تمهيد

القلق واحد من الانفعالات الأساسية، وهو جزءٌ أساسي مما يعنيه أن تكون إنسانًا مثل السعادة أو الحزن أو الغضب. وإذا طُلب منك أن تتذكَّر آخرَ مرة شعرت فيها بالقلق، فلا شك أنك لن تضطر إلى العودة بالذاكرة إلى الوراء كثيرًا.

في أشكاله الأكثر حدة، يُعَد القلق أيضًا أحدَ أكثر أنواع الاضطرابات النفسية شيوعًا؛ إذ يعانيه ملايين الأشخاص حول العالم في أي وقت.

إذن لا شكَّ في أهمية القلق. ولكن على الرغم من أننا جميعًا نختبر هذا الانفعال، ربما بشكل منتظم، فقد يبدو بالنسبة إلى الكثيرين منا تجربةً غامضة جدًّا. فالقلق بالأحرى أشبهُ بالوصف الإنجيلي للريح؛ إذ إننا ندركه عندما يحل بنا، ولكننا لا نعرف من أين أتى ولا إلى أين يتجه.

لذا، نبدأ هذه المقدمة القصيرة جدًّا بتحديد معنى القلق. نحاول تحديدَ ماهية القلق، وكيف يكون الشعور به، وما قد يكون الغرض منه. على الرغم من أن الجميع يشعر بالقلق من وقتٍ لآخر، فعدد المرات التي نشعر فيها بالقلق، ومدى حدة تأثيره علينا يختلف من شخص لآخر. لفهم السبب وراء ذلك، سنركز في الفصل الثاني على القلق من أربعة منظورات نظرية رئيسية تتعلق بالقلق، ألا وهي: منظور التحليل النفسي، والمنظور السلوكي، والمنظور المعرفي، ومنظور البيولوجيا العصبية. وفي الفصل الثالث، سنبني على هذه المناقشة من خلال النظر في كيفية تأثير جيناتنا وخبراتنا الحياتية على قابليتنا للتأثُّر بالقلق.

بعد هذه الاستكشافات النظرية، نأمُل أن يمثل الفصل الرابع تحولًا ممتعًا، وكاشفًا في الوقت نفسه. نقدِّم في هذا الفصل مقابلات أُجريت خصيصى لهذا الكتاب مع الممثل والكاتب والمخرج مايكل بالين، ومدرب كرة القدم الإنجليزي السابق جراهام تايلور. يصف كلٌّ منهما تجربته مع القلق في حياتهما العملية، ويوضِّحان الخطوات التي اتخذاها لمقاومته.

في النصف الثاني من الكتاب نحوِّل تركيزنا إلى ما يحدث عندما يكون القلق حادًّا بدرجةٍ كافية لكي يعتبر مشكلة إكلينيكية. ونخصِّص فصلًا لكل اضطراب من اضطرابات القلق الستة الرئيسة التي تغطيها أنظمةُ التصنيف النفسي: الرُّهاب، والرُّهاب الاجتماعي، واضطراب الهلع، واضطراب القلق العام، واضطراب الوسواس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة. ونختتم الكتاب بتقييم خيارات العلاج المختلفة لمشكلات القلق. وهنا يعني ظهور علاجات سلوكية معرفية عالية الفعالية، وجودَ أسباب حقيقية تدعو إلى التفاؤل.

إن القلق أمرٌ طبيعي تمامًا ومعقَّد على نحو مدهش. وهو أيضًا محور الكثير من الأبحاث النفسية المعاصرة والممارسات السريرية المتطورة. وخلال هذا الكتاب نستند إلى هذه الأبحاث والممارسات، ولكننا سعينا لتقديمها بأكبرِ قدرٍ ممكن من الوضوح. لذا، نأمُل أن تجدوا أن هذا الكتاب ليس مجردَ دليل موثوق لطبيعة القلق، بل دليلٌ يسهُل فهمُه وممتع كذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤