، وجدد بصفد بيمارستانًا مليحًا للشفا. ثم قبض عليه الملك الناصر وأرسله إلى القاهرة سنة ٧٤١ﻫ، وتوفي تنكز بحبس الإسكندرية في يوم الثلاثاء النصف من المحرم سنة ٧٤١ وقد جاوز السبعين. وفي سنة ٧٤٤ حضر تابوته من الإسكندرية إلى دمشق ودفن في تربته بجوار جامعه، وكان ملكًا جليلًا محترمًا مهابًا عفيفًا حسن المعاشرة (المنهل الصافي والبداية).
٤٣  البداية والنهاية لابن كثير حوادث سنة ٦٥٤ وشذرات الذهب لابن العماد ج٣ ص٣١٣.
٤٤  قيمر هي قلعة في الجبال بين الموصل وخلاط ينسب إليها جماعة من أعيان الأمراء بالموصل وخلاط، وهم أكراد، ويقال لصاحبها أبو الفوراس (ياقوت).
٤٥  البداية والنهاية حوادث سنة ٦٥٦.
٤٦  شذرات الذهب لابن العماد ج٤ ص٣١٤.
٤٧  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ج٢ ص٢٥.
٤٨  الكلمة مطموسة وظاهر أن المراد وجعل النظر عليه وعلى جميع الأماكن.
٤٩  الذي على الحجر كلمة تشبه: بقا من الله ولعلها كلمة بمعنى عفا الله عن منشئه.
٥٠  كلمة مطموسة قريبة من (القيم) أو (النعيم).
٥١  الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
٥٢  أعيان العصر للصلاح الصفدي ج٣ مخطوط.
٥٣  الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني.
٥٤  Max Van Berechem: materiavx pour un corpus inscriptiunum arabiearum: Syrie du nord par maritz Sobernheim tome XXv; memories de l’Instilut francais d’archeologie oriental.
٥٥  البداية والنهاية لابن كثير حوادث سنة ٧٥٥.
٥٦  Revue des etudes islamiques annee 1931. cahier 1: Jnventaire des monuments musulmans de la ville d’Alep.
٥٧  كتاب تحف الأنباء في تاريخ حلب الشهباء ص١٤٠ طبع بيروت سنة ١٨٨٠.
٥٨  هو الملك الصالح ناصر الدين محمد بن ططر من ملوك الشراكسة، وكان سلطان مصر والبلاد الشامية سنة ٨٢٥ في أيام الخليفة المعتضد بالله.
٥٩  البداية والنهاية حوادث سنة ٧٦٤.
٦٠  في يوم الثلاثاء ١٨ ذي القعدة سنة ٧٦٤ توفي الصاحب تقي الدين ابن مراجل ناظر الجامع الأموي وغيره، وكانت له همة ويثيب إلى أمانة وصرامة ومباشرة مشكورة ودفن بتربة أنشأها تجاه داره بالقبيبات وقد جاوز الثمانين.
٦١  الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤