الفصل التاسع

اضطراب الوسواس القهري

هل سبق لك أن غادرت المنزل ثم عُدت بسرعة، ربما عدة مرات، للتحقق من أنك قد أغلقت الباب الأمامي أو أطفأت الموقد؟ هل سبق لك أن وجدت نفسك تفرغ حقيبتك مرةً أخرى في طريقك إلى المطار فقط لتتأكد من أنك لم تنسَ جواز سفرك؟ وهل تشعر أحيانًا بالحاجة إلى غسل يديك بشكل متكرر بعد دخول دورة المياه أو لمس شيء متسخ؟

ماذا عن الأفكار الغريبة التي تخطر ببالك وكأنها تأتي من العدم؟ هل سبق لك أن وجدت نفسك تفكر، على سبيل المثال، أنك على وشْك ضرب شخصٍ ما؟ أو أنك على وشْك الصراخ أو التلفظ بالشتائم في أكثرِ المواقف غير الملائمة لذلك، ربما في جنازة أو في مكتبة؟

إذا أجبت بنعم على أيٍّ من هذه الأسئلة، فلا داعيَ للقلق. فعليًّا، يشعر الجميع برغبات مفاجئة كهذه من حين لآخر. وقد تبدو أحيانًا غريبة جدًّا. فيما يلي مجموعة مختارة من هذه الرغبات تطوَّع أفراد من عامة الناس بمشاركتها:

  • رغبة مفاجئة ملحة بدفع شخصٍ ما أمام القطار.

  • تمني الموت لشخصٍ ما.

  • التفكير في إلقاء طفل أسفل الدَّرج.

  • صورة متخيَّلة لتعرضك لحادث سيارة ومحاصر تحت الماء.

  • هواجس الإصابة بمرضٍ من لمس مقعد المرحاض.

  • هاجس بوجود وسخ دائم على يدي.

  • رغبة مفاجئة ملحَّة لقول شيءٍ مؤذٍ نفسيًّا.

  • التفكير في قول شيءٍ ما دون تفكير في الكنيسة.

  • التفكير في ممارسات جنسية «غير سوية».

  • هاجس باشتعال الأجهزة الكهربائية وأنا خارج المنزل.

  • هاجس بتعرُّض بيتي للاقتحام.

  • هاجس أنني لم أَشدَّ فرامل اليد في سيارتي كما ينبغي، وأن السيارة ستتحرك وتصطدم بالسيارات الأخرى أثناء غيابي.

(١) ما هو اضطراب الوسواس القهري؟

بالنسبة إلى نسبةٍ صغيرة من الناس، يمكن أن تخرج هذه الأفكار والرغبات الطبيعية عن السيطرة وتهيمن على حياتهم وتتطوَّر إلى مجموعة شديدة القوة والإزعاج من المخاوف والطقوس التي تُعرف باسم «اضطراب الوسواس القهري» (وتُعرف اختصارًا ﺑ OCD).

يختلف معنى كلمة «وسواس» في هذا السياق اختلافًا كبيرًا عن معناها الشائع. ففي اضطراب الوسواس القهري يكون المقصود بكلمة «وساوس» أفكارًا وصورًا ورغباتٍ ملحَّة مزعجة وغير مرغوب فيها تتكرر باستمرار، أحيانًا طوال النهار والليل. تكون هذه الوساوس مزعجة بشدة لدرجة تدفع مَن يعانون الوسواسَ القهري إلى استخدام مجموعة متنوعة من الطقوس الدقيقة والمستهلَكة للوقت في محاولةٍ لجعلِ هذه الوساوس تختفي، أو لمنع الضرر الذي يبدو أنهم يتوقعون حدوثه. تسمَّى هذه الطقوس بالسلوكيات «القهرية» ويمكن أن تكون أفعالًا (التحقق من أن منزلك نظيف تمامًا، على سبيل المثال) أو أفكارًا (مثل تكرار عبارة «تحييدية» بعينها في ذهنك).

(بالمناسبة، التسمية «اضطراب الوسواس القهري» (obsessive-compulsive disorder) نتاج لحل وسط. عندما تُرجِم مصطلح الطب النفسي الألماني Zwangvorstellung — الذي يعني حرفيًّا «الأفكار التي لا يمكن مقاومتها» — إلى اللغة الإنجليزية، اختار البريطانيون كلمة «وساوس»، واختار الأمريكيون «أفكارًا قهرية».)
من المرجَّح أن يُشخَّص الفرد بالوسواس القهري إذا:
  • كانت تراوده أفكار أو رغبات أو صور غير مرغوب فيها وغير ملائمة على نحو دائم.

  • كانت هذه الأفكار أو الرغبات أو الصور مزعجة، وليست مجرد هواجس مُبالغ فيها بشأن مشكلات الحياة الواقعية.

  • كان يحاول تجاهُل الأفكار أو قمعها.

  • كان يدرك أن الأفكار نتاج عقله نفسه.

  • كان ينخرط في أفعال أو أفكار متكررة وطقسية (أي سلوكيات قهرية) لمواجهة وساوسه.

  • كانت السلوكيات القهرية تهدُف إلى تقليل الإزعاج الذي تسبِّبه الوساوس، أو منع حدثٍ مخيفٍ من الحدوث، ولكنها سلوكيات متطرفة وغير واقعية.

  • كان قد أدرك أن الوساوس أو السلوكيات القهرية غير معقولة (غالبًا ما يأتي هذا الإدراك ثم يذهب، بناءً على حالة الشخص الشعورية).

  • كانت الوساوس أو السلوكيات القهرية تسبب إزعاجًا كبيرًا، وتستغرق أكثرَ من ساعة في اليوم، أو لها تأثير كبير على حياة الشخص الطبيعية.

في أكثر أشكاله حدة، يمكن أن يكون لاضطراب الوسواس القهري تأثير مدمر، حيث يستهلك الكثير من وقت الشخص بحيث لا يستطيع الاستمرارَ في ممارسة حياته الطبيعية. فليس من المستغرب أن يقضيَ شخص يعاني مخاوفَ بشأن التلوث، على سبيل المثال، ساعات طويلة في الاغتسال والاستحمام كل يوم. ويمكنك تكوين فكرة عن مدى الخطورة المحتملة لاضطراب الوسواس القهري من حقيقة أن هذا النوع من اضطرابات القلق هو الأكثر تسببًا في دخول المريض إلى المستشفى من بين اضطرابات القلق الأخرى.

في بعض الأحيان يكون هناك علاقة منطقية بين السلوك القهري والوسواس (مثل الاغتسال باستمرار نتيجةً للخوف من الإصابة بمرض). ولكن في حالات أخرى، لا يوجد سبب واضح ومفهوم (فعلى سبيل المثال، قد يمارس الشخص طقوس عَد لمنع تعرُّض أحبائه للأذى). ويعاني الغالبية العظمى من الأشخاص الذين لديهم وساوسُ، سلوكياتٍ قهريةً أيضًا، ولكن يمكن أن يحدث كلٌّ منها بشكل مستقل.

يُعدُّ اضطراب الوسواس القهري فئةً متباينة ومتنوعة إلى حدٍّ ما؛ إذ يشمل مجموعةً واسعة جدًّا من المخاوف والأعراض. وفي محاولةٍ لتوضيح هذا التنوع، حدَّد العلماء خمسة «أبعاد» للاضطراب:

الوسواس السلوك القهري
الإيذاء، أو الفشل في منع الأذى التحقق، السعي إلى الطمأنينة
التناسق التنظيم والعَد
التلوث الاغتسال والتنظيف
الجنس، العنف، الدِّين سلوكيات متنوعة
الاكتناز (الحصول على أشياء تبدو للآخرين منعدمة أو قليلة القيمة والاحتفاظ بها) الجَمع

ومع هذا الجهد المبذول للتنظيم، ما زال الجدل حول ما يجب أن يصنَّف على أنه حالة اضطراب وسواس قهري قائمًا. على سبيل المثال، يرى بعض الخبراء أن الاكتناز هو شكل مميز من أشكال المرض في حد ذاته. ويرى البعض الآخر أن بعض الوساوس الدينية لا ينبغي اعتبارها نوعًا من اضطراب الوسواس القهري وإنما على أنها «اضطراب القلق الديني».

(٢) ما مدى شيوع اضطراب الوسواس القهري؟

كما رأينا، فالأفكار الدخيلة طبيعية، حيث يمر بها قرابة ٨٠٪ من الأشخاص من وقت لآخر. تشير التقديرات إلى أن الشخص العادي لديه حوالي ٤٠٠٠ فكرة كل يوم، معظمها يستمر حوالي خمس ثوانٍ. حوالي ١٣٪ من هذه الأفكار (أي حوالي ٥٠٠ فكرة) تظهر في أذهاننا بشكل عفوي.

ما يقرُب من ٢ إلى ٣٪ من الناس يصابون بالوسواس القهري في مرحلةٍ ما من حياتهم. قدَّر المسح القومي الأمريكي المكرَّر للاعتلال المشترك الحديث أن ١٫٢٪ ممن خضعوا للدراسة قد عانوا الوسواسَ القهري خلال الاثني عشر شهرًا السابقة، وأن ٢٫٣٪ منهم عانوه في مرحلةٍ ما من حياتهم. كانت أكثر أشكال المرض شيوعًا هي التحقق من الأشياء والاكتناز والتنظيم. في المتوسط، استهلكت الوساوس ٥٫٩ ساعات في اليوم، واستهلكت السلوكيات القهرية ٤٫٦ ساعات. نظرًا لمقدار الوقت الذي يستهلكه الوسواس القهري، فمن غير المستغرب أن ما يقرُب من ثلثي مَن عانوا المرضَ في العام السابق ذكروا أنه قد أثَّر بشدة على حياتهم اليومية.

كما رأينا، يبدو أن العديد من اضطرابات القلق منتشرة بين النساء أكثر من الرجال. ولكن في حالة اضطراب الوسواس القهري، فالصورة أقلُّ وضوحًا؛ إذ أفاد المسح القومي الأمريكي المكرَّر للاعتلال المشترك أن النساء معرَّضات لخطر الإصابة بنسبةٍ أكبر بكثير من الرجال، ومع ذلك لم تَجِد دراسات أخرى فروقًا بين الجنسين.

يمكن أن يتطور الوسواس القهري في أي عمر، ولكن غالبًا ما يحدث أثناء المراهقة المتأخرة أو بداية مرحلة البلوغ (وفقًا للمسح القومي الأمريكي المكرَّر للاعتلال المشترك، كان متوسط العمر لبداية ظهور الاضطراب ١٩٫٥ سنة).

(٣) ما الذي يسبب اضطراب الوسواس القهري؟

(٣-١) اضطراب الوسواس القهري من منظور نفسي

حتى سبعينيات القرن الماضي، كان معظم المتخصصين في الصحة النفسية ينظرون إلى اضطراب الوسواس القهري من خلال عدسة التحليل النفسي، التي نظرت إلى الوساوس على أنها ظهور مفاجئ لرغبات عميقة، وغريزية، جنسية بالأساس، وإلى السلوكيات القهرية على أنها محاولات للسيطرة على هذه الرغبات. وكان يُنظر إلى إقناع الشخص المصاب بالوسواس القهري بالتخلي عن سلوكياته القهرية على أنه وسيلة مؤكَّدة لدفعه إلى الذُّهان (المصطلح التقني للجنون).

بدأ هذا الإجماع يتغير مع العمل الرائد للعلماء المؤيدين لعلم النفس السلوكي أمثال ستانلي راتشمان. جادل السلوكيون بأن الوساوس تنشأ من القلق المشروط. على سبيل المثال، قد يصبح الشخص الذي يتعلم الخوف من التلوث قلِقًا عند رؤية الملوثات أو عند مجرد التفكير فيها. ولكن عندما يغتسل، سرعان ما يهدأ قلقُه. ولأن الاغتسال يجعله يشعر بتحسُّن كبير، سيفعله مرةً أخرى في المرة التالية التي يشعر فيها بالقلق (وهذا مثال على التعزيز الإيجابي).

لكنَّ راتشمان وزملاءه أوضحوا أنه ليس من الضروري استخدام السلوكيات القهرية لتقليل القلق الناجم عن الوساوس. يتعلم المرضى فيما يعرف بعلاج «التعرض ومنع الاستجابة» الامتناعَ عن الاستجابة القهرية. وما اكتشفوه هو أن قلقهم يقلُّ من تلقاء نفسه. ومن ثَم، تُكْسَر الحلقة المدمِّرة للوسواس والسلوكيات القهرية، وعادةً ما يتبع ذلك تحسُّن دائم في أعراض الوسواس القهري.

بُنيت النظريات المعرفية للوسواس القهري على أفكار المناهج السلوكية. صاغ بول سالكوفسكيس النموذج الرئيسي، وهو يجادل بأن ما يميز الشخص المصاب باضطراب الوسواس القهري ليس الرغبات المزعجة والدخيلة — كما رأينا، يمر الجميع تقريبًا بهذه الرغبات — ولكن بالأحرى الطريقةُ التي يفسِّر بها مثل هذه الرغبات.

وفقًا لسالكوفسكيس، يكمُن في جوهر هذا التفسير فكرةُ أن الشخص «قد يكون، أو ربما كان، أو قد يصبح مسئولًا عن الأذى أو عن منعه» (إما أذى نفسه أو الآخرين). لذا، قد يعتقد الشخص المصاب بالوسواس القهري أنه إذا لم يغتسل أو ينظِّف منزله باستمرار، فسيصاب هو أو أحباؤه بمرض مميت. قد يعتقد الشخص الذي يعاني أفكارًا عنيفة أن مثل هذه الأفكار تُثبِت أنه يشكل خطرًا على الآخرين. وقد يخشى الفرد الذي يتخيل صورةَ منزله وهو يحترق من حدوث هذا ما لم يتحقَّق مرارًا وتكرارًا من أنه قد أطفأ الأجهزة الكهربائية. يجادل سالكوفسكيس بأن مشاعرَ المسئولية هذه ناتجة بشكل عام عن تجارب الحياة المبكرة، مثل التوجهات التي اتبعها الأبوان في تنشئتنا.

من المفهوم أن مثل هذه المشاعر يمكن أن تسبب قلقًا كبيرًا. يحاول الشخص المصاب بالوسواس القهري تحريرَ نفسه من هذا القلق (ومنع الكارثة التي يخشاها) من خلال سلوكياته القهرية. لسوء الحظ، فعلى الرغم من أن السلوكيات القهرية قد تسبِّب الراحة على المدى القصير، فإنها على المدى الطويل لا تؤدي إلا إلى استمرارية القلق بل وزيادته فعلًا. يرجع هذا إلى عدة أسباب:
  • السلوكيات القهرية تجذب انتباه الشخص إلى التفكير الوسواسي، مما يجعله أكثرَ عرضة للتكرار.

  • السلوكيات القهرية هي شكل من أشكال سلوكيات السلامة. وكما رأينا، تمنعنا سلوكيات السلامة من اكتشاف أن قلقنا مُبالغ فيه؛ فالشخص الذي يتجنَّب الاتصال الجسدي مع الآخرين لأنه يخاف من التلوث لا يمكنه معرفة أنه لا يمكن الإصابة بمرض من خلال المصافحة.

  • تنطوي السلوكيات القهرية في كثير من الأحيان على أهدافٍ غير واقعية. فبغض النظر عن الاحتياطات التي نتخذها، لا يمكننا أبدًا التأكد من عدم وقوع حادث. فمهما قضينا وقتًا في الاغتسال والتنظيف، فمن المؤكد أننا لن نصل إلى النظافة المطلقة. والرغبة في اليقين التام تجعل الشخص المصاب بالوسواس القهري يشعر بأنه يمكنه دائمًا فعلُ المزيد، مما يؤدي إلى تأجيج قلقه.

  • تؤدي العديد من السلوكيات القهرية إلى نتائجَ عكسية وهي مضرة بطبيعتها. على سبيل المثال، غالبًا ما يحاول الأشخاص المصابون بالوسواس القهري كبْت وساوسهم. ولكن محاولة عدم التفكير في شيء يمكن أن تزيد من احتمالية تفكيرك فيه، لا أن تقلِّلها. (يمكنك تجربة ذلك مثلًا: حاول ألا تفكر في الدببة البيضاء.) ويوجد دليل على أن الأشخاص المصابين بالوسواس القهري أقلُّ قدرة على كبْت الأفكار من غيرهم.

  • الفحص المتكرر للأشياء سمةٌ شائعة لاضطراب الوسواس القهري. ومع ذلك، فالفحص لا يؤدي إلى اليقين؛ بل في الواقع، كلما زاد فحص الشخص لشيءٍ ما (حتى لو لم يكن يعاني مشكلات نفسية)، كلما قلَّت ثقته. وهذا لأن الفحص المتكرر يقلِّل من قوة ذاكرتنا، ولكن ليس دقتها. ولأن الذاكرة تبدو أضعفَ، فإننا لا نثق بها، ومن ثَم نتحقق منها مرة أخرى وهكذا.

يُعلِّم العلاج السلوكي المعرفي الذي طوَّره سالكوفسكيس وزملاؤه الشخصَ المصاب بالوسواس القهري تغييرَ الطريقة التي يفسِّر بها أفكارَه الاندفاعية — واعتبارها أفكارًا طبيعية لا تنطوي على تبِعات، بدلًا من كونها رسائل مهلِكة تذكِّرك بمسئوليتك الشخصية — والتخلي عن السلوكيات القهرية التي تغذي قلقه.

(٣-٢) المنظور البيولوجي

من الناحية العصبية، يختلف الوسواس القهري عن اضطرابات القلق الأخرى. يُعتقد أن الأخيرة، كما رأينا في الفصل الثاني، تنطوي على مشكلات في اللوزة الدماغية، والفصين الجبهيين، و/أو الحُصين. من ناحية أخرى، يبدو أن الوسواس القهري يتميز بخلل وظيفي في دائرةٍ تضم القشرة الأمامية الحجاجية والقشرة الحزامية الأمامية والجسم المخطَّط والمهاد.

(بالمناسبة، يُعتقد أن سلوك الاكتناز تشترك فيه مناطقُ مختلفة من الدماغ، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل بعض العلماء يشعرون أنه لا ينبغي تصنيفه على أنه شكل من أشكال الوسواس القهري. في الواقع، يقترح البحث الذي قاده ديفيد ماتاي-كولز أن سلوكيات الاغتسال والفحص والاكتناز تتطلب أنظمةً عصبية مختلفة ولكنها متداخلة جزئيًّا.)

في حالات الوسواس القهري الشديدة بشكل خاص، أي الحالات التي لا تستجيب للعلاج النفسي ولا للأدوية، يمكن إجراء جراحة. (الوسواس القهري هو اضطراب القلق الوحيد الذي يُعالج بجراحة المخ والأعصاب). تهدُف العملية، التي يُطلق عليها بَضْع التلفيف الحزامي الثنائي الجانب، إلى كسرِ الدائرة العصبية للوسواس القهري الموجودة في القشرة الحزامية الأمامية. يُعَد معدَّل النجاح معتدلًا؛ إذ وجدت دراسة أُجريت على ٤٤ مريضًا ممن أُجريت لهم العملية الجراحية في مستشفى ماساتشوستس العام منذ عام ١٩٨٩ أن ٣٢٪ تحسَّنوا بشكل ملحوظ، و١٤٪ آخرين شعروا بفائدة جزئية. خضع بعض هؤلاء المرضى لأكثر من جراحة بَضْع التلفيف الحزامي الثنائي الجانب.

يبدو أن الوسواس القهري يسري في العائلات، ولكن ليس بدرجة كبيرة. يزيد وجود قريب من الدرجة الأولى مصاب بالوسواس القهري من مخاطر إصابتك بالاضطراب من حوالي ٣٪ إلى ٧٪. ومن المعتقد أن قابلية انتقال الاضطراب وراثيًّا ضئيلة. تُعَد الدراسات المجراة على التوائم بخصوص اضطراب الوسواس القهري نادرة، ولكن بعضها وجد أنه ليس ثمة دليل على قابلية انتقاله وراثيًّا. من ناحية أخرى، قدَّرت دراسةٌ أجريت على توءمين يعانيان أعراضًا تشبه الوسواس القهري قابليةَ انتقاله وراثيًّا بنسبة ٣٦٪.

(٣-٣) المنظور البيئي

نظرًا لأن الجينات تلعب دورًا محدودًا نسبيًّا في اضطراب الوسواس القهري، فإننا نضطر إلى توجيه أنظارنا إلى العوامل البيئية.

كان الوسواس القهري مُقرَن بالأحداث الصادمة في الطفولة (خاصة الإساءة الجنسية)؛ وبالوضع الاجتماعي الاقتصادي المتدني نسبيًّا؛ وبأسلوب التنشئة العنيف أو المهمل. ومع ذلك، فهذا النوع من التجارب أيضًا يجعل الشخص عرضةً للإصابة باضطرابات القلق بشكل عام، وبالاكتئاب بشكل خاص، وبمشكلات إدمان الكحول والمخدِّرات، وبمجموعة واسعة من المشكلات النفسية. ويستمر البحث عن التأثيرات البيئية المرتبطة بالوسواس القهري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤